وسواس الذنب واستحقار الذات
السلام عليكم. لقد تردَّدت كثيرًا قبل أن أُرسِل هذه الاستشارة لخَجَلِي وشعوري بالذنب، ولكن لم أستطع تحمُّل ذلك الشعور أكثر، وأحتاج لاستشارة َتْنَتَشِلُني من وَضْعي.
لقد كنت مرتبطة بشخص، هو شخص مسلم وجيد، وكانت علاقتنا جيدة لا تَخْلُو من المشاكل التي يتعرَّض لها جميع المرتبطين.
المشكلة التي أخجل من التحدُّث بها هو أنه كان يحصل بيننا كلام جنس في الهاتف. نحن منفصلين حاليًا، ولقد انتهى الموضوع، ولقد تبت منذ اللحظة الأولى التي أدركت فيها ذنبي، لقد تُبْت ودعيت واستغفرت كثيرًا حتى هذه اللحظة، وقد شعرت بعد التوبة براحة بالرغم من بعض الأفكار بهذا الذنب والندم، لكني كنت أتجاوَزُها.
ولكن منذ شهرين وأنا أعاني بشدَّة فظيعة من الأفكار بهذا الموضوع والخجل والشعور المُفْرِط بالذنب. لا أعرف كيف ارتكبت هذا الذنب وأين كان عقلي! كيف قبلت بشيء كهذا! كيف سمحت له! كيف لم أفكر وقتها!
الآن أرى نفسي سيئة جدًّا ولا أستحِقُّ أي شيء، وأرى نفسي لست كباقي البنات، وأقول أنهن أحسن منِّي ولم يفعلوا مثلي، وأشعر باكتئاب وتأنيب ضمير فظيع. وأدعو الله أن يُخَلِّصَنِي من هذا التفكير ومن هذا الشعور، لكن لم يستَجِب لي، وعند عدم الاستجابة قلت لنفسي أنَّ الله لم يقبل توبتي، وأنِّي لا أستحق الاستجابة ولا أستحق أن أكون مثل باقي البنات والبشر، وأنِّي فعلت ذلك الذنب.
أنا أكتب لكم الآن وأقول في نفسي أنكم ستقولون عنِّي أنِّي سيئة، ولكني لست كذلك، والله لست كذلك، ولا أعرف كيف فعلت ذلك الذنب. أنا أبكي كل يوم وأجلد نفسي وذاتي على ذلك الفعل.
أقرأ القرآن وأُصَلِّي وأصوم، ولكن أشعر أنِّي سيئة جدًّا ولا أستحق حتى أن تكون لي عائلة فيما بعد، ولا أن أتزَوَّج، حتى أني قررت عدم الزواج لأني لا أستحق ذلك فأنا سيئة.
أنا أكتب لكم وأبكي من شدَّة نَدَمِي وإحساسي الفظيع بتأنيب الضمير. أتمنَّى العودة بالوقت وعدم فعل ذلك الذنب. منذ شهرين وأنا في هذا الوضع، ولا اعرف ماذا أفعل. أحيانًا أقول أن الموت هو الشيء الذي أستَحِقُّه.
أرجوكم دُلُّوني وأخبروني ماذا أفعل. كيف فعلت ذلك! كيف لم أُفَكِّر! أشاهد البنات وأتحسَّر وأقول أنهن أنظف منِّي وأطهر منِّي ويستحقون كل الخير، وأنظر لنفسي فأستحقرها جدًّا وأقول "أنتِ لا تستحقين أن تعيشي مثلهن وأن تخرجي مثلهن وتستمتعي وتتزوجي، أنتِ لا تستحقين شيئًا".
لقد تعبت كثيرًا، لقد أتعبني تأنيب الضمير والتفكير بهذا الموضوع. لقد أصبحت أتوَسَّع بالتفكير كثيرًا، وأصبحت أضرب نفسي من شدة نَدَمِي.
وأنا مواظبة على صلاتي وأصوم وأقرأ القرآن، حتى أنِّي ختمت القرآن السنة الماضية، ودعوت أن يتوب الله عليَّ ويسامحني على هذا الذنب، لكن الآن من شدَّة عذاب ضميري وتفكيري وجلدي لنفسي أشعر بنقص إيماني لأن الله لا يستجيب لي عندما أدعوه بصرف هذه الأفكار عني. لماذا لم يستحب لي؟ لأنِّي لا أستَحِقُّ ذلك، لأني سيئة. كيف لي أن أطلب شيئا كهذا؟!
لا أستطيع التحمُّل أكثر فهذا الندم يأكُلُني ويُشْعِرُني بالجنون.
أتمنى منكم الاستجابة لاستشارتي، أرجوكم.
24/4/2021
رد المستشار
أختنا الكريمة كاملة مرحبا بك وبعاطفتك ويقظة ضميرك وتوبتك وندمك، مرحبا بقلبك الذي يصحح مساره إن أدرك أنه أخطأ
لقد وقعت في خطأ كما تذكرين وحاولت تصحيحه وتحمل تكلفته لكنك لم تتقبلي حتى الآن وقوعك في الخطأ، تريدين الزمن يعود والخطأ لو كان لم يقع ولم تكتفي بذلك بل تريدين أن تفعلي أكثر من الخطأ والذنب الذي وقعت فيه أتدرين ما هو؟
أن تضيعي الوقت في أمور ليست بيدك ولا تفيد بل تعطلك عما هو أهم وعما هو أكثر فائدة وتستهلك وقتك وطاقتك بل وتؤثر على علاقاتك بمن حولك.
الذنب علاجه في الدين الإسلامي أمران أحدهما أو كلاهما: التوبة أو/وأن تتبع السيئة الحسنة وليس في الدين ما تفعلينه الآن وهذا يعني أن مشكلتك لها علاقة بحالة توتر نفسي ربما تكون مؤقتة وتتعافين منها بإذن الله، فمن المهم الوعي بذلك.
الأخت الكريمة، أتفهم معاناتك وندمك على خطئك لكن لا أوافقك فيما ترينه في نفسك أنك أسوأ الفتيات ولا تسامحين نفسك وتعطينها حق الخطأ والغفلة.
هل يدخل أحد الدنيا ويخرج منها بلا خطأ أو ذنب؟ هل أنت أسوأ فتاة في مجتمعنا؟ هل تعرفين ذنوب من حولك في السر والخلوات وفي العلن؟ هل كل من ابتلي بخطأ يجاهر به؟ لم لدينا توبة؟ ولم لدينا رب سمى نفسه جل في علاه الغفور الرحيم؟ لأن لديه عباد سيذنبون ونفوس تضعف. هل تتفقين معي في ذلك. أعرف أنك تؤيدين هذا ولكنك تجدين نفسك في انشغال بالهم والذنب غصيا عنك. لذلك أريد أن أناقشك في بعض أمور رسالتك:
الخطأ وقع؟ فلا تفكري في تمني رجوع الزمن لأن هذا محال وهذه استراتيجية تمنى تعبر عن عدم قبولك لوقوع الخطأ.
تقبلك لوقوع الخطأ هو اعتراف بأنك بشر يخطئ ويصيب فهل ترغبين أن تكوني فوق البشر، في مقابل ذلك ترين نفسك دون أقرانك. أليست هذه مفارقة تستحق التأمل منك؟
تقولين: هم احسن مني ولم يفعلوا مثلي.... فهل تقيمين الناس على خطأ بعينه وقعت فيه؟ هل سيكون تقييمك عادلا؟ ربما في قلبك ما هو أفضل وربما يكونون أفضل منك في أشياء وربما عندما يذنبون لا يتوقفون عند الذنب مثلك.
أنت تصدرين بعض الأحكام مثل: ستقولون عني سيئة -قررت عدم الزواج لأني لا أستحق ذلك فأنا سيئة: نحن نتفهم معاناتك ولا نحكم عليك ومن المهم أن نفصل بينك وبين الخطأ وأنت كذلك أنت إنسانة لديك في سجلاتك خطأ تقفين عنده فهل لديك أخطاء أخرى؟ بالتأكيد وهل لديك حسنات؟ بالتأكيد. فأنت لا تساوي الخطأ أو السيئة.
وإذا كان قرارك بعدم الزواج هو ما سيريح ضميرك فهل هذا كافي؟ أنت تضعين شروطا ومعايير للتخلص من الذنب. والذنب هو جزء من الحياة بل الذنب هو من يجدد الإيمان ويجعلنا نندفع بنشاط نحو الطاعة لتعويض ما فات. ألم يذنب أصحاب رسول الله؟ لاحظي أن الحلول التي تقدمينها هي محاولة منك لتخفيف مشاعر الذنب لكنها غير فعالة وغير واقعية.
تقولين: احيانا الموت هو الشيء الذي استحقه: نحن جميعا نستحق الموت لأنه مآل حق لكن هذا في علم الله وفي تقديره، ونحن جميعا نستحق الحياة ونبذل فيها قصارى جهدنا ونتقبل أخطاءنا، يمكن أن نتوقف عند الخطأ ولكن لا نغرق فيه.
لعلك تلاحظين أن تفكيرك يبالغ في تحميل نفسك المسؤولية وتضخيمها بأن الخطأ يستحق الموت وعدم الزواج والحكم بأنك الأسوأ.... هذا نوع من القلق والوساوس.
أستغفر الله بنقص إيماني لأن الله لا يستجيب لي عندما أدعوه بصرف هذه الأفكار عني لماذا لم يستحب لي: أخطر ما يؤلمك هو أنك تفترضين أن استمرار أفكار الذنب تعني عدم استجابة الله لتوبتك ودعائك. ما تعانينه ليس له علاقة إنما هو أمر نفسي يستحق المساعدة من متخصص. فما يدور في ذهنك من أفكار هو قلق ووساوس ليس لها علاقة بإيمانك وتدينك بعلاقتك مع الله بل بالعكس ما تعانينه له أجر كبير وإن استجبت لنصائحنا وتعافيت سيكون لك أجر أكبر لأنك ستعودين للحياة وتشاركين فيها تعميرا وإثمارا.
أخيرا: الشعور بالذنب فيه جانب حسن وإيجابي لكن الإفراط فيه يحول هذا الجانب الإيجابي إلى سلبيات مضاعفة لذلك أنصحك بالآتي:
عندما تشاهدين الفتيات ويأتيك الشعور بالحسرة والندم فابقي في الموقف ولا تنسحبي واعلمي أن هذا الشعور طبيعي لشخص حساس مثلك وأن هذا مجرد شعور ولا يعني شيئا سوى أنه شعور، وكذلك الأفكار التي تراودك هي مجرد أفكار، فليس كل من وقع في خطأ هو أسوأ شخص ولا يستحق الحياة ويجب أن يوقف حياته. فالتسامح مع الذات هو إرادة الله وهو أولى وقبل التسامح مع الآخرين.
الاستغفار والتوبة قمت بها فلا تكرريها حتى تتعافي من هذه التجربة ولا تستغفري من هذا الذنب مرة أخرى خلال هذه الفترة لأن هذا جانب من العلاج وليس له علاقة بأحكام الشريعة والعبادات. وما ينطبق عليك لا ينطبق على عيرك. وما ينطبق عليك الآن ليس بالضرورة ينطبق عليك فيما بعد.
الاجترار: هو عملية التفكير الكثير في الذنب مثل كلامك (لا أعرف كيف ارتكبت هذا الذنب وأين كان عقلي!!! كيف قبلت بشيء كهذا كيف سمحت له كيف؟ كيف لم أفكر وقتها؟) أسألك الآن هل وصلت لحل بعد هذا التفكير؟ هل يتكرر يوميا ومع ذلك لا تصلين لحل؟ هل يستهلك وقتك؟ كم من الوقت يستغرق؟ كيف يؤثر على يومك ومهامك في الحياة؟ لذا أول ما تلاحظين أنك دخلت في هذا التفكير أطلقي عليه مسمى "الهم والاجترار" واطلبي تأجيله لوقت آخر وانتبهي مرة أخرى لمهمة من مهام الحياة أو العمل أو المنزل، وكرري ذلك حى لو أتى أليك التفكير والاجترار بعدها بدقيقة. لأنه لا فائدة من هذا التفكير سوى تكرار الخسارة.
ختاما أختي العزيزة لو كنت تعتبرين في هذا الذنب خسارة ففيما تفعلينه الآن من اجترار لا طائل منه واستغفار وتوبيخ للذات بشكل مبالغ فيه هو أكثر خسارة لك ولحياتك ولوقتك وعمرك من خسارة الذنب.
واقرئي أيضًا:
التائب من الذنب كمن لا ذنب له
فرط الذنب وفقه التوبة : التائب من الذنب !
فرط الخوف من الذنب يضيع فضل الاستغفار!