آخر الأزمات
السلام عليكم... مشكلتي باختصار أني عِشتُ طفولة صعبة جدّا بسبب مشاكل أسرية وخلافات عائلية من سن الابتدائي، وأصبت بالوساوس ونوبات الهلع والخوف والرعب والكوابيس والخجل والانطواء وضعف الثقة بالنفس حتى سن الكلية، وكان المُنقِذ الوحيد وقتها أحلام اليقظة، فكنت أتخيل عكس واقعي تمامًا، وبعيش في عالم الخيال مع أسرة تانية وحياة سعيدة وبيئة مختلفة (وحتي بلد مختلفة)، وكان أحلى هروب بالنسبة لي ويخرجني من الحالة السيئة اللِّي كنت فيها والمشاكل...
كنت بعرف جيّدًا أظهر خارج المنزل بمظهر المُنضَبِطَة السعيدة المتفوقة الخلوقة، كنت بلعب دور غير دوري خوفًا من انكشاف حقيقة وضعي المؤلم، وده كان بيعذبني نفسيًّا جدًّا وبيمارس عليَّا ضغط كبير أوي، وكنت محبوبة جدًّا من الآخرين، وكأني شخصية تانية (شخص في البيت، وشخص آخر خارج البيت)، وده كان مؤلم أوي... وكان ضيق الصدر وآلام المعدة لا تفارقني.
تعثَّرت بالدراسة بسبب مشاكلي الأسرية وجوِّ البيت البشع المليء بالمشاكل، ولكن بتوفيق ربنا قاومت ورجعت ونجحت ودخلت كلية من كليات القمة في الأدبي... بسبب كل مشاكلي تعثرت في الزواج وتأخرت... ومرت السنوات بسرعة البَرْق لم أشعر بها، اشتغلت كتير وبدأت أتحسن في التعامل، ساعدني العمل كثيرًا على التفتُّح اجتماعيًّا.
مات والدي _الله يرحمه_، وحزنت كثيرًا لأن بعد وفاته أحسست ببعض الراحة والخلاص من المشاكل، وأستغفر الله العظيم من هذا الشعور... قابلت عددًا كبيرًا من العرسان، وبمجرد ما أسمع سيرة الزواج أعاني من خوف ورعب ومتاعب جسدية وأشعر بالرغبة في الانصراف، وفعلًا انصرف وأُنهِي اللقاء سريعًا.
انتهت مرحلة العشرينات (أكثر فترة مُوجِعَة في حياتي)، ودخلت في الثلاثينات، بدأت أشعر بنضج أكثر وهدوء أعصاب أكثر وراحة وحسن تفكير، أحببت المرحلة العمرية دي جدًّا، وحياتي استقرت بعض الشيء، ولازلت أمارس لعب الشخصيتين (شخصية في المنزل وشخصية مثالية خارج المنزل).
أقنعني بعض الأصحاب أني معمولِّي سحر عشان تأخُّر زواجي (ومن وجهة نظرهم لم ينقصني شيء)، وبدأت أتواصل مع أشخاص بيسمُّوا أنفسهم معالجين، وتدهورت جدًّا ورجعت للصفر بسبب كلامهم المُخِيف والمرعب وإن اللِّي عملِّي السحر خالتي اللي بمقام مامتي، وكلام عن قناعة بعد كده عرفت إن كله كذب وتلاعب من الشيطان ليفُرِّق بين الأشقاء ويدمِّر صلة الرحم... اتجهت لربنا في رمضان، وفي صلاة التراويح، وطلبت منه المساعدة، واستغفرت عن ذهابي للمعالجين، وطلبت منه الخلاص.
جت الكورونا وقعدنا من الشغل 6 شهور تقريبًا، كانت أحلى فترة في حياتي، أخدت كوروسات أون لاين كتير، تابعت بالصدفة أطباء صحة نفسية بالتليفزيون والنت، بدأت أراقبهم وأبحث عنهم، قرأت كثيرًا في الصحة النفسية وعلم النفس والطاقة والتنمية البشرية، والحمد لله تخلصت من كل مشاكلي، وبدأت أمارس الرياضة والتأمل وال fitness وتمارين النَّفس، واكتشفت الوهم اللي كنت عايشة فيه وإن مشاكلي القديمة كان لها حل بس أنا كنت مستسلمة للأسف.
حاسَّة إني دلوقتي بشخصية واحدة في البيت وخارج البيت، أهلي سعداء وفخورين بي جدًّا، وتحسنت علاقتي بهم، والتزمت دينيًّا، وبحاول أثقَّف نفسي دينيًّا وأقرا في التفسير وقصص الصحابة... حياتي الحمد لله تمام، بس آخر أزماتي أحلام اليقظة، مش عارفة أتخلص منها بالرغم إنها معايا عمري كله من طفولتي حتى آلان، وكانت بتسعدني أوي وتخرَّجني من الوضع السيء اللي كنت فيه، حاولت بكل الطرق أخفِّ منها بس مش عارفة، لدرجة إني سمعت معلومة مش عارفة مدى صحتها إنَّها مش مرض وإن الأطباء النفسيين مش معترفين بها، مش لاقية لها علاج للأسف ولا حتى تمارين.
أنا مش عايزة أنفصل عن الواقع تاني، أنا لمَّا صدقت لاقيت نفسي خايفة من الانتكاسة، مش عايزة أحلام اليقظة تسرق وقتي وجهدي وتبعدني عن الناس، مش عايزة أبقى لوحدي وسارحة في الخيال، عايزة أكمِّل في الدراسة وأركِّز في الصلاة والعبادة وفي حياتي، وأرتبط وأكون أسرة... يا ريت لو ألاقي عندكم توجيه أو علاج...
وشكرًا على موقعكم النافع،
وجزاكم الله كل خير.
9/2/2021
رد المستشار
شكراً على استعمالك الموقع.
ما يمكن استيعابه من قراءة الاستشارة أن سيرتك الذاتية تميَّزت بطفولة وأعوام مراهقة صعبة ربما لَعِبَت دورها في رسم صفاتك الشخصية كالاتي:
١_ هناك ميل للانفتاح عموماً.
٢_ هناك أعراض نفسية مزمنة لا تصل عُتْبَتُها إلى تشخيص إصابتك باضطراب نفسي... هذه الأعراض الوجدانية والقلق مصدرها ضغوط بيئية، والشعور بأن احتياجاتك الشخصية لم يتم تلبيتها إلى الآن
٣_ هناك عُصاب مُزمِن مصدره طفولتك وعلاقاتك العائلية سابقاً، وهذا العصاب هو مصدر الأعراض الجسمانية المختلفة التي تشيرين إليها وتأزمك أحياناً مع الآخرين.
رغم ما تم ذكره أعلاه فإن هناك صفات شخصية إيجابية لا يصعب ملاحظتها في مقدمتها الميل إلى المنطق والتَّعقُّل في التفكير.
الانفصال عن الواقع عملية نفسية لا يعي ملاحظتها ما لا يقل عن ٦٠٪ من البشر، ودرجة بصيرتك عالية، وهذا لا يعني إصابتك باضطراب نفسي.
مسار الحياة عملية ديناميكية لا تتوقف، وظروف البيئة كذلك تتغير، ويسعى الإنسان إلى سدِّ احتياجاته بطريقته الخاصة، ولكن الآن لا أستطيع القول بأنك تعانين من اضطراب نفسي جسيم.
وفقك الله.