حالة غريبة لا أفهمها
السَلام عليكم، أتمنى أن تكونوا بخير وصحة وسلامة
أبلُغ من العُمر 18 سنة، علاقتي مع والدي علاقة سطحية، نادراً ما نتحدث إلا عند الضرورة، يشتَري لي احتياجاتي من مأكل ومَلبس ودراسة الحمد لله.
كان والدي ووالدتي على خلافات دائما حتى قبل ولادتي، دائما في خلافات على مشاكل تافهة من وَجة نظري، لَكني لم أكن أُعطي اهتماما لتلك المشاكل عِندما كُنت صَغيرة، أغلب المَشاكل عن نظافة البيت وجودة إعداد الطعام على الرَغم أن البيت كان نظيف أغلب الوقت بسبب إخوتي الصِغار والطعام شَهي، كان أبي يقلل من احترام اُمي وعائلتها أغلب الوقت لتلك المشاكل التافهة، وللأسف كان رد فِعل أمي هو السكوت،
كُنت طفلة إنطوائية بسبب نُدرة خروجي من المنزل وعدم الدخول في نشاطات، وبسبب هذا كان التواصل مع باقي البشر شيء صَعب بالنسبة لي، علاقتي مع أصدقائي وقتها لم تَكن جيدة فَقد كانت كلها صداقات سامة واستغلالية، لم أعلم ذلك إلا في وقت مُتأخر، طبعا سبب لي ذلك إحباط وقولت لنفسي أنه شيء طبيعي الكل يَمر به، المهم تجاهلت خلافات أبي وأمي حتى أصبح عُمري 14 عام
وقتها بدأت أُدقق على الكلمات التي يقولها أبي عند الخلاف مع أمي، كُنت أحس بعدم الراحة والضيق بسبب الكلام الذي كُنت أسمعه، أبي لم يكترث إذا سمعت شيء أو لا لذلك كان سهل عَلي الاستماع،
قلت في نفسي أنه شيء طبيعي للزوجين وقتها حتى اُقلل من الضيق الذي كنت أحس به،
كان عندي طُموحات عالية جدا، أن أستقل بدراستي وشُغلي وأصبح شيء كبير يفتخر به أبي وأمي، بالفعل بدأت وقتها العمل على نفسي ومعرفة طريق مُستقبلي وأصبح لدي مَعلومات لا أعتقد أن أحد في عُمري وقتها كان يهتم به لدرجة كبيرة، مثل تعلم البرمجة ودراسة التسويق الرقمي، أصبح عُمري 16 عام، وأتقنت 5 لُغات برمجة وتصميم مختلف الأشياء من شِعار ورسم وحصلت على شهادة في التسويق الرقمي بعد تَعب 40 ساعة، كان شيء عظيم بالنسبة لي
قررت أن اُخبر والدي بهاذا الإنجاز العظيم،
لكنه لم يكن يهتم إطلاقا،
قُلت: لقد حَصلت على شهادة في التسويق الرقمي
قال: وما هو هذا؟
قلت: شيء مهم لأغلب الشركات وهذه الشهادة تعبت عليها حتى أحصل عليها
قال: حسناً
بدأت بالاستياء بسبب رده، وحاولت أن أتشجع وأفهم لماذا لم يكن فَخورا
قلت: من المفترض أن تكون فَخور بِي أو أن تشجعني على الاستمرار
قال: لا أكيد هذا لا يجعلني فَخور
بدأت بالتساؤل، إذا هذا لم يَجعله فَخورا، فما الذي يجعله فَخور إذا؟
أحسست بالإحباط لدرجة كبيرة، لم أكن أفهم رد فعله،
حاولت أن اُزيل هذا الإحباط وقلت لنفسي منذ متى وهو يهتم؟ يجب أن أركز، على نفسي حتى لا تكون نهايتي مثل نهاية أمي تحت يد شخص مثله، لكن هذا لم يحدث، بعد فترة بدأت أبعد عن الناس كثيرا حتى صرت أقلق أن أكلم أحد ليس داخل دائرة أصدقائي المقربين، وحدث بعدها شيء غريب، دخلت حالة من الهَوس أو القلق تقريبا، دخلت في مخي فكرة أن حَولي مؤامرة كبيرة تهدد حياة البشر ويجب أن أجد مكان آمن لي في خلال 3 سنوات!
دخلت حالة غريبة لم أكن أفهمها، وقتها كنت أحدد كيف يمكنني أن أجمع أكبر قدر ممكن من مخزون الطعام والمال حتى أجد مكان آمن بعيد عن البشر! لم أستطع النوم أو الاستمتاع في أي شيء، ازداد البكاء والقلق والخوف ودائما كنتُ داخل حالة غريبة، كنت أخطط، كيف سأكسب المال و من أين أحصل على الطعام ودخلت في مخي فكرة أن أجمع المال لمدة 3 سنوات حتى أشتري جزيرة وكنتُ مقتنعة بالفكرة!
ظللت في هذه الحالة مدة أسبوع حتى قدرت أن أهدئ نفسي، بعدها أعتقد أن الوضع أصبح أخف قليلا، لكن كان يوجد شك متوسط من أغلب الأشياء، من الأشخاص من حولي مثلا، أقصد من منا لا يشك في غيره؟،
أصبحت في عمر ال17 ولم أقدر على تطوير شيء من الأشياء المخطط لها، كان دائما عندي شعور بعدم وجود طاقة وكسل غالبا، بدأت أفقد الشغف في أغلب الأشياء من حَولي، انقطعت عن الأشياء المحببة لي مثل ألعاب الفيديو والرسم وغيرها من تجميع المعلومات، زادت خلافات أبي وأمي، لكن هذه المرة عَني،
يقول أبي أنني من المفترض أن أتعلم الطبخ والتنظيف وكل أعمال المنزل حتى عندما أتزوج شخص لا يُعنفني لأنه وقتها أبي لن يفعل شيء، ولحل هذه المشكلة يريدني أن أكون روبوت مُطيع أتعلم أن أنظف وراء الرجل جيدا وأن أطهو جيدا وأن لا يكون لي رأي، ذلك كلامه الذي قاله، قال أنه عندما أعمل الأعمال المنزلية كاملة فإن ذلك سيكون أفضل لي من أي شهادة حتى لو كانت أفضل الشهادات، وإن نهايتي المؤكدة هي تلك الحياة التي يتحدث عنها ويجب أن أتقبل الأمر لأن هذا هو الشيء الطبيعي للأنثى،
بالطبع زاد كرهي له، أصبح شكله في مخي ذلك الرجل الذي ليس لديه أي منطق من المسلسلات، أصبحت لي عادة أن أطلق على نفسي اسم ولد أجنبي بدلا من اسم فتاة، بدأت أن أتكلم بصيغة الذكر، أعلم أنه شيء غير صحيح، لكنني أفعل ذلك دون أن أشعر، وإذا جربت أن أطلق على نفسي اسم بنت أو أن أضع صورة لبنت مثلا على حسابي الشخصي يتسلل لي الشعور بالقرف وعدم الراحة، حتى هذه اللحظة
حالتي الحالية: عندي صداع استمر لمدة نصف عام، يذهب ويأتي، لكنه نادرا ما يمر يوم دون صداع، يكون موجود عندما أستيقظ من النوم مباشرة على الرغم من أنني نمت 8 ساعات أو أخذت كافايتي من النوم، وصداع عندما أخرج خارج المنزل وأظل خارجاً لأكثر من ساعتين، وصداع قبل النوم يمنعني من النوم لكن دائما أحاول أن اُعوض النوم الذي فقدته، أغلب الوقت يكون صداع في جانب الرأس الأيسر، وأوقات أخرى يكون في منتصف الرأس الأمامي حتى الجفن، مستوى الصداع قوي بنسبة 60٪ مُصاحب بـنفاذ طاقة بشكل كبير جدا وأوقات تصل قوة الصداع حتى 85٪ وقتها لا أعرف أن أتحرك بمعنى الكلمة أو أن أحرك رأسي قليلا، صداع مُتعب،
وأصبحت أتعصب من الأصوات العالية والتعصب الزائد على إخوتي، صدقني هذا يحدث غصب عني، عندي شعور غريب، أنه لا فائدة من أي شيء، على الرغم من أني أعلم أن كل شيء له فائدة، كثيرا ما ابتعدت عن الضوء، لأنه يؤلم لي عيني خصوصا أنه وقتها يكون الصداع موجود، بدأت في الفترة الأخيرة أن أصبح باردة على غير المعتاد، وبدأت بقطع الأصدقاء من حياتي عندما أتأكد من شكوكي منهم،
وعدم الاهتمام بكيفية قطع تلك الصلة، لم أكن هكذا، ودائما قبل النوم يتسلل لي شعور القلق بدون سبب مقنع، الصداع يمنعني من كل شيء وهو دائما خلفي، في الفترة الأخيرة لاحظ أهلي برودة ملامحي، رغم أنني أتصرف بطبيعية، دائما يقولون لي افتحي وجهك، رغم أن وجهي وملامحي طبيعية كيف أفتحها؟! أنا أبتسم أغلب الأوقات؟ من يفعل ذلك؟
المهم، بالفعل الصداع والقلق وأغلب الأشياء التي عندي تجعلني داخل حفرة من شعور أنا لا أعرفه لكنه شعور مقزز ومتعب، وأوقات شعور بالقرف من نفسي لأني لا أقوم بفعل الشيء المخطط له من تطوير مهارات وخلافه، يجب أن أطور من نفسي في أسرع وقت ممكن، للأسف لن أستطيع أن أذهب لطبيب مخ وأعصاب أو حتى طبيب نفساني إلا بعد سنة،
كنت أقول لنفسي قبل فترة إنه شيء طبيعي ومن الممكن أنها مجرد فترة مراهقة وستمر بالتأكيد، لكني لا أعتقد أن هذا صحيح، أنا بالفعل مُتعبة، وشعوري بقطع العلاقات من حولي ازدادت، رغم أنني لا أريد ذلك، و أوقات أتصرف بغرابة حتى يبتعدوا عني، كيف أنقذ نفسي قبل أن يزداد شيء آخر؟،
أتمنى أن تعطوني نصائح بكيفية معالجة الشيء الذي عندي لأنني حقاً تعبت أو على الأقل أن أعرف ما ذلك الشيء الذي قد أكون أعاني منه،
وشُكرا لكم
26/7/2021
رد المستشار
موضوع الاستشارة: الاكتئاب
تحليل الاستشارة: يمكن دراسة هذه الاستشارة من خلال نماذج عدة، ولكن في نفس الوقت على من يدرسها ان يتذكر بأن هذا السرد يحتوي على ذكريات يعود تاريخها إلى الطفولة، وما يكتبه الإنسان في أي وقت يتأثر بحالته العاطفية حينها.هناك وحدة عائلية لم تذكر كاتبة الاستشارة حجمها ولكنها في نفس الوقت تشير إلى أن وضعها الاقتصادي متوسط وحالتها الاجتماعية سيئة. هناك خلافات بين الأب والأم ترتكز على عدم احترام الأب للأم. هناك خلافات وشجار بين الوالدين بين الحين والآخر ولا أحد يستطيع الحكم إلى شدة هذه الخلافات. ما يمكن قوله واستنتاجه بأن البيئة المنزلية في نظر كاتبة الاستشارة كان لها تأثير سلبي على مجرى حياتها.كل طفل يسعى إلى تحقيق إنجاز يفتخر به أمام الوالدين، بل وهذا السلوك شائع جداً حتى بعد البلوغ ومغادرة الابن بيت والديه. كان رد فعل الوالد لما تسميه كاتبة الاستشارة إنجاز عظيم، في غاية البرود وربما هذا يعكس ضعف تعلقه بأبنائه ونرجسيته وصفاته الشخصية.كان رد فعل المستشيرة في عمر ١٦ عاماً لعدم اهتمام الوالد بالحدث أعلاه الشعور بالإحباط والشعور بالاضطهاد، وهناك وصف واضح لنوبة ذهانية عابرة تتميز بإطار وجداني خليط من الاكتئاب والهوس. انتهت هذه النوبة الذهانية الوجدانية الحادة الإطار بعد أسبوع، ولكن بعد ذلك حدث تغير ملحوظ مزمن في الحالة الوجدانية والأداء المعرفي والاجتماعي. نهاية الاستشارة تتحدث عن الصداع المزمن وأعراض يمكن حصرها بأعراض جسمانية، قلق، واكتئاب.توصيات الموقع:
ما تعاني منه كاتبة الاستشارة هو اضطراب عقلي (نفساني) يتميز بوضوح الأعراض الوجدانية وشدتها. ظهور هذه الأعراض في منتصف أعوام المراهقة يحتاج مراجعة طبنفسانية من قبل استشاري في الطب النفساني، ورغم أن الاحتمال الكبير هو الاكتئاب الجسيم ولكن خلف هذا الاكتئاب الجسيم الذي أصبح مساره مزمناً، قد يختفي اضطراب أكثر شدة مثل الثناقطبي أو الفصام. لذلك لا يوجد حل آخر سوى مراجعة طبيب نفساني لفحص الحالة العقلية وبداية رحلة الشفاء. لا توجد توصية أخرى.تعليق الموقع على آلية الاكتئاب في هذه الاستشارة:تكمن أهمية هذه الاستشارة لبقية قراء الموقع في استيعاب أسباب وآلية الاكتئاب. أسباب الاكتئاب عموماً هي عوامل وراثية في الجينات أو عوامل في البيئة التي ينشأ فيها الإنسان. العامل الوراثي لا يتجاوز مقداره ٤٠٪، وفي الغالبية يتم التفاعل بين الجينات والبيئة في إنتاج اضطراب الاكتئاب. ما يتم وراثته ليس الاكتئاب بحد ذاته وإنما الطبع أو المزاج والطبع بحد ذاته يمكن تصنيفه عموماً إلى:1- انفعالية إيجابية تتميز بميل الفرد إلى الانبساط وقلة الحساسية العاطفية والعصبية. هذا الطبع له دور وقائي ضد الاكتئاب.٢- انفعالية سلبية تتميز بميل الفرد إلى الانطواء والحساسية من الآخرين والعصبية. هذا الطبع يؤهل الإنسان للإصابة بالاكتئاب.كاتبة الاستشارة لها طبع يؤهلها إلى الإصابة بالاكتئاب كما تمت الإشارة إليه في بداية الاستشارة.
من جهة أخرى لا يمكن تجاهل الظروف البيئية وبالذات المنزلية التي ترفع من قابلية الإنسان للإصابة بالاكتئاب، وهذا ما نسميه نموذج الأهبة- الضغط لتفسير الاكتئاب. سواء المعاملة في الطفولة وعدم حصول تعلق آمن سليم بين الطفل والوالدين يؤدي إلى ولادة معتقدات أساسية غير تكيفية ترفع من قابلية الاستعداد للإصابة بالاكتئاب مع ضغوط بيئية أو بيولوجية. الاكتئاب بحد ذاته يؤدي إلى ترسيخ هذه المعتقدات الغير تكيفية وتولد حلقة مفرغة لا يخرج منها الإنسان بسهولة. هذا ما يفسر أزمات الاكتئاب وعدم استجابته للعلاج.