رغبات شاذة
أنا فَتَى عشريني مِثلِي الجنس. نشأت بين إخوان ذكور كلهم أكبر مني بسنين كثيرة، كنت أخافهم جدًّا وأكرههم لأنهم يَسْتَضْعِفُونَنِي. وأب غائب غير موجود تقريبًا، والأم أيضًا عاملة ومُسَيطرة كثيرًا. وكنت بعد ذلك في المدرسة بعيدًا عن الشباب لأنهم يُشبِهُون إخوتي أيام مُرَاهَقَتِهم وعُنفُوَانِهم، بينما ظللت أنا ضعيفًا انطوائيًّا، أو بلفظ آخر كنت التلميذ النَّجِيب صديق المعلمين الذي لا يُصاحِبُه أحد من الطلبة. ولم أكن أفهم سر خوفي المَمْزُوج بالإعجاب الدَّفِين لهؤلاء الذكور الهُوَجَاء الطائشين المُنْدَفِعِين الذين لا يخافون ويفعلون كل شيء ويتشاجرون ويؤذون الآخرين. باختصار إعجاب بهؤلاء الشياطين الذين لا يُشْبِهُونَنِي، مع أنهم مَنبُوذُون من المجتمع. لكن كل ما كنت أفهمه أنني أريد صديقًا، ليس لِنَتَسَامَر ونَتَنَادَم، بل لِأَحْتََمِي به وأكون خلفه، هكذا كنت أشعر بينما كان ظاهر سلوكي أنني حر وقائد، حتى هذا التناقض لا أفهمه.
لم أَكُن كذلك بِمَأْمَن من التَّنَمُّرات والمُضايَقَات الصِّبْيَانِيَّة في الشارع وفي المسجد وغير ذلك. كل الأولاد شَرِسُون وأشقياء، وعندهم شجاعة قِتَالِيَّة وعَدَائِيَّة، وأنا لست مثلهم. إذن ماذا أكون؟ في فترة المراهقة كانوا يتناحرون على الفتيات، بينما لم أَجِد في نفسي تَوْقًا لذلك. ونعم ربما أثارتني ممثلة أو أخرى، لكن حقيقةً لم أَكُن أَهْتَّمُّ كثيرًا.
حتى وقعت على البورن في الثانوية، فلم يكن يَمْلَؤنِي إثارةً إِلَّا صورة ذاك الشاب اليافع القوي الفاتن في سن إخوتي في العشرينات، شاب أجد نفسي أمامه طفلًا، أخاف قوته، وأجد فيها الأمان. لم أكن أنتبه للفتيات إلَّا نادرًا، وبعد ذلك وقعت على البورن المثلي فوجد فيه ضالتي.
مع العلم أنِّي منذ فترة عُدْتُ أَمِيل قليلًا جدًا للفتيات، لكن نوع معين منهن، رقيقة صغيرة خاضِعَة أُسقِطُ عليها انعكاسات السَّادِيَّة النفسية والسيطرة الواقعة علي. ربما من الطبيعي أن تكون المرأة أَرَقّ وأضعف وخاضعة، لكن ليس من الطبيعي أَلَّا أحس أني رجل إلا أمام امرأة ضعيفة تقول لي "أنت رجل" وإِلَّا فلن أكون! أنا عادة أخاف من النساء اليافعات، وأَحْتَقِرُهن "انظر حولك، قد احْتَلَلْنَ المجتمع، كُلُّهُن يُشْبِهْنَ أمي ويَقْهَرن الرجال. هذه المرأة في شؤون الطلبة، والأخرى في المواصلات العامة، والثالثة في المصالح الحكومية، والرابعة في شِكَايا الأزواج الذين تحَوَّلَت حياتهم إلى جحيم بسبب امرأة تخلو من معنى الأنوثة". لا تُثِيرُني المرأة، قد تُثِيرُني فتاة صغيرة بريئة، لا يُثِيرُنِي جسدها، تثيرني رقتها وضعفها.
المهم المشكلة الآن ليست في المثلية مُطلقًا، بل في الرغبات التي أَجِدُها ولا أدري أهي مازوخية أم لا، فإثارتي تكمن في خيالات شاذة، مثل أن أحدهم يقوم باغتصابي والاعتداء عليَ وأخذ ما معي، وربما الاعتداء على محارمي. وأَجِدُ لَذَّةً في ذلك، وأستمتع بِكَوْنِي مُستَضْعَفًا أو ذَلِيلًا بين يديه بلا حَوْل، على قدر الألم النفسي الذي أَجِدُه، والرفض التام لهذا الخيال، واحتقاري ذاتي بسبب هذه الأمنيات.
وهناك خيال آخر يُرَاوِدُني، هو زوج الأم الشرير الشاب الَّذي يكون في سن إخوتي، أكبر مني بسنوات فقط، لكن أقوى مني ويَستَضْعِفُنِي ويمتلك أمي، أو حتى زوج الأخت، أو صاحب يغدر بي ويعتدي علي.
واستمَرَّت القناعة بالضعف تتَغَلْغَل داخلي حتى أصبحت أشعر كما تشعر المرأة بالتَّمَلُّك لا السيطرة أو الطفل. نعم هو الطفل اليتيم المقهور الذي لا ظَهْر له ولا سَنَد. مهما كبرت لا أستطيع أن أرى نفسي رجلًا أو أُصَدِّقَ أنِّي فوق العشرين. هؤلاء الذين هم من عمري أُحِسُّهم أكبر مِنِّي ومَحَلَّ انبهار بالنسبة لي، مع أن الفتى من أولئك لا يرى نفسه أقل من شاب ثلاثيني أو أربعيني مثلًا، وقد يتشاجَرَا فَيَصْرَعُه، لكن أنا إذا كان واحدًا من أولئك في الخامسة والعشرين فإنه يُرْهِبُنِي وأَخْضَعُ له، نفس السن التي كان فيها إخوتي وأنا صغير. هذه الفترة الأخيرة من العشرينات رغم أنها قريبة من عمري تُخِيفُنِي كثيرًا، وتَحْمِلُ لي في غَيَاهِبِها خَبَايا ومجهولًا لا أعرفه، ولكني أَسْتَعْظِمُه.
أَسْتَعْذِبُ الإهانة والإخضاع من الفتيان الآخرين استعذابًا عميقًا. يُتعِبُنِي نفسيًا، ولا أريد ذلك أن يحدث في الواقع، ولا أعرف ماذا أفعل. وفكرة العبودية والازدراء كذلك، أصبحت أمشي في الشارع أُطالِعُ وُجُوه الرجال وأَهْتَزُّ أمام الأَشِدَّاء منهم (ولو كانوا الآن مُرَاهِقِين يَصغُرُونَنِي بكثير) وأُحِسُّ أنِّي لا شيء أمامهم، بل حتى عندما أسمع فِتيانًا يتَنَابَزون بالسُّبَابَات الجنسية يُثِيرُني ذلك كأنَّهُم بِسُبَابِهِم ذلك رجالًا. وفي الوقت نفسه على أرض الواقع أنا متفوق وعلى خُلُقٍ ودين ومستوى اجتماعي مَرْمُوق، فلست شخصًا فاشلًا ولا انهزامِيًّا، ولا ألعب دور الضحية وأُحَّبِّذُ الاستسلام أو الانهزام في أمور حياتي وعلاقاتي، يعني أنا ما عندي صفات الشخصية المازوخية في المُطلَق، لكن داخلي شَرْخ وضَعْف يتَعَمَّق كل لحظة ويَتَرَسَّخ.
لا أشعر أنِّي شاب مثل باقي الشباب، لست رَجُلًا قَاهِرًا مثلهم، وحتى يظهر مني عكس ذلك أنتم تعلمون كَمّ المعاناة واستنزاف الطاقة الذي أواجهه.
يبقى أن أَذكُرَ أني بين هذين الشعورين أتَأَرْجَح، فمثلا أسبوعين أكون طبيعي، أتجاهل ضعفي، وحينما أتخَيَّل الجنس لا أتخيله بهذه الطريقة مطلقًا. وبعد ذلك يَصِيرُ لي كام يوم أكون ضعيف ومُنهَزِم معنوِيًّا جدًّا، حتى لا أستطيع أن أفكر أني ذكر، ولا أنظر في المرآة، وأكون مهزوزًا في التعاملات الاجتماعية مع الغرباء ومع الشباب في الشارع، كأنِّي خايف دائمًا ومَقهُور.
أرجو المساعدة والحَلّ في هذه الخيالات والرغبات.
ولكم كُلُّ الشكر.
30/5/2021
رد المستشار
لقد تعرَّفت على الكثير من رَجَاحَةِ عقلك وأنت تَصِفُ حالتك، وتُعَبِّرُ عنها بكلمات دقيقة، وتُحَلِّلُ ما حدث لك وأسبابه، وتُجَسِّدُ طبيعة المشكلة والتَّنَاقُضَات. ويبدو أنَّك مَرَرْتَ كثيرًا بفترات معاناة، لكن مَصحُوبَة بالتأمل والتفكير في حالك وأحوال من حولك.
لا شَكَّ أنّ الطفولة التي يَمُرُّ بها الفرد تؤثر فيه، لكنها لا تَأسِرُهُ طوال حياته إِلَّا إذا أراد هو ذلك. ولا شَكَّ أنَّ مفاهيمنا عن الرجولة والذكورة وهَوِيَّتِنا النفسية والجنسية تتكَوَّن في فترات مُبَكِّرَة من حياتنا، لكنها لا تتوقف وتَثْبُت عند عمر معين، بل تَظَلُّ في تَطَوُّر وتغيير.
ما تُعانِي منه نِتَاجَ طبيعة شخصية لديك رُبَّما تَمِيلُ للهدوء والتَّعامُل بِرِفْق، وهذه ليست المشكلة، إنَّما فيما تعَرَّضْتَ له من خبرات (غياب الحضور النفسي للأب، وسوء علاقته معك، واستقواء الأخوة، وسيطرة الأم، ونَقْص مهاراتك الاجتماعية في حِمَايَة ذاتك والاندماج) أدَّى إلى العُزلَة ورؤية نفسك في دور الضعيف أو غير المُكافِئ لأَقْرَانِك، فبدأت تَشُكُّ في هَوِيَّتِك وفي دورك الذكوري وهل تستطيع القيام به، وبدأت تَرَى نفسك أصغر حجمًا وقدرًا من أقرانك، بينما في مواقف أخرى ترى نفسك مُتَفَوِّقًا وحَاضِرًا بعقلك وتفكيرك.
ليس كل إحساس يُصِيبُك هو حقيقة، لكن رُبَّما نِتَاج معتقدات عن ذاتك (ضعيف – مقهور – عاجز) تَكَوَّنَت في طفولتك.
ما يُفِيدُك في حالتك أنَّ هناك مفاهيم ومعتقدات حول ذاتك هي غير فَعَّالَة، ولا تَجْعَلُكَ سعيدًا اكتسبتها لأنَّك وأنت طفل يَصعُب عليك تقييم هذه الخبرات جيِّدًا. أمَّا الآن فتستطيع أن تُقَيِّمَ ما لديك من خبرات ومعتقدات حول ذاتك،. والحمد لله أنها مُكتَسَبَة، أي يمكن تدريجيًّا هَدْمَهَا وإِحْلَال معتقدات أكثر فعالية منها.
فليس كل شخص ضعيف بدنيًّا يَفتَقِدُ الذكورة أو الرجولة، وليس كل شخص يشعر بالخوف والجُبْن وضعف تقدير الذات هو ليس رجلًا. فما تراه في نفسك هي افتراضاتك، ولا يتعامل معك كل من حولك على أنك ضعيف وقليل ومَهزُوز.
ولأنَّك تشعر بِشَرْخٍ في شخصيتك، فهذا الشعور طبيعي جَرَّاء ما مَرَرت به، لكن الحلول تبدأ من الفصل بين ما تفكر فيه والواقع، فَهُمَا ليسا دائمًا مُتَطَابِقَان، فالخيالات لا تعني سوى أفكار داخل عقلك، والرغبات التي تَنْتَابُك هي مشاعر حاول أَلَّا تُوقِفْهَا، ولا تُصَدِّقْها أو تحكم عليها. حاول أن تُسَمِّيهَا أنها مجرد رغبات أو خيالات داخل العقل، ولا تَعْنِي أكثر من ذلك.
لو كل خيال أتى إلى أفضل الناس أو خيرهم من وجهة نظرك، اعتبرته حقيقة فسيكون الجميع مَحَلَّ اتهام، فالخيالات لا حُكمَ لَكَ عليها، ولست سبَبًا فيها، ولا تَمْلِكُ نحوها سوى مشاهدتها وفَصْلِها عن ذاتك.
ربما لو قارنت الوقائع التي فعلتها وتتطابق مع الخيالات والرغبات التي تَنْزَعِجُ منها ستكون نسبة الخيال والرغبات أكثر بكثير مِمَّا مَرَرت به في السنوات الأخيرة.
كَرِّر النظر في المرآة، ولا تتوَقَّف، يوميَّا ولمدة تصل لنصف ساعة، أو حينما ترى أن القلق الذي يَنتَابُك من النظر في المرآة قد زال. شارك في أي فرصة في التعاملات الاجتماعية مع الغرباء، ومع الشباب، في الشارع. وكُن وَاعِيًا بخوفك وأنه شعور داخلي، تحَمَّلْه وأكمل المشاركة، ففيها علاجك وتَعْوِيض ما حُرِمْتَ منه من خبرات.
لستَ في حاجة إلى إخبار أحد بما ينتباك من مشاعر أو خيالات، ولكن يمكنك التواصل مع طبيب نفساني أو مُختَص يساعدك في حل بعض التناقضات القديمة والمشاعر غير المحلولة في طفولتك.
دُمْتَ بخير.
واقرأ أيضًا على مجانين:
أسير الماضي: لا تدفن نفسك معه
الهروب من سجن الماضي : المفتاح معك !
بين مشاكل الماضي ووحدة الحاضر ....عليكَ تغلب
أخطاء الماضي تسيطر على تفكيري
مخلفات الماضي تدمرني
لم يكن الماضي مثاليا لكن القادم ممكن !
استراتيجية تغيير الماضي
ويتبع >>>>: تخلص من أسر الماضي إن أردت !! م