وسواس في الصيام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... جزاكم الله خيرًا، وشكرًا لكم على المساعدة التي تُقَدِّمُونَها للناس، أنا فَرِحُتُ جدًّا عندما وجدت هذا الموقع لأنَّه من الصعب الذهاب إلى دكتور نفسي بسبب أن ظُرُوفِي لا تُسَاعِد.
أنا أُعَانِي من الوسواس القهري من فترة (تقريبَا أربع سنين) في العبادات كثيرًا (الصلاة والوضوء والصيام)، وشوَيَّة في النظافة... أنا أريد أن أسألكم عن أشياء كثيرة (يا رب تكونوا صابرين معي)، وسوف أبدأ _إن شاء الله_ بالصيام لأنَّ شهر رمضان قرَّب _يتقَبَّل الله مِنَّا ومنكم_.
أنا في هذة الفترة أقضي الأيام التي فَطَرْتُ فيها بسبب الحيض، وأصوم أيامًا زيادة لأنِّي أَحِسُّ أن معظم رمضان للأسف فعلت أخطاءً تُفْطِر، ولكن لا أدري هل يَصِحُّ أن أَقْضِي أيامً زيادة عن أيام الحيض، ولكن أنا لا أعرف العَدَد.، وأحس أنَّه يجب عليَّ أن أقضي رمضان كله (وهذا صعب جدًّا) أم أنَّ هذا كله من الوسواس؟.. فأنا في حيرة.
مشكلتي كانت في ارتجاع المِرِّئ أو التَّقْرِيع كثيرًا أثناء النهار، ثم البَلْعِ بعد ذلك، فكل شوية كنت أَتُفُّ كثيرًا لأنِّي أخاف أن أبلع أيَّ شيء، ويكون على شَفَتِي بقايا التَّفْ فأمسح شفتي بمنديل، وُأَكَرِّر المَسْحَ بنفس المنديل الذي فيه أثر المَسْحَة الأولى، وأُفَكِّر أنِّي هكذا أنقل الذي كان في المنديل إلى الشفايف، ثم أمسح بلساني شفايفي بعدها وأبلع، فأنا كِدَه بَلَعْت الأثر الذي كان في المنديل... سمعت أن بَلْعَ الرِّيق الذي كان على الشَّفَةِ لا يُفْطِر إلَّا إذا انفصل من الف، وعندما أمسح بالمنديل أنا كده بفصل التَّفِّ من فمي، ثم أرجع مرَّة أخرى أستخدم نفس المنديل فأنقل التَّفَّ المُنْفَصِل إلى الشِّفَّة وأمسحه بلساني وأبلع، ومن الممكن أن يكون في التف أثر ارتجاع المِرِّئ والتقريع أو مثلًا بقايا طعام، فأحس أن هذا خطأ وأن صيامي ليس صحيحًا وأنِّي أَفْطَرت.
وفي بعض الأَيَّام أتكَرَّع عمدًا، أو أجعل ارتجاع المرئ يخرج للفم عمدًا لأرتاح، فأخاف أنِّي أفطرت عمدًا... وعند الوضوء أحس بماءٍ يدخل فمي كل شوية، فأَتُفُّ كثيًرا، وعلى الرغم من هذا أحس بطعم الماء أثناء الوضوء، فلا أعرف هل هذا ريقي أم ماء داخل فمي، فأَتُفُّ تكرارًا وهكذا، وأُطِيلُ في هذا الفعل، ثم أُفَكِّر أنَّ هذا التفكير الدقيق من الوسوسة، ففكرت أن أتجاهل وأعتبر أنَّ صيامي صحيحًا حتَّى لو أنا مقتنعة أنَّ الأفعال هذه تُفْطِر، ولكن أنا خائفة جدًّا أنَّه من الممكن يكون تفكيري صح فعلًا وأنِّي فَطِرُت ويجب أن أقضي صيام معظم رمضان.
وهناك أيضًا مشكلة عندي وهي النية، فعندما أتَسَحَّر وأنتظر آذان الفجر يُوجَد شيء بداخلي يُرِيدُني أن أقطع النية ولا أَنْوِي الصيام، أو أنِّي لا أنوي صيام الفرض ولكن أنوي صيام سنة أو نافلة... وأحيانًا فعلًا أستسلم وأسمع الكلام وأقطع النِّيَّة، أو أنوي صيام سُنَّة قبل آذان الفجر أو بعد الآذان... ويكون صعب التجاهل، صعب جدًّا، وأُكَرِّر النية كثيرًا أني نويت صيام الفرض حتىّ آذان الفجر.
أرجو أن تساعدوني وتقولوا لي هل صيامي إن شاء الله صحيح، وأن كل هذه وساوس
(أنا حتَّى كتبت عنوان الاستشارة "وسواس" على أَمَل أنَّها وسوسة فعلًا)، فإذا كانت وساوس كيف أتجاهل لأنه صعب جدًّا وأحس أني بتعذب؟
14/3/2021
رد المستشار
وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته، وأهلًا وسهلًا بك يا "نور" على موقعك مجانين.
يمكن تلخيص أسئلتك بما يأتي:
1- حكم صيام أيام زيادة عن أيام الحيض احتياطًا:
بشكل عام لا شيء يمنع من صيام يوم بنية القضاء عن رمضان، وهذا وارد عند غير المُوَسْوِسين في بعض الحالات، إمَّا عند حصول مُفْطِر مختلَف فيه بين المذاهب، أو الشك في تمام حصول المُفْطِر وشروطه، فيصوم أحدهم احتياطًا لتبرئة الذِّمَّة، هذا لا شيء فيه... أمَّا عند الموسوس فالأمر مختلف، إذ إنه يصوم قضاء عن رمضان احتياطًا لمجرد الوسوسة، ثم هو يشك في صحة ما صامَه احتياطًا، فيصوم احتياطًا لذلك الاحتياط في سلسلة لا تنتهي. لهذا يتم إلغاء (الاحتياط) من قاموس الموسوس عند العلاج، والعمل على اليقين فقط، والشفاء لا يتم إلا بذلك، ولأن احتياطه مبني على شك لا أساس له.
2- التجشُّؤ والارتجاع المَرِّيئِي ثم البلع:
إذا حصل التجشؤ أو الارتجاع المريئي، وخرج شيء، فهناك حالان: إذا لم يصل شيء إلى مخرج حرف الحاء في الحلق، فهذا غير مُفطِر بالإجماع لأنه لم يخرج إلى الفم..... وإذا وصل إلى مخرج الحاء فما بعده، ثم عاد لوحده فكذلك هو غير مفطر عند أكثر العلماء، حتى إن الإمام أبا يوسف تلميذ الإمام أبي حنيفة رحمهما الله تعالى قال: "إن القيء (ومثله الارتجاع ونحوه) إن لم يكن مِلءُ الفم لا يفطر حتى إن ابتلعه الصائم عمدًا".
3- مسح الشفة بمنديل عليه أثر لُعَاب:
إذا مسحت الشفة بمنديل رطب من مسحٍ سابق، ولم يظهر على الشِّفَّة أيَّة رطوبة، وبقيت جافة، ثم لعقتِها فلا تفطرين، لأنك لم تدخلين عينًا، أي شيئًا له جرم إلى فمك فضلًا عن أن يدخل إلى حَلْقِك.
4- كلامك عن التجشؤ عمدًا أو جعل الارتجاع يخرج إلى الفم عمدًا لترتاحي: لم أفهمه!، لأنه إن كان المقصود تعمد إخراج شيء من المعدة أو المريء، قبل وصوله إلى الحلق، فهذا يسمى استقاءة، وهو مفطر بالإجماع.... وإن كان المقصود أن تخرجي ما وصل إلى حلقك، فتلفظينه من فَمِك، فهذا ما يطلب منك عند القدرة عليه، بخلاف ما لا تقدرين على إخراجه وعاد وحده، فلا يفطر ولا تطالبين بإخراجه.
5- الوسواس في النية وشعورك بشيء يدفعك إلى قطعها أو أن تنوي السُّنَّة بدل الفرض:
نيَّتُك لن تنقطع وإن أوهمك الوسواس هذا، إنها وسوسة لا إرادية لا تؤثر على عبادتك، ومجرد قيامك إلى السحور في رمضان يعني أنك تريدين الصوم كما قال الحنفية، هذا أولًا...... وثانيًا: شهر رمضان عند الحنفية أيضًا معيار لا يتسع لغيره، يعني لو أنك نويت مجرد الصيام، أو نويت صيام نَفْل أو نذر، فكُلُّه ينعقد عن صوم رمضان، لأن الله تعالى أوجب فيه الصوم، فلا يقع فيه صوم آخر... فمهما شعرت بقطع النية، أو نويت غير رمضان، فصيامك صحيح، ولا داعي لإعادته.
إن لم تكوني قادرة على الذهاب إلى الطبيب فليس أمامك إلا مقاومة الاستجابة، وتجاهل الوسوسة وإن شعرت بقلق يخلع قلبك، وبأن عباداتك كلها فاسدة وأنك من أفسق الفساق! إن استطعت فعل هذا فأُبَشِّرُك بالشفاء.
استعيني بالله ولا تيأسي، عافاك الله.