المذاكرة والمجموع
وهذا الشعور يُلاحِقُني دائمًا، ولم أستطِع المذاكرة نهائيًّا...
ماذا أفعل؟
رد المستشار
الفتاة الرقيقة، طالبة المرحلة الثانوية، أتفَهَّم طبيعة هذه المرحلة التي خَبِرْناها ومررنا بها مثلك... ربما نضع في حياتنا توقُّعَات ونحدِّدُها بدقة، لكن الحياة تفاصيلها أكثر وأعقد من أن نستطيع رسم سيناريو واحد لتحقيقه، ربما نحتاج للمُرُونَة النفسية التي تجعلنا نتعامل مع التفاصيل والمُستَجَدَّات التي تقف في طريق السيناريو، وربما نَقْبَل بعض التَّعدِيلات في الأهداف أو الوسائل.
قبل أن أتحَدَّث معكِ حول الحُلُول المتاحة، أود أن أخبركِ أنَّكِ تواجهين الحياة بتحدِّيَاتها الأولى وليست الأخيرة، وأنكِ في كل تحدٍّ ليس مطلوب منكِ سوى بذل الجهد الممكن والمتاح، وأن لعبة الحياة ليست كل مفاتيحها معك، فانتقالكِ من القسم العلمي للأدبي مثال على استيعابك ما حدث، وأنَّ عليك تجديد الاختيار والنظر للفرص الجديدة والتَّحَوُّل لمسار آخر، لكن يبدو أن هذا التحَوُّل أصابكِ بإحباط، وجعل رغبتكِ في بذل الجهد أقل.
1- الشعور:
ذكرت في رسالتك كلمة "الشعور" مرتين..... والمشاعر التي تَجْتاح نفوسنا لا بُدَّ أن نحترمها ونُقَدِّرُها مهما كانت مُرْهِقَة أو صعب تحملها، فربما تشعرين بالحزن على الفرصة الفائتة التي لم تصل فيها لما تريد، ربما تشعرين بإحباط نتيجة توقُّعاتك المُسْبَقَة أو أنك أَحْبَطتِ أسرتك والمُحِبِّين لك..... ربما الآن تشعرين أنك غير واثقة في محاولاتك التالية، وتشعرين بالقلق من الامتحانات القادمة وماذا ستكون النتيجة.
من المهم أن تصفي مشاعرك وتُحَدِّديها وتُسَمِّيها لتساعدي نفسك على فهم ما حدث، فحاولي أن تُعَبِّري عن مشاعرك الحالية في كلمة واحدة ربما تكون أكثر من كلمة منفصلة تعبر عن أكثر من شعور (ضيق، قلق، حيرة، حزن، ضعف).... هذه المشاعر لا تأتي فقط من الحَدَث الذي مَرَرْتِ به (امتحان السنة الماضية) والحدث الحالي (استعدادكِ للامتحان القادم)، لكن يشارك ذلك طريقة تفسير الحدث وتقييمه.
2- طريقة التفكير:
لاحظي أنك بدأت تُقَيِّمِي تجربة السنة الماضية على أنها تجربة فشل بدليل أنَّكِ لم تحصلي على المجموع المطلوب، وانتقلت من قسم إلى آخر، وبدأت تفترضي ما يلي:
· أنك لا تمتلكين القدرة على المذاكرة.
· وتقرأ الغيب "أنني مهما ذاكرتِ لم أُحصِّل شيئًا، ولم أجد جامعة لكي ألتحق بها"... وهذه الطريقة في التفكير زادت من إرباكِكِ، وكفيلة بأن تُوقِفَ نشاطك وعملك.
يمكن أن أساعدك في مناقشة هذه الأفكار بالتفكير في التساؤلات الآتية:
- هل تعتبرين أن الحصول على مجموع أقل مما تريدين يعتبر فشلًا في الحياة كلها؟ أم فشلًا في امتحان؟ أم محاولة أَتَت ببعض النتائج ومازالت الفرص متاحة في الحياة؟
- هل النجاح في الحصول على مجموع معين يساوي النجاح في الحياة؟ أم النجاح في الحياة لا يرتبط بِكُلِّيَّة معينة أو سيناريو محدد؟
- من حصلوا على مجموع أقل منكِ أو مُمَاثِل لكِ، ماذا فعلوا؟ وكيف نظروا للموقف؟
- هل هناك أدِلَّة على أنك بذلتِ جهود السنة الماضية؟
- هل مجموعكِ الذي حصلتِ عليه يجعلك في فئة الراسبين أم الناجحين أم المتفوقين أم الأوائل؟
- هل تعتقدين أن بَذْلِ الجهد نتائجه تساوي صفر؟ وبناءً على ذلك تشعر بأن المذاكرة إن لم تأتي بما أريد حرفيًّا فليس هناك داعٍ لها؟ هل لو كانت مذاكرتكِ في العام الماضي أقل، كنت ستحصلين على نفس المجموع أم أقل؟
- هل تقارنين نفسك ببعض الأقران لكِ، وتساوين بين قيمتكِ كفتاة وبين مجموعك؟ هل أنت تساوي مجموعة درجات في العام الدراسي؟... ربما تجدين أن مجهودكِ أو طريقتكِ في الدراسة مع الظروف التي ربما مررت بها وطبيعة الامتحانات هي التي تساوي الدرجة التي حصلتِ عليها.
- هل التفكير بهذه الطريقة ساعدكِ في تحسين مشاعرك، وبذلكِ الجهد الممكن، والبدء في ترتيب أوراقكِ؟ أم جعلك تشعرين بِقِلَّة الحِيلَة والعجز؟
- كيف تّرِىنَ نفسكِ بعد 3 سنوات؟ هل ستظَلِّين مشغولة البال بنتيجة العام الماضي كما أنت اليوم؟
- هل مررتِ بمواقف صعبة، ثم وجدتِ الزمن كفيلًا بنسيانها وسارت عجلة الحياة معكِ؟
أرجو ألَّا تَمَّلِي من هذه الأسئلة التي لا تستهدف ذاتك بقدر ما تستهدف فكرة غير مفيدة احتلَّت عقلكِ وشَغَلَتْكِ عمَّا يفيد وعَمَّا يساعدكِ في هذه المرحلة، فعندما نقع في مشلكة يمكن أن نقف عند المشكلة ونظل نبكي، ويمكن أن نستوعب ما حدث وننظر للفرص المتاحة الجديدة ونجتهد فيها.، فأي الطريقتين في التفكير تُفَضِّلين؟
3- المجهود وليس النتائج:
حاولي أن تستعيدي الجهود التي بذلتيها في العام الماضي، وحاولي التخلُّص من ضغوط توقعات العام الماضي أو توقعات من حولكِ، فأنتِ مسؤولة عن بذل المجهود الممكن وليس النتائج.
اعْلَمِي أن التَّقصير وَارِدٌ لنا جميعا في مراحل حياتنا، وأن الإنجاز بشكل أفضل وأكثر رضًا أيضًا مُحْتَمَل في أوقات أخرى من حياتنا.
راقبي بعض الأفكار السلبية التي تُرَاوُدك، فكما نَدِمْتِ على نتيجة العام الماضي، ربما تحاولين البدء في المذاكرة اليوم فتندمين على ما فات من وقت العام الحالي، ويأتيك حديث: "لا فائدة مِمَّا تفعل؟ أنتِ ضيَّعْتِ حتى وقت العام الماضي؟"... أيضًا هذا الندم، وهذه الطريقة في التفكير غير مفيدة.
حاولي أن تتواصلي مع صديقاتك المجتهدات من جديد، وتتابعي دروسك، ويمكنك التنسيق في مذاكرة بعض المواد معهن.... الحياة مُمْتَدَّة، وفُرَصُها كثيرة، ونحن لا نعلم الغيب كُلِّيًّة، وما نملكه هو أن نبذل جهدنا اليوم.