وسواس قهري الزواج على الفيس بوك م
تائِهَة عند مُفتَرَق الطرق
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. شكرًا لكم دكتور وائل ودكتورة رفيف على نصائحكم وإرشادكم لي. كُلُّ ما في الأمر أنَّنِي تائهة ووحيدة، ولا أحد يَفْهَم المُعاناة التي أَمُرُّ بها. فَمُجَرِّد ردّكم على رسائلي يُفرِحُني، وأنا جدًّا مُمتَنَّة لكم.
السبب الرئيسي لِتَرْكي للعمل هو مُعاناتِي من نوبات الهلع التي كانت تُصِيبُني عند تَدْرِيسي للأطفال، كما أنَّ إدارة المدرسة كانت تُكلّفني بِمَهام لا أقدر على فِعلها. هنالك أمور وتفاصيل أخرى.
الحقيقة أنَّني كنت طالبة جامعية متفوقة، وعام 2016 تحديدًا بدأت رحلتي مع رسالة الماجستير. واجهت صُعُوبات كثيرة، وكانت ظروفي المادية العائق الأول. كنت أحاول التوفيق بين العمل والدراسة، وكان دائمًا ما يُصِيبُني الإجهاد الجسدي والنفسي. أرتاح فترة وأعود للمحاولة مرة أخرى، حتَّى أنَّ الأستاذة المُشرِفَة أُحِيلت على التقاعد، فَشَرَعت أبحث عن أستاذ مُشرِف آخر.
كنت قد غادرت المَبِيت الجامعي، وكنت أُقِيم مع أهلي في بيت لا يخلو من المشاكل. صدّقني يا دكتور كمية التوتر والمُشاحَنَات الموجودة في بيتنا لا تُطاق. حاولت مرارًا أن أبحث عن طريقة لأعيش بمفردي لعَلَّي أنجح في إنجاز رسالتي الجامعية، لكن لم أُفلِح في ذلك.
وفي سنة 2019 شاركت بمُناظَرَة وطنية لِنَيْل وظيفة حكومية كمُدرّسة، لكن فشلت في اجتيازها. وفي أَوَاخِر سنة 2019 التحقت بالمدرسة الخاصة التي حَدّثكم عنها، وكنت في هذه الأثناء أحاول أن أَدْرُس. وفي أواخر سنة 2020 راسلت دكتورة جامعية وطلبت منها أن تُشرِف على رسالتي، فوَافَقَت وطلبت مِنِّي أن أُرسِلَ لها خُطّة البحث، وأن أُعَدِّل بعض النقاط. شعرت بفرحة لا تُوصَف، واسْتَعَدت حماستي وشغفي لمواصلة الدراسة. لكن للأسف حدث أمر غَيَّر كل شيء، فَفِي صيف سنة 2020 أُصِبت بشَلَل الوجه النصفي، وآلام شديدة بالظّهر، فتدهورت نَفسِيَّتِي كثيرًا، ومَكَثْت في البيت طويلًا. لا أعلم سبب إصابتي بهذا المرض. ذهبتُ إلى طبيبة أعصاب فنَصَحتني أن أذهب إلى طبيب اختصاصي في أمراض وجراحة الأذن والأنف والحنجرة، والذي وَصَف لي عِدَّة أدوية وفيتامينات، وداومت عليها.
الحمد لله أنَّنِي في تلك الفترة التي مَرِضْت فيها كُنتُ في إجازة، لكنني كنت قد تركت الدراسة في هذه الفترة، إلى أن تحَسَّنت صِحَّتي، فَرَاسَلْت الدكتورة وشَرَحت لها ما أصابني، لكنَّها لم تَرُدّ علي. أَصابني إحباط واكتئاب شديد، وكرهت الدراسة. ومن ناحية أخرى كنت لا أستطيع القيام بأيِّ عَقْد عمل لأن مكتب التشغيل كان يطلب مني شهادة تدل على أنَّنِي لم أَعُد طالبة (شهادة مغادرة). كُنتُ أشرح لهم أنَّنِي لم أعد مُسجّلة في الجامعة، فأنا الآن أُنجِزُ رسالتي "بعد الآجال" لأنني اجتزت المدة الزمنية المحددة لإكمال الرسالة (الموضوع مُعَقَّد).
في وقتٍ ما اتَّخذت قرارًا بإنهاء مسيرتي الدراسية لأنَّنِي مُضطَرَّة للعمل. اتَّصَلت بمسؤول في الجامعة، واستفسرت عن كيفية الحصول على شهادة مغادرة، فنصحني بعدم التَّخَلِّي عن الماجستير وأَلَّا أَكُفَّ عن المحاولة.
سبب آخر من أسباب تَخَلِّي إدارة المدرسة الخاصة عَنِّي بكل سهولة هو وَضْعِي الغير مفهوم الذي بسببه لا أستطيع القيام بأي عقد عمل عن طريق مكتب التشغيل الذي يتَكَفَّل بنسبة مُعَيَّنة من الراتب. كنت أتقاضى راتبي كاملًا عن طريق المدرسة فقط، فانتهزوا الفرصة ولم يحاولوا الوصول مَعِي إلى اتّفاق، رغم أنَّنِي كنت مَحبُوبَة من قِبَلِ الأطفال، وكنت أُدَرِّس من قلبي وجَوَارِحي لأنَّني كنت أحب عملي.
الآن أنا في مُفتَرَق الطرق، لا أعلم ماذا أفعل يا دكتور. هل أُنهي مشواري الدراسي وأقضي على أحلامي؟ أم أحاول مرة أخرى؟ العديد من الأسئلة تَطْرَأ بِبَالي، وأصبحت أُفَتِّش بذاكرتي وأقول لنفسي "رُبَّما الله غاضِبٌ علَيَّ، ربما تخصُّصِي لا يُرضِي الله، ربَّما سبب عدم توفيقي هو أن حُبِّي وتَعَلُّقي بالإنجليزية كان في البداية عن طريق الأفلام والأغاني". دماغي ستنفجر وأنا أحاول فهم ما يحدث معي. الوساوس قيّدَتني في مكاني، حتى أنَّني تركت مُطالَعَة الكتب الإنجليزية، وكرهت كل شيء مُتَعَلِّق بالإنجليزية.
أشعر أن سنوات عمري ضاعت ولم أُنجِز شيئًا. أشعر أنُّه لا قيمة لي، وأنِّني تافهة وعِبْء على أسرتي. توقّفت عن زيارة الأقارب، وانسحبت من حياة الكثير لكي أتجنّب أسئلتهم، لأنَّنِي أَخْجَل من حالي ومن فشلي رغم كل المحاولات. كيف أستعيدُ نفسِي القديمة المُفعَمَة بالهِمَّة والمُثابَرَة، وأسعى وراء أحلامي مرة أخرى؟ ماذا أفعُل بالعلم الذي اكتسبته من كل الكتب والمقالات التي قرأتها طِيلَة هذه السنوات؟
أشعُر بحسرة كبيرة وقَهْر لأنَّنِي كنتُ الأولى على دفعتي عند تخرجي. الأمر أَشْبَه بالحل، شَتَّان ما بين الماضي والحاضر.
حاولت أن أُفَسِّر لكم ما حدث لي بإيجاز، فهذا الموقع الجميل هو بمثابة مُتنَفَّس لي.
جزاكم الله خيرًا على تفاعلكم ومحاولتكم لتخفيف معاناة المُضطَرِبِين أَمْثَالي.
27/5/2021
رد المستشار
صديقتي، هناك الكثير من المُبهمَات في رسالتك، ولكن هناك فرصة لِفَهْم ما يحدث.
من المهم أولًا أن تفهمي أنه ليس هناك أي شيء حَرَام في دراستك، إلَّا إذا كانت نِيَّتُك في الدراسة هي التَّبَحُّر في علوم المعصية. ليس حرامًا أن نَدرُس ونفهم ما يعتبره بعض الناس حرامًا. الدراسة تَسمَح لنا بمعرفة كيفية عمل الشيء الذي ندرسه وتأثيره على حياة الإنسان. أن يكون ذلك حرامًا هو كأن نقول أنَّ الطبيب لا يجب أن يدرس المرض لأن المرض شيء مُؤذٍ والأذى حرام، وبالتالي فحرام أن نَعلَمَه أو نَتَبَحَر في علمه. غير منطقي على الإطلاق أن تكون دراسة الأدب وفنون التعبير بِلُغَة ما يكون حرامًا لأنَّ من يتحَدَّثُون هذه اللغة كفار. هناك مسلمون كثيرون لغتهم الأصلية هي الإنجليزية. سماع الموسيقى ومشاهدة الأفلام لكي تكوني بارِعَة في تَخَصُّصك لا يمكن أن يكون حرامًا. أين المعصية؟ أين النَّصِّ القُرآني الذي يُحَرِّم الموسيقى والأفلام؟ أين الحديث الذي يتحدث عن الأفلام؟ أين المنطق في تحريم الموسيقى وهناك قواعد موسيقية يجب أن تُتَّبَع لكي نُرَتِّل ونُجَوِّد القرآن؟
ليس هناك حرام في العلم، وإنَّما الحرام يحدث عندما نستخدم العلم لِفعل الحرام مثل غِشّ الناس والسيطرة عليهم واستغلالهم.
إذا كان اقتناعك أن دراستك حرام، فلا يجب الاستمرار في رسالة الماجستير. ولكن يجب أن يكون هذا الاقتناع مَبنِي على المنطق والأَدِلَّة الدَّامِغَة، وليس على وجهات نظر أو فتاوى أو تفاسير.
إذا كنت لا تُريدين الدراسة فلا تُقدِمِي عليها فقط لأنَّها خطوة منطقية. إن لم تُحِبِّي ما تفعلين فسوف تَزِيدِين من الصعوبة والضغوط النفسية ونوبات الهلع. حُبّ ما تفعلين ليس بالكلام فقط، ولكن بإحساس الرضا والإشباع لمجرد ممارسة هذا العمل، واجتهاد مُستَمِر لِصَقْل المهارات والإضافة لها.
فشلك في الحصول على وظيفة مُدَرِّسَة ليس مسألة حظ. من الوارد أنَّه ليست لديك المعلومات والمهارات المطلوبة لاجتياز الامتحان أو المُناظرة. ومن الوارد أيضًا أنَّك غير مُقتَنِعَة بالكامل بعملك كمدرسة.
مسألة شهادة المغادرة لابُدَّ وأن يكون لها حَلًّا منطقيًّا، ولكنك أيضًا ذكرت أن أحد أسباب المشكلة هو أنك تجاوزت الميعاد المحدد لتقديم الرسالة. لا شَكَّ أنَّه كان من الممكن التواصل مع مُشرِفَتُك فور مرضك لكي تسمح لكِ بالمزيد من الوقت لتقديم الرسالة بسبب ظروفك الطبية. لماذا لم تفعلي هذا؟!
شهادة المغادرة أو شهادة إنهاء الدراسة الجامعية أو البكالوريوس من حَقِّك، ولا علاقة لها بدراسة الماجستير. ليس من المنطقي أو المُتَّبَع في أي نظام جامعي في العالم أن يُحرَم الطالب من شهادة البكالوريوس لأنه بدأ في دراسة الماجستير ولم يُكمِلْها. أين المشكلة؟
تقولين: "في أواخر سنة 2020 راسلت دكتورة جامعية وطلبت منها أن تشرف على رسالتي، فوافقت وطلبت مِنِّي أن أرسل لها خُطّة البحث، وأن أُعَدّل بعض النقاط. شعرت بفرحة لا تُوصَف، واسْتَعَدْت حماستي وشغفي لمواصلة الدراسة. لكن للأسف حدث أمر غيّر كل شيء، ففي صيف سنة 2020 أُصبت بشَلَل الوجه النصفي، وآلام شديدة بالظّهر، فتدهورت نفسِيَّتِي كثيرًا".
إذاً كنت مريضة قبل أن تراسلي الدكتورة الجامعية؟ هناك شيء غير منطقي هنا. وبمناسبة اللامَنطِق، إذا كانت أعراضك من شَلَل وآلام لم يَجِد الأطباء لها سبب طبي، فالبديل هو أن يكون هناك سبب نفسي. قد يَصدِمُك التَّحليل، ولكنه احتمال قائم بالرغم من محاولاتك للإنكار أو رفض الفكرة:
الوساوس هي مجرد سِتارَة دُخَان لكي تُخفِي عن نفسك مواجهة فكرة لا تحتملين مواجهتها. كل هذا يحدث خارج نطاق الوعي، يعني أنتِ لم تختاري الهروب من فكرة أنت واعية بها، وإنَّما هي فكرة موجودة وحقيقية في عقلك الباطن، وهي مُزعِجَة جدًّا لطريقة تفكيرك في الوعي. الأعراض النفس-جسدية (الأعراض الجُسمانِيَّة التي لها سبب نفسي وليس عضوي) هي نتيجة أن العقل الباطن يُحاول تخفيف الضغط النفسي بطريقة رمزي، مثلًا وسواس النظافة الذي يجعل الشخص يغسل يديه بالصابون لمدة ساعات يعني أن هناك فكرة خفية يعتبرها الشخص فكرة غير نظيفة أو في مُنتَهَى القذارة، ويُحاوِل رَمزِيًّا غسلها بالصابون. الفكرة خارج نطاق الوعي، وبالتالي لا يواجهها الشخص ويتعامل معها، وإنَّما يَظَلُّ يحاول تنظيف ما يمكن تنظيفه. بالمثل، قد تكون طريقة تفكيرك المُتَشَدِّدَة (التي اكتسبتيها من آخرين)، والتي تُحَرِّم كل شيء زائد.
اهتمامك الشديد بمسألة الزواج مُؤَشِّر على أنَّ لديك رغبة طبيعية أو زائدة في الجنس، لكن لا تعترفين بها لنفسك، وتريدين وَأْدَها وإنكارها. والأعراض النفس-جسدية التي ظهرت قد تكون بسبب هذا الصراع الخفي. احتمال آخر هو أنك تريدين الزواج كوسيلة للهروب من مسؤوليات الحياة ومسؤولية أن تقومي بمهام العمل حتى تكسبي قوتك.
هناك الكثير من التَّخريب الذاتي في كلامك وسَرْدك للأحداث، ويزداد هذا الاحتمال عندما تقولين أشياء مثل: "السبب الرئيسي لتركي للعمل هو معاناتي من نوبات الهلع التي كانت تصيبني عند تدريسي للأطفال، كما أن إدارة المدرسة كانت تكلّفني بمهام لا أقدر على فعلها. هنالك أمور وتفاصيل أخرى". وتقولين أنَّكِ تُحِبِّين عملك "كنت محبوبة من قبل الأطفال، وكنت أُدرّس من قلبي وجوارحي لأنني كنت أحب عملي". لماذا الهَلَع عند التَّدْريس وأنتِ تُحِبِّينه ومحبوبة من الأطفال؟! ما هي الأمور والتفاصيل الأخرى؟ ما هي المهام التي كانت تُكَلِّفُك بِهَا إدارة المدرسة التي لا تقدرين على فعلها؟
نعود مرَّة أخرى لمِرضك وأعراضه: ما العلاقة بين الشَّلل النِّصْفي في الوجه وآلام الظهر، وبين جراحة الأنف والأذن والحنجرة الذي نصحتك طبيبة الأعصاب بمُراجَعَة مُتَخَصِّص فيها؟ هناك شيء غير منطقي هنا أيضًا.
تقولين أنَّك لا تستطيعين إيجاد عمل يَلِيق بك. ما هو العمل الذي يليق بكِ؟ لماذا هذا تحديداً؟
تقولين أنَّكِ مَشغُولة بموضوع الزواج. لماذا؟ ما هي مواصفات الزوج الذي يليق بكِ؟ وما هي هواياته واهتماماته؟ ماذا تتَمَنِّين في شريك الحياة؟ لماذا؟ ما الذي تردينه أن يفعل؟ لماذا هو الذي يجب أن يفعل هذا وليس أنتِ؟ لماذا سوف يريد هذا الرجل الزواج مِمَّن تَسمَح للوساوس (والتي هي مجرد أفكار) بالسيطرة على حياتها، وتنشغل بها أكثر من أي شيء آخر؟
إن كنت تريدين الزواج السَّوِي السعيد، فعليك التخلص من الوساوس أولًا، مثلما نصحك الأطباء الأَجِلَّاء في هذا الموقع من قبل، عن طريق التجاهل. البديل لهذا أن تَجِدِي زَوجًا يحب أن يلعب دور المُمَرِّض، ولكن هذا معناه أيضًا أن تَظَلّي مريضة.
أفكارك ليست مُقَدَّسة. يمكنك تغييرها وتحويلها وتَحوِيرها لأنَّكِ أنتِ مصدرها الأساسي والوحيد. عندما تُسَيطِر عليكِ أفكارك وتستسلمين لها وكأنَّها لا تَمُتُّ لكِ بِصِلَة هو نفس ما يفعله الوَثَنِي حينما يصنع تمثالًا ويُسَمِّيه إلهًا، ثم لا يقدر على كسر التمثال لأنه الإله. لا يليق بكِ على الإطلاق التشبه بالوَثَنِيِّين وكفار قريش عَبَدة الأصنام.
لقد صنعتِ ماضيكِ الناجح وحاضرك البائس، ولديك خبرة في الاثنين. عليك أن تختاري أيَّ طريقٍ سوف تَسلُكِين. عندما تقولين لنفسك "لا أقدر" أو "لا أعرف كيف" اعلَمِي أنَّكِ في الحقيقة تقولين "أنا لا أريد حقيقةً ما أقول أنَّنِي أريد"، على الأقل لا تُريدِينَه بالقدر الكافي. كذلك إذا قُلتِ لنفسك أن الوساوس تَمنَعُك، هذا معناه الحقيقي أنك لا تريدين النجاح بالقدر الكافي الذي يدفعك للتركيز في أهدافك بدلًا من التركيز في أفكار وسواسية.
أنصحك بمراجعة مُعالِج نفساني لمناقشة هذه الأمور.
وفقك الله وإيَّانا لما فيه الخير والصواب.
ويتبع >>>>>>: وسواس قهري الزواج على الفيس بوك م2