السلام عليكم
كنتُ فتاةً شديدةَ القرب من الله، وأحافظ على صلاتي، ومتفوقة في دراستي، وبارَّة بأهلي وأصدقائي، وأعلم أوامر ديني وأحافظ عليها جيدًا، ومنذ ست سنوات أحبَّني شابٌّ حبًّا جمًّا، ولم أوافق أن أبادله الشعور برغم حبي له؛ خوفًا من عصيان ربي بردِّي عليه أو نظري إليه، وقد تقرب إليَّ فكنَّا نتحدث يوميًّا لمدة ست سنوات، ولكن دون أن أقول له: أحبك، أو دون اعترافٍ مني بحبي له.
الآن نحن في السنة السادسة لعلاقتنا، لا أدري ماذا حدث، فقد تغيرت كثيرًا؛ فلم أعُدْ أفكر في ديني ولا أهلي ولا دراستي، اعترفت له بحبي وأنه منذ زمن، وأصبحت أقضي جلَّ وقتي في غرفتي أبادله الحديث، وأتجاوز معه كثيرًا، وقد حاولت مرارًا الابتعاد عنه، وكان دائم القول بأنه يحبني ويساعدني، ولن نخطئ أبدًا، ومع ذلك كنا دائمي الخطأ.
والآن أنا في الثانوية العامة، والامتحانات ستكون هذه السنة فاصلة لمستقبلي، وقد أضعت وقتًا كثيرًا في السنة السابقة معه؛ حيث لهونا معًا، ووقعت مني أخطاء، حتى أنني قابلته وأرسلت له صورًا عارية، لا أعلم لماذا فعلت هذا، لقد دمَّرتُ نفسي، وضيَّعتُ ديني وأهلي ونفسي؛ لا أعرف ما الحل؟؟ أرجو منكم المساعدة.
فأنا أنوي الإنتحار؛ لأنني كرهتُ نفسي بشدة، وأشعر أنني أضعتُ مستقبلي،
بعد أن كنت الفتاة المدللة لأهلي ذات الجمال والثراء.
14/10/2021
رد المستشار
أهلا بك على موقع مجانين للصحة النفسية يا "دنا".
ربما ستتعجبين إذا قلتُ لك ما حصل لك ويحصل هو شيء اعتياديّ وطبيعيّ جدا، ولا يستدعي أن تفكّري بأن تنهي حياتك لأنها لم تعد كما تتخيّلينها لما كنت صغيرة. أفهم أنّ شعورك باللاجدوى والانحدار في ظلمة لا قاع لها يجعلك تفكرين فيه كحل. لكن من المهم جدا وضع هذه الإحباطات التي تعيشينها في سياقها الواقعي بصفتها من تقلبات الحياة وتجاربها التي رغم سوئها تبقى لصيقة بنا نحن البشر ومنها نتعلّم.
وأيضا يجب أن تنتبهي إلى أبعاد مشكلتك هذه، شعورك مُوحَّد ومعاناتك واحدة، لكن متاعبك هذه ليست متشابهة:
- المشكلة الأولــى هي تكسّر الصورة المثالية للبنت الورعة الفاضلة التي لا ترافق الشباب ولا تتحدث عن الجنس ولا تظهر شيئا من جسدها (المصدر الأول لتقديرك لذاتك)
- المشكلة الثـــــــانية هي تدهور مستواك الدراسي (المصدر الثاني لتقدير الذات) والخطر المحدق بنتائجك المؤثرة على دراستك العليا وبالتالي مساراتك المستقبلية.
- والثالثة هي تعلّقك وحبك لذلك الشاب الذي لم تستطيعي تركه رغم معرفتك بخطأ ذلك وبأنك لن تجني إلا الخسارة من ذلك كلّه، أي أنّك شعرت بفقد السيطرة وتأنيب الضمير واحتقار الذات لأنك صرت مُساقَة وراء ما تكرهين وتحبين في آن واحد!
- وقد أضيف المستوى الرابع وهو تضخيمك لخطئك الشخصيّ وجعله قضية "عائلة وشرف قبيلة" بمجملها، المشكلة مشكلتك أنت وهي في حدودك الفرديّة، وينبغي أن تبقى كذلك، تحملين على كاهلك آلامك والخزي الشخصي، وأيضا تطلعات ونظرة وعار الأسرة والمجتمع ككلّ، هذا كثير ولن يزيد حالتك إلا سوء.
ضيعت دينك ونفسك وأهلك، هذا ما قد تشعرين به، لكنها مبالغة دينك فيه جزء كبير من الذنب والتوبة، فالذنب جزء منه، أما نفسك فهي باقية وبها ستنهضين إن رحمتها وأحببتها ولم تجليها، أمّا أهلك ليس مهمتهم فقط النظر إليك بفخر والتباهي بك أمام العائلة والناس، مهمة الأهل (الواعين حقا بدورهم) تتجلى أيضا في تفهم الأخطاء وقبول العثرات والأخذ بيد التائه الضعيف من أفراد أسرتهم. هذا دورهم وواجبهم وليس شيئا يتفضلون به على أطفالهم، لأن الأسرة ليست شركة ترمي موظفيها مع أوّل خطأ وتعثّر.
لذا تدهور مستواك الدراسي يجب أن يفهم على أنّه مشكلة ويساعدوك فيها على أن تساعدي نفسك، ضيعت الوقت في السنة الماضية، ما عليك إلا أن تتجنبي الوقوع في الخطأ نفسه، ولن يكون ذلك إلا إذا قطعت كل الصلات به كيفما كانت وبشكل فوري وتام، حتى إن شعرت بالألم حتى إن بكيت... سيمر الوقت وتتعافين، لأنها علاقة غير نافعة ولا يُرجى منها شيء (كوني متأكدة) وما ينفعك هو استرجاع لياقتك في المدرسة وهذا ممكن لأنها كبوة فارس وقد كنت متفوقة. تحتاجين التركيز فقط وعدم تضخيم الخطأ وتقبل أنك بشر وقد أخطأت ولم تصيري "صافية نقية" كما عهدت نفسك، والحياة لم تعدنا بالنقاء بل العكس ننضج بتلطيخ أنفسنا في أوحالها! إن لم يصدمك التعبير.
الأفكار الانتحارية هي ردة فعل هروبية لا غير، وهي فكرة ملحّة ما دام الجرح طازجا، لكنها مجرد أفكار ستختفي عندما تسترجعين بعض السيطرة وتستشعرين نفسيا أن الحياة تستمر وأن حياة بأخطاء أفضل من موت بنقاء وطهر.
حاولي أن تفرّقي بين الأحاسيس المختلفة والمشاكل بمستوياتها التي ذكرتُ فوق، وأيضا اقطعي كل صلة معه دون أن تشرحي له مطولا، لأنه فخ من الأخذ والرد لا ينتهي بين عشاق سابقين، وحاولي استرجاع قدرتك على التركيز والعمل والاجتهاد في دراستك لأنها هي النقطة المهمة والواضحة لتعافيك ودليل على استرجاع التحكم في حياتك، على أهمية المرحلة الثانوية في وضعك.