وسواس قهري
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... أولاً أود أن أشكركم على هذا الموقع الرائع والمفيد _وفقكم الله_، وأعتذر كل الاعتذار لطول رسالتي ولكنني كتبت جميع ما يجول ببالي لعلكم تساعدونني.
مشكلتي بدأت حينما أخبرني شخص ما (ليس أخصائي نفسي، إنما شخص مرَّت عليه الكثير من حالات الوسواس القهري بحكم مهنته) أنني أعاني من وسواس قهري بسبب كثرة أسئلتي حول موضوع معين والتي لا تنتهي، وفعلاً حينما بحثت بموضوع الوسواس القهري رأيت بعض الأعراض تنطبق عليَّ، وهكذا بدأت مشكلتي حينما تعمقت في الأمر، وانزرعت ببالي فكرة "أن كل فكرة سلبية ممكن أن تتحول لوسواس قهري لديَّ" فصرت أفسر كل موضوع أتعمق فيه كوسواس قهري، وأصبحت أستنتج وأطابق الأعراض، يعني إن تعمقت وبحثت بموضوع سلبي ما واحتل جزء ولو صغير من حياتي أُفَسِّر الأمر كوسواس قهري، فمثلاً إذا عانيت من الخوف من الامتحانات أصبح أفسر الأمر بأنني أعاني من وسواس قهري، ويكبر الموضوع بشدة بسبب هذا التفسير لدرجة أنه أقوم أحياناً بالتفكير بفكرة معينة وأعتبرها وسواس قهري، مثلاً فكرة "أنني لن أنجح بالامتحان المقبل" رغم أنني نجحت في ذلك الامتحان، وإذا عانيت من الأرق حينها أفسر الأمر كأنه وسواس قهري.
وأنا دائماً أقوم بطرح العديد من الأسئلة حول الموضوع الذي يشغل تفكيري، وأتصرف وكأن الأمر غصباً، وأفسر كل أفكاري وتصرفاتي على أنها وسواس قهري، وأشعر أنني مجبرة على التفكير بشكل وسواسي فقط لأنني اقتنعت بأن لدي وسواس قهري.
ومثلاً قبل عدة أيام شاهدت فيديو لشخص يشرح عن الوسواس القهري فقال جملة ما بما معناه "أن كثير من الأشخاص الذين يذهبون للعلاج لديه يخبرونه بأنهم قبل أن يتعمقوا بموضوع الوسواس لم يكونوا يهتمون به في السابق، لذلك المشكلة عند الأشخاص الموسوسين أنهم يهتمون بالأفكار التي لا يجب الاهتمام بها" لذلك أصبحت أفكر بالأمر أكثر وخفت من فكرة أن كل فكرة معينة مثلاً حول الخوف من الموت أو الجن أو الأرق وكل هذه الامور من الممكن أن تتحول لديَّ لوسواس قهري، وأصبحت أفكر بالأمر وأفسر تصرفاتي وأفكاري وفق هذه القناعة السخيفة.
وحرفياً هذه هي المشكلة بالضبط أنني أفكر بشكل وسواسي لاإرادي فقط لأنني اقتنعت بأن لديَّ وسواس قهري، رغم أنني أعلم أن التشخيص لم يكن دقيقاً، ولكنني رأيت الأعراض مطابقة لي بشكل كبير، وأعترف أنه تأتيني أحياناً افكار غريبة ولكن ليس لدرجة أن تكون وسواساً قهرياً، ولكن بنفس الوقت إن طرحت عليك مثلاً مخاوفي ووساوسي حول الموضوع الذي يشغل تفكيري ربما ستشخصني على أنني مصابة بوسواس قهري، ولكنني فعلاً أشعر أن كل هذا بسبب قناعتي بتلك الفكرة.
والأمر الذي أخافني أكثر ودعم هذه الفكرة هو حقيقة أن من الممكن للشخص المصاب بالوسواس القهري أن يصاب بأكثر من نوع وسواس قهري خلال فترة حياته، وتكون عادة الوساوس حسب اهتمامات الشخص، يعني إن كان الشخص يهتم بالدين فغالباً سيأتيه وسواس يتعلق بالدين، وهكذا.. ولأكون دقيقة أكثر فقد خطرت لي قبل سنتين تقريباً فكرة أنني شاذة جنسيا _حاشا لله_، وكان ذلك بعد أن تعمقت بموضوع الشذوذ الجنسي وعلاقته بالدين، فقرأت في موقعكم عن الوسواس القهري المتعلق بالشذوذ الجنسي ورأيت جميع الأعراض والأفكار تنطبق عليَّ، ولكنني حينها قبل سنتين لم أكن أهتم بالأمر بتاتاً (بموضوع الوسواس القهري)، فتجاهلت تلك الفكرة ولم أُلقِ لها أي بال، ولم تستمر معي لأكثر من أسبوع وذهبت فعلاً، وأتوقع أن ذلك لأنني لم أكن حينها مقتنعة بأن لدي وسواساً قهرياً، أما الآن في هذه السنة فإن مواضيعاً بسيطة مثلما ذكرت كالخوف من الفشل في الامتحان أصبحت أفكر بها أكثر من السابق بكثير.
والآن في هذا الوقت: مثلاً أنا أمتاز بشخصية تحليلية وأحب تحليل الأمور كثيراً، ففي موضوع الرياضيات أقوم بتحليل كل مادة تعلمتها، وأحب أن أفهمها من جميع نواحيها، ولكن هذا الأمر يتعبني أحياناً، فخطرت ببالي قبل عدة أيام "أنني أعاني من وسواس قهري يتعلق بكثرة الأسئلة، وإن استمررت بطرح الأسئلة بهذا الشكل فلن أنجح في الامتحان التوجيهي وسيؤثر ذلك على قدرتي على اجتيازه".
يعني لتلخيص ما ذكرت: لو أن هذا الشخص لم يخبرني بأن لدي وسواس قهري لما انغمست في العديد والعديد من المواضيع المعقدة وفسرتها على أنها وسواساً قهرياً، ولمرَّت مرور الكرام كأي موضوع عادي احتل تفكيري في السابق (طبعاً عدا الموضوع اللذي ذكرته في مقدمة سؤالي، أي علمي بأنه كان وسواساً قهرياً جعلني أؤجل أسئلتي إلى حين ذهابي لطبيب نفسي، وساعدني الأمر كثيراً).
الأمر الذي جعلني أكتب هذه الرسالة وأفكر بالموضوع من هذه الناحية هو أنني لفترة معينة كنت أَمُرُّ فيها بنوبة وسواس حول موضوع معين (وفق تفسيري)، وأقنعت نفسي بأنني لا أعاني من وسواس قهري لأن الأعراض غير دقيقة، وحينها شعرت بكمية راحة رهيبة وذهبت عني كل الأفكار التي كانت تزعجني.
وللأسف أود أن أذكر في النهاية أنني بطبيعتي إنسانة أتأثر كثيراً برأي الاشخاص المحيطين بي، وأحلل الأمور كثيراً، يعني إن كان هنالك قضية معينة وسمعت رأي شخص ما فإن رأيي يتأثر به وأغيره حسبه، لذلك أشعر بأن هذا الأمر له علاقة جداً كبيرة بما يحصل معي، لا أعرف كيف أشرح الأمر ولكن مثلاً إن كنت في امتحان مُعَيَّن وأخبرني طالب ما أن هذا السؤال صعب فحينها أتأثر منه وأقتنع بأن هذا السؤال صعب، وربما لا أقوم بحله رغم أنه بإمكاني ذلك، أي أقصد أن اقتناعي بفكرة أن لديَّ وسواس قهري هي ما سببت لي كل هذه المشاكل، وبِتُّ أشعر بأن لدي وسواس قهري حول مرض الوسواس القهري.
كيف يمكنني حل مشكلتي من جذورها بارك الله فيكم؟...
وأعلم أن الحل الوحيد الصحيح هو الذهاب لطبيب نفسي لتشخيص حالتي، ولكن يقف بوجهي الآن عدة عوائق حول الذهاب بسبب انشغالي الكبير حالياً.
13/10/2020
رد المستشار
صديقتي
أنت تقولين أنك تحبين التحليل ومن الواضح أنك تحبين التفكير... الطبيب النفساني والمؤسس لإحدى المدارس التحليلية في علم النفس ألف كتابا اسمه "المرض النفسي في الحياة اليومية"... كلنا لدينا بعض الأعراض التي تظهر في الأمراض النفسية والعقلية بدون أن نكون مرضى
من العجيب أنك لا تسألين نفسك لماذا تصدقين ما تسمعينه من سلبيات من الآخرين ولماذا تبدأين فورا في التفكير والخوف من أن أعراض المرض تنطبق عليك؟ لماذا تقتنعين برأي الشخص الآخر؟ أليس واضحا لك أنك أنت التي تضع القيمة على رأيه وأنت التي تقنعين نفسك وأنت التي تصنع المخاوف والحيرة؟..... يجب أن تعلمي أن كل هذا يحدث باختيارك وليس رغما عنك في الحقيقة.. لماذا تصدقين الآخر؟ كيف يقنعك (وكأنك شيء مفعول به ولست إنسانة فاعلة لها دور في حياتها)؟
إن دورك أساسي لأنه كما قال الله في كتابة العزيز "ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا".... أي لا تتبع ما على غير علم لأنك مسؤول أيها الإنسان عن ما تفعله بما تسمع وترى وتفكر وتعطي المعنى وتخلق من المشاعر والقرارات والأفعال.
الوسواس القهري عادة ما يكون ستارة دخان أو تمويه لإخفاء فكرة مخيفة أو مرفوضة في اللاوعي... حتى لا تكتشف الفكرة، يشغل الإنسان نفسه بالوساوس... اعلمي أن لديك اختيارا فيما تفكرين وما تقيمين وما تصدقين وما تقتنعين به إن كان سلبيا أو إيجابيا.
أنصحك بمراجعة معالج نفساني لمناقشة هذه الأمور
وفقك الله وإيانا لما فيه الخير والصواب