تأثير الشكل على قبول الخاطب من عدمه
أنا فتاة عمري 24 سنة. تقدَّم لخطبتي الكثير، ولم يحصل نصيب. طبعًا لكل فتاة مواصفات في الشريك الذي تختاره، وأنا من بين المواصفات التي أرجوها كانت الشكل، فهو مسألة تُهِمُّني وتَعْنِيني كثيرًا، حتى أنني إذا لم يعجبني شكل الخاطب ينقبض قلبي ولا أرتاح. وإنَّنِي كنت أدعو الله كثيرًا أن يرزقني زوجًا وسيمًا، ليس لتلك الدرجة ولكن شكله يعجبني، وكنت أُلِحُّ في ذلك.
ومؤخرًا تقدَّم لخِطْبَتِي شاب خلوق ومُتَدَيِّن وطموح، ومستواه التعليمي والمادي أقل مني لكن لا يهم. المشكلة أن شكله لم يعجبني. وأنا فكَّرت واستخرت وقلت أن جمال الشكل زائل وتبقى فقط الأخلاق والمبادئ وحسن المعاملة، فَقِبْلت وفكَّرت أن شكله سأعتاد عليه وأتجاوز هذا الأمر. وربما الله لم يستجب لي في مسألة الشكل لأنها خِيرَة.
مضى على الخطبة ثلاثة أشهر، وما حصل أنِّي لم أستطع تقَبُّل شكله برغم مميزاته، وأصبحت أتطَلَّع إلى الشباب وكم هم وسيمين مقارنة به، مع أنِّي لم أكن أفعل هذا من قبل، وأستنكر على نفسي هذا الفعل.
المشكلة الآن أني خائفة، كل خوفي هو عليه وعلى العلاقة كيف ستكون بعد العَقْد. أخاف أن أظلمه معي بعدم اهتمامي به أو نفوري منه، فالزوج يحتاج أن يسمع كلمات الحب والغزل من زوجته، وأنا لن أستطيع تَلْبِيَة ذلك لأني لا أُحِسُّ بشيء تجاهه. كيف سأقول ما لا أحس به؟
أنا حائرة جدًّا. أخاف أن أُكْمِلَ معه فأظلمه معي ولا أُلَبِّي احتياجه العاطفي، وأخاف أن أتراجع فأخسر إنسانًا مثله. وربما أجد من يُرضِينِي شكلًا لكن لا يُحْسِن معاملتي أو شيئًا من هذا القبيل.
أفيدوني رجاء.
24/4/2021
رد المستشار
أهلاً وسهلًا على موقع مجانين للصحة النفسية الأخت "صفاء"، وأهلًا بالمغاربة.
لم تتقبَّلِي شكله ولن تتقَبَّلِيه لأنّك تضغطين على نفسك لتقبل فكرة مثالية. أمر طبيعي! فأنت بالكاد ترين أنّه من حقّك أن ترفضي شابًّا لا ترتاحين لشكله، حتى إن كانت رغبتك الدفينة في شاب مقبول الطلّة بالنسبة لك، فأنت تخضعين لمثالِيَّات المجتمع والدين، فما يُقال من قبيل "الشكل غير مهم مُقابَل الأخلاق" إنما هي كليشيهات مثالية عن معايير الزواج وجعل الارتباط بين شخصين قائمًا على نظرة "أخلاقوية" تُخفِي أو تُنكِر الجوانب "الشهوانية" للإنسان (خصوصًا فيما يخصّ المرأة، وسأعود لهذه النقطة) بالتالي تظهر هذه الصراعات بشكل حقيقي في الحياة الزوجية، وحتى بعد خروجها تخرج في نسخة أخلاقوية لا أحد يريد أن يبُوح بالسبب الحقيقي فيها وسط النزاع، فتشتكي المرأة من قِلَّة المصروف، أو كثرة الخروج، وأمّه وأخواته، والرجل من نظافة البيت وأنها تذهب كثيرًا عند أهلها أو لا تهتم بالأطفال. ووراء الأكِمَّة ما وراءها من إحباطات بخصوص الجانب"غير المهم" من شكل أو مُقَوِّمَات أو ممارسة حميمية.
أما الفكرة الثانية هي مثاليَّاتُنا السيكوجتماعية التي تأخذ شكل تديُّن وتقوى ورضى بالأقدار وتدبير الخالق، في قولك مثلًا (وربما الله لم يستجب لي في مسألة الشكل لأنها خيرة). تأملي معي هنا كيف تضغطين على نفسك لتتقبلي فكرة معارضةً تمامًا لطبيعتك، وما طالبك الله أن تعارضيها، بل أن تعيشي ذاك الضغط الذي تعيشه الكثير من بناتنا في مجتمعاتنا، وهي أن البنت لا ينبغي لها أن تضع معايير حسن وجمال وقبول واشتهاء إِزَاء الرجال الذين سيتقدَّمُون لها، عليها فقط أن تركز على كفاءته ومسؤوليته وطريقة تعامله! هكذا يُقحمون الأنثى في زاوية ضيقة عكس الرجل الذي يتخَيَّر ويُعرِب عن إعجابه واستيائه من تفصيل في جسد الأنثى ولا يعيبه شيء وقد يكون شعرها الأشعث كافيًا لرفضه ولا أحد يُعيّرُه. أمَّا لو فعلتْ البنت هذا فهي للفجور أقرب ومُتطاوِلَة على التابوهات ومُتطلِّبَة ومُتَعَجرِفَة وحالِمَة (وأستثني الحالات التي تُوصَف حقًّا بهذا).
ويستمر هذا بعد الزواج، فالرجل له الحق أن يَجْهَر بشكوى الفِرَاش وقِلَّة المتعة الجنسية مع شريكته، لكن المرأة الويل لها ثم الويل إن تحدثت عن الجنس ورغبتها في ممارسة ما أو عن حرمانها وجهل شريكها الجنسي. فهذا عيب ولا يليق بالدور الذي أناطوه بها ولا الزاوية التي حشروها فيها.
لذا فتقبّلك لفكرة "خيريّة عدم قبول الدعاء" نابعة من هذا، وليس هناك علامة على خيرِيَّة أو شرّ تأتيك بعد الدعاء وتعرفينها! وقد يكون إحباطُك من عدم تقبل دعائك (الذي هو أيضًا مفهوم مشوّه جدًّا عندنا) يسير بك نحو استنتاج يُقلِّل من صراعك النفسي، فاعترافك أنّ الدعاء لم يستجَب لِكَوْن موضوعه ليس خيرًا لك خير من أن تعتقدي أن الدعاء لم يحقق لك خيرًا حقيقيًّا. وهذا جيد لاتزانك النفسي، لكن المشكلة أنه سيكون دليلًا مغلوطًا يدفعك للتخلي عن شيء مصيريّ، وهو شكل الرجل الذي سيتنامين معه وتستيقظين بجانبه، هو الذي ستعانقينه وتمزحين معه وتتوددين له وتنجبين أيضًا أطفالًا ربما سيشبهونه أكثر مما سيشبهونك أنت (إن كنت تعتبرين نفسك أجمل منه). فهل يُعقَل بعد كل هذا أن تقبلي برجل ستعانين مع شكله كما عانيت هذه الثلاثة أشهر، وستمتد المعاناة والصراع النفسي كل مرة في مناح كثيرة ومواقف عديدة؟!
وما تعيشنه الآن من مقارنة هو عيِّنَة من هذا الصراع، قبل الشعور بأنك مرتبطة ومُوشِكَة على الزوج، لم تكوني تقارنين، والآن تفعلين لأنّك بدأت تقارنين ما تملكينه حقا بما لا تملكينه، أما قبل ذلك فالرجل الوسيم المحتمل والمفترض كان من ضمن خياراتك، لكن الآن لم يَعُد! فلا تلومي نفسك، بالعكس الأمر صحيّ وينبّهك لصراع نفسي تحاولين خنقه وتجاوزه.
أما فكرة أنّك ستتأقلمين صحيحة، لكن السؤال هل ستتأقلمين مع إحباطك وعدم تقبُّلُك لشكله؟ أم ستتأقلمين مع شكله هو؟ هناك فرقر ثم التأقلم لا يعني أن تنقلب مشاعر الرفض إلى القبول أو النفور إلى رغبة، هو يعني فقط أنّ استحضار الشيء المحبط وقدرته على استنفار مشاعرنا السلبية تقلّ فليس هنالك معجزة.
أفهم حيرتك في تحديد ما هو صالح لك، وتتضارب في روحك مبادئ مثالية وتنازلات واقعية ورغبات مشروعة، وتتساءلين عن أنت مخطئة في الرفض ورفع معايير الوسامة أو مخطئة في تقبل ما يُفرض عليك في ساحة الخطّاب. لتعرفي الجواب الصحيح ينبغي أن تُحدِّدِي القصد من الزواج، هل تريدين أن تتزوجي فقط لتُسَمِّي متزوجة وأمًّا ورَبَّة أسرة؟ أم تريدين أن تتزوجي لتَجِدي مَلَاذًا لرغباتك وطموحاتك العاطفية، وتوافقًا روحيًّا وفكريًّا نوعًا ما؟
تبقى نقطة "الثنائية الزائفة" مُغالَطَة إمَّا زوج وسيم غير متخلق أو زوج غير وسيم مُتَخَلِّق، هذه الثنائية زائفة لأنها تحصر الاحتمالات كلها في احتمالين فقط، وهي خاطئة طبعًا، وإيمانك بها سيجعلك تقبلين ببساطة بزوج قبيح في نظرك لأن القُبحُ يَجَرُّ معه الخلق الحسن، وترفضين الزوج الوسيم أو تيأسي منه لأنه الوسامة تجرّ معها الخلق السيء! فأيِّ فخٍّ هذا.
من جهة أخرى أنصحك ألَّا تكوني سلبية Passive في قضية الزواج، فنموذج البنت التي تختبئ عن الأنظار أو تتفادى النشاطات الاجتماعية (لأسباب دينية أو نفسية) وتُعلِّق آمالها على لحظات سحريّة أو استجابة دعاء نموذج يُقَلِّل من فرص التعارف والاكتشاف. أنا لا أقول لك اعرضي نفسك على من يعجبك، بل ظهورك وتركك للأثر الاجتماعي يزيد من فرص أن تلتقي مع أشخاص غير النوع الذي يَطرُق بابكم، فكل نموذج من الأزواج يأتي عبر قنوات مختلفة، فالذي يأتي عبر توصيات النساء غير الذي يأتي بسبب صحبة وعشرة مع رجال الأسرة، والذي يرغب في خطبتك بسبب سمعة بيتك مختلف عن الذي يريد خطبتك لشخصيتك وتفاعلاتك التي شهدها، والذي يلاحظك في وظيفتك غير الذي يلاحظك في عُرْس، فالقنوات (وما تحتويه من أفكار نمطيّة وتصنيفات في عين الخاطب) تحدد نوعية الخطّاب الرجال الذين سيرغبون فيك مفترضين فيك التوافق معهم ومع أفكارهم ومبادئهم ومتطلباتهم. فمثلًا الذي رآك تجلسين بأدب في جلسة عائلية وأعجب بك لا بد أنّه كان تحت تأثير انطباعاته النفسية عن "نوع تأدب الأنثى ودرجة طأطأتها لرأسها أو ارتباكها أو إشاحتها لبصرها" وكلّ هذا لا يعكس شخصيتها، لكنّه يعزّز عنده فكرة "العذراء في خُدُرِها" التي تُحمِّسُه، والنتيجة أنّه سيُسقِط كل حاجياته النفسية وأحيانًا غيرته المرضيّة وأفكاره المُتَشَنِّجَة (إن كانت لديه) على هذه البنت، وسيَصْعُب عليه تقَبُّل بعض سلوكاتها وأفكارها التي تُخالِف في نظره "نموذج البنت المؤَدَّبَة المُتَدَيِّنَة في المجلس العائلي"، وسيأتي خاطبًا ومنتظرًا لأن تكون البنت كما تخيّلَها واخْتَزَلَها في موقف واحد، ولن يتزوجها في الحقيقة لما هي عليه، بل لما هو عليه (أي تزوج نسخة البنت الوهمية عنده)! وهذا يختلف تمامًا عن الذي رآكِ مرَّات ومرَّات في تفاعلات اجتماعية تظهر فيها الكثير من شخصيتك ومبادئك، وإن تقدّم لك كان ذلك على أساس خلفية فَهْم وتقبل، وبالتالي الرضا بالكثير من جوانب شخصيتك.
بكلمات أخرى أختصر فيها هذه الجزئية الطويلة، أنّ أنماط تفاعلك الاجتماعي والزاوية التي يراك منها الخطّاب (سواء كانت لباسًا أو فكرًا أو نشاطًا) تحدّد نوعية الرجال الذين يتقدّمون لك. وطبعًا لا أقصد هنا الوسامة، بل أقصد الاحتمالات والآفاق الشاسعة التي قد تكون من ضمنها الوسامة. ومن هنا ستفهمين أنّك لكِ جزء من الفاعلية والتأثير في الاحتمالات المستقبلية.
وأخيرًا أقول لك رأيي، وهو بوضوح تام، أن تتراجعي ولا تُكملي معه. افتراضك أنّك ستخسرين مثله قائم على أنّه فعلًا شخص جيد في العِشْرَة، وهذا أمر غير مؤكد رغم المُقَدِّمَات الجيدة التي رأيتها في الخِطْبَة (إضافةً إلى الثنائية الزائفة المذكورة آنِفًا). أمّا ما أنت متأكدة منه فهو شكله غير المقبول والذي يجعلك تنفرين وتفقدين حيويتك كأنثى بحبها وتودُّدِها وشعورها بالأمان. إضافةً إلى نقطة مهمّة وهي أنّ ملاحظتك للفرق بين شكل زوجك وبين شكل الرجال الآخرين سهلة ومباشرة وستواجهينها يوميًّا، أما أخلاق أولئك الرجال فتبقى خفية وبعيدة عنك ومُسْتَعْصِيَة على معرفتك، بهذا لمَّا سترين زوجًا وسيمًا مع زوجته، فلن تلاحظي إلَّا وسامته ولن تكتشفي أي نوع من الرجال هو، ليبقى الصراع على مستوى الشكل فقط لأنك كل مرة ستفترضين أن "الوسيم أمامك" حسن العشرة ما دام لم يتبيّن العكس في ذلك الموقف!
وفي النهاية كلّ ما قلتُه قائم على فرَض أنّ معاييرك في الرجل مجرّد "قبول شكليّ" وليس معايير مثالية خارقة تُطالِبِين بها، وإلاّ لاختلف قليلا ردّي عليك. وتمنياتي لك بالسداد والسعادة.
واقرئي على مجانين:
أمين واختيار شريك الحياة!
نفسي عائلي: اختيار شريك الحياة Spouse Choice