السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا سيدة متزوجة منذ سنتين، وهذا هو زواجي الثاني، أما عن زواجي الأول فقد كُلِّلَ بولدٍ يعيش مع والدتي، الآن أشعر بالندم؛ لأنني أردتُ الانتقام من سوء معاملة زوجي الأول لي - بِرغْمِ حُبّي الشديد له - والزَّواج بآخَرَ، فوجدْتُ أننِي أنتَقَمْتُ مِنْ نَفْسِي وابْنِي معًا؛ لأني أَبْعَدتُه عن حِضنِي، وحِضن والده.
أمَّا زوجي الحالي فلا يُفَكِّر في الإنجاب، ولا يُعِيرُ لِوَلَدِي اهتمامًا، ويرفض عيشه معنا، مِمَّا يَزِيدُ من عذابي، بِرَغْمِ أنني أحاول دائمًا التوفيق بين الزوج والابن، وهذا يَستهلك كثيرًا من الطاقة، وأخيرًا اتَّصل بي أبو ابني، ويُريدُ العَوْدَةَ وجَمْعَ الشَّمل!
أرجو المساعدة!
شكرًا!!!
11/10/2021
رد المستشار
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الكريمة "عتب" حفظها الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،، أهلا وسهلا بك على موقعك، ونرحب دوما بأسئلتك واستفساراتك، وندعوالله أن ييسر لك الحال، ويصلح لك البال، وأن يهيئ لك من أمرك رشدا.
الأخت الكريمة: الحياة الزوجية تجربة إنسانية قابلة للنجاح والفشل، وفي كثير من الأحيان بعد ظهور عديد من المشكلات الجوهرية يكون الطلاق هو الحل لكلا الطرفين، لكن ذلك لا يعني انتهاء علاقة المرأة بالزواج، إذ يمكنها العودة مرة أخرى إلى مسرح الحياة بالزواج وبدء تجربة أخرى جديدة، ويكمن النجاح هنا في التأني في إتخاذ القرار وحسن الاختيارلا سيما حال وجود أطفال، مع مراعاة الأسس الاجتماعية والنفسية والوقت المناسب لإعادة تجربة الزواج.
وبشكل عام، لا يوجد وقت محدد لتفكيرالمرأة المطلقة في الزواج مرة أخرى، فالوقت معيار متغير يختلف باختلاف حالتها النفسية وظروفها الاجتماعية، ولكن لا بد لكل سيدة مطلقة – لا سيّما إذا كانت أمًا – من عدم التسرع في إتخاذ القرار والحصول على الوقت الكافي لتجاوز التجربة الأولى، ولا بد أن تتأكد أن مشاعرها تجاه طليقها قد انتهت تمامًا مع انتهاء التجربة وليس الهدف من التجربة الجديدة كيد شريك حياتها السابق، مع أخذ الوقت الكافي للتفكير في المعايير التي لا بد من اختيار الزوج الجديد على أساسها ومنها على سبيل المثال: تحديد الصفات الواجب توافرها في شخصية شريك الحياة الجديدة، معرفة الأخطاء التي وقعت فيها خلال التجربة الأولى لتفاديه، حجم التنازلات التي يمكن تقديمها في سبيل سعادته، موقف أطفالها من التجربة الجديدة، عيوب شخصيتها التي أسهمت في فشل الزيجة الأولى، وغيرها من الأسس التي لابد من مراعاتها وإعادة التفكير فيها لإعادة التجربة بشكل مختلف أنجح على المستوى العملي، وأكثر راحة على المستوى النفسي، وأكثر استقرارًا على المستوى العائلي خاصة مع وجود أطفال.
فالطلاق ليس نهاية العالم بالنسبة للمرأة، وفشل التجربة الأولى لا يعني بالضرورة حتمية فشل الثانية ما دام قد وقع الاختيارعلى شريك الحياة الجديدة وفقًا للمعايير والأسس السليمة، وبصفة عامة لا توجد معايير محددة تضمن نجاح وفشل أي تجربة زواج، لكن حسن الاختيار واتفاق الطرفين على إنجاح التجربة مهما كانت المصاعب هوالمعيار الوحيد الأضمن للنجاح.
وقد يترتب على التسرع في اتخاذ قرار الزواج الثاني للأم المطلقة العديد من السلبيات، خاصة مع وجود أطفال صغار، إذ تصبح الأم غير قادرة على توفير مناخ استقرار للأطفال سواء حال عدم تقبل الصغار وجود أب جديد لهم، وعدم تقبل الزوج الجديد وجود أطفال من زيجة سابقة، بالإضافة إلى عدد من السلبيات الأخرى التي تؤثر في سلوكيات الأطفال الصغار مثل (العدوانية، والإنطواء، وعدم التكيف مع الغير، وعدم الثقة بالنفس، والانحراف بأشكاله المختلفة).
أختي الكريمة: لا عجب مِن أن قلبك ما زال ينبض بحب طليقك، فهوأولُ زوج لك، فسَكَنَتْ محبتُه في قلبك، كما قال أبوتمام:
نَقِّلْ فؤادَك حيث شئتَ مِن الهوى ... ما الحبُّ إلاَّ للحبيبِ الأوَّلِ
كَمْ منزلٍ في الأرضِ يَألفه الفتى ... وحنينُه أبدًا لأوَّل مَنْزلِ
ولكن العجبَ لا يكاد ينتهي أيتها الأخت الفاضلة مِن استرسالك مع هذا الحبِّ وأنت في ذمة رجلٍ آخر – رغم ذكرك لسوء معاملته لك، ورغبتك في الانتقام منه – فهذا لا يحلُّ لك، بل إن المشرع الحكيم جعَلَ انشغال القلب بحبٍّ مُحرَّمٍ وهوالحبُّ خارج نطاق الزوجية - جعَلَهُ نوعًا من الزنا، لما يؤول به مِن تضييع حقوق الزوج، وعدم الرِّضا به، ومن ثم عدم القيام بحقوقه، إلى غير ذلك مما هومعلومُ بالقبح، فاصبري وجاهدي نفسك على نسيان طليقك، فإن ذلك أيسر مِن الصبر على ألَمِ ما بعده.
أما تحيُّرك وميلُك للعودة لطليقك فسببُه هوى النفس الذي ما ذكَرَه الله في موضعٍ مِن كتابه إلاَّ ذمَّه كما قال ابن عباس، وقال الشَّعْبيُّ: إنَّما سُمِّيَ هوًى لأنه يهوي بصاحبه، ولذلك قيل: "عين الهوى لا تصدق"، وقيل: "حبُّك الشيء يعمي ويصم".
أظن أنك أيضًا لا تستطيعين أن تجيبي عن هذا السؤال: إن كان طليقُك يُحبك حقًّا فلِمَ أساء معاملتك وطلَّقك وتخلى عن ابنه؟ هل يُعقل أن يكون محبًّا لك ولإبنه حقًّا ويفعل هذا؟! وما ضمانك أنه لن يعود لسلوكه القديم ويسيء معاملتك بعد التخلي عن زوجك والرجوع اليه!؟
لا تتعلَّقي كثيرًا بخيالاتٍ وأنت قد عايشتِ الواقع، فأي دليلٍ أكثر مِن ذلك على صعوبة الاستمرار؟! وهل لوخُيِّرْتِ بين الرجوع على نفس الحال وبين الطلاق هل سترجعين؟ كوني واقعية ولا تَغترِّي! لا أقول لك ذلك تيئيسً، وإنما حتى لا تتعلَّقي بخيالٍ .اقطعي الذِّكْرَى الماضية، وتعايَشي مع واقعك بكلِّ رضً، فاللهُ جل جلاله يَمنع ويُعطي لحكمةٍ، وثقي بأنَّ الخير كل الخير فيما يُقَدِّره الله سبحانه لعبده المؤمن .
ثم لك أن تتأمَّلي فإنَّ أيَّ علاقةٍ تبتدئ بالمشاكل وتنتهي بالطلاق، كيف ستكون لوطالت المدة، خصوصًا مع إنجاب الأبناء وكثرة الأعباء والضغوط؟ سلِّمي الأمر لله، وأحسني الظنَّ بأن العِوَضَ سيكون أفضل، فهناك مَن عاشوا حياةً أطول وأفضل، ومع ذلك لم يُكتب لعلاقتهم أن تستمرَّ، فافترقوا وتناسَوا! فكل شيء يُنسى في هذه الحياة؛ لأنَّ الحياة مُتقلِّبة، والأشخاصَ يتغيَّرون.
ثم كيف برجل حقيقيٍّ يُخبِّب زوجةً على زوجها؟ هل يفعل هذا مُحبٌّ؟! قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس منَّا مَن خبَّب امرأةً على زوجه، وعبدًا على سيده))؛ رواه أبوداود بإسناد صحيح.
وأَجملُ ما ورد في فساد الاختيار القائم على الحبِّ ما قاله بعض الحكماء، كما في الأمثال لابن سلام "إذا أشكل عليك أمران فلم تدرِ أيهما أدنى إلى الصواب والسداد، فانظرْ أثقلهما عليك فاتبعه، ودَعِ الذي تهوى، فإنك لا تدري لعل الهوى هو الذي زيَّنه في قلبك، وحسَّنه عندك".
فاحذري أيتها الأخت الكريمة من التضحية بزوجك، والسير وراء سراب، وتذكَّري أن طليقك فرَّطَ فيك وطلَّقك، ولم يهتم لأمر الطفل، فراقبي بارك الله فيك خطراتك، واقنعي بما رزقك الله به من زوج، وكونه لا يفكر في الإنجاب فربما يؤجل الأمر لحين الإطمئنان إلى استقرار مشاعرك واستمرار علاقتكما، وإذا كان يرفض أن يعيش ابنك معكما فلعل هذا كان أحد الاشتراطات الواجبة لإتمام الزواج، فهولم يفاجئك بالأمر، وإلا كنتي سترفضين إتمام الزواج والابتعاد عن ابنك منذ البداية، ومع ذلك لا تملي من تكرار المحاولة، ولا تيئسي من رحمة الله، ناقشيه في الأمر، واطلبي منه أن يُساعدك على حبِّه، وأرشديه لسبيل تلك المساعدة، وادعي الله أن يهبك حبه، وينزع حب الآخر مِن قلبك.
أختي الكريمة: الحبُّ عاطفة إنسانية نبيلة، ونعمة ربانية جليلة، غير أن الحب بين الزوجين يتولَّد مع مرور الأيام والليالي، ومن ثَم قال الله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).
تفاءَلي بقدوم الأفضل، ولا تُضَيِّعي وقتك وحياتك فيما لا تأثير له، فوِّضي الأمر له سبحانه، فهو الكافي وهوالمعين، (فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)، ولعلَّ ما أصابك هومِن البلاء الذي تَرتفع به الدرجات، وتُكفَّر به السيئات.
وفي الختام أنقُل لك حديثًا مِن مشكاة النبوة لتتأمليه وتتدبريه؛ روى أحمد وأبوداود عن ثوبان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أيما امرأة سألتْ زوجها الطلاق في غير ما بأسٍ، فحرامٌ عليها رائحة الجنة)).
أسأل الله الكريم أن يُغدِقَ عليك بعطايا تُعَوِّض عن البلايا، وأن يَشرحَ صدرك، ويُفَرِّج هَمَّك، ويرزقك الرضا.