حزينة الأمس
هذا أنا عدتُ مِن جديدٍ إلى حبِّ هذا الحزن، والاختلاء بنفسي، أحيانًا أكتب ما أحدِّث به نفسي، وأحيانًا أتحدَّث مع الكتاب الذي أقرؤه، وما زلتُ أتحدَّث مع نفسي، فكَّرتُ في كثيرٍ مِن المشاريع، وبدأتُ، ثم فشلتُ فيها كالعادة، وأتصبَّر بأنها قدرٌ من عند الله، ثم أعود أشكُّ في نفسي، هل أنا أؤمن بالقضاء أو هي حجَّة العاجز، وملاذ المتمني الذي خابتْ أمانيه؟!
مما أزعجني وزادني مرضًا أني بلغتُ سنَّ الثلاثين، والجميع يضغط عليَّ ويجرحني، ولا أحدَ يَفهَمُني ولا يشعر بي.
يقولون: أصبحتِ عانسًا - وبلهجتنا (بائرة) - لم يبقَ لكِ شيءٌ، أمثالُكِ لهم أولادٌ سوف يتزوَّجون! إذا كنتِ حزينةً أو غاضبة من شيءٍ فبسبب تأخر الزواج! وعندما تقدَّم لي أحدُهم رفضتُه؛ لأني لستُ بخيرٍ، ولأني أيضًا لا أثق أنه - أو غيره - سيقبلني، أنا شبحٌ ولستُ امرأة، نحيفة، شاحبة، فاشلة، بل حتى قدرتي النفسية على الاعتناء بغيري غيرُ متوفِّرة، لكن أهلي أرغموني على الموافقة،
ومع كل ما ذكرتُ أرغمتُ نفسي على مقابلتِه، وكانت النتيجة أنهم رفضوني، وأهلي لم تُعجِبهم النتيجة، لأنني أنا السبب في نظرهم! تمنَّيتُ أنه لم يتقدَّمْ لي ولم يأتِ، وأحسب أني كنتُ أحسن بكثير قبل أن أنتبه أني وصلتُ لهذا السنِّ، ربما انتبهتُ أنه لا أحدَ بجانبي، وأني لستُ كالأخرياتِ، لا أعرفُ، لكني تألمتُ مِنْ حالي كثيرًا، ثم ما زلتُ لم أفهمْ كيف يكون الحلالُ صعبًا بالنسبة لي، والحرام سهلًا؟
يأتيني الواحد ويريد أن يتقرَّب مني، فأحمل نفسي وأهرب، لا أفهم شيئًا! ليست لدي صديقات مقرَّبات، وكل مَن أعرفهن مستقيمات - حفظهن الله وزادهن مِن فضله - حتى لو تحدَّثتُ معهن فأنا بالنسبة لهن أعرفُ كلَّ شيءٍ، ولستُ بحاجة إلى نصيحة ولا إرشاد ولا لشيء.
ما زلتُ أذكرُ أني ذات يومٍ فكَّرت أن أُرسِل لصديقتي رسالةً أُخبِرها فيها بأني حزينةٌ، فلم يصلني الجواب إلا بعد أيام: "المؤمن يكتفي بالدعاء، سلام"! فكَّرتُ في ذلك الوقت أن بعضَ المحادثة قد تسلِّيني، فخبتُ وخاب ظني، شيء ما في حياتي غير واضح ولا أفهمه، لأني ربما لا أفهم نفسي، إذا كنتُ بين الناس تمنَّيتُ وحدتي، وإذا كنتُ وحيدة شعرتُ بأن هناك ما ينقصني، لا أعرف ما هو؟
بحثتُ عنه ولم أجدْه، أقنعتُ نفسي أنه الأُنس بالله، لكني لم أصل إليه، حتى عباداتي أؤدِّيها وأنا أرغم نفسي عليها، أصبحتُ أشعر بالغَيْرة من الناس، فهم يُجاهدون أنفسهم على النوافل والمستحبات، وأنا ما زلتُ أتشاجر مع نفسي في الفرائض، ألستُ شقية؟!
تحطَّمتُ نفسيًّا لمَّا فقدنا بيتنا الذي عِشْنا فيه، بعد موت أبي - رحمه الله - أعطيتُ نصيبي لأخي مِن أجل أن يكونَ البيت الجديد ملائمًا! ولكن - يا حسرتاه - أخي يضيع المال، ولا يُحسِن التصرف، فكلما احتاجَ مالًا باع جزءًا من البيت الجديد! يَقتُلُني الهمُّ والقهر، لا يوجد شيءٌ جميل في حياتي، حتى ذكرياتي كلها حزينة، فكَّرتُ في أن أستحضرَ ذكرى جميلة لعلِّي أتحسَّر عليها، طفولة محرومة، مراهقة مجاهدة، وشباب ضائع؛
تبلَّدتْ مشاعري تُجَاه أشياء كثيرة، لا أدري هل هذه البَلادة مرض آخر؟! ولا شيء فيها يستحق لأن أستمرَّ، لكن لا بدَّ أن تنتهيَ في الوقت الذي يريد الله أن تنتهي فيه، وأنا أنتظرها تنتهي أبدًا!
أنا لا أُرِيد ردًّا ولا نصيحةً، فأنا أعرف أني سوف أفشلُ، ولن أوفَّق، لكني سَئِمتُ أن أكلِّم نفسي وأن أرسل لها ما تعرفه، وما أنا أعرفه، لكني أشعرُ بالراحة كثيرًا، وأنا أكتب لشخصٍ آخر، لا يهم إن كان لا يفهمني، أو لا يحبُّني، أو يراني مجنونة، أو مريضة، أو مُذْنِبة، حسبي أني تكلَّمتُ وارتحتُ قليلًا.
سلامي للجميع، وبارك الله فيكم،
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
2/8/2021
رد المستشار
صديقتي
الحزن ينتج عن مواجهة أن أملا من آمالنا لن يتحقق.. ما هو أملك الذي تعتقدين أنه لن يتحقق وما هي أدلتك المادية التي ليس لها علاقة بشعورك أو بتأويلك للماضي أو الأحداث الحالية ورأيك في نفسك؟
تقولين أنك تعودين لحب الحزن والاختلاء بنفسك.. لماذا تحبين هذا؟
قد تكونين ممن يعانون من الاكتئاب وهو ما يجعل كل شيء يبدو بلا أمل ويضفي علينا روح الانهزامية في كل شيء.
بما أنك جامعية فلا شك أن لديك الآليات التي تتيح لك البحث والتحقق من المعلومات مثل معلومة أنك بائرة أو أنك عانس أو أن قطار الزواج والإنجاب قد فاتك قبل أن تذهبي إلى الحزن واليأس.. بسبب التقدم الطبي في العالم، أصبح من الممكن الإنجاب حتى بعد الأربعين.. قد تكون المسألة أصعب ولكن ممكنة...
السؤال هو لماذا تريدين الإنجاب فيما عدا إرضاء أو إسكات المجتمع الذي حولك؟ أتريدين الزواج من أجل ذلك أيضا أم أن لديك أسباب شخصية جيدة للرغبة في الزواج أكثر من إرضاء المجتمع وممارسة الجنس في الحلال؟ لماذا تريدين الزواج؟ وإن كنت لا تريدينه فلماذا؟
عموما السن لا علاقة له بالحب والزواج وهناك الملايين من الأمثلة التي تؤكد هذا في العالم.
من ناحية أخرى، لماذا سوف يتحمس أحدهم للزواج منك أو لحبك حقيقة وأنت تصرين على هذه الانهزامية والاكتئاب... أقول تصرين لأنك قلت "فكَّرتُ في أن أستحضرَ ذكرى جميلة لعلِّي أتحسَّر عليها"... تستحضري الذكرى الجميلة للتحسر وليس لإعادة مشاعر جميلة.. هذا إصرار على الأحاسيس السلبية وإقحام لها حتى فيما هو إيجابي...
بالله عليك هل هذا شيء مشجع بأي حال من الأحوال؟ وكيف يمكن لأحد الانتصار والتقدم وهو مصر على روح انهزامية؟... النجاح له بناء والفشل له بناء والاختيار يرجع لنا في أي طريق سوف نمضي.
تقولين "ما زلتُ أذكرُ أني ذات يومٍ فكَّرت أن أُرسِل لصديقتي رسالةً أُخبِرها فيها بأني حزينةٌ، فلم يصلني الجواب إلا بعد أيام: "المؤمن يكتفي بالدعاء، سلام"!"... ربما هذه الصديقة ليست بصديقة وربما سئمت من شكواك المستمرة... لا أحد يحب البكاء الشكاء.. جل ما سوف يعطون هو بديل رخيص للمحبة اسمه الشفقة.
الحرام أسهل ربما لأنك لا تريدين الارتباط حقيقة... قد تستعذبين دور الضحية ولكن هذا لن يؤدي إلى أي شيء إيجابي.. السؤال هو ماذا تريدين لحياتك؟ ولماذا تحبين الحزن والانعزال؟.. كيف تشعرين في أي لحظة يتحدد بما تركزين عليه والمعنى الذي تعطينه له أو المعنى الذي توافقين عليه... كل هذا من اختيارك.. قد لا تختارين الفكرة السلبية ولكن لديك اختيار فيما إذا سوف تركزين عليها أو تصدقينها أو تستسلمين لها أو تؤمنين بها أو أن تركزي على شيء آخر أو معنى آخر واتجاه آخر.
الإنسان عموما يريد أن يتميز وعندما لا نسمح لأنفسنا بأن نتميز في الإيجابيات فلا مفر من أن نتميز في السلبيات.. المسألة مسألة اختيار.. لديك الاختيار في أن تكوني إيجابية متفائلة سعيدة شيئا فشيئا (ولو بنسبة 1% في الأسبوع أو الشهر) أو أن تظلي فيما أنت فيه.. هذا شيء يعود لك.
ليس هناك علاقة حقيقية بين فقدان البيت والمال وإعطائه لأخيك السفيه (على حد وصفك) وبين ما تحسين به نحو نفسك وحياتك.. لقد اتخذت قرار أن تعطيه نصيبك مع معرفتك بشخصيته.. كنت تعلمين ما سوف يحدث ومع ذلك خاطرت بما لديك.. فقدان الأهل والمال لا يصح أن يسبب الكآبة والجمود في الحياة على المدى الطويل.
عليك بمراجعة معالج نفساني لمناقشة هذه الأمور ووضع خطة لأسلوب جديد في الحياة بما أنك تعيسة بأسلوبك الحالي.. حياتك سوف تتغير إلى الأفضل عندما تغيرين أفكارك وأسلوبك وأفعالك إلى الأفضل ولو بنسبة صغيرة في البداية، ولكن عليك الاستمرار في الإصرار على التحسن.
وفقك الله وإيانا لما فيه الخير والصواب