إحباط
أنا دايما بدعي إني أغتنم كل لحظة في حياتي .. وده هيجي لما أعمل الحاجة اللي بحبها وهي التدريبات أيا كانت، طبعا ده بيقابله مشكلة عدم الثقة بنفسي، أنا شاطر في تدريبات design thinking في ريادة الأعمال .. لكن عندي شعور دائم بالإحباط مش لاقي نفسي في مجالي اللي أنا شغال فيه حاليا وهو IT admin مش بلاقي شغف أطور من نفسي .. بحاول وبعمل خطط لكن إحساسي إني دايما متأخر أو مش هعرف أعمل الحاجة والناتج عن إني مش واثق في نفسي في المجال ده وعلشان أنا خريج حاسبات ومعلومات فبشتغل في المجال ده ومتشتت جدا مش عارف أحدد أكمل فيه ولا أسيبه بسبب الإحباط اللي عندي.
وحاسس الوقت بيعدي وأنا مبعملش حاجة فده بيحبطني أكتر وبسبب ناس قالتلي متنشرش حاجة ليك بتعملها علي الفيسبوك أو الواتساب علشان الحسد فأنا حتي الحاجة اللي ممكن أعملها تفرحني مش بنزلها أو أحس بإنجازها .. أنا متلخبط ومتضايق، والناس بتشوفني كويس وقدوة وكمان بتحس إن حياتي مثالية.
لكن أنا مخنوق ومعزول والوقت بيعدي ومش بضيف لنفسي ولا بلاقي نفسي
هل عندكم حل؟
05/11/2021
رد المستشار
أهلا بك "رمضان" علي موقع مجانين للصحة النفسية.
الشعور بأننا لسنا في مكاننا هو شعور يرافق الكلّ بالمناسبة، وربما ينبَعُ هذا الإحساس من الفجوة بين ما نتوقعه وبين ما نعيشه فعليّا، عدم الانتباه لهذه الفجوة يخلق بشكل متفاوت أزمات وإحباطات حسب شخصية الفرد، ما نفكّر فيه نقصّه علي مقاسِنا في خيالنا، لا نُدخل فيه إلا المعطيات الإيجابية ونتجاهل أو نجهل فعلا ما يعتريه من تحدّيات وأيضا من متاعب ومشاعر سلبيّة ستُرافقه، فالخطوات والخطط فيه مثالية، والتفاعلات مع الناس رومانسية وراقية دون منغّصات، مزاجُنا فيه ثابت ونشاطنا لا نهائي، طبيعيّ أن نشعر بذلك ونحن نفكر بمزاج لحظة سِلم وطمأنينة وفرح نُسقطها على تلك "الذات المستقبلية"
لذا ينبغي الانتباه لهذا الأمر، ولن نفهمه جيّدا إلا في معترك الحياة، بأن نجرّب شيئا فشيئا متي أتيحت لنا الفرصة ما كنا نأمله ونحلم به، فإذا بنا نكتشف أنّه ليس بتلك السكينة وليس بتلك السهولة، ولسنا فيه بتلك الروعة والسعادة كما تخيّلنا أنفسنا، بعد تكسير المثاليات نصير أكثر تصالحا مع أنفسنا، وأكثر تقبّلا لها فلا نظلمها بمقارنتها "بأنا افتراضية" أكثر قوة وسعادة ونشاطا، إزاء واقع أكثر بهاء وبساطة وأقل قسوة وصعوبة. التجربة الحياتية وحدها ما يُكسّر المثاليات بشكل عميق وصادق.
لذا أفترض أنّك بشخصيّتك الكمالية (كما لاحظتُ) ستدخل لمجال التدريبات وستجد نفسك بشعور عدم "الكفاءة" مجدّدا، وتنتبه لثغراتك المعرفية، وقلّة ثقتك وإقدامك، وتبدأ عملية أخرى من النزول والانحدار في الثقة والتقدير والنشاط، إن كنت تحلم فعلا بفعل ذلك، فيجب أن تجعل مجالك الحاليّ منطلقا لتلك الخبرة المستقبلية، فلسنا مضطرين للعودة من الصفر كلّ مرة، العلوم الحاسوبية مهمة في عصرنا، تمرّن، تعلّم، اكتسب الخبرة، وبشكل تلقائي ستبدو لك طرق ومنعطفات قد تستغلها في وقتها إن كنت قد عملت قبلها واجتهدت، وإلا فاتتك الفرص.
الكثير ممن نجح في حياته بناها خطوات بطيئة لكنها وثيقة، تنقله خبرة ومجال من وضع لوضع، وفي كلّ وضع جديد يكون كل القديم قوّة له ومعرفة تسهّل عليه الاندماج بقوة وبراعة فيما يتطلّبه الجديد. من صنع الواتساب كان مهندس معلوميات لمدة سنوات، لا شكّ أنّ فكرة الواتساب لم تأتِ من عدم، بل من ذلك الكمّ الهائل من المعلومات والخدمات والحاجيات في مجاله، سواء من حيث مبدأ الفكرة نفسها، أو من حيث متطلّباتها التقنيّة. الكثيرون انطلقوا من مجالات عملية وتطبيقية إلي مجال التعليم الجامعي مثلا، بعد اكتساب خبرات كثيرة يكون انتقالهم لتعليمه أمرا يسيرا مع بعض التحضير والتنظيم.
أقول لك هذا لأنّي أخاف من أن تكون من الأشخاص الذين لا "يتمتعون بإنجازاتهم" وما هم فيه ويفترضون أن سعادَتَهم "ها هناك" دائما "هنــــاك" وليس هنا تحت قدمي. وربما الحدّوثة هنا هو رأي الناس فيك، يرونك مثاليا وحياتك جيدة، لكنك تراه عكس ذلك، آراء الناس ليست دائما صحيحة وتعكس الحقيقة لكنّها أحيانا تعكس جزء منها، أو تبيّن التناقضات التي يعيش فيها الفرد، كمن يري نفسه قبيحا (Body dysmorphic disorder) فيتعجب الناس من رأيه في نفسه ويصفونه بالجمال... يمكن للمجتمع ونظرته أن تعطينا شيئا بغيضا خاطئا عن أنفسنا، لكنها أحيانا قد تقدم معطيات مهمة لفهم أنفسنا وتصحيح مسارنا.
نصيحتي هي أن تحاول الشعور بالرضى من إنجازاتك، وتصحح فكرة أنّ الآخرين أكثر إتقانا (لها علاقة بتحيّز معرفيّ وأيضا بمنحني Dunning-Kruger) حاول أن تعمل على تقديرك لذاتك، وأن تلاحظ الشريحة الكبري وتقارن بها وليس نخبة النخبة، وستجد نفسك جيدا كفاية مقارنة بها.
بعد أن تشعر بالرضى والجدوى لن تبقى في مكانك ستعمل تجتهد مؤمنا بأن كل ذلك له دور مهم وأثر في مستقبلك وزيادة دخلك. بعدها إن أتقنت ما تعمله حاليا فسيكون سهلا عليك أن تنطلق لشيء آخر، وتبني ثقة واقعية بقدراتك وليس مجرد افتراضات بأنك ستكون "هناك" أفضل من "هنا" في خطر أن تصاب بإحباط أكبر إن انتقلت ولم تكن مستعدّا فعلا.
بقيت نقطة واحدة، عن الحسد والمنشورات، لا أدري كيف يفكّر أناس شاهدوا بأمّ أعينهم أن الاشتهار في العوالم الافتراضية يزيد من المداخيل لملايين الدولارات ويأتي واحد يقولك إن نشرت سيحسدونك ويخرّبوا عليك مشروعاتك وأعمالك! هل سيكون متابعوك أكثر من ملايين المتابعين الذين بسببهم صار البعض مليونيرات؟ أو هل القلة التي ستراك أشرار حسّاد وليس في تلك الملايين الأخرى حسّاد وأشرار؟! أنت لديك منفذ للإحساس بالإنجاز وخلق أرضية مشتركة مع المهتمين بما تحبّ، تسدّه عليك بسبب الحسد وما يقال عنه... دعك من ذلك وأطلق العنان لنفسك وفرحتك، ولو كان الحسد يفعل شيئا لما وجدت مشهورا علي وجه الأرض إلا وقد طاله الدمار والفقر، والواقع يشهد بعكس ذلك.
تحياتي وتابعنا بأخبارك.
واقرأ أيضًا:
علاج و.ل.ت.ق علاج الكمالية الإكلينيكية(1-2)