السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السادة الكرام في موقع مجانين، لا شك أنكم تلقيتم العديد مثل مشكلتي هذه، لكن من الطبيعي أن أراها مختلفة لأنها مشكلتي أنا. عمري 24 سنة، أحب فتاة رأيتها قبل 8 أعوام إلا شهر ونصف (وهي في مثل سني) وقد أحببتها من أول نظرة فعلاً، أي أنني من أول لحظة رأيتها شعرت بشعور جميل جداً ومريح جداً واشتياق دائم لها حتى وأنا أراها.
الآن أقدم لكم بعض المعلومات المشجعة عني، أنا لم أكن يوماً طالباً متفوقاً يعني بالكاد وسط، والثانوية أنهيتها بصعوبة، وفشلت في الاستمرار للدراسة الجامعية مرتين.
كذلك أنا من الوزن الثقيل ثلاثي الخانة، ومنغلق وغير اجتماعي بالمرة، لا توجد لي مواهب معينة من أي نوع، لم أبادر يوماً ما ولم أبرز في أي مجال رغم محاولات كثيرة مني، ولم أعمل تقريبا ولا مرة في حياتي.
الآن نعود للموضوع الرئيسي وهو أنني أعشق هذه الفتاة بجنون لا يوصف، لا أتخيل نفسي بدونها، وكي لا أطيل الحديث عليكم يستحيل أن أفكر بغيرها، ولم أحب يوما غيرها، ولن أفعل بأي حال من الأحوال.
لقد حاولت مرات عديدة أن أبوح لها بحبي، لكن لأنني جبان لم أبادر ولا مرة في حياتي، ولم أجرؤ ولا مرة على هذا... وعندما شارفنا على إنهاء الثانوية كتبت لها أسخف رسالة ممكن أن يكتبها شخص لفتاة يحبها، حتى لم أجرؤ على قول "أحبك" لها في الرسالة، وإنما قلت لها أنني أرغب في محادثتها بموضوع هام جداً، وطلبت منها اللقاء في المدرسة! طبعا تفكرون الآن "كم هذا الشخص غبي وفاشل وسخيف" وهذه هي الحقيقة تماماً.
الآن بما أن الفتاة مهذبة جداً وجدية للغاية قاطعتني ولم تتكلم معي بالمرة من يومها، وحاولت بعدها خلال الأعوام الماضية في مناسبات مختلفة أن اشرح لها أو أن أتكلم معها لكن دون جدوى، فهي حتى لم تتح لي الفرصة أن أكلمها ولو كلمة واحدة، والحدث السعيد _كما تتوقعون_ هو أنها ارتبطت وأنهت دراستها الجامعية وتزوجت قبل عامين تقريباً، وهي حامل الآن إن لم تكن أنجبت.
أراها بلمحات خاطفة مرة أو مرتين كل عدة شهور مع أننا نسكن في نفس المدينة، لكن لا أراها إلا نادراً فلا توجد قرابة بيننا، كما أنها لا تغادر البيت تقريباً إلا للعمل ولا أعرف أين تعمل أو بماذا، ولا أجرؤ على سؤال أي شخص عنها، فأنا لا أتكلم مع أي شخص بهذا الموضوع، أهلي فقط يعرفون لكن لأنهم لم يؤيدوني فأنا لا أتكلم معهم بهذا الموضوع، ومن الخارج طبعاً لا يمكنني الكلام مع أحد حفاظاً على سرية الأمر كما أن مجرد حديثي عنها يكشفني على الفور لأنني عندما أتكلم عنهاأنفعل ويظهر حبي لها جلياً، فأنا أرتجف من مجرد ذكر اسمها.
لم أكن يوماً متديناً محافظاً، لكنني كنت أحافظ على الصلاة قدر الإمكان وكنت مؤمناً بشدة... أما الآن فأنا في ابتعاد تام عن الجميع (لا دراسة ولا عمل ولا علاقة مع أحد) كما أن إيماني تزعزع تماماً، ولا أصلي ولا أصوم ولا أفعل أي شيء إيجابي على الإطلاق، ومنغلق في غرفتي طيلة الوقت فريسة لعادات سيئة أدمنتها لكم أن تتخيلوها.
فكرت بالحل الشهير وهو الانتحار، لكنه لا يبدو حلَّا مثالياً لأنه يؤدي للجحيم، وأنا كشخص جبان أخشى الذهاب لهناك.
حاولت أن أدرس كثيراً لكن مخي مغلق وإمكانياتي العقلية محدودة كما أن ذاكرتي أصبحت ضعيفة جداً مع الوقت وأعاني من مشكلة رهيبة في التركيز في أي شيء على الإطلاق.
وهنالك معلومة إضافية هي أن الناس (خارج الأسرة) يعرفون أنني أنهيت التعليم بسبب كذبي عليهم، وهذا الكذب مؤشر آخر على كم أنني فاشل وشخصيتي ضعيفة جداً، وبالتالي لا يمكنني حتى أن أعمل بعمل بسيط لأنني لو فعلت ففي النهاية سينكشف كذبي ويستحيل أن أصرح بأنني كذبت ولا يمكنني مواجهة هذا، ناهيك عن حالة الإحباط واليأس التي أنا فيها.
رجاااااااااااءً لا تقولوا لي أن أفكر بغيرها أو أي حل بعيداً عنها لأنني أعشقها بجنون لا يتصوره أحد، ولا أريد أصلاً أن أفكر بغيرها، فأنا أحبها هي فقط، فهي قمة في الأخلاق وجميلة جداً، ولا أتوقف عن التفكير بها للحظة واحدة.
أرجوكم أن تجيبوا على مشكلتي فانا أعاني معاناة فظيعة ووضعي يتدهور أكثر فأكثر ولا شك أنني لم انتحر فسأموت في نوبة قلبية أو دماغية من كثرة الانفعالات العنيفة التي أمر بها. وأخشى أن أموت قبل أن أقول لها أحبك.
لا أريد أن أذهب لطبيب نفسي فأنا لا أثق بأحد ولست مستعداً لكشف هذا الأمر الشخصي لأحد.... أرجوكم أرجوكم ساعدوني.
لقد صليت كثيراً لله ودعوته أن ينير لي الطريق، لكنني أشعر أن الله تخلى عني... أرجو أن تساعدوني، وألف ألف ألف شكر لكم.
ملاحظات
الرجاء الاهتمام بمشكلتي قبل أن أصاب بالجنون... شكراً جزيلاً لكم.
24/8/2020
رد المستشار
الابن العزيز، أهلا وسهلا بك على مجانين.
إفادتك هذه تعتبرُ مثاليةً من عدة وجوه في الحقيقة منها:
أولاً: كيف تختلف نظرة المريض في حالة اضطرابه النفسي (أسبابًا وأعراضًا وجوهراً) عن رؤية الطبيب النفساني للحالة، وأهمية التفاهم حول هذه النقطة مهمة في العلاج، فبينما أرى أنا كطبيب نفساني أنك تعاني من حالة اكتئابٍ جسيم وصلت بك إلى حد التفكير في الانتحار، وأن أسباب ذلك راجعة لا إلى فشل الحب الأول، بل إلى سماتٍ أقدم في تركيبتك النفسية واستعدادك البنيوي هي الجوهر الذي ينبغي إزالة ما عليه من تراكمات ضارة، كما أرى أن كثيراً مما تعاني منه من أعراض عدم القدرة على التركيز وضعف الذاكرة والكسل والتقاعس والانطوائية ...إلخ، هو بسبب الاكتئاب، بينما أرى أنا ذلك ترى أنت حالتك هي حالة عاشق مخلص في عشقه وقد حرمَ من حبيبته التي تزوجت وهو على غير استعداد للكف عن حبها والتعلق بها، ولا يسمح بأن يطلب منه أحد أن يفكر في غيرها، وبما أن الأمر حبٌّ فشلت فيه فما فائدة الطبيب النفساني؟ هل سيعيد لي حبيبتي مثلاً؟ لابد إذن في علاج حالة كحالتك من أن يدور حوارٌ بينك وبين معالجك حول كل ذلك لكي تفهم الأمور على الوجهة التي ينبغي أن تُفهم عليها لتكونَ أقرب ما يكون إلى الواقع.
وثانياً: تعتبرُ إفادتك مثالية في بيانها لكيفية فقدان الشعور بالعلاقة بين العبد المكتئب وربه _سبحانه وتعالى_، وكيف نرى الاكتئاب الجسيم: عندما يسلب الإيمان بالتدريج، كما نرى كيف أن الاكتئاب الجسيم يسلبُ الإيمان ويفتح للشيطان، فأنت تقول في إفادتك "لم أكن يوماً متديناً محافظاً لكنني كنت أحافظ على الصلاة قدر الإمكان، وكنت مؤمنا بشدة.... أما الآن فأنا في ابتعاد تام عن الجميع (لا دراسة ولا عمل ولا علاقة مع أحد) كما أن إيماني تزعزع تماماً ولا أصلي ولا أصوم ولا أفعل أي شيء إيجابي على الإطلاق"، وتبين أن المتدين المحافظ مختلف عن المؤمن، ثم تبينُ كيف أن الذي يسلبُ هو الإيمان نفسه وليس مجرد أداء العبادات، كما تقول بعد ذلك معبراً عن شدة الأزمة وزلزلة العقيدة في نفسك "لقد صليت كثيراً لله ودعوته أن ينير لي الطريق، لكنني أشعر أن الله تخلى عني" أستغفر الله العظيم من كل ذنبٍ عظيم، إن الله لا يتخلى عن خلقه يا بني فاستغفره سبحانه، وإنما الإنسان هو الذي يهمل نفسه، ولا أستطيع أن أتهمك بأنك أهملت نفسك واعياً لا سمح الله، لأنك مكتئب يا بني.
وثالثاً: تعتبر إفادتك مثالية في بيان كيف أن الاكتئاب يسلب الإنسان ثقته بنفسه ويحط من قدره كشخص في عينيه هو، ومن هنا لا أستطيع اعتبار آرائك في نفسك آراءً موضوعية عندما تقول "الآن أقدم لكم بعض المعلومات المشجعة عني.... أنا لم أكن يوماً طالباً متفوقاً يعني بالكاد وسط، الثانوية أنهيتها بصعوبة، وفشلت في الاستمرار للدراسة الجامعية مرتين" وتتابع "كذلك أنا من الوزن الثقيل ثلاثي الخانة، منغلق وغير اجتماعي بالمرة، لا توجد لي مواهب معينة من أي نوع، لم أبادر يوماً ما ولم أبرز في أي مجال رغم محاولات كثيرة مني، ولم أعمل تقريباً ولا مرة في حياتي" فأنا لا أستطيع أن أعتبر ذلك التقرير منك عن نفسك تقريراً موضوعياً لأنك تلبس نظارة الاكتئاب السوداء وتنظر إلى كل شيء بما في ذلك نفسك.... صحيحٌ أن هناكَ فشلاً واقعاً واضحاً في عالم الأشياء، لكنه ليس نهائياً ولا أكيد الاستمرار إن شاء الله، خاصةً وأن عدم قدرتك الحالية على المثابرة وشعورك بعجزك عن التفكير وتقييد قدراتك المعرفية، والتي تظهر في قولك "حاولت أن أدرس كثيراً لكن مخي مغلق وإمكانياتي العقلية محدودة، كما أن ذاكرتي أصبحت ضعيفة جداً مع الوقت، وأعاني من مشكلة رهيبة في التركيز في أي شيء على الإطلاق" غالبا سيكونُ مردها إلى الاكتئاب المزمن الذي تعيشه، والذي قد يكونُ "اكتئابا مضاعفا Double Depression" أي "عسر مزاج Dysthymia"... المهم هو أن فكرتك عن نفسك وما تقوله لنفسك عنها في منتهى السوء والظلم، وأنصحك هنا بقراءة ما يلي من روابط عن الاكتئاب وعسر المزاج، وعن الانطواء وعلاقة الاكتئاب بالإيمان، والتفكير في الانتحار، وكذلك عن أهمية علاج الاكتئاب، وعن العلاج المعرفي، فقم بنقر الروابط التالية وتتبعها من على الموقع:
الاكتئاب الجسيم عندما يسلبُ الإيمان
المكافحة الشخصية للاكتئاب كثيرا ما تخدع
فقدان الطعم والمعنى: جوهر الاكتئاب
ليس بالعقار وحده يشفى المريض
وكما ترى فقد قمنا في تلك الإحالات بتغطية عددٍ من النقاط التي لم نرد تكرارها في ردنا عليك لأنها موجودة في ردود سابقة لنا مثل مشكلة زيادة الوزن، ومشكلة العادة السيئة التي أدمنت ممارستها، كذلك بينا لك سبيل الخلاص من الاكتئاب، حتى وإن لم تكن تنوي الحديث مع الطبيب النفسي عن مشكلتك العاطفية وإن كنا لا نحبذ ذلك، لكننا إذا استحال منك البوح فإننا نطلب منك على الأقل أن تزور طبيباً نفسياً ليصف لك عقار علاج الاكتئاب المناسب.
وأما رابعاً يا بني فهو ما تعتبر إفادتك أيضًا مهمة في بيانه والتأكيد عليه وهو أثر الكذب على حياة الإنسان ودوره في إعاقته عن القيام من عثرته في الوقت الذي يصبح فيه قادراً على ذلك إذ تقول "الناس (خارج الأسرة) يعرفون أنني أنهيت التعليم بسبب كذبي عليهم، وهذا الكذب مؤشر آخر على كم أنني فاشل وشخصيتي ضعيفة جدا، وبالتالي لا يمكنني حتى أن أعمل بعمل بسيط لأنني لو فعلت ففي النهاية سينكشف كذبي ويستحيل أن أصرح بأنني كذبت ولا يمكنني مواجهة هذا" وأنا هنا أؤكد لك أن هذه نقطة في غاية الأهمية لأن الكذبة التي كذبتها هي كذبة من النوع الذي يدفع صاحبه إلى ما يمكن تسميته بالكذب المزمن، وأذكرك هنا بحديث سيد الخلق صلى الله عليه وسلم "إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يُكتب عند الله صدِّيقاً، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً" [متفق عليه].
وأنصحك بقراءة الردود التالية:
احذر الكذب والتزوير
أولاً الكذب، وثانياً الكذب وليس.. مشاركة
والنقطة المهمة هنا هي أنك لابد وأن تخبر طبيبك عن تلك الكذبة، حتى إذا اخترت عدم إخباره عن موضوع الفشل في الحب الأول، ذلك أن التخلص من عواقب تلك الكذبة والوصول إلى القدرة على مواجهة الآخرين هو أحد أهم جوانب علاج حالتك، ونحن نعدك بأن نتابع حالتك، فقط قم بالخطوة الأولى والجأ بعد الله إلى أقرب طبيب نفساني.