أحكام عمل المرأة والاكتئاب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا أقرأ الاستشارات على الموقع دائما وألاحظ أن الأستاذة رفيف من تجيب على الأسئلة الفقهية .. أنا فتاة تبقى لي عام على التخرج والدي متوفى وأمي هي المعيلة لنا مع مساعدة من الأهل كنت أتحرق شوقا للتخرج والعمل حتى أكسب مالا في يدي وأساعد نفسي وأمي ويكون ضمانة لي من غدر الزمن كعمتي التي تطلقت ولا تجد سبيلا لتصرف على نفسها وأولادها ..
المشكلة أنني موسوسة بشكل متوسط وقد رأيت فتوى على موقع يدعى إسلام ويب وموقع آخر بأن خروج المرأة للعمل فى مكان به رجال حرام ولكن لا يوجد مكان واحد فى مجال عملي غير مختلط أنا ألبس الخمار وملابس واسعة فضفاضة ولن أتعامل مع الرجال إلا بقدر الحاجة ولكنهم قالوا حرام... أصبت بعدها بحالة نفسية سيئة جدا توقفت عن الذهاب للجامعة مع أتي ملتزمة بالآداب الشرعية ولكن أصبحت أشعر أن خروجي من باب البيت محرم
أصبحت أرى أمل أمي في وكلامها عن اليوم الذى سأتوظف فيه وأشعر بالاختناق وأن روحي تخرج مني فكرت فى الانتحار كثيرا ودعوت بالموت كثيرا
وأخيرا أحضرت حبة الغلة الشهيرة حتى آخذها وأستريح ولكني لم أستطع ورميتها
والآن عالقة لا أدري كيف أستمر فى الحياة
15/7/2021
رد المستشار
وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته يا "هيام"، وأهلًا وسهلًا بك على موقعك مجانين
وسواسك هذا أحد أغرب الوساوس التي سمعتُ بها!! ماذا برأيك؟ هل جميع الأمة تفعل الحرام منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليوم" كيف يقنعك الوسواس والشيطان أن خروجك من البيت حرام وقد كانت الصحابيات يخرجن من بيوتهن إلى الأسواق، ويمشين في أحياء المدينة دون نكير؟!!
ورد في كتب السيرة النبوية: (أن امرأة من العرب جلست إلى صائغ في سوق بني قينقاع، فجعلوا يريدونها على كشف وجهها، فأبت، فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها، فعقده إلى ظهرها، فلما قامت انكشفت سوأتها، فضحكوا عليها، فصاحت، فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله وكان يهودياً فشدت اليهود على المسلم فقتلوه). صحابية محتشمة، خرجت من البيت، دخلت إلى سوق لليهود لا يخافون الله، جلست في دكان صائغ، وعندما فعلوا بها ما فعلوا، وانكشفت، قام المسلم فقتل اليهودي، ولم يقتل تلك المرأة التي خرجت من البيت وجلست في السوق عند رجل.... لماذا؟ لأنها ليست مذنبة ولم تفعل حرامًا.... هل اقتنعت؟؟
وقد خرجت ابنتا سيدنا شعيب عليه السلام لتسقيا الغنم، وكان هناك رجال، وتكلمتا مع سيدنا موسى عليه السلام وطلبتا منه أن يسقي لهما غنمهما من البئر. قال تعالى: ((وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ)) [القصص: 23-24]، المرأة تحتاج أن تقضي حوائجها، ومن أين تأتي برجل متفرغ لها كلما أرادت أن تتحرك حركة؟!!! قد خرجتا لأن أباهما شيخ كبير لا يستطيع الخروج بنفسه وسقي غنمه، ولكنهما التزمتا حدود التعامل المشروع مع الرجال، فبقيتا جانبًا تنتظران انتهاء الرجال من السقاية ليسقين، ولم تدخلا بينهم.
صدقيني احترت ماذا أذكر لك من الأدلة لكثرتها، ووضوحها، فأنا أحاول البرهنة على البديهيات كمن يحاول البرهنة على أن الواحد زائد واحد يساوي اثنان، أو يحاول البرهنة على أن الكبير أكبر من الصغير.
ستقولين لي: أنا أعرف أن شعوري بحرمة خروجي من البيت غريب وليس صحيحًا.....، إذن لماذا تسبب لك بهذا الاكتئاب الشديد ووصلت إلى الانتحار؟!! أنت بحاجة ماسة إلى الطبيب والعلاج، ولا يمكن إهمال حالتك نهائيًا
أما الفتوى التي قرأتِها في حرمة العمل في مكان فيه رجال، فأحد أمرين: أولهما أن تكون الفتوى صادرة من علماء مجتمعات محافظة جدًا، كالسعودية. وأحد علمائهم اشترط ألا يكون هناك رجال البتة في العمل. من أين ستجدين هذا خارج السعودية؟ لن تجدي قطعًا.....، إذن هذه الفتوى التي تشترط انعدام الرجال في العمل، تطبيقها في غير السعودية يسبب حرجًا كبيرًا جدًا، ويقطع أرزاق العباد، فلا يؤخذ بها في مجتمعات أخرى.
الأمر الثاني: أن تكوني عممت الفتوى على كل اختلاط وليس على حالات مخصوصة. ما لا يختلف فيه العلماء أن خروج المرأة متبرجة محرم. كذلك مما لا يختلفون فيه أن عمل المرأة في مكان تختلي فيه مع الرجال محرم كذلك. وأقصد بالخلوة هنا إمكانية الانفراد مع الرجال أوقاتًا كثيرة أثناء العمل؛ لأن ذلك مظنة الفتنة ورفع الكلفة. (ولا أقصد اشتراط أن يأمن الرجل والمرأة دخول أحد عليهما). أما العمل في مكان فيه رجال ونساء، أو فيه ناس يدخلون ويخرجون، فليس بمحرم إن كانت المرأة مثلك محتشمة تلبس الثياب الواسعة، وجدية تلتزم حدود الأدب في التعامل، وهذا ينطبق على التعلم كما ينطبق على العمل....
عزيزتي، أظن أن إحجامك عن الخروج، وعن الذهاب إلى الجامعة، ليس بسبب الوسواس فقط، وإنما قواه الاكتئاب الشديد الذي تعانين منه.
نفسك مسؤولية في عنقك، فاستعيني بأحد من المقربين منك للذهاب إلى الطبيب، وإن كنت لا تملكين المال فهناك العيادات الجامعية المجانية.
أعانك الله وفرج عنك وعافاك عاجلًا غير آجل.