مساكم الله بالخير
أولا شكرا على جهودكم الواضحة في مساعدة الناس، وثانيا تسعِدني سرعة ردِّكم وتجاوُبكم معي، ولكنِّي بِحاجةٍ إلى طبيبٍ يُساعِدُني في فَهْم الحالة، قبل أن أقوم بِعَرْضها على طبيب.
أفيدكم بأنَّ زوجي يعاني من اضطِراب ثنائي القُطب، وذلِك حسبما لاحظت من أعراض. عمره 34 سنة، متزوجان من سنتين، ولديْنا طفلة، وأنا حامل الآن، تعليمُه متوسِّط رغْمَ أنَّ خِبْرَته طويلة، يَعمل في وظيفةٍ مُحترمة، والدُه على قيد الحياة رغْم أنَّهما منفصِلان.
لكن ما راعني أخيرًا، وجعلني أسْعى في الحُصُول على ردٍّ شافٍ بأقْرب فرصةٍ، هو: توجُّهه قبل يومَين للسَّفر لمدَّة 4 ساعات، وفي قرارةِ نفسِه أنَّه سيُغْرِق نفسَه في مياه البَحْر وهُو داخل سيَّارته، يقول: "لن يعْلَم عنِّي أحد، بَل لن يسأل عليَّ أحد، ولن يهمَّ هذا الأمرُ أحدًا"، ولأنَّه أضاع الطَّريق مرارًا إلى الشَّاطئ المَقْصود، فقد أُحْبِط وعاد أدراجَه إلى المنزِل بعد 4 ساعاتٍ أُخْرى من السَّفر. لا أعرف ماذا أفعل؟ لقد فعل الأمر الَّذي أثبت أنَّه مريضٌ من الدَّرجة الأولى.
وأثبت العلاَّمة الفارِقة في المرَض في نظري، يعيشُ في دوَّامة ووساوس، ويقول: إنَّه يَسمع أصواتًا وكلام النَّاس الَّذين يتكلَّمون فيه، يَبقى ساهرًا لمدَّة أيَّام، لا يعمل، لا ينام، لا يأكل، ويعيش إمَّا على سجَّادة الصَّلاة مُستقبِلاً القِبلة، وقارئًا لِلمصْحف لساعاتٍ طوال، أو تَجده أمام القنوات الإباحيَّة أو المواقِع الإباحيَّة، يمارس "...." أمامي، ويعيش بلا صلاةٍ ولا طهارةٍ لمدَّة أيام.
لا يُوجَد لديْه اهتِمامات، حتَّى نفسه لا تهمُّه، يهْجُرني، يهْجر الحديثَ معي، يهْجر غُرفتنا، يهْجُر ابنتَه الوحيدة، ويعيش مُنعزلاً في أقصى المنزِل، صامتًا حزينًا لأيام.
لديْه مرض السُّكر، ويأخُذ حُقَن "الأنسولين"؛ ولكنَّه يُهْملها ويَقول: ما الفائدة؟ خصوصًا حينما يُصاب بِهذه الحالة.
يريد أن يكون أغْنى النَّاس، ويريد أن يَكون كل النَّاس أغنياء، ويشعر بِبالغ الحُزْن والأسى والاكتِئاب، لماذا تسير الحياة بِغير ما يُريد لكلِّ النَّاس؟! يُعاني من جُنون الاضطِهاد؛ حيثُ يتَّهم الجميعَ بأنَّهم ضدُّه، ويَحيكون المكائدَ حولَه، وَيغتابونَه وينافِقونه، وأنَّه لا يشعر بالرِّضا عنْهم، ولا يشعر بأنَّهم معه أو في صفِّه، حتَّى لو كان لا يَعْرِفُهم.
شكُّه بالآخَرين ونيَّاتِهم مُمكنٌ أن يصِل لحدِّ أنَّه يشكُّ بي، ويَشكُّ بأمِّي وأَهلي بأنَّهم ضدُّه، فيعامِلهم بأسوأِ مُعاملة، وكأنَّهم كائناتٌ حقيرةٌ دائمًا، تَجده خاليَ الوِفاض ومفلسًا رغْم أنَّه يَعمل بوظيفةٍ مرموقة وذات دخْلٍ عالٍ، لكن لا تُسائِل عن أموالِه فهو لا يَعرف أيضًا.
أحمد الله أني موظَّفة ومستقلَّة عنْه مادِّيًّا، ورغْم ذلك يتكلَّف في أحزانه حوْلَنا وحوْل أمورِنا المادِّيَّة، دائمًا يَحزن رغم أن أمورَه في تحسُّن ملحوظ، خصوصًا المادِّيَّة، وكلَّما تحسَّن وضعُه استخرج بطاقة فيزا بعشراتِ الآلاف من الرِّيالات وأضاعَها في أسبوع أو أسبوعين.
يشعُر بالذَّنب في انفِصال والدَيْه، ويَحزن على طفولتِه كثيرًا، يشْعُر بالحزْن والأسى على سنواتِ عمْرِه الَّتي قضاها في عمَلِه 15 سنة، خصوصًا أنَّه لم يَحصُل على ترْقية مناسبة.
دائم الشَّكوى، يشعُر بالمرَض والاستِكانة والهوان، والضَّعْف البَدَني والنَّفْسي، خصوصًا أيَّامَ الأزْمة النَّفسيَّة كما أسمِّيها، ولا يَخرج من المنزِل لأيَّام، يشْعُر بالإجْهاد من القيادة لِمسافة 100 متر فقَط، لا يتحمَّل التجمُّعات لأنَّه يُعاني من فقْد التَّركيز.
أحتاج لأن أكرِّر الكَلام عدَّة مرَّات ليستوْعِب حديثي؛ لأنَّه لا يركِّز كفاية.
يشتكي من آلام المفاصِل، من الصُّداع، من آلام الجِهاز الهضْمي، ولا يذهب لطبيب، لا يُؤمن أنَّهم يمكن أن يقيِّموا حالتَه ويشْعروا بِما يشعُر به، أو يُمكن أن يُعالِجوه.
تَجده أيَّامًا يَشعُر بالسَّعادة، يُقابِل النَّاس، ويذهب لِلعمل ويتحمَّس للحياة، ولكن أيَّام الأزْمة النفسيَّة تَجده على العكس، لا يُطيق أن يكون أي كائنٍ حيٍّ أمامه، ولا يفكِّر سوى بالمَوت، ولا يتمنَّى سِوى المَوت، ولا يتكلَّم سوى بالموت.
أوَّل فترة من زواجِنا كان يتعاطى المخدِّرات، ولفترةٍ يُمكن أن تمتدَّ إلى 4 أشهُر مُتواصِلة، وخصوصًا الحشيش، وحاليًّا أصبح يتناولُ المهدِّئات بشكْلٍ إدْماني واضح، بِحيثُ أعيشُ مع جثَّة إنسانٍ فَقَط.
أنا لستُ حزينةً على نفْسِي، بل أشْعُر بالأسى على أبْنائي، سيَعيشون حياةً لا يَعْلَمُها إلا الله إذا لَم يتعالَج.
بقِي أن أُضِيف أنَّه يَشربُ المُسْكِرات حِينما تتوفَّر حوله، بدون أن يَشْعُر بالذَّنب ولو لِلحْظة، ويَشربُها متى توفَّرت أمامه، خصوصًا إذا كان مسافرًا.
يدَّعي عِلْمَه بالدِّين وأنه أعْلَم النَّاس بالدِّين، ويأْمُر بِالمعروف بقسوةٍ أحيانًا بطريقة غريبة، يعني يمكن أن يُهينَني ويَسخَط عليَّ أمام عائِلتي وعائلتِه لأنَّني لم أردِّد خلف المؤذِّن، حتَّى لو كنتُ مشغولةً بِمحادثة هاتِف أو مع ابنتي في إنْهاء بعض أمورِها، لكن لا يقلق من ناحية أنَّه لم يُشارِك مع الجماعة، أو حتَّى كان هناك عدَّة فروض أو صلوات لم يصلِّها.
أنا لم أعرِضْه على طبيبٍ نفْسِاني، ولم تشَخَّص هذه الحالة، لكنِّي كنت أعتقِد أنِّي تزوَّجتُ مجنونًا، أو ربَّما هذا تأثير التَّعاطي، وأقصِد هنا: فقدان التَّركيز وضَعف الذَّاكرة، حيث إنَّ تاريخ التَّعاطي ليس معلومًا بالنِّسبة لي.
إنَّ معظم الأعراض الَّتي أراها أمامي هي أعراض مرض "اضطراب ثنائي القطب"، أو مرض فصام، لستُ متأكِّدة بالضَّبط، وذلك حسب ما قرأتُ وتمعَّنت به.
أنا أصل أحيانًا لِمرحلةٍ منَ الشُّعور باليأسِ منْه ومن مُصارحته، الانفصال ليس بحل، ليس لأنَّني خائفةٌ من الانفِصال، بل خائفة أن آخُذَ ذنبَهُ معي، وذنب هؤلاء الأطفال، خصوصًا أنَّني عشتُ يتيمة، رغم أنَّني قادرة على إعالة نَفْسي تمامًا، وهذا فضلٌ من الله،
فقَطْ كيْفَ أقْنِعُه بأن يُرَاجِع طبيبًا نفسانيًّا
لا أعرف أفضل طريقة لنصحِه.
5/8/2021
رد المستشار
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الكريمة / حفظها الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد ،،،
حياك الله أختي الكريمة، وأهلا وسهلا بك في موقعك، ونحن نرحب دوما بأسئلتك واستفساراتك، في البداية، أود أن أعبر لك عن إعجابي بطريقتك في عرض المشكلة، وإعطاء معلومات كافية عن حالة زوجك، وتاريخه العائلي، وظروفه الشخصية، كما أحييك على رغبتك في إصلاح حال زوجك وحرصك على حياتك الزوجية وبيتك، وأولادك، وأرجو أن تجدي في هذه السطور ما يعينك على فهم مشكلة زوجك، ومعرفة طريقة التعامل المناسبة معه.
أختي الكريمة : ما يعاني زوجك منه حاليا هو اضطراب في المزاج والتفكير ناتج عن تعاطي الحشيش والمسكرات، أو ما يسمى بـ "الاضطرابات النفسية الناتجة عن التعاطي"، وهذه الاضطرابات تتشابه في أعراضها إلى حد كبير مع أعراض الاضطراب الوجداني ثناء القطب، وأعراض الفصام الذهاني، وهو تشابه ظاهري في الأعراض، أما التشخيص النهائي فيختلف تبعا للتاريخ المرضي والعائلي للمريض، ومدى تعرضه للضغوط، ومدى تعاطيه لهذه المواد من عدمه.
عزيزتي، بداية يجب أن تعلمي أن أعراض اضطراب تعاطي المسكرات والحشيش تختلف من فرد لآخر، وهي تؤثر بدرجة أو بأخرى على الطريقة التي يتواصل بها الفرد مع الآخرين من حوله، فتؤدي به إلى التخلي عن بعض الجمعات العائلية أو الخروج مع الأصدقاء، والعزلة، والتوقف عن ممارسة الهوايات والأنشطة، وما ذكرته في رسالتك من أعراض لاحظتها على زوجك تعد من الآثار السلبية الناشئة عن التعاطي كتغيرمعاملته معك ومع عائلتك، المزاج المتقلب، السلوك الاندفاعي، الاكتئاب ومحاولات الانتحار، الشكوك والشعور بالاضطهاد، الملل الحيرة الدائمة، الهجر والصمت الطويل، محاولة البحث عن المشكلات بشكل دائم، التهرب من الالتزامات الضرورية، إهمال العمل ومناحي الحياة الأخرى، هدر الكثير من المال دون تفسير واضح، قيادة السيارة وهو في حالة من عدم الوعي والتركيز، السلوك الجنسي، .....إلخ
وعن أسباب تعاطي زوجك للحشيش والمسكرات، فقد يكون هناك أسباب مباشرة وأخرى غير مباشرة دفعت زوجك للتعاطي، وقد تختلف الدوافع قبل الزواج أو بعد الزواج! لكني ألحظ من رسالتك العديد من الدوافع النفسية لدى زوجك مثل الخلافات الأسرية وتعرضه للمشاكل النفسية والاجتماعية نتيجة انفصال والديه، وإصابته بداء السكري وتعرضه للأزمات الصحية، كل هذه العوامل تعد من الأسباب الرئيسة؛ أيضا نوعية الأشخاص الذين كان يقوم بقضاء وقته معهم خلال المرور بهذه الأزمات، لأن تعاطي الحشيش من الطقوس التي غالباً ما تتم بشكل جماعي بين شخصين أو أكثر، مما يجعل أصدقاء السوء سبباً أساسياً لإقناعه بتعاطي الحشيش . ولا تنسى – يا عزيزتي – الخرافات الرائجة التي يسمعها الناس عن أن أضرار الحشيش عادية أو خفيفة، والقول أن الحشيش لا يسبب الإدمان، إلى جانب توفر الحشيش، وسهولة الحصول عليه بأسعار منخفضة مقارنة بغيره من أنواع المخدرات.
أختي الكريمة: ما يعنينا الآن هو كيفية مواجهة تلك المشكلة، وحلها من جذورها، حتى لا تصلي وأبنائك إلى طريق مسدود، عليك أولا بالمصارحة والمواجهة، فأحيانًا يا عزيزتي تكون المواجهة التي نخاف منها هي الحل بالفعل، وتكون هي الخطوة الواجبة حتى يختلف الوضع ونتقدم نحو الحل ولو كان مرًا، ابدئي أولا بتثقيف نفسك وجمع معلومات عن الحشيش وآثاره ونتائجه ليكون لديك العلم والأجوبة عندما تناقشينه، تحدثي معه وناقشيه من مبدأ الحب له والتقدير، وقومي بتنبيهه من الأذى المتوقع منه لأن الحشيش مؤذٍ ويؤثر لاحقاً على التفكير والتركيز والذاكرة والشخصية، انصحيه من قلب محب، وكوني واضحة في التعبير عن مشاعرك اتجاهه واتجاه الإدمان، وأخبريه بأنك تشعرين بالخوف والقلق والغضب عندما يقوم بالتعاطي، لا تقومي بلومه كثيراً أو تهديده أو إحباطه معنوياً ونفسياً، فيجب أن تتعاملي مع الموضوع بحكمة أكثر ، واطمئني – يا عزيزتي – فلن تكسر المواجهة زوجك، لابد أن تتحرري من هذا الخوف الذي يكبلك، ويكفيك أن تعرفي أن خطورة السكوت من قبلك والتغاضي والإستمرار في التعاطي من جهة زوجك مروعة، ولن تضمن لك وأولادك حياة مستقرة معه، يكفيك أن تعرفي ذلك حتى تتشجعي وتتكلمي مع زوجك وتواجهيه برفضك للأمر
المرحلة التالية بعد المصارحة هي محاولة إقناعه بالتوقف عن التعاطي، والاستعانة بمتخصص للبدء في رحلة العلاج، واعلمي – يا عزيزتي – أن علاج التعاطي والإدمان لن يكون بالشكوى للأهل ولا الأصدقاء ولا غيرهم، والمدمن لا يمكن أن ينصاع لأي أحد من هؤلاء، علاج الإدمان يحتاج إلى مدمن يريد التعافي ويمتلك الإرادة لذلك + أسرة أو أفراد قريبون من المدمن داعمين له + مساعدة من متخصص، فالإدمان يا عزيزتي مسألة شائكة تحتاج إلى تضافر جهود عدة جهات، وهو بالفعل مأزق شديد الوطأة يحتاج إلى شجاعة وصدق وجدية للتخلص من هذا السم القاتل، اجتهدي في أن تذهبي معه لطبيب، ولو خارج محيط المكان الذى تعيشون فيه، حتى لا يستحيي من الناس، فمن الضروري أن تسانديه وأن تخبريه بأنك ستكونين بجواره ما دام يريد السير في الطريق الصحيح
أما إذا استمر على موقفه وامتنع عن التوقف عن التعاطي فاستخدمي معه الإنذارات النهائية، ولكن فقط إذا كنتِ تنوين الاستمرار في علاقتك الزوجية معه وعلاجه، وأما الإنفصال بالطلاق فلا شك أنه من حقك، ولكن في حالة واحدة وهي الرفض التام منه، والعجز التام عن إقناعه بطلب المساعدة للتعافي والاقلاع عن التعاطي، والتأكد من وجود "خطورة"حقيقية تهدد حياتك وأطفالك معه.
افعلي ما عليك يا عزيزتي حتى النهاية حتى لا تشعري بالندم أو التخلي أو الخذلان لزوجك، ابذلي وسعك ثم اتخذي قرارًا حاسمًا للنجاة، وعندها لن يعني ذلك عدم دعمك لزوجك أو عدم مساندتك وتخليك عنه، فقط ادرسي قبلها الأمر وخططي له جيدًا، واستعيني بالله ولا تعجزي
أسأل الله لك التوفيق والسداد، وتابعينا بأخبارك