عِرَاكُ الوالدين وأَثَرُه على الطفل
السلام عليكم. هذه أول مرة ألجأ إلى موقع لتشخيص حالتي، فكما يقولون "بَلَغَ السَّيْل الزُّبَى".
مشكلتي مع وَالِدَيَّ أنَّه لا يَمُرُّ يوم علينا إلَّا ويَتَخَاصَمَان، ويستمر ذلك لأيَّام وفي بعض الأحيان أَشْهُر، وكل واحد يبقى مُبتَعِدًا عن الآخر، ودون أن نتحدَّث عن الشِّجَارات المُتَوَاصِلَة والأصوات المُتَعَالِيَة.
وأنا أملك شخصيَّة حسَّاسة جدًّا لا أستطيع التَّحَمُّل. كل يومٍ أتمنى أن أُغَادِر المنزل لكن لا أستطيع. وأنا لديَّ امتحان بكالوريا آخر السنة، لكن هذا يُعِيقُني، لا أستطيع التفكيير، وأبكي كثيرًا. وأحسد الناس السعيدة في حياتها، أعلم أنَّهم يتشاجرون، لكن في يوم واحد ثمَّ يتصالَحُون، أمَّا أبوايَ فيتشاجران على أَتْفَه الأشياء، وكُلٌّ منهما لديه كبريائه فَلَا يتصالَح، ويستمر الصِّرَاع لأسابيع.
أرجوكم ساعدوني،
أخبروني كيف أُعَالِجُ نفسي من كل هذا، فأنا سَئِمْتُ حقًّا.
10/5/2021
رد المستشار
بسم الله الرحمن الرحيم
الابنة الفاضلة / "أناييس" حفظها الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
يا ابنتي كان الله في عونك، فمن الطبيعي أن تشعري بانزعاج كبير حين يتخاصم أبواك، كذلك من الخطأ ان يختلف الزوجان أمام الأبناء حتى لا يؤثر ذلك فيهم، ولكن أريد أن أقول لك أنه رغم ذلك فلا بأس من أن تختلقي لهما الأعذار، وتذكَّري أننا نعيش في «أزمنة حرجة»، فالضغط لتأمين لقمة العيش، دفع الفواتير، المنافسة في العمل هي عوامل تسبب التوتر في الزواج، وحتى القيام بالأعمال المنزلية يمكن أن يصبح موضوع خلاف عند البعض.
المشكلة تكمن في أن كل واحد منهما يرى الأمور من زاوية مختلفة عن الآخر، على سبيل المثال : قد يكون كلاهما مهتمَّين بتأمين الحاجات المادية للعائلة، ولكن لكل واحد رأيه في كيفية تنظيم المصاريف؛ أو يريد كلاهما أن تقضي العائلة عطلة معا، ولكن لكلٍّ نظرته إلى ما يُعتبر راحة واستجماما؛ كما أنهما كليهما يتمنيان أن تنجحي في دراستك، ولكن لكل واحد طريقته في تشجيعك على الدرس، وهكذا، فالوحدة بين شخصين لا تستلزم أن يكون أحدهما نسخة طبق الأصل عن الآخر. فحتى الشخصان اللذان يحبان أحدهما الآخر قد يريان أحيانا الأمور من زاويتين مختلفتين، ورغم ذلك فمن الصعب أن تستمعي إلى المشادات الكلامية بين والدَيك.
وإن كنت ذكية فبدلا من التأثر بالشجارات والأصوات المتعالية حاولي التدخل للإصلاح بين والديكِ –إن استطعت– وهذا من أفضل الأعمال حيث تجمعين بين برهما والإصلاح بينهما، وأنتِ مأجورة في ذلك إن شاء الله تعالى، تحدثي مع والدك وحاولي ان تعرفي ما يريد –تحدثي معه لوحده وتحدثي مع أمك لوحدها– واجتهدي في الإصلاح بينهما وتقريب وجهات النظر بقدر استطاعتك، واعملي على تأليف قلبيهما، فإذا جلست مع والدكِ فأخبريه أن والدتكِ تحبه وتقدره وتتمنى رضاه، وهكذا مع والدتك أيضاً، لأن هذه الكلمات لها أثر كبير في الإصلاح بينهما، وأيضاً ذكريهم بأن لكل منهما مميزات كثيرة فلا ينظران إلى العيوب فكل ابن آدم خطاء، وأخبريهم بفضل العفو والصفح، وهذه من أحب الصفات إلى الله تعالى والتي أمر بها نبيه صلى الله عليه وسلم في كتابه بقوله [فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ](المائدة). وعليكِ بتذكيرهما بأجر الصبر والاحتساب، وأنهما أفضل من غيرهما في كثير من النعم.
فإن وفقك الله للاصلاح بينهما فلا بأس بالتحاور معهما بعد انتهاء المشكلة ، أخبريهم كيف تشعرين عندما تستمعين الى شجارهما . اختَاري وقتا تشعرين انهما سيتقبلان فيه ما تقولينه ثم أخبريهما باحترام أن مشاحناتهما تزعجك، أو تغضبك، أو حتى تخيفك، واقترحي عليهما باحترام أن يطلبا المساعدة بأن يتوجها إلى طبيب أو معالج نفساني لمساعدتهما في إدارة الغضب والتعامل مع الضغوط، وإن لم تستطيعي الإصلاح بينهما فعلى الأقل ابقي حيادية، اعتذري بلباقة عن التدخل في الموضوع، قائلة: «أمي وأبي، أنا أحبكما كليكما، ولكن من فضلكما لا تطلبا مني اتخاذ جانب أيّ منكما، فعليكما أن تحلّا هذه المشكلة بينكما».
انسحبي من قصصهما ودعيهما يحيكان حياتهما بنفسهما، وتعاملي مع كل منهما على حدة وخذي منه الحب والدعم والرعاية، لا تكوني عاطفية، وابقي عند جديك إن رغبت في ذلك – خاصة وقت الخلاف – اعتني بنفسك، ولا تنكسري ولا تنهاري، وهيئي نفسك لما قد يحدث لاحقا مثل أن ينفصلا مثلا، فلا تجزعي، واعلمي أن الطلاق مباح وأنه في بعض الأحيان أفضل من تعذيب كل من الزوجين للآخر، وأن ملايين الأبناء كبروا في بيوت كان الأهل فيها منفصلين وأبدعوا، اهتمي بحياتك ودراستك ومستقبلك، واحذري أن تقصري في دراستك، فلربما يتصالحان وتكونين أنت الخاسرة.
ابنتي الكريمة: إن أكثر ما سيساعدك على احتمال الوضع عندما يتشاجر والداك هو إدراكك أنهما ليسا كاملين، وأنهما يواجهان المحن مثلك. ادعي لهما بالهداية وأن يصلح الله بين قلبيهما، هما لا شك يحبانك ولكن أحيانا لا يعرف الوالدان –جهلا منهما– كيف يتصرفان أمام الأبناء.
وفقك الله لكل خير، وأعانك على الإصلاح بين والديكِ.