فشل في العلاقات
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... اسمي يونس، منذ أن وعيت على نفسي وأنا أعاني من فشل في العلاقات، ومُنَفِّر للناس... هل بسبب الاحتياج الشديد للناس ربما؟.. سواء في الثانوي أو الجامعة حينما كنت في الثانوية أتعَرَّض للإهانات ولا أرُدُّ، خصوصًا من زميل لي، وبالرغم من ذلك كنت أجلس معه، كنت أخاف أن يبتعد عنِّي الناس (لا أعرف ما سبب الخوف!)... حتى في يوم قام أحدهم بإهانة شاذَّة لي دون أن أُحَرِّك ساكنًا.
تطور الحال حتى وصلت إلى التَّأهيلي (مرحلة ثانوية في الدراسة)، وانتقلت إلى ثانوية أخرى، وهناك تعرَّفت على أُنَاس جُدُد، هناك اكتسبت مَنَاعَةً من جديد، صِرْتُ أحب نفسي مجدَّدًا، والسبب الرئيسي في ذلك حُبِّي لفتاة، فكنت أعتني بنفسي، ومع ذلك رفضتني... وبعدها دخلت لأول مرَّة في تراكم صدمات (رغم أن في سني هذه لم أعد أحسبها صدمات، ههه).
المهم في 2 ثانوي دخلت فِيما يُسَمَّى بعقدة نقص، كنت أرى نفسي أقلَّ من أقراني، وحينها كنت مُدْمِنًا للإباحية، وأيضًا كنت أتشاجر كثيرًا مع زملائي، ليس لي هدف في الحياة سوى البكاء على الماضي والفتاة التي رفضتني وذهبت إلى فرنسا هي وعائلتها، لحد الآن أنا مُتَعَلِّق بها وأريد أن أنساها... المهم كنت في تلك المرحلة شخص غير محبوب، قليل الابتسام، وروحي ومعنَوِيَّاتي صفر، والكل يعلم أني كنت ضعيف الشخصية وأيضًا جبان، لا أحد كان يحب الجلوس معي ولا صُحْبَتِي، قِسْمُنَا كانوا نفس العقلِيَّة تقريبًا إلَّا أنا، وبسبب ما وقع لي أدَّى ذلك إلى تشَكُّل الإيجو في داخلي، وأصبحت قاسيًا لا أُسَامِح، وأصبحوا يعملوا لي ألف حساب، لكن ما حصل في مقابل تلك القساوة هو أنِّي أصبحت شخصيَّة مُنَفِّرَة، كان هناك أشخاص يستحقون وهناك أشخاص لا، ومع ذلك لم يَكُن لي صداقات نهائيًّا، وبذلك كنت أشعر بالوحدة.
وفي تلك السنة بالضبط بدأ يظهر عندي أعراض الاكتئاب، ولكن بسبب انشغالي بالامتحان قمت بكَبْتِ كل ما يضُرُّني، حتى أن والداي _جزاهم الله كل الخير_ قاما ذات يوم من تلك السنة بإذهابي لطبيب عام بسبب البواسير، واكتشف أنِّي أعاني في القولون العصبي... وهنا بدأت فترتي الجامعية، ذهبت بكل ثقة في الله وفي النفس، كان لي هدف مُسَطَّر، إلَّا أنِّي عانيت في سنواتها الأولى من مشاكل مع زملاء الكراء، حيث كانوا أناسًا عاديين كأيُّها بشر إلَّا أنهم كانوا لا يهتمون بالدراسة، وهذا الشيء أَحْدَث بيننا مشاكل، خصوصًا مع أحد من هؤلاء كانت المشكلة أنَّه أحيانًا لا يقوم بواجباته تجاه المنزل وعندما لا أقوم بواجب من واجباتي تجاه المنزل ينزعج، حتَّى أنِّه قطع علاقته بي، ومنذ ذلك الوقت وهم يعاملوني معاملة سيئة جدًّا، ولا يقومون بمُناداتي (حتى الأشخاص الذين كان تعاملهم معي بشكل جيد).
في تلك الفترة ذهبت وقمت بالكراء مع شخص آخر، وكانت كل الأمور تُبَشِّر بالخير، فقد كان شخصًا طيبًا لا يحمل ضَغِينةً ولا حقدًا، وكنت أَجِدُه حينما أكون محتاجًا، وأنا أيضًا أرُدُّ له معاملته بالخير... ومرَّت سنة على لقائنا، حتَّى حَمَل متاعه وذهب ليتركني وحيدًا في المنزل بدون سابق أي إنذار، وهناك تأكَّدت أنَّه ليس لي أصدقاء حقيقيين، ليس لي من يُضْحِكُني حتى.
أرى الناس يمارسون حياتهم بشكل جيد، يلتقون في الجامعات، الأصدقاء فيما بينهم يضحكون ويَمْرَحُون، وأنا لا أجد صديقًا، حتى أَصْبَحَت لي عُقْدَة التَّعَلُّق بالناس، صرت أخاف أن يتركني الناس وحيدًا، لذلك قمت بالاتصال بشخص ظننته صديقًا لكي يكون معي في المنزل لأنِّي كالبشر لا أحتمل الوحدة... في الأوَّل كان تعامله جيدًّا، كان يقوم بمراسلتي من الحين للآخر، وبعد مدة أصبح يستغِلُّني ويطلب أغراضي، وإذا رفضت يقوم بابتزازي ويقول لي "كنت تتعامل هكذا لذلك لم يُحِبُّوك في الماضي (للسيطرة)"، واكتشفت بعد ذلك أنه استغلَّني، وأنا بسبب الخوف من الوحدة دخلت في دوائر غير جيدة من العلاقات.
أريد أن تُقَدِّموا لي نصيحة لعلِّي أَنْتَفِع بها...
شكرًا.
9/3/2021
رد المستشار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..... أشكرك على متابعة موقعنا وثقتك به... لقد ذكرت بتفاصيل ودِقَّة مشاكلك وما تعاني منه، وعلى ما يبدو كنت تقرأ كثيرًا لمحاولة إيجاد حلول أو لِفَهْمِ مَوْضِع الخَلَل.
الفاضل صاحب المشكلة، يمكننا تلخيص مشكلتك في نقطتين وهما: رغبتك الشديدة التي تصل إلى حدِّ الهَوَس في الحصول على الاهتمام من الآخرين، وبذات الوقت خوفك الشديد من الرفض وما يليه من ألم، وما بين الاثنين تتفَرَّع تفاصيل حكايتك.
إن الاهتمام من الآخرين هو حاجة إنسانية أساسية ومهمة جدًّا في مراحل حياتنا، وخصوصًا المراحل المُبَكِّرَة منها، ويكون هذا الاهتمام كشهادة الاعتراف بوجودنا وتفَهُّم ماهِيَّتِنا وقُبُولنا في مُحِيطِنَا، وهو يُشَكِّل لَبِنَةً أساسية ضرورية لنا للنمو باتزان نفسيًا وجسديًا.
إن أهم مصدر للخوف من الرفض هو تجربة الرفض في الطفولة من قِبَل الوالدين، وشخصيات الأبوة والأمومة (الأجداد والأشقاء الأكبر سنًا والمعلمين... إلخ)، قد يكون هذا الرفض في شكل عَدَاء صريح، أو إهمال بسبب قلة الاهتمام أو نقص المهارات الأبوية، وهناك أيضًا أسباب إضافية للخوف من الرفض كتجربة صادمة مبكرة مُحَدِّدة للخسارة (مثل فقدان أحد الوالدين) أو الرفض، أو التَّخَلِّي عنك عندما كنت صغيرًا، أو التعَرُّض للتَّخْويف أو السخرية بشكل متكرر، أو الإصابة بحالة جسدية تجعلك مختلفًا أو تعتقد أنها تجعلك مختلفًا، أو أنك لست جذابًا كالآخرين.
اذا فُقِدَ الاهتمام في الطفولة فإنه ينشأ لدى الشخص مقابل هذه الرغبة في القبول الخوف من رفض الآخر له، مِمَا يدفع الشخص لأن يتَمَوَّه مع الآخرين حتى يندمج ويتم قبوله ولو بشكل غير شخصي محدد.
ومع تقدُّم العمر وتزايد الخبرات السلبية يتكون شيء آخر وهو تناقص الثقة بالنفس، وهذا ما حدث ويحدث معك، فغالبًا يشعر الشخص الذي يعاني من الرفض أنه حصل له نتيجة خطأ ما في شخصيته، أو نَقْص في سماته الجسدية، أو لأنه لا يمكن أن يكون بمستوى الآخرون.... إن الرغبة القهرية في الحصول على التَّقَبُّل من الآخرين والخوف من رفضهم تُنْبِئ بالعديد من الأفعال في حياتنا والطريقة التي نعيش بها ونتفاعل معها.
وبالتالي يمكن أن تكون عواقب التجربة المُزْمِنَة للرفض هي تَدَنِّي احترام الذات، والاكتئاب، والوحدة، والعُدْوَان، والحساسية المُتَزَايِدة للرفض في المستقبل، والمَيْل إلى النقد الذاتي الحاد ورفض الذات، ثم انتقاد ورفض الآخرين، وهذا بدوره يؤثر في اختيارات الشخص في مجالات حياته المختلفة سواء في العمل أو الدراسة أو الأصدقاء والعلاقات، دائمًا يرضى بالفُتَات من كل شيء، وفي قرارة نفسه إيمان بأنه لا يستحق أكثر، ويتغاضى عن الإساءات كذلك لنفس السبب.
أَطَلْتُ الحديث في شرح المُسَبِّبات والتَّبِعَات لأن جزء كبير من العلاج هو رؤية الصورة كاملة وليست أجزاء منها، وفهم ما يحدث بداخلنا يساعدنا على قبول تصرفاتنا، وبالتالي النُّهوض بأنفسنا نحو التجديد.
لنتَّفِق قبل أن أُدْرِج لك بعض الاستراتيجيات لمساعدتك أن درجة معينة من الرفض (التي قد تكون تجربة رفض) والرفض الفعلي من الآخرين مَقْبُولة، وهي جزء لا مَفَرَّ منه من الحياة.
أنت تتعامل مع مشكلتك كالتالي:
· من المستحيل أن تقول "لا"، حتى لو كان هذا يجعل حياتك أكثر صعوبة، وقد تقضي الكثير من الوقت في فعل أشياء لا تريد فعلها حقًا.
· عدم الحَزْمِ: لديك صعوبة أو رفض التحدث عن نفسك، أو طلب ما تريده أو تحتاجه، ودائمًا تتجَنَّب المواجهة وتتظاهر بأن احتياجاتك الخاصة غير مهمة أو غير ضرورية، لذا تحاول إغلاق هذه الاحتياجات أو استبعادها.
· السلوكيات العدوانية السلبية: فأنت غير مرتاح لذاتك "الحقيقية"، وقد يشمل السلوك: الشكوى المزمنة، أو الإخلال بالوعود أو تناسيها، والمُمَاطَلَة، وعدم الإيفاء بالعمل المُنجز أو عدم إتمامه بكفاءة.
· التباعد الاجتماعي والاكتفاء الذاتي: إن إحدى الوسائل الدفاعية لحماية نفسك من ألم الرفض والخوف منه هي الحفاظ على مسافة عاطفية عن الآخرين.
هل أصبحت الرؤية واضحة الآن؟ هل ترى الطريق للحل؟... إن مشكلة هذه الطرق التي تتعامل بها ضد الرفض المُحْتَمَل تَكْمُن في أنها تميل إلى تحقيق الذات لأنها تجعل التَّوْقَ إلى القبول مستحيلًا، وتحافظ على مشاعر عدم الانتماء والرفض.... أنت تعيش في شَرْنَقَةٍ تحميك من أَلَمٍ مُحْتَمَل ربما، ولكنك لا تعيش، أنت مُعَلَّق فقط.
إن الحياة الصحية المُتَّزِنَة نفسيًّا وجسديًّا لا بد أن تتَضَمَّن على الانفتاح على الآخرين، وبالتالي احتمالات خطر الرفض.... قد تعتقد أنه من الأسلم العيش في شرنقة حيث لا ألم، ولكن سيكون هناك أيضًا لا مشاعر، لا تفاعل، لا شيء، وبالتالي ستعيش في صحراء عاطفية.
إن الإستراتيجية الوحيدة التي سأنصحك بها هي الحَدِّ من الخوف وإحساسك بالخِزْيِ المُحِيط بحاجتك لوجود الآخرين، وحتى تتجَنَّب إعادة تمثيل تجربتك في الرفض وألمها: اسبق مخاوفك واستعد لها، واختلط بمن حولك، وتحدَّث عن تجربتك، فقد تجد قصصًا كثيرة مثلك تجعلك تدرك أنك لست وحيدًا حتى في خوفك، وهذا يمكن في حد ذاته أن يُقَلِّل من مشاعر الخزي والوحدة.
اعرف أين الأساس في مشكلتك (أنت فقط من يمكنه ذلك)، وتأَمَّلْهُ، وامنح ذلك السبب ما يستحق من مشاعر سواء كانت بكاء أو صراخ، ثم تصالح معه وتجاوزه، ابني ثقتك بنفسك وذلك بأن تحب نفسك أولًا.
لو استطعت أن تستوعب كل ما سبق، وأن تُطَبِّق الحل فستكون بأحسن حال بإذن الله، ولكن لو لم تستطع التَّغَلُّب على نفسك فقد يكون من المفيد لك الذهاب إلى معالج نفساني من أجل معالجة هذه المخاوف بشكل فعَّال.
واقرأ أيضًا:
تأكيد الذات