ماضي السيء يُتعِبُني، القلق وجلد النفس المستمر
خلفيتي: كبرت في عائلة من ستة إخوة، في الطفولة عانينا الفقر المُدقِع والعنف الأبوي، احتقار وسخرية المجتمع بسبب أن مشاكلنا كانت بادية للجيران خصوصًا وأنني كبرت في قرية صغيرة... أمي أكثر شخص سلبي عرفته في حياتي، امراة انهزامية للأسف، عجزت عن الدفاع عن نفسها طول حياتها، ثم أمضت ما تبقَّى منها تشتكي مما فعله بها الإخوة والأقارب وعائلة أبي طيلة ثلاثين سنة على الأقل (ولازالت تشتكي)، إلَّا أنها ولأكون عادلة لم تتخلَّ عنَّا إطلاقًا لأن أبي كان يغيب لأشهر أو أعوام ثم يعود (لا أعلم من أين)، إلى أن اختفى إلى الأبد عندما كنت في السادسة عشر.
في المراهقة عانيت من قبح شكلي، وتكدير كل من حولي لي بهذا حيث كنت أنحف من المعقول، وسمراء أكثر من بقيَّة إخوتي، فكان يبدو عليَّ الفقر أكثر منهم، فسخر من الحميع خصوصًا أكبر أخواتي التي احتقرتني إلى درجة أنني فكرت في قتلها أو الانتحار بسبب تنمرها الدائم.
تعرضت للاستغلال الجنسي بذريعة الحب في الجامعة، ولم ينته الأمر عنده بل ذهب الحقير وفضحني عند الجامعة كلها، فعانيت المزيد من الاحتقار، ثم جلد الذات الذي بَقِيَ معي إلى يومنا هذا!.
كرهت مجتمعي وأهلي، ثم في سن الثانية والعشرين رحلت عن بلدي للعمل، فحصلت على المال والكثير من الحرية، التقيت بالكثير من النسويات (الجماعة الوحيدة التي دعمتني) فآمنت بحرية الجسد، وكرهت الدين، كيف لا والدين هو الذي جعل الرجال _حتى الأراذل منهم_ يستَقوُون علينا ويؤذوننا، ولأشعر بأنني فتاة "كول" ولأشعر بأنني واحدة من الأجنبيات المُتحرِّرات اللواتي صاحبتهن دخلت في دوامة الكحول والجنس، فأصبحت أُقدِّم نفسي بسهولة لكل من يشعرني بأنني جميلة قليلًا ومميزة قليلًا، وأدمنت الشعور بأنني مرغوبة من الآخرين (خصوصًا الرجال للأسف!).
بعد سنتين تعرضت لأزمة نفسية بسبب فقدان حبيب، وبسبب جرعة مخدرات لم تناسبني، وأصبت بالوسواس القهري، ثم باضطراب الآنية، ثم باضطراب الهوس، فعشت في الجحيم لمدة أشهر، بدأت أفكر فيها بالانتحار، زرت الطبيب إلَّا أن طريقته لم تكن بالجودة المتوقعة، وصف لي الدواء فبدأت أصاب بالمزيد من الوسواس، بدأت أعتقد أنه قدم لي دواءً سيئا عن قصد وأن حالتي ستسوء، فتوقفت عن أخذ الدواء، وتوقفت عن زيارة الطبيب، واكتفيت بالمزيد من الكحول والمزيد من الجنس.
في أحد الأيام كنت جالسة في البلكونة، جاءت شريكة السكن وأغلقت الباب من الداخل لأنها لم تَرَنِي، وعندما حاولت الدخول وجدته موصدًا، في أقل من ثواني حصل لي انهيار، نظرت إلى البلكونة فوجدت الجدار يقترب مني، وبدأت فكرة أنني سأقفز تثور في تفكيري، فبدأت بالصراخ، وحصلت نوبة الهلع، ثم فتحت الفتاة الباب فوجدتني مُتكَوِّمة على الأرض أبكي وأسألها لماذا أغلَقتُه... وعندما انتهت الأزمة كنت قد فقدت أحد عشر كيلو من وزني ونصف شعري، وبضع تقارير سلبية عني في العمل، أما شريكة السكن فلم تدَّخر جُهدًا في إخبار العالم عما كنت عليه من قلَّة نظافة وفساد أخلاق وغرابة أطوار.
مرَّت السنوات، وشيئًا فشيئًا تحسن حالي، وتعرفت على إنسان رائع، توقفت في صحبته عن الشرب والسهر، وعرفت الله، وقرأت القرآن، وبدأت مشروعًا أدرَّ عليَّ المزيد من المال، وعوضت كل ما خسرته في السنتين اللتين سبقتا، وغيرت سكني، وقاطعت أصدقائي القدامى، فازدهرت حياتي والحمد لله.
ما مرَّ عليَّ فيما مضى ترك بعض الآثار، فالوسواس تحوَّل إلى قلق دائم وجلد نفس وإحساس بالعار والخزي من الماضي وندم جعلني لا أنام ليلًا، بل أحيانًا أنظر إلى الرجل الذي يُحضِر أوراقه للزواج مني، وأتساءل "هل أستحقه؟ ألست من السوء بما يكفي لينفر مني؟".. هو يعرف بعض ماضيَّ، ولكنه لا يعرف كل شيء.
لأكون واضحة، جزء كبير من مشاعري مات، والغضب هو العاطفة الوحيدة التي لا أزال أشعر بها كل يوم، وأشعر بها بقوة، غاضبة من نفسي لدرجة أنني اضرب نفسي، وغاضبة من كل معارف الماضي، وأخشى أن أقابل أحدهم فيتجرَّأ على ذكر الماضي، فأتخيل كيف ستكون ردة فعلي، أتخيل نفسي أمسك زجاجة وأضرب رأس أحدهم كل يوم،
أخجل من نفسي وأشعر بألم جسدي من كثرة اللوم وكثرة التفكير، وبدأت أشعر بالكراهية تجاه العالم مُجدَّدًا، وأشفق على الإنسان المستقيم الوحيد الذي أعرف من نظراتهم يومًا ما...
ماذا أفعل؟ وكيف أستريح؟
29/12/2020
رد المستشار
صديقتي
إن كل ما تعانين منه هو بسبب تركيزك المستمر على ما حدث في الماضي والمعاني التي ربطتها بكل هذا..... تعودك على التفكير بطريقة سلبية ينتج عنه تأصل لأحاسيس سلبية... ولكن ما تغفلين وما يغفله أغلب الناس هو أن لدينا اختيارا فيما سوف نفعله بالأفكار والمشاعر وهل سنستمر فيها وفي تكرارها أم نوجهها توجيها آخر أم نغيرها كلية؟؟.
ليس هناك ما يمنعك من أن تقللي من أهمية ما حدث في الماضي وما فعلت أو ارتكبت من الأخطاء... إنك أنت التي تقرر الاستمرار في جلد الذات ولا أحد يرغمك على هذا... جلد الذات شيء غير مفيد على الإطلاق ويقدم عليه الناس لاعتقادهم الخاطئ (على الأقل في اللاوعي) أن هذا سوف يطهرهم من الذنوب وسوف يمنعهم من تكرارها... لكن جلد الذات لا يؤدي إلى أي من هذا وفي الحقيقة قد يؤدي إلى تكرار الذنوب نفسها بسبب التركيز عليها وشحنها بمشاعر سلبية قوية....
في الحقيقة، أي شيء أو معنى نركز عليه بمشاعر قوية سوف نتجه له... مثلا مسألة الدايت أو الحمية من أجل إنقاص الوزن غالبا ما تفشل لنفس السبب.... نركز على الوزن الزائد أو البدانة ونكره هذا ونكره أنفسنا... الوزن الزائد بالإضافة إلى شعور الكراهية يجعل العقل الباطن (الذي ينظم العمليات البيولوجية) يحتفظ بالوزن الزائد بل وقد يزيد منه أو على الأقل يجعل إنقاص الوزن صعبا.... أي شيء نركز عليه بشعور قوي (سلبي أو إيجابي) سوف نتجه إليه... هذا هو قانون العقل الباطن.
تقولين أن لديك قلقا دائما... القلق يكون بسبب شيء لست مستعدة له... ما هو؟ وما الذي يمنعك من الاستعداد؟
لديك الآن فرصة جديدة لحياة جديدة مع نفسك ومع الشخص الذي تحبينه ولكن مع نفسك أولا... الفرصة تكمن في ترك الغضب والندم والتركيز على الاستمتاع بالحياة وتنمية نفسك وعلاقاتك بطريقة صحية.... لو قابلك أحد من الماضي فعليك إما أن تتصنعي أنك لا تعرفينهم أو أن تواجهي الموقف بمنتهى الصدق الذي يقارب البجاحة: نعم لقد فعلت كل هذا في الماضي ولست نادمة على أي شيء وأنا الآن إنسانة مختلفة وغير التي كانت.
ما الذي يمنعك من التفكير بهذه الطريقة وإدارة حياة جديدة في الاتجاه الذي تريدينه؟؟ ما الذي تريدينه في حياتك؟ لقد نجحت في تعويض خسارتك المادية وليس هناك ما يمنعك من تعويض خسارتك النفسية... لديك دائما فرصة للتغيير... من حقك أن تغفري لنفسك وللآخرين وأن تستمري في المسار الصحي الذي بدأته منذ ارتباطك بحبيبك الرائع.... يجب أيضا أن تحافظي على تقدمك بغض النظر عن نجاح العلاقة أو فشلها.... بالطبع تستحقين حبيبك فقد عانيت وتعذبت وعذبت نفسك بما فيه الكفاية وأكثر من اللازم.
إذا ما تعذر عليك الأمر أنصحك بمراجعة معالج نفساني لمناقشة التفاصيل ووضع خطة لتصحيح المفاهيم والأفكار
وفقك الله وإيانا لما فيه الخير والصواب
واقرئي أيضًا:
مخلفات الماضي تدمرني
لم يكن الماضي مثاليا لكن القادم ممكن !
أخطاء الماضي تسيطر على تفكيري
في أعين الناس أرى خوفي من ذكر الماضي!!!
الخروج من فخ الماضي: الضحية تصير فراشة
مكتئبة من الماضي وقلقة من الآتي
بلاش نتكلم في الماضي !