السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ماتتْ أختي وهي في الـ18 مِن عُمرِها، وكان ذلك منذ حوالي سنة. ومنذ ذلك الوقت وأنا في حزن شديد، وقد أثَّرَت وفاتها عليَّ في كل شيء تقريبًا، حتى ضعفتْ علاقتي بالله سبحانه وتعالى. وكذلك ضَعُفَتْ علاقتي بزوجي، حتى أنَّنِي لا أستطيع أن أتعامل معه، ويزيد مِن الضغط عليَّ أنَّهُ يَلُومُني على بعض تصرفاتي، وهذا يُتعِبُني أكثر.
أصبحتُ عَصَبِيَّة طوال الوقت، ودائمًا أبكي، وأحيانًا تفوتني بعض الصلوات مِن كَثْرَة البكاء والحزن. حتى ابنتي لم أعُدْ أَتَحَمَّلُها، وأشعر أنِّي تائِهَة في كل شيء.
أُريد أن أُعِيدَ حساباتي وأُصلِحَ علاقتي بِمَن حولي، وأتَقَرَّب من الله، لكن لا أستطيع.
أرجو أن تَدُلُّونِي على مَخْرَج لِحَالَتِي.
7/7/2021
رد المستشار
عليكم السلام ورحمة الله. مرحبًا بِكُم "فاتن"، ونرجو أن يكون في رَدِّنَا مَخْرَج نَحْوَ حُسنِ الحال.
بالطبع حادث الوفاة وفَقْد شخص عزيز يُؤَثِّر فينا جميعًا، ويأخذ من تفكيرنا وتركيزنا في الحياة ومهامها، ويجعلنا مُرتَبِطِين بالتجربة وعايشين معها رغم مرور الوقت.
هذه المُعانَاة التي أنتِ فيها تُشبِه معاناة اكتئاب الفَقْد، واستمرار تلك المشاعر الحزينة لِتُسَيْطِرَ عليكِ طِوال عام كامل يَقُودُنا إلى وجود مشكلة تَرَتَّب عليها تعطيل في حياتك وعلاقاتك المهمة. وهذا يُؤدِّي لِرُدود فعل مِمَّن حولك فيزيد اكتئابك.
أنا أُفَضِّل دائمًا احترام تلك التجربة بالذهاب للمُخْتَصّ والحديث التَّفْصِيلي معه. وعلى كُلِّ حالٍ سأكتب لكِ بعض الاقتراحات التي تكون في الاختيار الثاني:
1- عليك أن تعلمي أن تجربة الاكتئاب تحدث لنا جميعًا، لكن نختلف في طول المدة، فما تُعانِيه أمر طبيعي، وفي نفس الوقت يجب مواجهته لأنَّ المُدَّة طالت.
2- الاكتئاب يجعل المُخّ يعمل بشكل مستمر (تفكير مستمر ومُتَتَابِع وبدون نتيجة). وهذه تُعتَبَر طريقة خاطئة يتَّبِعُها المُخّ، وتُسَمَّى بالاجْتِرَار والهَمّ، فدائِمًا محتوى تفكيرك يُرَكِّز على ما فَقَدْتِه وما ضاع، وعلى خسارة ما هو مهم وغَالٍ ولا يمكن تَعْوِيضُه، وتُرَكِّزِين على جوانب تقصيرك أو مواقفك التي لم تَقُومِي فيها بما ينبغي، ثم تَلُومِين نفسك على تقصيرك الحالي تجاه مسئولياتك وأَوْلَوِيَّاتِك، وهكذا دون أن تَصِلِي لنتيجة، ثم تشعرين بالإرهاق من كثرة التفكير، وتُرِيدِين التوقف عنه، ثُمَّ تعودين مرة أخرى لتفكري فِيمَا ليس له نتيجة. هذا الذي يحدث هو ما نُسَمِّيه الاجترار أو التفكير الزائد عن الحَدّ، وهي طريقة يقوم بها المخ، ويمكنك مراقبتها والوعي بها قدر المستطاع.
3- حاولي مشاهدة المخ وهو يقوم بالاجترار دون أن تتفاعلي معه ودون أن تُحاوِلِي التأثير فيه والرَّدّ عليه. انفصلي عن هذا التفكير الذي يقوم به المُخّ.
4- ربما تتساءلين لِمَ يَقُوم المُخّ بهذه العملية؟
ببساطة لأنَّكِ في حالة اكتئاب، ويحدث خَلَل في عملية الانتباه (يذهب للفقد والخسارة، ويُغفِلُ المكاسب وما هو في حياتك يستحق أنْ تعيشي من أجله)، ويحدث خَلَل في الذاكرة (تتذَكَّرِين فقط المواقف السيئة وتُغمِضِين عينك عن المواقف الإيجابية في حياتك). والتفكير يكون مُصاحِب غالبًا ومُنْسَجِم مع حالتك الشعورية، فإنْ كنت حزينة فسيكون تفكيرك فيما هو مناسب مع الحزن. كذلك تعَوَّد المُخّ على أن يُفَكِّر ويُخَطِّط ويتأمل عند المرور بأيِّ موقف صعب، فيحدث تَعْمِيم لهذه العملية، فتتَحَوَّل من كَوْنِها تأمُّل مُفِيد إلى اجترار ضَارّ لوقتك وصحتك وتركيزك وطاقتك، وغالبًا لا يُقَدِّم لكِ شيئًا.
5- وَعْيُكِ وملاحظتك لهذه العملية (الاجترار) أمر في غاية الأهمية، ثم محاولة مشاهدتها دون تفاعل قدر المستطاع، وإنْ أَلَحَّ عليكِ التفكير فَحَاوِلِي تأجيله لوقت مُحَدَّد، مثلًا: سأُفَكِّر في هذا الأمر في الساعة 6 إلى 6 وربع، أمَّا الآن فأعود وأقوم ببعض مَهَامِي.
7- من المهم أيضًا ألَّا تَنْعَزِلي عَمَّن حولك وتُقَيِّمِي في غرفتك، فالاكتئاب يزداد بالعُزلَة، ويُحِبُّ أن يعيش مَعَكِ بمفردكِ. فكوني مع من حولك رغم أنَّ هذا صعب عليك أو لا يتَّفق مع مشاعرك، لكن الحركة والنشاط والاندماج في مهام الحياة حتى بدون رغبة أو مع انخفاض الطاقة يجعلك أحسن حالًا مع الوقت.
8- اتَّبِعي قاعدة مهمة هي: "رغم أنِّي أشعر بعدم الرغبة أو فراغ الطاقة، سأقوم بالمهام. سأُشارِكُهُم الحديث، الخروج، إعداد الطعام، تَلْبِيَة رغباتهم". ومهما بَذَلْتِ من جُهْدٍ كبير فهذا مُفِيد رغم إحساسك بالانهيار أو عدم القدرة.
9- عندما تستيقظين من النَّوْم لا تُراقِبِي جسدك ولا مشاعرك ومِزَاجَك، فتَغَيُّرات الجسد أو المِزَاج لا تعني شيئًا كثيرًا. قُومِي لِمَهَامِك سريعًا قدر المستطاع.
10- جَدِّدي تواصلك مع مَنْ ترتاحين معهم، ولا تَشْتَكِي لِأَحَد حالتك المِزَاجِيَّة.
أرجو أن تكوني في خير حالٍ وعافية.
واقرئي أيضًا:
الثكل أو رد فعل الأسى : اضطراب تأقلم