السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أولاً: أشكركم على هذا الجهد المبذول في خدمتنا وأسأل الله العظيم أن يكتب أجركم ويرفع قدركم.. آمين..
ثانيًا: فأنا عندما كنت طفلاً أحببت طفلة في مثل عمري حبا طفوليا، نلعب معاً ونقضي الوقت معاً، إلى أن جاء اليوم الذي ابتعدنا فيه، فكبرنا ومرت الأيام ولكن بقي في القلب شيئاً من هذا الحب.
رأيتها قبل 4 سنوات تقريباً فهاجت بي الذكرى، وأصبحت أفكر فيها كثيراً لكن بسبب البيئة التي نحن فيها حالت دون أي إتصال أو أي علاقة. مرت الأيام وقلبي بداخله بركان خامد، واليوم وقد أصبحت طالبا في إحدى الكليات القوية علميًّا ولله الحمد وقد تبقى على تخرجي 4 سنوات وبما أني في كلية مضمونة المستقبل يريدني كثير من أقاربي أن أتزوج عندهم.
قبل 4 أشهر أتت إلي عمتي والتي تكون جدة تلك الفتاة وقالت لي إنه أتى شاب لخطبة تلك الفتاة وهي لا تريد وأهلها يردونك أنت، لو أتيت وسيصبرون عليك إلى أن تتخرج علماً بأنها تصغرني بثلاث سنوات. ومنذ ذلك اليوم وأنا في حالة يرثى لها ثار البركان الذي بداخلي أصبحت لا أفكر إلا فيها، أصبحت أكثر انطواءً، نحل جسمي، لاحظ الكل التغير الذي حل بي أصبحت كثير السؤال عنها في كل صغيرة وكبيرة وزاد الأمر سوءاً عندما علمت أنها تبادلني الشعور وقد أخبرني مصدر موثوق بهذا.
وأنا ولله الحمد شخص ملتزم فلم أتجرأ لأكلمها، ولكن نفسي تراودني كثيرا... فاتحت أهلي بالموضوع رحبوا بموضوع الزواج لكن فاجئوني بأنهم لا يريدون تلك الفتاة عندما سألتهم لماذا؟ أنها متكبرة، وأمها متكبرة وكثيري الافتخار بأنفسهم، لكن ولله الحمد أقنعت أهلي بكل سهولة.
الإشكالات:
عندما سألت عنها لم أجد سوى خلل واحد وهو أنها -كما يقولون- متكبرة نوعا ما ولكني بررت هذا لكونها وحيدة في البيت، وأنها الفتاة المدللة وأنها ما زالت في سن صغيرة وإذا كبرت ستعتدل إن شاء الله فهل هذا الكلام صحيح؟
ثانيا: هل هذا الحب يؤهل لأن يكون حبا أبديا وخالدا أم أنه حب مراهقة وفراغ عاطفي؟
ثالثا: إذا قررت خطبتها فستكون في وقد تطول فترة الخطبة من 3 إلى 4 سنوات، ولا بد أن يكون هناك مكالمات فما هي الضوابط والحدود لهذه المكالمات؟
أنتظر رأيكم ونصحكم
وعذراً على الإطالة..
06/11/2021
رد المستشار
أهلا وسهلا بك على موقع مجانين للصحة النفسية
سأبدأ من تساؤلاتك، حُكم الناس على بعضهم البعض لا يكون دقيقا في معظم الأحيان، خصوصا أنّ المفاهيم مختلطة ومشوّهة في مجتمعاتنا التي إن لم تكن على هواهم رمَوْك بالنقائص، وإن كنت على هواهم رفعوك مدحا وتبجيلا حتى إن كُنت في العمق معتلاّ من جهة أو جهات. خذ مثالا على ذلك، لما يكون الإنسان عنده خجل اجتماعي ولا يستطيع أن يثبت ذاته وسط الناس، يصفونه بأنّه "من أطيب خلق الله"، في حين هو يعاني من مشكل، وعكسه الذي يعبّر عن رأيه ويعارض ويدافع عن حقوقه أنّه شخص لئيم غير مريح. هكذا هي أحكام البعض في المجتمع خرقاء انفعالية، يكون فيها الحكم أخلاقيا كلّما كان المحكوم عليه مريحا لأهوائنا ونستطيع أن نستخدمه كما نشاء.
لذلك مفهوم التكبّر هنا لا يمكن أن أجزم فيه وأنا أسمعه كمُسمّى فقط، وليس عبارة عن صفات ومواقف منها. أما أنّها ستتغيّر لمّا تكبُر فأقول لك شيئا بخصوص التغيّر، الناس قلّما تُغيّر سِماتِها الشخصية وإدراكَها لذاتها وتموقعها بين الناس، المراهنة على تغيّر افتراضي مخاطرة، بدَل المراهنة على تغيّر الطرف الآخر، ستُراهن على تقبّل تلك الصّفة والتأقلم معها، هذا أسلم وأكثر واقعيّة.
نفرض أنّها أنانية ومتمحورة حول ذاتها كثيرا، وتشعر بالاستحقاق الزائد لمجرّد أنها وحيدة مدللة في أسرتها، هذه الصفة ستُوجّه طريقة تفاعلها مع الناس ومع شريكها وأيضا نظرتَها لما يجب أن يُقدّمه الآخر من أجلها من تنازلات وإرضاءات، وهذا إن لاحظتَ جزء منها ولا يمكنه أن يتغير هكذا ببساطة ويتكوّن مكانَه شيء آخر، لو كان التغيير سهلا ممكنا لما عانى الناس مع تلك السمات الثابتة في شركاء حياتهم، ولاخترنا شريكا مهما كان لمجرّد إعجابنا بشيء فيه ثمّ نعدّل فيه ما تبقى ليصير كاملا متماهيا مع النموذج المثاليّ عندنا، ولو كان هذا صحيحا لما كان الزواج بهذه المصيريّة.
وبهذه الفكرة الخاطئة الكل قابل للتغيّر حتى نحنُ أنفسُنا! لأن الآخر يريدنا أن نتغيّر من أجله أيضا، فلاحظ معي المفارقة هنا، أنه لو كان التغيير سهلا، سيكون تغيير قناعتنا بأن الآخر ليس جيدا سهلا أيضا، وبالتالي لن نراه سيئا ولن نحتاج أصلا لتغييره. لذا الإيمان في تغيّر الآخرين ليس إلا أمنية غير واقعية على مستويات كثيرة، فنحن نفترض أننا لن نتغير لأننا نشعر بصعوبة تغيير نظرتنا، شعورنا، رغباتنا الدفينة، لكننا نتمنّاه في الآخرين ونستسهله.
مشكلة فهمها ومعرفتها جيدا حتى تعرف هل هي حقا متكبرة أو لا، مرتبطة بسؤالك الثالث، وهي مدّة الخطبة وما مدى تواصلُكما فيها، أنا لن أقدّم لك فَتْوى بهذا الخصوص، فهناك أساتذة في الموقع متخصصون في ذلك، سأقول لك رأيي بخصوص التعارف ومدى أهميّته إن حضَر ومدى ثمنِه إن غاب.
تعرف معي أنّ حبّ الطفولة مثالي ويرسُم صورة كاملة عن الآخر والحياة معه، أنت قد أحببتها في الصغر وتلك الآثار الخفية لذلك الحبّ والظلال الخافتة المتبقيّة منه عبارة عن لحظات جميلة وذكريات حلوة يصعب معها وضع صورة واقعية وناضجة في هذه اللحظة، وهي لحظة الزواج والارتباط بين شخصين لم يعودا طفلين.
في حالة كان التواصل بينكما ضعيفا سبب محافظة الأهل أو محافظتكما، ستبقى هذه الصورة الوردية أساسا لقرارك وقرارها أيضا متناسين مدى التوافق بينكما أو مدى تباعدكما فكرا وسلوكا وتطلّعا. فلا بدّ في نظري أن "تكتشفا" بعضكما من جديد تحت ضوء مستجدات أكثر معقولية وواقع أكثر إلزاما وصعوبة من أيام الطفولة، تختبران بعضكما في قضايا الأسرة، المهر، العرس، كيف يجب أن تكون هذه الأمور، ما هي انتظاراتها منك وما هي انتظاراتك منها، ما هي فكرتكما عن العشرة الزوجية، عن الأطفال، التربية، حقوقكما وواجباتكما صلاحياتك كزوج معها وصلاحياتها كزوجة معك، كل هذا لن يكون إلا بالتواصل والحوار الجاد والصادق دون تمثيل.
إن فعلتَ هذا ستُجيب عن سؤالك الثاني: "هل هو حب دائم أو مجرد تعلق مراهقة؟" لأن الحياة بيّنت لنا بآلاف التجارب أنّ العشق والهُيام لا يضمن استمرارية العلاقات الزوجية، ولا النجاح في بناء أسرة يملأها الحب والاحترام والودّ، فالحب كشعور متدفّق وقلب مرفرف مختلف تماما عن الحب بعد الزواج (وإن كان الثاني يتضمّن الأول بطريقة مختلفة). الحبّ بعد الزواج بناء وليس مجرّد معطى وتدفّق غير متحكم فيه، هو محاولة فهم وتقبل هو إعادة مساءلة الذات ومساءلة المعايير المغلوطة وتكسير المثاليات، هو قدرة الحبّ على البقاء بأشكال لم نعرفها به في الأول، وليس عبارة عن محاولات مستميتة لإعادتِه عهدَه الأول.
بطبيعة الحال لن ينجحَ هذا إلاّ إذا كان هناك حدّ أدنى من التوافق والقبول والتعايش الهانئ، وإلا فيجب أن نعترف أن بعض الأشخاص لا يصلحون ليكونوا أزواجا للبعض الآخر. تأكد من اختيارك على أساس نظرتك الحالية ومعاييرك المستقبلية، وحاول ألا تتحمّس فإن الحماس يكادُ يفقدك توازنك كما رأيتَ، لا يمكنني أن أقدّم لك تفسيرا لحالتك النفسيّة بشكل دقيق، ربما لمحافظتك تجربة الحبّ طغت على وجدانك خصوصا لمّا عرفتَ أنّك محطّ إعجابا منها، لم تتحمّل نفسيتك هذا، ما صدّقت أنّ تقيم علاقة حبّ مع بنت أعجبتك.
لكن هذا يبقى مجرّد افتراض مني، ولا أدري كم مرّ على حالتك من الوقت، ربما تمرّ بسلام إذا ما تأقلمت مع الوضع الجديد، إن استمرّت يجب أن تبحث في نفسك عن أسبابها، هل هي المسؤولية فجأة، أو الحبّ الذي هجم على كيانِك فأفقدَك قدرتك على التحكم والتناسي، أو شعورك بالخوف من أن تكون لغيرك (من النوع الذي يشعر بالضغط في أوساط المنافسة) والمستقبل المجهول، تأمل ذاتك واجلس مع نفسك بعيدا عن الأهل وكل من يشير عليك، اعرف نفسك بنفسك كما قال سقراط قديما لعلّك تكتشف شيئا.
تمنياتي لك بالتوفيق.