كيف أصبح إنسانًا طبيعيًّا
في بداية الأمر كنت إنسانًا طبيعيًّا مثلي مثل أي إنسان على هذه البسيطة، لم أكن أشتكي من أي شيءِ إطلاقاً... سأبدأ في الأحداث بالتسلسل، والأحداث مترابطة ببعضها، لذلك قد تجدون الحدث الأول مرتبط بالأخير.
الحدث الأول: حادث سيارة أصابني بضرر في يدي اليسرى، لكن ليست هذه المشكلة، وإنما المشكلة الخوف من السيارات المتلازم منذ تلك الحادثة (قبل ٨ سنوات)، أصبح شيئًا مُتَلازماً، أخاف من السيارات وقيادتها والخروج للشارع أساسًا.
وقبل الحادث بسنتين (أي قبل ١٠ سنوات) أحببت فتاةً احببتها، ولم تكن رغبتي بها سوا بالحلال، لم أكن أفكر في شيءِ آخر إطلاقاً، وكتمت هذا الحب بداخل قلبي وكنت أدعو الله دائمًا أن تكون من نصيبي وأكافح مُسرِعاً وجاهداً بدراستي كي أستطيع التخرُّج بسرعة كي أتقدم لها رسمياً، إلا أنني أصبحت خائفاً من أن تتزوج وأنا لم أتخرج بعد، فقمت بإرسال رسالة بعد ٦ سنوات من محبتي لها، واعترفت بحبي لها وأني أريد الزواج فقط، إلا أني تفاجأت أنها تُراسِلني بعد أسبوع، وإذ بنا نتراسل دوماً حتى بادلتني المشاعر، لم يكن بيننا سوا رسائل نصية ومكالمات هاتفية فقط، وكان حديثنا لا يتجاوز الخطوط الحمراء، ولم يصل لخدش الحياء.
استمرت هذه العلاقة ٣ سنوات بيني وبينها (وفي مرحلة علاقتنا كان خوفي من السيارات أقل من السابق بكثير)، بعد ذلك أهملتني ولم تَعُد تحادثني، أصبحت تهرب من الحديث معي بأي طريقةٍ كانت، وكلَّمتها مرة واثنتين وثلاثة ولكن دون جدوى، ثم اكتشفت أنها تكلم غيري من الشباب الكثير، لم أتركها بل إني تحمَّلت كل الألم وكلامها الجارح لكي أعيدها للطريق الصحيح، كنت أنصحها، وكنت أتصدَّق بنيَّتِها، كنت أحاول جاهدًا أن تترك مراسلة الشباب، وعرضت عليها أن أتقدم لها بالخطبة فرفضت وقالت "تقدَّم لي بعد الجامعة" فتعبت نفسيًّا، أصبحت الحياة بعيني مُسودَّة، أصبحت يائساً وكأنها الحياة التي انتهت وليست علاقة.
ابتعدنا فترة، ثم كانت ترسل لي ونكلم بعض، ثم نعود لنختصم حيث أصبحت أفكارها مُتَّجِهَة إلى اتجاه آخر، أصبحت ممن يريدون التجرد من الدين، أصبحت تريد مصافحة الشباب وتؤمن أن ذلك ليس به إثم، وتؤيد الاختلاط، وتؤيد عدم لبس الحجاب وأنه غير ملزوم... أيقنت عندها أنها لم تعد الفتاة التي أحببتها فلم أحادثها أبدًا بعد ذلك، وكنت في مرحلة الاستشفاء من علاقتنا.
قبل سنتين من الآن أتت وفاة أبي كصاعقة على قلبي، تُوُفِّيَ الشخص الأعظم بحياتي، مررت بأيام وأنا غير مُصَدِّق أنني دفنت أبي بيدي، لم أستوعب بعد أن الشخص الذي كنت أراهُ يوميًّا لن أراهُ مُجددًا، وفي ظل زحام الدموع بعيني والألم بقلبي أرسلت لي الفتاة التي أحببتُها (والتي سكنت قلبي سنين طويلة)، أتت بعد وفاة أبي بشهر (وهي على علم بذلك) تسبُّني وتنعتني بأشد العبارات وأنني لم أحترم وفاة أبي، واتَّهمتني أنني كنت أراقبها بعزاء أبي باليوم الأول (وأنا لم أفعل ذلك)، ولكل فعل ردة فعل لذلك قمت بسبِّها والإساءة لها (هي تشتكي من ضعف سمع بإحدى أذنيها) فكنت أتشمَّت بها وأنها صاحبة الأذن الواحدة، وبعد يوم أصبحت أشعر بتأنيب ضمير، لم أتصور أنني أنا الذي لم يسبق لي أن أطلقت على أحد عبارات جارحة أو ألحقت بأحد ضررًا لفظيًّا أو جسديًّا إطلاقًا فكانت من أحببت هي التي أحقت بها الضرر اللفظي، وكنت أود أن أقدم لها اعتذاري، ولكن خفت أنها ترى بأن هذا بحثًا عن الشفقة حيث أنها نعتتني بهذه العبارة في رسالتها، وتجاهلت الأمر إلى أن زال.
وبعد سنتين من وفاة أبي وفراق من أحببتها أصبحت يائسًا جدًّا، أصبحت أخاف من السيارات أشد من قبل، أصبحت أخاف من الناس ومن الغرباء، أصبحت ثقتي بنفسي معدومة، أصبحت انطوائيًّا ومعزولاً، أهلي لا أراهم باليوم سوا مرة أو مرتين رغم أنهما معي بنفس المنزل، أصبحت كارهًا للحياة، تغيرت شخصيتي من قيادية وقوية إلى شخصية ضعيفة ومهزوزة... كنت شخصاً طبيعيًّا، كل الأشياء التي كانت تُزَوِّدُني بالسعادة أصبحت شيئًّا عاديًّا، أصبحت أحب الوحدة والانعزال، وإذا خرجت وقمت بقيادة السيارة أرتجف من الخوف، كذلك عندما يستهزئ بي أحد الأصدقاء في مجموعة بالواتس وأنا أحاول الرد عليه يداي ترجف وأشعر بالدوخة.
أريد أملًا بالحياة أتمسك به، أريد أن أرى نوراً بعد هذه الظلمة، لازالت تلك الفتاة بذاكرتي، لازال أبي وكأنه بالبارحة توفي، مجرد أن أرى صورة له لا أستطيع تمالك نفسي من البكاء رغم أني راضي بقضاء الله وقدره، ولكن الحزن والاشتياق هو من يدفعني نحو هذا الطريق، أصبحت مُهمِلًا لنفسي ونظافة المكان حولي.
الآن أحادثك وأهلي جميعهم مسافرون، وأنا بقيت وحيدًا بالمنزل لأنني أخاف من السيارات والطريق... أريد حاجزًا قويًّا لشعوري بالخوف، أريد أن أعود كما كنت، أريد أن أخرج من شعوري من أن هذه الفتاة قد تعود وتمسك بيدي، أريد أن أخرج من شعور أن أبي لم يمت وأنه باقٍ معنا... بعض المرات أتمنى موت أهلي جميعًا كي أبقى وحيدًا، أحب العزلة وأن أبقى وحيدًا بغرفتي لا أسمع صوت أحدا ولا يقوم أحد بتوجيهي لعمل شيء، أريد أن أبقى أمام تلفازي منفرداً، ومع ذلك لا أشعر بالرَّاحة... فأين طريق الخروج من هذا الكم الكبير من الشعور السيء؟
أريد أن أكون إنسانًا طبيعيًّا أقود السيارة وأنا لست خائفًا، وأريد أن أبقى مع أهلي وأتبادل الحديث معهم وأنا هادئ... أصبحت لا أستطيع النظر بعين الشخص الذي يحادثني أكثر من ثواني معدودة، بل إن من يحادثني وهو ينظر إليَّ أكون أتحرك كثيرًا وأسترق الأنظار يمينًا وشمالًا لأنني لا أستطيع النظر بعينه... فما هو طريق الخروج من هذا المأزق؟
31/12/2020
رد المستشار
واضح من رسالتك أنك تعاني من أعراض الاكتئاب (الحزن والاشتياق هو من يدفعني نحو هذا الطريق، أصبحت مُهمِلًا لنفسي ونظافة المكان حولي..... أبقى وحيداً أحب العزلة وأن أبقى وحيدا بغرفتي..... أحب الوحدة والانعزال..... أصبحت لا أستطيع النظر بعين الشخص الذي يحادثني..... أصبحت انطوائيا ومعزولاً) ومشاعر الحزن والأسى وتأنيب الضمير (لا زال أبي وكأنه بالبارحة توفي مجرد أن أرى صورة له لا أستطيع تمالك نفسي من البكاء..... أصبحت أشعر بتأنيب ضمير) والقلق (لا أشعر بالراحة..... يداي ترجفان وأشعر بالدوخة) إضافة إلى خوف قيادة السيارات (بقيت وحيداً بالمنزل لأنني أخاف من السيارات والطريق..... الخوف من السيارات المتلازم من تلك الحادثه قبل ٨ سنوات أصبح شيئا متلازماً أخاف من السيارات وقيادتها والخروج للشارع)..... وعليك أن تدرك أن الخوف الذي تشكو منه يجعلك حبيس المنزل (الآن أحادثك أهلي جميعهم مسافرون وأنا بقيت وحيداً بالمنزل لأنني أخاف من السيارات والطريق) مما يزيد من أعراض الاكتئاب.
حاول السّيطرة على مشاعرك، وأن تملأ وقتك بالأنشطة الحيوية، لا تستغرق في التفكير في وفاة والدك..... ولا تجعل ذكراه ذكرى ألم وحزن بل ذكرى طيبة وادعو له بالرحمة والمغفرة.
فيما يتعلق بالقلق والخوف..... الأمر بسيط جدًّا، اتبع الإرشادات التالية:
• خذ بعض الوقت للتفكير فيما ستقوله مع نفسك..... وجهّز إجابات..... أي حاول دائمًا أن تكرره لوحدك قبل أن تعرضه على الآخرين. ثم حضِّر نفسك تحضيرًا جيدًا، وما سوف تقدِّمه أمام الأسرة أو الأصدقاء (مثلاً). بعد الانتهاء من التحدث أو العرض التقديمي، شجع نفسك. قد لا يكون الأداء مثاليًا ويتخلله الارتباك، حاول أن تتماسك بقدر الإمكان. عندما تخاف من شيء، وقد تبالغ في تقدير احتمال وقوع أحداث سيئة. اعمل قائمة للمخاوف (قيادة السيارة) التى تشكو منها. ثم ناقشها بينك وبين نفسك بهدوء..... ستجد أنها تافهة ولا يوجد مبرر لها. وإذا خرجت عن مضمون ما تتحدث عنه أو بدأت تشعر بالتوتر وعدم القدرة على التذكر، فقط خُذ نفسًا عميقًا ببطء عدة مرات.
• تمرين بسيط: اجلس على كرسي داخل غرفة هادئة، وأنت في حالة استرخاء، أغمض عينيك، ثم خذ نفسًا عميقًا وبطيئًا عن طريق الأنف – هذا هو الشهيق – املأ صدرك بالهواء، أمسك الهواء واحبسه في صدرك لمدة خمس ثوانٍ، ثم بعد ذلك يأتي الزفير، وهو أن تخرج الهواء عن طريق الفم ببط.
• كرر هذا التمرين خمس مرات متتالية، بمعدل مرتين في اليوم، سوف تجده مفيدًا جدًّا، ودائمًا قبل البرزنتيشن أيضًا حاول أن تكرر هذا التمرين، تمرين التنفس التدرجي.
..... حاول التخفيف من حالتك:
• التواصل مع الأصدقاء وأفراد العائلة او الانضمام إلى مجموعة توفر فرصًا لتحسين مهارات التواصل.
• ممارسة أنشطة ممتعة مثل المشى السباحة التنزه
• تذكر نجاحاتك.
• كلما شعرت بالارتباك أو الخوف أو الخجل..... تذكر الهدوء "وخذ نفساً للاسترخاء"
• كافئ نفسك، عندما يكون أداؤك الاجتماعي جيداً.
وبما أن الحياة هي مجموعة من الخبرات والتجارب فمنا من تجده يحاول ويخفق ثم يحاول مرة أخرى ويخفق ويصاب بالإحباط أو الندم..... لكن ما أن يسارع هذا الشخص ويعود إلى حالة الاتزان لسبب بسيط لأنه تعلم من الإخفاق. أقصد هنا فتاتك التي حاولت سابقا أو ما تزال الوصول إليها..... بعد ما ورد في رسالتك حول فتاتك..... أنصحك..... أن تتركها..... لا تحاول الانجرار أو الانغماس فيما أنت فيه من أخذ ورد معها. ابحث عن امرأة فاضلة وتقدم لخطبتها وتزوجها..... واصرف وقتك فيما هو نافع ويعود عليك بمصلحة طيبة.....
وحاول أن تستغل اللحظات في دعوتك إلى الله والتقرب إليه وأن تحمده على كل شيء..... حاول أن تغير من نمط حياتك وأسلوب تفكيرك.....
أخيرا..... تدرب على معالجة الأمور بروية ولست بحاجة إلى استشارة الطبيب.