ابنة تاجر مخدرات
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... منذ طفولتي وأنا أعيش مع تاجر المخدرات (أبي)، عشنا حياتنا غالبيتها في غِيَاب الأب عنَّا لأنه إمَّا أن يكون مسافرًا أو مسجونًا، ودائمًا كان مُبَرِّرُه "أريد أن تعيشوا في أحسن الأحوال".
المهم في كل مدة السجن (غالبا 5سنوات من مجموع 14 سنة) كان يترك أمي (وهي لا تعرف أن تتصرَّف بالمال تَصَرُّفًا كاملًا) مع مسؤوليتنا (7 أبناء) ومسؤولية مصروف السجن، وصارت تأخذ الديون الرَّبَوِيَّة عندما تحتاج مرَّة بعلم أبي ومرة بدون علمه (لأنها تخاف منه كثيرًا)، وفي كل مدة سجن تزداد الديون وتزداد المشاكل.
الآن أمي صارت مُدْمِنَة الديون، تتَدَيَّن عند الحاجة أو بدونها، من كل شخص: الجيران، الأصحاب، العائلة، وحتى عائلة زوجي بدون علمي... الكل صار يهرب منها، حتى أحيانا يُسَمُّونها نَصَّابَة لأنها ليست وَفِيَّة على إرجاع الدين.
أبي يضغط على إخواني الذكور للعمل معه... عندنا 2 ذكور، الأول صار مُدْمِنًا و دخل السجن سنتين وانتهت المدة، والثاني صار كذلك مُدْمِن (كوكاين)، والآن في سجن، ولديه 25 سنة... وفي الـ 4 سنوات الأخيرة دخل أخي وأبي وأخي الصغير، و عندما خرج أبي من شهر صار يُتاجِرُ من جديد هو وأخي، ويُجَهِّز البضاعة (كوكاين) في المنزل أماَم أخواتي الصغار (بنت 17 سنة، وبنت 7 سنوات)، وأنا أخاف عليهم من فضول التجربة.... منزِلُنا صار معروفًا بتاجر المخدرات وأمِّي النَّصَّابة على الناس.
مشكلتي أنا هي أن أمي تَسْتَدِين من عائلة زوجي بدون علمي، وهذا يُسَبِّب لي إحراجًا... وأبي يطلب من كل شخص في عائلة زوجي العمل معه، و هذا إحراج كبير أمام زوجي وعائلته... أبي دمَّرَنا ودمَّر نفسيتنا وسمعتنا و طفولتنا وكرامتنا.
إخواني الذكور كانو من أطيب خلق الله، ولا يُحِبُّون حياة أبي، والآن صاروا مثله غَصْبًا عنهم... أمي كانت امرأة طيبة جميلة عفيفة، والآن صار لَقَبُها "نصَّابَة"... حياتنا تدمَّرت.
صحيح أنا مُغتَرِبة، لكن دائمًا أفكر في عائلتي ومشاكلهم، وفي كل مرة يطلبون من زوجي الدَّيْنَ بسبب مصاريف السجن... دائمًا أحمل مسؤولية لأمي وأبي في خاطري، لكن لا أتمكَّن أن أقول لهم كل هذا، إنَّنِي لا أتمكن من مسامحتهم، ولا حتى تعبيري عن اشتياقي وحبي لهم...
أنا أتعذَّب في كل مرة أرى الأشخاص مع آبائهم، وأحسُّ كأنني يتيمة.
كيف أتعامل مع الوالدين بوجود هذه الأشياء كلها؟
23/2/2021
رد المستشار
أهلا وسهلا بك يا "صفاء" على موقع مجانين للصحة النفسية
تخيلتُ الوضع وهو شبيه بالكثير من عائلات الريف أو الشمال المغربي. هناك معطيات كثيرة أظنها تخرج عن نطاق فهمك وسيطرتك، لكن البعض منها يخصك ويمكنك تغييره. وسأركّز على ما يمكنك أن تتحكمي فيه وأن تغيّريه، فالحقيقة المُرّة أنّ كل شخص يتحمّل مسؤوليته ويتّبع المسار الذي يريد، نتعرّض للضغوط والإكراهات لكنني نختار أن نسير في طريق "أ" أو طريق "ب" بإرادتنا، وحتى إن سلكنا الطريق "أ" ونريد الطريق "ب"، فإن لدينا من الإرادة وحرية الاختيار والعزيمة ما يمكّننا من تغيير المسار في لحظة من لحظات حياتنا. أبوك لن يتغير في هذه النقطة، فهو يتاجر في تجارة قليلة التّعب كثيرة الأرباح، ولا يكاد يعرف غيرها، ولا يراعي لنفسيتكم (السمعة أو السجن) لأنّه يرى أنّه يفعل الصواب ويُضحي من أجلكم. أمّك أيضا اعتادت على فترات الرخاء المادّي وما إن تتدهور حالتكم المادية بسبب كساد التجارة تلتجئ إلى الاقتراض لأنّها لا تستطيع التأقلم مع الفاقة والحاجة وانخفاض جودة الحياة (ملبس، مطعم، خرجات... إلخ) والناس يقرضونها في الأول لأنهم ربما يرون مظاهر الغنى عليكم ويفترضون أنها قادرة على أن ترد الدين....
المهمّ.... الكل يختار مساره، فبين تجارة قليلة الربح أو تجارة المخدرات المربحة اختار أبوك الثانية، وبين أن القناعة والصبر على الفاقة ولو مقارنة بالرفاه، وبين أن تنفق بلا قيد ولا زهد حتى عن طريق الاقتراض، اختارت أمّك الثانية، إخوتك بدَل أن يختاروا عملا آخر متعبا قليل الدخل أو على الأقل يرفضوا طلب أبيهم ويستعينون مبدئيا بماله للقيام بمشروع أو تجارة صغيرة.... فقد اختاروا أسهل الطرق، مأزق الإدمان وحلاوة الجرعات العالية من الهوس واللذة المؤقتة، والدخل السريع.... وأتفهم خوفك على أخواتك، وربما تكونين أنت المرشدة لهم.أقول هذا حتى تعرفي حدود قدرتك وتأثيرك على الظروف، لا يمكنك أن تغيّري كل شيء، لنتفّق على هذه النقطة لأنها مهمة جدا، وهي بداية الانعتاق واسترجاع الطمأنينة النفسية ولو نسبيا.
لذا أعود لنقطة ما يمكنك تغييره:
- نفسك وأفكارك بخصوص والديك وطريقة تعاملك معهما.
- وضع حدودا واضحة مع أهل زوجك.
- وأخيرا ردّة فعلك اتجاه واقع أسرتك وشعورك باليُتم.
إن فكّرت أن لديك والِدِيْن لا يمكن تغييرهما مهما حاولتِ، وهما يقومان بأفعال مخزية بالنسبة إليك، فستعلمين أن التعبير عن الشوق والحب لهما ليس شيئا صعبا إن ضغطت على نفسك وتركت مشاعرك الطبيعية تخرج دون رقابة وتأنيب ضمير أو نزعة أخلاقية تريدين أن تؤدّبي بها والديك، لأنك ربما تعجزين عن التعبير عن حبك لأنك تظنين بأن عبوسك وصمتك اتجاههم يوصل لهم رسالة عتاب وإن عبرت عن حبّك كأنك تؤدينهما في فعلهما، وواضح أنه لا علاقة بين الأمرين. فأنت كما قلتِ لا تستطيعين التعبير عمّا ترفضينه وتكبتين كل ذلك في صدرك، وفي الوقت نفسه تحاولين معاقبتهم ولومهم بطريقة الصمت والجفاء الذي تقومين به، وهنا يكمُن الخطأ، لأنك لم تفرّغي بالكلام والحوار، ولو لمرّة واحدة، فلم تتركي مجالا لمشاعر الحب أن تخرج للعلن بطريقة سلسة وسليمة. تلومينهم بصمتك وجفائك لأنهم لم يفتحوا لك المجال لتعبيري عن استيائك ورفضك. عبّري عنه بطريقة لطيفة وقد لا يغيرون رأيهم وقد يغضبون حتّى لكن المهم أن تعبري عمّا بداخلك، بعد ذلك ستجدين أن التعبير عن الحب بعد تفريغ غضبك وإحباط أسهل بكثير.
ليس ضروريا أن تُسامحيهم ! إن عذرتهم كان كافيا ومن حقك أن تؤاخذيهم عكس ما يدندن به الناس في عالمنا العربي الإسلامي، لكن هذا لا يعني أن تكبتي مشاعر الحب وتخفيها عنهم. لديك الحق في أن تؤاخذيهم وأيضا لديك الحق في التعبير عن حبك لهم..... على أساس أنه موجود كما قلتِ أما لو كان غائبا فهذا كلام آخر
أما النقطة الثانية أظنها أسهل بكثير من العلاقة مع والديك. وهي أن أمّك تقترض من أنسابك دون علمك، أعتقد أن كلاّ منكم يقف على شعرة. فالأنساب يظنون أنه من اللائق أن يُقرضوا أمّك لأنها أمّ زوجة ابنهم، وربما يعتقدون أنّك ستغضبين وسيؤثر على علاقتك بزوجك، وأنت صامتة لا تعبرين عن رفضك، بالتالي تشعرين أنّك شريكة في "الجريمة" وتشعرين بالذنب والخزي أيضا، لأنّ موقفك لم يكُن واضحا وتجاملين أنسابك.
الحل أنّك ستقولين لهم بطريقة لبقة خالية من الدراما والتشنّج أنّ أمّك تقترض لكنها لا تعيد المال لأصحابه (فيها vice بالدارجة) فلا تُقرضوها وأنا ضدّ أن تقرضوها ولن أغضب إن رفضتم فهذا حقّكم ولا تفعلوا ذلك من أجلي أو من أجل علاقتي بزوجي، أو أوصي زوجك بفعل هذا إن خفت أن يخبروا أمّك أنّك من قال ذلك، وإن تكتّموا كان أحسن، مجرّد رفض وتهرّب.... بهذا نحن أمام نتيجتين لا ثالث لهما، إما أن يستمرّوا في إقراضها تحرّجا وتملقا وهذا شأنهم وقد أبرأت أنت ذمّتك ورقبتك، فلا تؤنبي ضميرك وستعرفين أنّ ذلك خيارهم هم ولا علاقة له بك وسترتاحين في هذه النقطة، وإمّا أن يرفضوا إقراضها وستمنعين أمّك من التمادي في هذا "الإدمان" كما وصفتِه لنا.
النقطة الثالثة أعتقد أنّها متعلّقة بطريقة تفاعلك مع والديك، أنت من تأثرت بالأوضاع وشعرت بالنفور ثم باليُتم، حاولي أن تتمتعي بوالديك وضعي أحكامك الأخلاقية جانبا! يبدو الأمر عبثيا وغير منطقي لكنه هو الحل الحقيقي والواقعي في غياب تام لقدرتك على تغييرهما، فلا أنت غيرتهما ولا أنت تمتعت بهما!! فما الأفضل في نظرك؟!
بالنسبة لأخواتك حاولي مرافقتهم والسؤال عن أخبارهم، وتشجيعهم على التعلم والدراسة ليخرجوا من تلك البوثقة، لكي يبنين مستقبلهما بطريقة مستقلة على الأسرة، فإن لم يكن البديل فصعب أن يخترن شيئا غير الذي أمامهم (مثل ما حصل لإخوتك وأبيك)
تمنياتي لك بصلاح الحال، والله المعين. وما دُمت تضعين حدودا للأذى فلا يصلك منهم فتمتعي بأسرتك على عِوَجها وإلا ستخسرينها معنويّا قبل أن تخسريها فعليا.