لا أريد الانتحار، ولكنِّي لا أريد أن أحيا أيضًا
السلام عليكم. أنا أعاني حاليًا من اضطرابات داخلية نفسية. أنا أُحِبُّ الفَنَّ والتصميم التِّقَنِي، بل رُبَّما هُو هَوَسِي، حتى أنَّنِي لا أريد أن أَرْتِبَط عاطفيًا حتى أتفرغ لهذه الهوية التي أحاول أن أجعلها مِهْنَتِي.
فقدت الشغف في كل شيء، ليس لدَيَّ رغبة في فعل أي شيء على الإطلاق، أكره نفسي بشكل بشع، أشعر باليأس، حتى أنَّني لا أَقْوَى على قراءة شيء أو حفظ أو فهم شيء أو مقاومة أيَّ شيء يحتاج تَدَخُّل أو حل مشاكل سواء كانت صغيرة أو كبيرة. لم أَكُن كذلك سابقًا، بل كنت أَتَّصِف بالإصرار.
لم أَحْظَ بطفولة سَوِيَّة، أمي غير مُتَّزِنَة، وغضبها عَارِم عند عدم الاتِّفَاق، وغالبًا كلها أمور بسيطة يمكن أن تُحَلَّ ببساطة، ولكنها في وجهة نظرها نهاية العالم. لقد عانيت اضطراب في أسرتي، كنت أعيش مع إخوتي الغير أشقاء، وأمي كانت تكرههم، وهي التي زَرَعت كل هذا السُّوءَ بيننا. أمي لا تعترف بأنها مُخْطِئَة أبدًا، ودائمًا ما تَتَّهِمُني بِكُرْهِي لها، غَيْرَ أنَّها تُمَيِّز أخي الصغير دائمًا، لكنها لا ترى هذا نهائي.
لقد كان والدي أيضًا بعيد، وكان يتَصَرَّف بأنانية، حتى أنه تزَوَّج للمرة الثالثة وأنا وقتها كنت بالسَّنَة الثانية بالجامعة. وهنا بدأت حالتي النفسية تسوء، وكرهت كل من حولي، وتطَوَّر عندي الوسواس في كل شيء، وإنَّه يَصْعُب عليَّ القول أنه يُمُزِّقُنِي إِرَبًا، لكنه يحدث.
عندما تقترب دَوْرَتي الشهرية أشعر كأنَّها نهاية العالم. ولا أَثِق بأحدٍ أنَّه يُحِبُّنِي أو سيبقى معي أو... أو... أو...، لا أثق بأحد.
في ٢٠٢٠ كانت أسوأ أيام حياتي حيث تشاجرت مع أمي لأنها غير نظيفة ولا تَطْهُو طعامًا نظيفًا أو حتى له طعم، فاقترحت أن أَقُوم أنا بالطَّهْوِ أيامًا وهي أيام، ولكنها نهاية العالم بالنسبة لها، وتفَاقَم الوَضْعَ، وتَوَلَّيْتَ مسؤولية المطبخ كله من أول الشراء حتى التحضير، ولم أكن مُسْتَعِدَّة لذلك، وقاطعنا بعضنا أنا وأمي.
منذ أن تَوَّقفت عن الطهو وأنا لا أرغب في فعل شيء أبدًا. حاولت الوقوف على قدمي، ولكنِّي سُرْعَان ما أَسْقُط سقوط غير طبيعي.
الآن يُطَارِدُني هَاجِسٌ يُشْعِرُني بأني سأفقد أبي قريبًا. منذ أن تَغَيَّر للأفضل وأنا أشعر أني لا شيء بدونه. أعيش في غرفتي طول اليوم، نادرًا ما أخرج، ربما لا أخرج أبدًا، لا أريد أن أرى أحدًا أو أرى الشارع.
كنت أعمل في خدمة العملاء، ولكني لم أَتَحَمَّل ضغط الأعصاب، فتركته على الفور.
الآن أنا لا أرى شيئًا له طعم، لا فائدة في أي شيء، وبعد أن كنت مُلْتَزِمَة دينيًا إلى حد ما وأقرأ الأذكار كل يوم، أصبحت حتى لا أَقْوَى على النهوض إلى الصلاة. لأ أجد سببًا لأنهض من مكاني، لا أجد سببًا لآكل طعامي، معظم وقتي أتَغَذَّى على الماء، نادرًا ما أشعر بالجوع.
فكرت في الانتحار أكثر من مرة، ولكن لم أحاول، رُبَّما أتَّصِف بالجبن _لا أعلم_، ولكنني لا أريد أن أخسر آخرتي أيضًا.
لا أعلم ماذا أفعل! أريد أن أفعل ما أحبه، أريد أن أنهض لأكون عَوْنًا لأبي، حتى إنَّنِي لو _لا قَدَّرَ الله_ فقدته لن أترك سريري وغرفتي من اليأس والإحباط. أكره حياتي ونفسي، وأعلم عندما أتشاجر مع أصدقائي أنه في النهاية أنا المشكلة بطريقة أو بأخرى.
أعتذر على الإطالة.
وفقكم الله.
2/4/2021
رد المستشار
عزيزتي، أُحَيِّيك على شجاعتك لطلب المساعدة، ومن الواضح مدى ذكائك وفهمك الواسع من طريقة سَرْدِك لتاريخك المرضي.
من المؤسف تعرُّضُك لمواقف صعبة في طفولتك، فمن الواضح أن هناك صِلَة مباشرة بين الماضي وما تعانين منه الآن، فأنت حتى الآن تعيشين تحت وطأة الماضي وآثاره.
هناك الكثير من الدراسات التى أشارت إلى أن إساءة معاملة الطفل قد تسبب تغيُّرات عضوية في الدماغ تؤدي بدورها إلى زيادة احتمالات إصابته بالاكتئاب في الكِبَر.
وعلى ما يبدو فإن لديك أيضًا مشاكل أخرى مُصاحِبَة للاكتئاب:
1_ الغضب والعدوان.
2_ قلق.
3_ كآبة.
4_ صعوبة الثقة بالآخرين.
5_ الخوف الدائم.
6_ مشاعر العُزْلَة حتى في وجود الآخرين حولك.
7_ عدم احترام الذات.
8_ السلوك المُدَمِّر للذات.
عزيزتي، نصيحتي الأولى والأهم لكِ هي عدم إِهْدار المزيد من الوقت، والتَّوَجُّه لطبيب مُخْتَص لطلب المساعدة لأنك أصبحت في مرحلة بحاجة إلى مساعدة على الاقل في البداية حتى تستطيعي إِكْمال المِشْوَار لحياة صحيَّة مُنْتِجَة فيما بعد وتستمتعي بحياتك، فأتمنى ألَّا تُهْمِلي هذه الخطوة.
أمَّا نصيحتي الثانية لك فهي التسامح. لن تستطيعي أن تَمْضِي للأمام وأنتِ تَحْمِلين كل هذه الأَحْمَال من المشاعر السلبية تجاه أقرب الناس لكِ.
أمُّك حتى وإن أساءت لكِ في وقتٍ ما _وحتى لو كان لوقت قريب_، لعَلَّها قامَت به بِجَهَالَة، لعَلَّ هذه هي قدرتها على العطاء وكفى. ادْعِي لها، ولا تحملي عليها بقلبك حقدًا فهي من حَمَلَتْكِ ببطنها تسعة أشهر، ولا تَعْلَمِين ما تحَمَّلَت من أجلك ولا كيف كانت ظروفها مع أبيك. سامحي، وارْمِي ما كان، واغسلي قلبك.
أمَّا بالنسبة لوالدك، فتَقَرَّبِي منه، فلَعَلَّ قُرْبَك منه وتَفَهُّمك يكون بحد ذاته عَونًا له لِأَنَّ في أحيان كثيرة الوالدين بحاجة إلى من يسمعهما بدون عِتَاب، كان الله في عَوْنِهِما فلديهم أحمالهم وهمومهم.
وأمَّا أخيرًا، فأنتي محظوظة كَوْنُك تمتلكين الموهبة الفنية، فهي علاج للروح ومَنْفَذ للمشاعر السلبية المخزونة. مارسي فَنَّك كشيء أساسي كالطعام والشراب حتى لو لم تشعري بأنك تريدين فعل ذلك في البداية.
وبالأخير أعود وأُشَدِّد على أهمية زيارة طبيب مختص، فأنت تحتاجين لمساعدة لتتجاوزي الاكتئاب، وربما كذلك الوسواس القهري مع أنه من المحتمل كثيرًا أن يقل مع تَعَدُّل حالتك المِزَاجِيَّة.
وفَّقك الله عزيزتي، وأتمَنَّى أن تُوَافِينَا بمُسْتَجَدَّاتك.