السلام عليكم ورحمة الله وبركاتُه.
أنا فتاةٌ في التاسِعةَ عشرةَ مِن عُمري، وجدتُ في صِغري بعضَ الاضطراباتِ النفسيَّة، كنت أخاف كثيرًا وأكْتُم ذلك، وأُظهِر للناس أنني قويَّة ولا أُبالي، وكنتُ أرَى كل ما أقوم به فشلاً، وللأسَف ذلك بسبب ما أسمَعُه من حولي، ومقارنتي بأَخواتي الأُخريات.
ودَومًا المقولة الدَّارجة بأنهنَّ أفضلُ منِّي حالاً، حتى عندَما التحقتُ بالجامعة ودخلت الكليةَ ذاتها التي درستْ فيها أُختي، قال أبي - وكأنه يستهزِئ بي؛ لأنه قالها بصورة تُبرِهن على ذلك -: هل أستطيع تحمُّلَها، فهي تحتاج إلى كذا وكذا وكذا؟! وحتَّى إن أشرتُ عليهم بأمرِ خيرٍ، فكل ما ألْقاه هو الاستهزاء، وعدم الثِّقة في كلامي، أو خِبرتي، أو حتى نَصيحتي... إلخ، وقال أبي يومًا: أنه لا رأيَ لي، وعندما أحصل على درجات الامتياز في الجامعة لا ألْقَى كلمةَ (مبارك) عكسَ أُختي فقد كان أبي يحتويها بكلِّ كلمات التَّهاني!
عائلتي أُسْرَة محافِظة، لكن أمِّي غير مُتعلِّمة رغمَ أنها أحنُّ على من الجميع، وأبي ذو تعليم بسيط؛ لذلك أنا لا ألومُهما بما أنا فيه بعدَ أن كَبِرتُ عَرَفتُ أنني مسؤولة عن نفْسي في وسط هذه التغيُّرات الكثيرة الحاصِلة للمجتمع.
لكن - للأسَف - إخواني وأخواتي هم مَن أوجدوا في عُقدةَ الفَشَل، أو أنني أقلُّ مستوًى من الجميع بضَرْبي في صِغري، حيث كنت أعاني مِن مشكلة مصِّ إصبع الإبهام، وهي عادة في منذُ ولادتي، وبقيَتْ معي حتى الصَّفِّ الثاني الابتدائي، وأخَذ إخوتي الكِبار بحَرْق أصبعي وجرْحي؛ كي لا أقوم بهذا الفِعْل، وناهيكم عن الضَّرْب الذي كنتُ أتلقَّاه منهم، وفي الصف الثالث أُصبتُ بالوَسْواس القهري مِنَ النظافة لدرجة أني كنتُ أبكي إن جلستْ زميلة في مكاني إن كان هنالك نشاطٌ صفِّي، فأتشكّك في نظافة المكان، وتَطوَّر الأمر حتى أصبحت لا ألْمَس شيئًا إلاَّ بالمناديل الورقيَّة، وأغسل يدي كلَّ دقيقه وثانية!
وكنت أبكي ولا أنام اللَّيْل، ولم أجد مِن إخوتي سِوى الضَّحِك على مِن هذه الحالة، فأصبت بعدَها بجفافٍ حادٍّ وفقْر دمٍ شديد، وكنت أخاف مِن الظلام والأشباح، فعندَما كنتُ أغادر غُرْفتي لغُرفة أمِّي، كانت أُختي الكبيرة تضحَك علي، وكأنني قمتُ بذَنب، فكتمتُ ذلك حتى أصابَتْني حالةٌ نفسيَّة بحيث كنتُ أُبلِّل فِراشي ليلاً في صِغري، وأستيقظ وأستحمُّ، وأكتُم خوْفي لدرجة الانهيار من دُخولي للحمَّام، فانعكس ذلك علي سلبًا فكنتُ أكتم كلَّ ما يُصيبني في داخلي؛ حتى لا يقابلني أحد بالاستهزاء والضَّحِك والتقليل مِن ذاتي.
وأصبحتُ منطويةً أكثرَ على نفسي، أتابع أفلامَ الكرتون لدرجة الإدْمان في غرفة منعزلة، وألْعَب وحدي، ولا أُحبِّذ مخالطةَ الغير؛ لأنني كنتُ دومًا أخاف إن جلستُ مع أحدهم أسْمَع انتقادًا أو توبيخًا، حتى أصبحتُ عصبيه جدًّا.
والأمر الصَّعْب في الموضوع أن إخوتي جميعهنَّ كبار، وكأن ترتيبي في عائلة بيْن أربعة صِبية مِن أصْل ستة، ولديَّ من الأخوات سِت، وأخي الكبير دائمًا يُوبِّخني على تصرُّفاتي، ويُظهرني دومًا مخطئة، فيَضربني ويُسمِعُني ألفاظًا أستحِي كفتاةٍ من ذِكرها حقيقة.
وفي الصفِّ الرابع أُصبت بوسواسٍ قهري بأن أفْقد صوتي، حتى عندما بلغتُ كنت في الصفِّ السابع، أتتْني العادَة وأنا لا أعْلم منها شيئًا سوى مِن صديقات، وأخْبَرْنني عنها بأسلوبٍ غيرِ عِلمي بتاتًا، وخفتُ قبل أن تحضرَ، وعند حضورها أُصبتُ بخوف شديد، فكنتُ أُصلِّي وهي على في أول بداياتي، حتى علمتْ أُختي بذلك وأخبرتِ الجميع بعدَ أن قالتْ لي: أنني لا تحل لي الصلاة، حتى بادلَني الجميعُ بالضحِك والاستهزاء على غَبائي - كما وصفوه - لكنَّني لم أصدقْها فأقْنعتُ نفسي أن صليت سيحبُّني الله أكثر؛ لأنني الوحيدةُ التي أصلِّي وهي علي، حتى أخذْنا التفاصيل في مادة التربية الإسلاميَّة واقتنعت.
كنتُ دومًا أنا المخطئة، إدْماني لأفلام الكرتون جعَلَني أتخيَّل نفسي أتعايش معهم قبل أن أنامَ، كُنتُ دومًا أتخيل نفسي مع شخصياتي المفضَّلة، وأكون المحبوبة بينهم، كنت أسُدُّ ما يُؤلِمني في حياتي بتلك الخيالات الباطلة، وبقِيَ هذا الأمر حتى كَبِرتُ، وللأسفِ أحيانا أجلس في الغُرفة وحْدي، وأتحدَّث بدون صوت وكأن أحدا معي بمصداقية وغيرِ مصداقية، لكنَّني - والحمد لله - محافظة على صَلاتي وواجباتي ككُل، حتى في صِغري كنتُ ألجأ إلى الله رغمَ أنه لم ينصحْني أحد، لكن بحمد الله هَداني الله إلى هذا رحمةً منه.
وللأسف في عائلتي يُمجِّدون الصِّبية، فإخواني دومًا يَقعون في أخطاء، فأخِي الصغير غيرُ محافظ على صلاته، وإخواني الكِبار كانوا يُحادثون الفتياتِ، وكنتُ أخاف دومًا على نفسي، لكن ما أقوله للناس: أنهم صالحون ومهتمون وهَلمَّ جرًّا، فالإيجابية والسلبية تُمجَّد لهم، لكن إن أخطأتُ أصبحتُ وكأنني شيطان رجيم - والعياذ بالله - فعندَ إيجابيتي لا أجِد مبالاةً، وإن أخطأتُ - ولو كان خطأً طفيفًا - عُومِلت وكأنني مجرِمة!
ذكرتُ كلَّ ما عانيت منه؛ لأنني وجدتُ الأسباب في تحليل مُشكلتي التي هي آفَةُ الكَذِب تطورتْ حالة إدمان الكرتون، وحالةُ التخيُّل إلى آفة الكَذِب، أحيانا أصوِّر للناس أنني كذا وكذا وكذا، وهو ليس في، لم يضرَّ كذبي يومًا ولم يُفِد أحدا، فهو فقط لأطمسَ ما أوردتْه فيَّ مسألة الإحساس بالفَشَل.
فأقول: أن أخي قال لي كذا، وأحْضَر لي كذا، ولي قريبٌ كذا، وهو كذِب لا يَصِل للصِّدق بباع؛ لأنني كنت أودُّ أن أطمسَ عقدة أنني الأقل مِن الجميع بتلك التخيُّلات التي تطوَّرتْ لكذب، كنتُ دومًا لا أظهر الحقائق؛ حتَّى لا أظهر أقلَّ مستوى مِن غيري، وهذا الأمر لا يَنطبق علي مِن خلال أُسرتي فكَذِبي يقتصر على هذه الأمور خارجَ نِطاق أُسرتي؛ لأنه - للأسف - أحيانا يمرُّ يوم كامل لا أُحادث فيه سوى أمِّي؛ لأنني لا أحد يكترث لِمَا أقول سواها - حفظَها الله لي مِن كلِّ سوء، هي الحنون.
قرأتُ منذ مدَّة حديثَ النبي - صلَّى الله علىه وسلَّم - عن عِقاب الكذَّاب، وهلم جرًّا، وآلَمَني كثيرًا؛ لأنني أحبُّ الله، وأحاول أن أتقرَّب إليه، وكلَّما ضقتُ ذرعًا من الذي أنا فيه أتذكَّر أنه معي وأصْبِر، وأقول: أنهم أهْلي، وأضَع أمامَهم أعذارًا كثيرة، لكن للأسف كَثُرتِ الأعذار، وتحوَّلتْ لأمور أتلفَّظ بها أمامَ الناس وصَديقاتي، وهي ليستْ في الحقيقة إلاَّ كذبًا.
كنتُ أوهم نفْسي إلى أن وصَل الأمْر إلى الكذِب، لا أريد أن أضَعَ اللَّوْم على أيِّ شخص، فأنا المسؤولة أمامَ ربِّي، الحمد لله تبتُ إليه وطلبتُ مغفرتَه، ولا أكتَرِث للماضي، لكن أنا أنسأنةٌ موسوسةٌ، أحيانا أتذكَّر أن الله غفَر لأحد الأنبياء وأرْتاح، لكن ينتابني وسواسٌ وأقول: لا بأسَ هذا نبيٌّ، أما أنا فمجرَّد إنسانة، فما الذي يُبرهِن على قَبول توبتي وغُفران ذَنبي، فأتذكر الآية التي ذكَر الله وأمرَنا ألاَّ نقنطَ من رحمته، فأرتاح نفسيًّا حتى يأتيني وسواس أشدُّ مِن سابقه.
صدِّقوني صرتُ أكْرَه الاستيقاظَ من النوم، ولأنني أستيقظ وأقول لنفسي: أنني لا أستحقُّ الحياة؛ لأنني مجرَّد كاذِبة، وحياتي مجرَّد وهْم، ورغمَ ما فعله أهْلي بي إلاَّ أنني أحبُّهم، أُقسِم أنني أحبُّهم، فأنا لم أكْرَه أحدا يومًا، حتى أخي الذي أساء إليَّ في صِغري بكلِّ أنواع الإساءَة، أطفاله بالنسبة لي كأنهم أبنائي حقيقة، فأنا لا أحْقِد ولا أكْرَه ولم أضرَّ أحدا يومًا، ولا أودُّ ذلك، فكما قلت: أنني المسؤولة عن نفْسي في هذه السِّنِّ، ودائمًا أقول: أنني إذا رَزقني الله بذرية وزَوْج صالِح سأُصحِّح كلَّ السلبيات التي عشتُها في تربيتي، لكن الوسواس الذي أهْلَك صِحَّتي وحياتي، لا أشكُّ في رحمةِ الله وعفوه وغفرانه، ولا أشكُّ بآياته - معاذَ الله - لكن هل تَكْفِي توْبَتي من الكذِب؟
فكما قلتُ - ولله الحمد - كذِبي لم يضرَّ أحدا أو يُفد أحدا، الإنسانة الوحيدة التي ظلمتُها هي "نفسي"، وهل يجب أن أُخْبِرَ الناس أني في ذلك الأمر كذبتُ، أم يَكفي أنني استغفرتُ لذنبي، وستَرَه الله على، وعاهدتُ ربي ألاَّ أعودَ لذلك – والحمد لله أنا نادِمه أشدَّ الندم؟
لكنَّني أُعأني من الوَسْواس صدِّقوني الدنيا أصبحتْ لا تُساوي عندي شيئًا، والماضي كذلك؛ إلاَّ أنني أودُّ أن يرضَى الله عني وهو العليم بذلك، وأودُّ أن أفتحَ صفحةً صادقة جديدة، فأنا الأن كَبِرتُ والمسؤولة عن نفْسي، وأودُّ أن أبدأَ سِنِّي العِشرين براحة وطمأنينة، وصِدْق ورِضًا مِن الله تَعالى.
أفيدوني، أفادَكم الله؛ لأنني أكتب رِسالتي والدُّموعُ تُشارِك حُروفي.
وعُذرًا على الإطالة.
09/10/2021
رد المستشار
عزيزتي "ولا أكتَرِث للماضي"،
ذا ما هو مطلوب منك الآن... ما مر قد مضى، ما كان من سلوكيات ومواقف من الإخوان أو الأخوات (وأخَذ إخوتي الكِبار بحَرْق أصبعي وجرْحي؛ كي لا أقوم بهذا الفِعْل، وناهيكم عن الضَّرْب الذي كنتُ أتلقَّاه منهم) (وأخي الكبير دائمًا يُوبِّخني على تصرُّفاتي، ويُظهرني دومًا مخطئة، فيَضربني ويُسمِعُني ألفاظًا أستحِي كفتاةٍ من ذِكرها حقيقة)، وكذا والدك الذي كان له دور سلبي في حياتك... حاولي أن تتناسي... ولطالما أنك لست بحاقدة ولا تحملين الكره لأحد ليكن قلبك سموحا وغافرا لمن أساؤا لك... لا تلتفي للماضي... بل انظري لحاضرك ومستقبلك.
في طيات الرسالة... أعراض من الاكتئاب (وأصبحتُ منطويةً أكثرَ على نفسي، منعزلة، وألْعَب وحدي، ولا أُحبِّذ مخالطةَ الغير، إنَّني لا أستحقُّ الحياة، وحياتي مجرَّد وهْم).. ولكن لا تصل هذه الأعراض إلى حد الاكتئاب..
ليس ذنبك ما كان في طفولتك من خوف من الظلام أو بلل الفراش (وكنت أخاف مِن الظلام والأشباح ..أُبلِّل فِراشي ليلاً في صِغري) ومحاولة كتم ذلك من الأسرة حتى تتعرضي للاستهزاء والنقد (كانت أُختي الكبيرة تضحَك عليَّ..حتى لا يقابلني أحدٌ بالاستهزاء والضَّحِك والتقليل مِن ذاتي).
أما آفتي الكذب (كذِبي لم يضرَّ أحدًا أو يُفد أحدًا)؛ حتى وإن لم يضر بك أو بالآخرين، وحالة التخيل (أتخيَّل نفسي أتعايش معهم قبل أن أنامَ، كُنتُ دومًا أتخيل نفسي مع شخصياتي المفضَّلة، وأكون المحبوبة بينهم، كنت أسُدُّ ما يُؤلِمني في حياتي بتلك الخيالات الباطلة، وبقِيَ هذا الأمر حتى كَبِرتُ).. ما هما إلا تنفيس تلجئين إليه للتخفيف من حالتك.
صحيح يا ابنتي إننا لا نخلو من السلبيات في حياتنا (وأودُّ أن أفتحَ صفحةً صادقة جديدة، فأنا الآن كَبِرتُ والمسؤولة عن نفْسي،)... لكن كيف نتعلم أن نتخلص منها ونبدأ نعمل على تصحيحها.. (وهل يجب أن أُخْبِرَ الناس أنَّي في ذلك الأمر كذبتُ، أم يَكفي أنَّني استغفرتُ لذنبي، وستَرَه الله علي، وعاهدتُ ربي ألاَّ أعودَ لذلك – والحمد لله أنا نادِمه أشدَّ الندم؟)... لا داعي الآن أن تخبري الآخرون بذلك... يكفي هذا إحساسك المرهف والشفافية في في محاسبة النفس والاستغفار والندم.. فالله راض عنك لأنك نقية السريرة.
براءة طفولتك.. تمثلت في فترة الحيض، لم تجد من يأخذ بيدك إلا شذرات من زميلات يتكلمن عنها... والأكثر براءة هو تقربك وصلاتك أثناء حيضك.. أقسم لك يا ابنتي إنها البراءة (أتتْني العادَة وأنا لا أعْلم منها شيئًا سوى مِن صديقات، وأخْبَرْنني عنها بأسلوبٍ غيرِ عِلمي بتاتًا، وخفتُ قبل أن تحضرَ، وعند حضورها أُصبتُ بخوف شديد، فكنتُ أُصلِّي وهي عليَّ في أوَّل بداياتي، حتى علمتْ أُختي بذلك وأخبرتِ الجميع بعدَ أن قالتْ لي: إنني لا تحل لي الصلاة، حتى بادلَني الجميعُ بالضحِك والاستهزاء على غَبائي - كما وصفوه - لكنَّني لم أصدقْها فأقْنعتُ نفسي إن صليت سيحبُّني الله أكثر؛ لأنَّني الوحيدةُ التي أصلِّي وهي عليَّ،)... وما تخللها من سخرية الأخوات.
أنا إنسانةٌ موسوسةٌ،، يبدو أن الوسواس يلازمك من عهد طفولتك (وفي الصف الثالث أُصبتُ بالوَسْواس القهري مِنَ النظافة لدرجة أني كنتُ أبكي إن جلستْ زميلة في مكاني، إنْ كان هنالك نشاطٌ صفِّي، فأتشكّك في نظافة المكان، وتَطوَّر الأمر حتى أصبحت لا ألْمَس شيئًا إلاَّ بالمناديل الورقيَّة، وأغسل يدي كلَّ دقيقه وثانية!)
أما ما يخص الوسواس... إذا كان الوسواس مسيطرا عليك ولا تستطعين التحكم في هذه الوساوس. أنصحك الذهاب إلى طبيب.. لا تتأخري.