مايسة والتحرش وكره الحياة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، لكم جزيلُ الشكر على الجهد جعله الله في موازين حسناتكم، أنا فتاة الآن في الصفِّ الثالث الثانوي، تعرَّضت للتحرُّش الجنسي عدَّة مرات، وربَّما تكون مشكلة مشابهة للأُخريات، كنتُ دائمًا أتعرَّض للتحرُّش ولا أُخبر أحدًا؛ خوفًا مِن أهلي، فإني أخاف مِن أهلي لأبعَد الحدود، فقط ألْتزم الصمت!
حوالي خمسة رجال تحرَّشوا بي، كان لمس بعض الأماكن غير اللائق، وامرأة واحِدة لا أنْساها هي بنت خالتي، كانت قاسية جدًّا تستمتِع بي كثيرًا وكأنِّي زوجها! يعني أبْعد حد تتخيَّلونه، وكنت فقط أبكي، إن أخبرتُ أمِّي يا ويلي! وإن الْتزمت الصمتَ تفْعَل ما تُريده وتهدِّدني؛ فقد كانتْ تعلم أنِّي أخاف مِن والدتي كثيرًا، وناهيكم عن الكلام الفاحِش تتفوَّه به كثيرًا.
وكانتِ الصَّدمة الأولى في إحدى المرَّات وهي تفْعَل نزل مني بعض الدماء فتركتْني، وكل تفكيري كان والدتي ولم أخبرْها أيضًا، التزمت الصمت، وبعد فترة لم أكُن أعْلم بأمْر البلوغ أبدًا، عندما بلغتُ خِفت كثيرًا، حتى الآن عندما تأتي أشعُر بنفس الشُّعور، لم أُخبر والدتي، والله أنا جالسة منذ سنة كاملة دون أن أخبرَها وهي لم تُخبرني، لكني تعبتُ كثيرًا؛ لأني كنت أغسِل ملابسي بنفْسي وأتحمَّل تلك الآلام، ويحدُث لي ما يحدُث ليس لي سِوى ربِّ العالمين.
الحمد لله أهلي معروفون بصلاحهم وطاعتهم، والله لقد كرهتُ نفسي، وكنت أريد أن أنتحِر، كنتُ أكره كلَّ مَن حولي حتى والدتي، لا أحبُّ الحديث مع أيِّ شخص، كنت أشعر أنَّ كل مَن يقترب مني يقترب فقط ليستمتعَ بي، لا أحبُّ الخروج مِن المنزل، ولا أخرج، ويتركونني بحريتي، في بعض الأوقات أرغب في الحديث مع أحدِهم، ولا أحَدَ يُعطيني مجالاً، وأنا مُراهقة ولا أحدَ يهتمُّ بي.
تأتيني كوابيس؛ أرى أني أقتُل نفسي، وفعلاً إن استيقظت خائفة وأنا ماسكة (كلوركس) أريد الشُّرْب منه، ومرة كان شخص يُناديني فاستيقظت فرأيتُ نفسي عندَ باب المنزل، والحمد لله أنا الآن بخير.
لا تَأمُروني بالذَّهاب إلى طبيب نفسي، مستحيل والله؛ فلا أحد سيرضَى، ولا بطبيبة، ولا بالأحلام، لا يرضون! ممكن عندَكم حلٌّ غيره ممكِن تُساعدونني، ما العمل؟ أشعر بتَعبٍ يجيئني دائمًا مغص شديد جدًّا، في بعض الأوقات أشعُر بأن لي رغبةً في الزواج، لكن هيهات! واللهِ موضوع الزواج صار عندنا مِن عاشر المستحيلات! أنا صابِرة حتى الآن، واللهِ أنا لا أرغب في الحياة، لكن أعلم أنَّ لي ربًّا كريمًا قادرًا على كلِّ شيء.
أنتظركم، وأرجوكم لا تتأخَّروا عليَّ.
والسلام عليكم.
28/9/2021
رد المستشار
أهلا بك على موقع مجانين للصحة النفسية يا "مايسة"
التحرش الذي تعرّضت له معاناة كبيرة بالنسبة لك وهو يشوّه نظرتك لجسدك وكيانك كأنثى، لكن المشكلة الأكبر في نظري هو كيف عشت تلك التجارب بين اعتداء الغريب وغياب القريب؟ كتمانُك خوفا من أمّك وردة فعلها جعلك تعيشين تجربة قاسية لوحدك دون سنَد ولا حتى مجرّد فضفضة، اختنقت في أجواء السرّية وأحاسيس الذنب والعار الذي شعرت به، انقلب تجارب الاعتداء من الآخرين لاعتداء على الذات، لأنه لا أحد رافقك في تلك التجربة الحساسة وأخبرك وأقنعك أنّك مظلومة ولست مُلامة، وأن الذنب ليس ذنبك لأنك أنثى ولديها ما يرغب فيه المعتدون، بل هم أصحاب الذنب. مع الأسف تأنيب الضمير وإجترار مشاعر العار وتوجيه الغضب والكراهية للذات يتردد كثيرا في تجارب التحرّش، وبشكل تلقائي تميل الضحية لاعتبار نفسها مخطئة، بمباركة المجتمع!نضيف إلى ذلك كل تجاربك الأخرى التي شكّلت لك صراعا نفسيا ومعاناة ولم تجدي فيها من يواسيك، وأبسط مثال دم الحيض الطبيعي جدا لم تستطيعي إخبار أمّك ولا هي أرادت أن تخبرك، فلتتدبّري أمرك في هذه الحياة الموحشة! ثم نتحدث بعد ذلك عن الصلاح والتقوى! أتساءل عن هذه المفاهيم كيف نبينها في أسرنا ومجتمعاتنا، فإضافة إلى معاناتك مع الدورة وتقلباتك المزاجية وألمك، هناك تجهيل ورفض فشعرت بأنك "تفعلين ذنبا مخزيا"، عام كامل وأنت تكتمين وتخفين وتغسلين ثيابك مع رعب أن يكتشفك أحد...
لا أدري هل هذا ناتج عن تخوفك غير الطبيعي وخجلك (ولا شك أنك تتحملين جزء من التواصل مع والدتك) أم عن أجواء الأسرة "الوقورة جدا" التي تضيع فيها حاجة الإنسان للمشاطرة والدعم بدعوى "الوقار والصلاح" هي السبب؟!
ومن هذا المنبر أقول: ينبغي على الآباء أن يكونوا أكثر جرأة ويتركوا التذرّع بفضيلة واهية ويأخذوا على عاتقهم مسؤولية تعليم أطفالهم والأخذ بيدهم في تقلبات الحياة وصراعاتها، فتعليهم وتلقينهم يعطيهم إحساسا بالقبول وأن الأمر عاديّ وطبيعي ومشترك بين الناس، ويساعدهم على بناء صورة إيجابية عن ذواتهم، هذه أمور مهمّة للغاية وليست ثانوية كما قد نُعللّ ببعض الحجج الأخلاقية ولكننا في العمق لا نريد أن نكون طرفا في نقاش محرج عن الجنس والأعضاء التناسلية والأمور البيولوجية... هذه الحقيقة
فلا فساد أكبر من تحطيم نفسية الأطفال وترك الحياة تنهشهم، بدعوى "الفضيلة والحشمة".يا "مايسة" كره الحياة ووالدتك والتفكير في الإنتحار والكوابيس، ليس إلا ردة فعل "غير مناسبة" ولكنها صحيّة ودليل على تكيفك مع تجارب قاسية بالنسبة لك، غير مناسبة لأنّها ستزيدك ضررا وضعفا، صحيّة لأن نفسيتك ترسل لك رسائل إنذار واستنجاد في آن واحد، ما يجب عليك فعله ليس التفكير في حلّ هروبيّ (الزواج) بل التفكير في تغيير أفكارك وسلوكاتك، أما الزواج وأنت بهذا السن وينقصك الكثير لتتعلميه عن الحياة والعلاقة بين الجنسين وعن نفسك (وهذا الجزء الأهمّ) فلن يكون حلا سحريّا سيغيّرك ويغمرك بسعادة وراحة، هو تحدّ آخر وعلاقة قائمة على توازن حسّاس إن أسأنا التصرف داخلها قد تكون عواقبها وخيمة علينا، وإن دخلنا تلك العلاقة مع كل إرثنا المعطوب قبل أن نوطّن أنفسنا على بعض التصالح والتوازن النفسي، لن يكون الزواج إلا حلقة أخرى من المعاناة والعبث. وتبدئين دورة أخرى من الحزن وكره الحياة وندب الحظ وربما تألفين "دور الضحية".
على مستوى الأفكار حاولي التخلص من أحكامك المسبقة عن والديك، والخوف منهم، ومفاهيم الصلاح بالنسبة لبنت مثلك، اعلمي أن تجارب التحرش لا يخلو منها أحد ولن تدمّر الشخص إلا بالقدر الذي تمركز عليها واختزل نفسه في مشاعر الذنب والاحتقار. حاولي أن تفهمي أن لك جزء من المسؤولية وأنت مقبلة على العشرينيات ولم تبق طفلة بعدُ، تريدين الاهتمام حاولي التعبير عن هذا، تريدين من يسمع كل، حاولي الحديث عن هذا الأمر، فلا أحد سيلتفت إليك فجأة ويقول "مايسة شعرتُ أنك تحتاجين من يسمعك"! فأنت أدرى بحاجياتك ثم قد تتفاجئين إن لاحظتِ نفسك من الخارج، ستجدينَك ربّما تمثلين دور الفتاة القوية غير المحتاجة للناس، وهذا يزيد الناس يقينا في أنّك غير محتاجة لهم.
على مستوى السلوكات، خذي المبادرة أوّلا، حاولي التقرب من أمّك وفهمها ولتفهمك أيضا، فغالبا العائلات المحافظة لا يفهم أفرادها بعضهم بعضا من كثرة التحفظ وقلة الحوارات، وأجواؤهم غالبا تكون مليئا بالأحكام المسبقة "والأفكار المضمرة" التي يتعاملون على أساسها دون البوح بها، حاولي توسعة علاقاتك الإجتماعية وبناء بشكة من العلاقات الناضجة واصبري على ما قد يكون ثقيلا عليك في الأول لأنك (بنظرتك السلبية) قد تفسرين تصرفات البعض على أنها إساءة وحلقة أخرى من الإساءة (كما قلتِ عن التقرّب بسبب الرغبة في جسدك).
وأخيرا ثقفي نفسك بخصوص التحرش الجنسي والحالات النفسية التي تجدين نفسك فيها، لن يتغير منظورك إن بقيت حبيسة نظرتك القديمة، ولن تتغير نفسيتك بالتالي.
هذه بعض النصائح التي قد تحتاجين لمرافقة لتطبقيها، الطبيب النفساني ليس ضروريا، وهو ذو سمعة سيئة بين الناس، التجئي إلى coach أو مختص نفساني فهما أقل إخافة من "طبيب نفساني"وأخيرا أذكرك بمسؤوليتك للخروج من هذا الوضع، والمسؤولية تتضمن تحمل العقبات وتحمل "ألم تمزيق منطقة الأمان" وهذا ليس عمل يوم وليلة بل عمل سنوات كلما خطوت الخطوة الاولى فيها شارفت إلى إنهائه.
بالتوفيق وتابعينا بأخبارك إن أحببتِ، وإليك بعض الروابط:
الضرار الجنسي ليس دائما ضرارا!
عسر المزاج: اللاستمتاع المزمن
كيف تنمي ثقتك بنفسك؟