مساكم الله بالخير
السلام عليكم، أعجبني كثير موقعكم وقلت أستشيركم ابن أخي عمره 17 سنة، طالب بالتوجيهي، وقد تعَلَّم التدخين من رُفَقَائِه في المدرسة. وقد نصحته كثيرًا لِيَتْرُكَه، وكذلك فعل والده حيث حاول نُصحَهُ. وقد أَظْهَرَ لَنَا أنَّه مُقتَنِع وأنَّه سيُقلِع، ولكن تبيَّن أنَّه لم يُقلِع عن التدخين. فكيف نتعامل معه؟
كَمَا أَوَدُّ مَعرِفَة كيف يمكن أن يكون الناصح ناصِحًا جَيِّدًا ومُقنِعًا؟
وبارك الله فيكم.
7/7/2021
رد المستشار
أهلًا وسهلًا بكَ على موقع مجانين للصحة النفسية.
مشكلة التدخين يا سيدي مُتعَلِّقَة بالإدمان (العصبي والنفسي)، ولا ينفع فيها مجرد النُّصح. النُّصح شيء ينفع لتنبيه شخص لديه القدرة على التغيير وليس مُجرّد الرغبة، فَمَع نُصحِكُم إيَّاه لم يُقلِع رغم أنه مُقتَنِع بأنَّه "يجب أن يُقلِع".
لذا النصائح وحدها لا تُفِيد، خصوصًا إنْ كان التدخين يُشكِّل إِدمانًا عصبِيًّا (أي مُتعلِّقًا بحاجة الدماغ لمادة النيكوتين)، إضافةً إلى إدمان نفسي (أي التَّعلُّق النفسي بالتدخين وأجوائه). التدخين قد يكون صورة للشاب "cool" أو المُتمَرِّد أو تعبير وتجسيد لـ "لقد صِرتُ بالِغًا وأستطيع أن أمسك السجارة وأَزْفُرُ الدخان"، في هذه الحالة يجب تَعوِيض السلوك السيء بسلوك مُحفِّز آخر، بشيء آخر يُعطِيه إحساسًا بالرجولة، مثل رياضة مُنتَظِمَة فيها مسابقات أو مسؤوليات يَفخَرُ بها. إضافةً إلى الابتعاد عن كل ما يذكره في التدخين في المرحلة الأولى.
طبعًا لا يمكن الحديث عن هَجْر سلوك سيء دون الحديث عن الرِّفْقَة والأجواء التي تَشَكَّل فيها ذلك السلوك. وتأثير الأقران (مجموعة الرفاق من سِنٍّ واهتمامات مُتقارِبَة) أكبر بكثير من تأثير الأسرة والأبوين. الحلول تختلف حسب ظروفه، تغيير المدرسة، تغيير مكان السُكنَى، التَّضْيِيق عليه في خُروجاته، الحديث مع رِفاقِه المُدَخِّنِين وإخبارهم بأنَّهم غير مرغوبي الصحبة..... إلخ.
من جهة أخرى هناك جانب مالي في المشكل، هو يَدرُس ويُدَخِّن، يعني لديه القدرة على شراء السجائر، وهي تحتاج مالًا، يأخذه من والديه (بصِفَتِه تلميذًا) يعني هناك جانب من المسؤولية يتحمَلَّها من يُقَدِّم له المال. إن كان يحتاج مالًا للسفر أو التَّنَقُّل أو الأكل، فيجب أن يُعطَى بالضبط ما يحتاجه ولا يزيد على ذلك نظرًا لِعَدَم التزامه بِوَعْدِه في الإقلاع عن التدخين. رُبَّما يُشَكِّل هذا عامِلَ ضغط عليه، أو على الأقل يجعله يُقَلِّل من عدد السجائر تَمهِيدًا للإقلاع عنها نهائِيًّا. وإن احتاج شيئًا وقت يكون مع الأسرة، خروجات أو أكلات خفيفة أو ملابس سيكون ذلك تحت رقابة الأسرة ليتأَكَّدُوا من أنَّهُ يستهلك المال فيما يقول.
لذا عَوْدًا على بِدْءِ، الناصح الجيد قد لا يكون جيدًا بما فيه الكفاية ليُغَيِّر واقعًا نفسيًّا أو ظُرُوفًا واقعية. ربما هذه هي أول صفة للناصح الجيد: "معرفة حدود قدرته وتأثيره"! الإقناع شيء سهل على المستوى الفكري، قد أقتنع جدًّا بأنَّ التدخين سامٌّ وقاتِل، لكن هذا لا يَجعلُنِي عازِمًا ومُرِيدًا وقادِرًا على الإقلاع عنه! (وقد حَذَّر أطباء من موت وَشِيك لِمُدَخِّن، لكن لمَّا شَعَرض بالتَّحَسُّن رجع يدخّن، فَمَات كما توَقَّع الطبيب)، لذا الإرادة غير الاقتناع، فالتفريق بين الإقناع وبين قابلية التغيير خاصية أخرى للناصح الجيد، بمعنى أن التَّغيِير قد يحتاج وقتًا أَطْوَل بكثير من الإقناع. وهنا تأتي الصفة الثالثة للناصح الجيد، فهو يعرف جيدًا (ويفهم هذا من نفسه وتجاربه التي غالبًا ننساها) أنّ النصيحة قد تتَبَرْعَم شهورًا أو سنوات في وقتها المناسب، ويعلم أنَّهُ كما خَضَعَ لمشاكل وعراقيل لتغيير سلوكاته السيئة في حياته واحتاج وقتًا حتى يكون بهذا النضج، فالآخرون أيضًا يحتاجون هذا الوقت، وأفضل الأحوال أنّ هذا الوقت يَقصُر ولا يَنعَدِم ويكون فقط تلك الدقائق بين سَمَاع النصيحة ونهايتها.
من جهة أخرى، حِرْصُ الناصح وحكمته وتَقَبُّله للمَنْصُوح ووُقُوفه بشكل عَمَلِيّ معه في مسيرة تغييره أو إعانته على الخروج من حالته يكون نقطة قُوَّة ودَعْم، ويُكوِّن علاقة حُبِّ وأمان تساعد المَنصُوح على التغيير والتطور للأفضل.
وأخيرًا يبقى الإقلاع عن كل سلوك جهادًا فَردِيًّا وإرادة صادقة من صاحبها، ولا أحد مكانه يُمكِنُه أنْ يقوم بهذه المهمة ولو بأصدق النِّيَّات وأفضل التِّقْنِيات.
تحياتي وتمنياتي له بالتوفيق.
واقرأ على مجانين:
الإقلاع عن التدخين مشاركة
التدخين: أعراض الانسحاب
سرعة الغضب..والإقلاع عن تدخين