أريد التعافي فقط
تحياتي لموقعكم المحترم
المشكلة: عمري 42 سنة وأعاني الوحدة الشديدة لا ألوم أحدا على خيبتي فأنا السبب فيها، ظروفي في الطفولة كانت سيئة: إساءات وتنمر من الإخوة، فترسخت في نفسي فكرة أنني لا شيء، كنت سلبية ولا أدافع عن نفسي أغلب الأحيان،
عندي مثال لكن أرجو عدم نشره لأنه مؤلم جدا لي: مرة كان عندنا خطار: عمّاتي، وأحد إخواني قال لهم: هذه اسمها حمارة وناداني: يا حمارة، فمن شدة ضعفي وهواني رديت عليه: نعم، وانفجروا ضحكا ولم يؤنبه أحد... هذا مثلا من المواقف التي جعلتني أكره نفسي لأنني كنت ضعيفة وسلبية فالمفروض لا أرد، لكنني شاركت في إهانة نفسي... كذلك حقد على الكبار لأن المفروض يعلمونه الأدب لكن: تنمر جماعي... صار عندي شك: يجوز أنا فعلا حمارة!!!! طبعا الآن أفهم الموقف جيدا، لكنه قتلني وغيره كثير، إساءة غير مبررة من الآخر... إنبطاح مني... صراع نفسي وحقد أغلبه على الذات وقليل منه على الآخر، بالمناسة لم أكن أملك شجاعة تذكر مثل هذا الموقف... كنت أكبت وأتناسى
أجلد نفسي على أقل الهفوات ولا أحتفل بها مهما أنجزت، عندي عقدة من موضوع الزواج... لا أستحق... سأفشل... سيعذبني... سأكون أم سيئة... فكانت النتيجة نفور الرجال مني وأنا في خريف العمر الآن، طبعا تتوقع دكتور: عاطفيا فاشلة جدا، وعلاقات مسيئة دائما واختار نماذج مؤذية ولا تصلح للإرتباط: إختلاف الدين/ فرق العمر... إلخ أخرج منها معطوبة، أجلد نفسي، وأنكل بجسدي ثم أنسى وأعيد الكرة وهكذا [لعله إدمان عاطفي؟]
الآن وبعد تجربة مؤلمة، وصلت إلى القاع ولا أريد الاستمرار.. أريد التغيير، وقررت ما يلي:
لن ألوم أحدا أبدا وكل من أساء لي الآن أو زمان فبسبب خلل فيه وليس لأنني قليلة
أحترم إنسانيتي وضعفي وقلة حيلتي
لن أعذب نفسي أيضا بل سأحاول إحتضانها وأعتذر منها
أشعر أنها ضاعت مني من أيام الطفولة وواجبي أن أجدها
هل سأقدر بعد عمر طويل من التشوه أن أتعافى بمفردي؟ هل تكفي إرادتي وحدها؟ أعتقد لا... ولابد من زيارة المختص، حاولت مع أحدهم لكنه اكتفى بوصف دواء باروكستين 10 ملغ وقال لي كآبة علما أنني أتناول هذا الدواء منذ سنة تقريبا وقد حسّن مزاجي كثيرا لكن أعتقد هذا لا يكفي
معالج نفسي ذو خبرة؟ هذا يعني السفر إلى عمان لأنني أقيم بعيدا جدا عنها، هذا صعب علي حاليا، وقد أستطيع تحقيقه مرة كل شهر في أفضل الحالات، ماذا بوسعي أن أفعل؟ كل صباح أوجه تحية حب لنفسي وأقول لها سامحيني.. مرات تدمع عيني... مرات ابتسم وأرد: سامحتك أنتِ مش قصدك... ومرات أبكي بشدة
أمارس شؤون اليوم بشكل عادي، وحين أخلو بنفسي آخذ ورقة بيضاء وأكتب كل ما أشعر به دون فلترة... مرات لا أقدر من شدة الوجع لكن أكمل ثم أحرق الورقة وأواصل حياتي قصدي من هذا إخراج المكبوتات
ولكن، وهنا سؤالي دكتور:
هل هذه الطريقة صحيحة؟ ألاحظ تحسنا، فمثلا توقفت عن جلد ذاتي والعدوان عليها، ولكن في المقابل أكتشف أشياء موجعة جدا وحين يبدأ التحسر أحضن نفسي وأقول لها: سامحيني والله ما كنت أعرف، والله ما راح أحطك بهيك مواقف... هل من الصحيح أن أكتشف تلك المكبوتات بإنعزال أم لا بد من مرافق هو المعالج؟ لأنني لا أثق في غير المختص بصراحة فمهما كان صدقهم قد يورطونني لأنهم هم أصلا لديهم مشاكلهم وأيضا قد يقومون بالوعظ واللوم وبصراحة مش ناقصة.. فقد تعذبت بما يكفي
شعوري العام: حزن خفيف [بصراحة يا دكتور أحترمه كثيرا وأشعر أنه شيء نبيل وأصدق ما شعرت به طول حياتي... شعور مثل اليقظة الروحية... فيها وجع كبير، لكن هو أفضل من أسلوب الهروب والتخدير الذي عشته طول حياتي... مرات أحس مثل إنسان كان مهددا من وحوش ضارية والآن هرب منها وهو بين الشك واليقين: هل نجوت حقا منها؟ أم ستباغتني وتلتهمني؟ ومرات أحس باليأس وأقول: ضاع عمري ومكاني مأوى العجزة بسبب عدم الزواج... ومرات أتفاءل وأقول بالعكس لو أشفى فالحياة ما زالت أمامي ولو أنني تزوجت سابقا لكنت زوجة سيئة ولعذبت أبنائي ولو دون قصد..ومرات أفكر أصير راهبة، لكن لا... فهذا نوع من الهروب أيضا... هل يكفي هذا لأتعافى؟ والله لا أريد سوى راحة البال والسلام الداخلي،
هل أستمر دكتور؟ وهل هناك أمل في الشفاء بهذا الشكل؟
مع الشكر والتقدير
1/10/2021
رد المستشار
شكراً على رسالتك وثقتك.
الصراحة هو ما تفعليه هوعين الصواب والتوجه النفساني عموماً في الآونة الأخيرة يركز كلياً على قبول الإنسان بتأزمه ونقاط ضعفه وتصميمه هو بالذات على التغيير، الدخول في عملية العلاج النفسي تساعد الكثير، ولكن الصراحة هو أن التغيير يبدأ من داخل الإنسان وتصميمه على الانتقال إلى موقع جديد في الحياة.
أولاً هناك العقار الذي تم وصفه لك، وجرعته ضئيلة ولا بأس في الاستمرار عليه لفترة أطول، سيأتي اليوم الذي تشعرين فيه عدم الحاجة إلى استعمال عقار وتتخلصين منه تدريجياً.
الذات البشرية الواعية في أي وقت من الأوقات هي حصيلة:
1- ذات صغري تتعامل مع البيئة التي يتواجد فيها الإنسان أو بمعنى آخر ذات عرضية.
2- ذات روائية هي حصيلة التجارب والذكريات التي مر بها الإنسان منذ بداية وعيه ووجوده.
الذات الصغرى هي ما نتعامل من خلالها يوميا مع المشاعر والبيئة، هناك ست وكالات عقلية فعالة يتم السيطرة عليها في الفص الجبهي الأمامي Prefrontal Cortex وهي:
١- وعي الإنسان للحدود التي تعزله من الآخرين.
٢- وعي الإنسان لمظاهره الخارجية الذاتية التي يراها وهو يحدق في المرأة ويستوعبها وهو يرتدي ملابسه ويعني بمظهره.
٣- فعالية أعضاء جسمه الحشوية من نبض وتقلصات أمعاء وآلام.
٤- هناك وكالة ذاتية يشعر من خلالها بسيطرته الذاتية على أفعاله.
٥- الحالة العقلية أو النفسانية حيث يستطيع الإنسان إدراك ووصف مشاعره، يعلم ما هو القلق والاكتئاب.
٦- المراقبة الذاتية التي يستطيع من خلالها المضي قدماً في تنفيذ قرار ما أو العدم تنفيذه من أجل مصلحته، هذه أشبه بمراقبة جهاز الكمبيوتر الذي يعلم مستخدمه بأن هناك فيروسا اقتحم جهازه وفتح برنامج معين يؤدي بدوره إلى إلحاق الضرر بالجهاز.
الذات الروائية تتكون من:
١- سيرة الإنسان الذاتية منذ بداية وعيه إلى وقت تقييمه لذاته في أي وقت.
٢- تجاربه وذكرياته التي تم خزنها عبر السنين في فصه الصدغي ويتم إدراكها في فصه الجبهي الأمامي.
هذا ما يوضحه المخطط أدناه.
أنتِ الآن تتعاملين بصورة صحية وسليمة مع ذاتك الصغرى، مع مرور الوقت ستتغير ذاتك الروائية ويتم تطويرها لتصبح أكثر قوة وتصميما وعزيمة على مواجهة التحديات.
وفقك الله.