إيماني يتزعزع وتركت الصلاة
إيماني بالله أصبح يتزعزع فبرجاء الرد علي هذه الأسئلة حتى لا أفقد إيماني بالكامل.
أنا سني 26 سنة، من مواليد القاهرة، من أصل سعودي من قبيلة العرجاني من أصل الأم جدي والد أمي من الأشراف. أنا أخاف ربي وأعبده حق العبادة (صلاة، صوم، زكاة) ولكن أنا الآن أمر بظروف صعبة للغاية، ومن المفروض أنني مسئول مسئولية كاملة عن عائلتي وهم 4 أفراد، وأصبحت مديونياتنا أكثر من 16 ألف، ولدينا منزل أبحث عن بيعه ولكن بدون جدوى حتى أنني رخصت من ثمنه ليسر بيعه ولكن بدون جدوى، وتركت عملي، وتركت أيضاً خطيبتي وأظن أن لا بشر قط يستطيع يتحملها.
وأقول أن فرج ربنا قريب لمدة 6 أشــهر، وأدعو الله بفرج الحال بإخلاص ولكن بدون استجابة، وأصبحت الآن لا أستطيع التحمل لأنني لا أرى أي ضوء للأمل، وأستند في قولي هذا إلي آخر سورة البقرة "لا يكلف الله نفساً إلا وسعها" وأري هذا ما أستطيع تحمله لأنني ليس معي فلوس لتكملة التزامات الحياة.
والآن أسألكم وأسأل نفسي أكثر من سؤال وأريد الإجابة من خارج القرآن وإقناعي بالدليل العقلي.... هل الله موجود؟ ومن هو؟ ولماذا نحن مسلمون؟ هل لأن أباءنا مسلمون (وراثة)؟ وهل إن كنت أنت عمرو خالد مسيحي أو أي ديانة أخرى ولديك موهبة توصيل الرسالة هل كنت تسأل نفسك هذه الأسئلة؟ نحن المسلمون نبرهن رسالتنا وأن ديننا علي حق بواسطة إعجازات القرآن العلمية، فهل رأينا قدرة الله؟ لا أقصد ظهور الشمس والقمر وخلافه، ولكن الذي يعبده يراه أو تظهر كرامات له أو كل ما يطلبه في حدود المعقول يأخذه.
كل من كان بمفرده، فمثلاً كل مدير أو صاحب عمل عندما يتسع نشاطه يظهر بعض الخلل في هيكله التشغيلي من ناحية إدارة وتنظيم وتطوير، فهل الله غير قادر الآن علي إعادة تنظيم هيكله لإدارة الكون؟ إذا كان الله يتوعد الكافرين بعذاب أليم، فلماذا لا نرى هذا العذاب في دنيانا حتى نتعظ من ذلك ونؤمن من قدرة الله؟ فمثلاً في العراق وفلسطين يموت كل يوم من نقول عنهم أبرياء وأنهم مسلمون وأنهم سيدخلون الجنة لأنهم شهداء، فلماذا عدم القصاص الآن؟ هل اليوم عند الله بسنة مثل يوم الحكومة؟ هل توعدنا بدخول الجنة عند زهدنا في الدنيا واستشهادنا؟ أليس هذا غباء لأننا لم نرى أياً من هذا وسمعناه عن طريق بشر مثلنا؟ الأفضل أن نستمتع بدنيتنا جيداً لأنني لا أعرف ما سيحدث غداً كما يقال في الأمثال "عصفورٌ في اليد خيرٌ من 10 على الشجرة"؟ هل كل ما نسمعه عن الرسول والقصص المذكورة في القرآن ما هي إلا مجرد قصص لا أصل لها بدليل أننا من الممكن عمل كتاب قصص أو إصدار بعض الشائعات بشكل قصصي وتوارثها وبعد 1000 سنة وستصبح حقيقة مثل قصص لعنة الفراعنة بأشكالها وقصص أبو زيد وغيرها من القصص الشعبية؟
كل هذه الأسئلة ظهرت أمامي وغيرها لقوله "لا يكلف الله نفساً إلا وسعها" وأرى أن هذا أقىي درجات تحملي بالرغم من أنني مطيع له، ولذلك فأنا الآن تركت الصلاة وباقي العبادات إلي أن أرى برهان ربي، لذلك ربي هل هو رب المسلمين أم غيره؟ برجاء الرد علي هذه الأسئلة أو إقناعي بأن دين الإسلام هو الحق وليس غيره.
4/9/2020
رد المستشار
الأخ الكريم أهلا وسهلا بك، في سطورك الإلكترونية ما يشير إلى يأسٍ وإحباطٍ زائدٍ عن الحد حتى أنه يكاد يودي بك إلى ما لا تحمد عقباه، وأسأل الله أن يهديني إلى توضيح اللبس الذي تعاني منه وإرشادك إلى الطريق الصحيح للخلاص والصلاح والفلاح إن شاء الله.
بدأت المشكلة بضائقة ماليةٍ شديدة الوطأة عليك، خاصةً وأنت مسؤولٌ عن الأسرة، وكان أن طالت تلك الضائقة ولم يتيسر الخروج منها بعد، وبالتدريج يا أخي الكريم تعاظم إحباطك حتى وصلت إلى الاكتئاب، ورحت في غيابة اكتئابك وفقدانك الأمل والثقة تتساءل عن كل ما أنت مؤمن به بما في ذلك رب العباد _جل جلاله_، وليس غريباً على طبيب نفسي أن يجد من يصف نفسه في أول إفادته قائلاً "أنا أخاف ربي وأعبده حق العبادة (صلاة، صوم، زكاة)" وقد سقط في غيابة الاكتئاب حتى يقول في آخر إفادته "ولذلك فأنا الآن تركت الصلاة وباقي العبادات إلى أن أرى برهان ربي، لذلك ربي هل هو رب المسلمين أم غيره؟" أستغفر الله العظيم.
بينا من قبل كذب المفهوم الشائع القائل بأن: المرض النفسي لا يصيب المؤمن القوي كما وصفنا الاكتئاب الجسيم: عندما يسلب الإيمان، وكذلك أشرنا إلى معاناة أحد قممنا الإيمانية من الاكتئاب في إجابة أبو حامد الغزالي يعاني الاكتئاب ونخلص من ذلك كله إلى أن قابلية الكائن البشري للوقوع في براثن الاكتئاب هي قابلية عامةٌ إلا لمن عصم ربي _سبحانه وتعالى_، ولكن أهم ما أودُّ مناقشته معك هو كيف يسلب الاكتئابُ الإيمان؟؟
الحقيقة يا أخي أن جوهر الاكتئاب هو أن تفقد الأفعال طعمها وأن تصبح الأشياء التي تمتعنا بلا طعم ولا معنى، وعندما يكونُ إنسانٌ في هذا الوضع النفسي تصبح قدرته على مقاومة وساوس الشيطان أقل بكثير مما هي في العادة، فإذا بالأسئلة التي تشبه أسئلتك تلك تتزاحم في وعيه، وإذا به يستسلمُ لها، وكثيراً ما يشعرُ بعد فترةٍ من فقدان الشعور بحلاوة العبادات بعدم جدواها، أو بالرغبة في التكاسل عنهاظن وبعضهم (ودون اشتراط وجود أزمات مالية كما في حالتك) يبدأ بالتشكك في غوث الله ورحمته، وبعضهم ينزلق إلى ما انزلقت إليه وأنت تنتظرُ برهانَ ربك بعد أن تركت عماد الدين!!
وأما ما هو لافتٌ للنظر في إفادتك هذه فهو ذلك التضخيم لقيمة أعمالك الدينية فأنت تقول "ولكن الذي يعبده يراه أو تظهر كرامات له أو كل ما يطلبه في حدود المعقول يأخذه؟" من قال ذلك؟ وما هي العبادات أو المراتب العالية في العبادات التي فعلتها أنت وتطلب الكرامات لأجلها؟ هل لأنك من الأشراف مثلاً؟ أم لأسباب لا نعرفها؟ أستغفر الله العظيم، يا أخي لا يجوز أن نمتنًّ على الله بأعمالنا، ولا أحد يرحمه عمله وهذا مفهوم إسلامي معروف.
ثم تقول أيضًا: "لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وأري أن هذا أقصي درجات تحملي بالرغم من أنني مطيع له" أليس المؤمنُ مُعرَّض دائماً للابتلاء من الله؟ ألم يقل سيد الخلق _عليه أفضل الصلاة والسلام_ "عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سرَّاء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضرَّاء صبر فكان خيراً له" صدقَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ثم ما هي أقصى درجات التحمل؟ وأين أنت من نماذج وصنوف ابتلاء المسلمين الصابرين على مر الزمن؟
ولنعد بعد ذلك إلى الكيفية التي يسلب بها الاكتئاب الإيمان (وأنبه هنا إلى أن ليس كل اكتئابٍ يسلبُ الإيمان، وإنما نتكلم عن الاكتئاب الجسيم من النوع الشديد الشدة Major Depression, Severe، بل إن الإيمان بربٍّ عادل رحيم رحمان يفيد في علاج الاكتئاب الجسيم خفيف أو متوسط الشدة)، فعندما تصبح النظرة سوداوية لكل شيء، والمشاعر مستاءةٌ من كل شيء، والأفعال بلا أي رد فعل إيجابي يفقد الإنسان بالتدريج أهم ما يربطه بالحياة على الأرض فتقل قيمة النفس في نظره ويقل إيمانه بربه، ويبدأ بالتكاسل عن العبادات وربما (خاصةً إن كان ذا شخصية تتسم بالتحدي والثورة مثلما أخمن أنك) ترك الصلاة لا تكاسلاً وإنما شكاً في قيمتها وثورةً على غياب رد الدعاء الذي ينتظره، وعندما يحدثُ كل ذلك في زمن انحطاط الأمة (الأخير بإذن الله) والذي تداعت علينا فيه الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، تذكرني تساؤلاتك عن شهدائنا في العراق وفلسطين والشيشان وأفغانستان وباكستان وسوريا وليبيا بقلة من من أعلنوا ارتدادهم عن الإسلام في بعض البلدان الغربية عندما لم ينتصر أسامة بن لادن، والله هو المغيث من حال أمة كهذا الحال.
وأنت تقول أيضًا "وأصبحت الآن لا أستطيع التحمل لأنني لا أرى أي ضوء للأمل، وأستند في قولي هذا إلى آخر سورة البقرة "لا يكلف الله نفساً إلا وسعها" وأرى هذا ما أستطيع تحمله لأنني ليس معي فلوس لتكملة التزامات الحياة" وفي هذا تلميح مستترٌ إلى فقدان الأمل في رحمة الله، وأخاف عليك من الأفكار الانتحارية يا أخي.
مكتئبٌ أنت وفي قمة الاكتئاب، وقد أصبحت صيداً سهلاً لوساوس الشيطان فرحت تجتر الأفكار التشكيكية والكفرية، لكن رحمة ربك وسعت كل شيء، فاستغفر الله واتبع نصيحتي بأن تسرع بعرض نفسك على أقرب الأطباء النفسانيين لأنك تحتاج إلى علاج عقاري للاكتئاب وربما أحد خيارات علاج الاكتئاب الأخرى، وأتمنى أن تتابعنا بعد أن ينعم الله عليك بالتحسن، وأعد علينا ما لم نجبك عليه الآن من أسئلة إن كنت تحس بأنها ما تزال تدور في رأسك رغم انقشاع الاكتئاب واستعادتك لقدرتك على دحر الشيطان الرجيم قريباً بإذن الله... فقط لا تبخل علينا بالمتابعة.