بسم الله الرحمن الرحيم،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أود أن أشكركم جزيل الشكر على هذا الموقع الذي يهدف لخدمة الناس، وأدعو الله أن يوفقكم دائما لما فيه منفعة لأهلنا العرب في كل مكان، لدي مشكلة ولا أدري هل أعتبرها مشكلة أم ماذا؟ فهي شيء بسيط بالنسبة لما أقرؤه من مشاكل في صفحات استشارات مجانين، وبالطبع أحمد الله تعالى على كل شيء.
أنا فتاة في قرابة الخامسة والعشرين من عمري، ومن أسرة محافظة جدا، وحياتنا تسير بشكل صعب بعض الشيء، وذلك بسبب الأوضاع في فلسطين التي يعرفها الجميع، أنا مستخدمة جيدة للإنترنت، وأستخدمها في جميع المجالات، فأنا بطبعي لا أحب شراء الكتب؛ فأستعين بالإنترنت بدلا من الكتب، حيث أجد ما أريد بكل سهولة ويسر، وبالطبع أستخدم الشات في بعض الأحيان.
قبل عدة شهور تعرفت على شاب في إحدى الغرف، وسمحت لنفسي أن أعطيه البريد، وأخذنا نتكلم كثيرا وأحيانا كل يوم، وما شد انتباهي له أنه كان أمريكي وقد هداه الله للإسلام، وكنا نتكلم كثيرا في الدين وهذا كان شيئا مشتركا، حيث إنني كنت حديثة العهد بالتدين وكنت أواظب على التقرب إلى الله، وكل حديث عن الإسلام كان يشدني. وكنت أحب كثيرا أن أسمع لقصصه، خاصة أن والدته هي التي هدته للإسلام، وهي الآن تعيش في إحدى الدول العربية وترتدي النقاب الإسلامي، وله أيضا أخ مسلم، وكنت أخبره دائما عن مدى فرحي بأن أرى الناس يدخلون في الإسلام، المهم جاء رمضان هذا العام وتقربت كثيرا إلى الله والحمد الله، وبدأت أشعر بحلاوة الإيمان التي لم أشعر بها من قبل قط.
لم أكن محجبة ودعوت الله كثيرا في رمضان أن يساعدني على أن أتحجب، فهذا كان شيئا صعبا بالنسبة لي ولكن باب الله كان أوسع من كل الصعوبات، وانتهى رمضان هذا العام وتحجبت والحمد الله، وقد أحدث الحجاب في حياتي نقلة كبيرة فصرت أشعر بحلاوة أكثر، وكنت أشعر أن الله يستجيب لدعائي كثيرا، وهو ما أشعرني بسعادة قوية.. سعادة القرب من الله، وكنت على إتصال مع هذا الشاب الأمريكي دائما، أخبره عن سعادتي هذه، ففرح كثيرا عندما سمع أنني تحجبت.
وفي يوم أخبرني أنه كان ينوي فتح موضوع الحجاب معي، لكنه كان يؤجل الموضوع لأن لديه إحساسا بأنني سوف أرتدي الحجاب وحدي، المهم، أخبرني هذا الشاب بأنه يبحث عن فتاة عربية للزواج، والسبب في أنه يريدها عربية هو أن تعلمه القرآن وتعلم أولاده العربية والقرآن، فهو لا يريد الزواج من امرأة لا تتحدث اللغة العربية التي هي لغة القرآن الكريم، وقال لي: كنت خائفا أن أسألك من قبل، حيث إن الحجاب مهم بالنسبة لي، والآن.. بعد أن أصبحت كما أتمنى من المرأة التي أريد فأريد أن أتقدم لخطبتك من أهلك، فهل هذا ممكن؟.
في البداية استغربت طلبه كثيرا، وقلت له أنت أمريكي ولا تعرف أن تتحدث اللغة العربية وصعب أن تتفاهم مع والدي، ونحن عائلة محافظة من الصعب جدا قبول هذا الأمر، حتى لو كنت مسلما ولكنك تبقى أمريكيا في نظرهم! أخبرني أنه يعلم بأن الأمر سيكون صعبا بالنسبة للعائلة، وذلك لأنه يتفهم جيدا هذه العادات والتقاليد، لكنه أخبرني بأنه سوف يحاول إقناعهم وعليه أن يجرب والباقي على الله، المهم أخذت أفكر في كلامه كثيرا ولم أخبر أحدا بالموضوع، ومر حوالي شهر كامل وأنا أفكر، وكنت كلما فكرت أكثر تقربت من الموافقة على أن أحدث أهلي بالموضوع.
وفي يوم قمت بصلاة ركعتين، وبعدها قلت له بأنني سوف أستشير أخي، وأخي يعيش في أمريكا، وبالفعل إتصلت بأخي وأخبرته بالموضوع، إستغرب أخي من الموضوع، وقال لي الموضوع صعب جدا، وقال لي إنه سوف يناقشه مع أخت لي تعيش في أمريكا أيضا، وهي أختنا الكبرى، وهي إنسانة جدا.. رائعة ومتعلمة ومثقفة ومتدينة جدا، وتفهم في أمور الدين كثيرا، فلما قام أخي بإخبارها صعقت للخبر، وأخبرت أخي أنها ترفض الفكرة تماما، فهي تعيش في أمريكا وتعرف الأمريكان جيدا، إتصل أخي بي وأخبرني بما حصل، وطلب مني أن أنهي الموضوع.
بعد أيام اتصلت بأخي وقلت له لماذا لا نعطي الشاب فرصة لنتعرف عليه، هل من الممكن أن نحكم على الشخص من غير أن نراه، وعندما رآني أخي جدية كثيرا ومتعلقة بالفكرة أخبر أختي التي بدورها اتصلت بي مباشرة واعتذرت لي أنها لم تتحدث معي في السابق، حيث إنها لم تكن تعرف أنني جدية إلى هذا الحد، المهم، استمرت المكالمة أكثر من ساعة وأخذت تخبرني بقصص كثيرة، وقالت لي لماذا هي ترفض الفكرة، قالت أسبابا كثيرة ومقنعة إلى حد ما، وأخبرتني أنها لا تحكم على الشاب لأنها لا تعرفه، وقالت إنه بإسلامه يمكن أن يكون أفضل منا جميعا، ولكن الفكرة أنه أمريكي وثقافته تختلف كثيرا عنا، وأنه من الصعب العيش معه، وقالت إنه من الممكن بعد فترة من الزمن أن يتغير ويرجع إلى ما كان عليه قبل إسلامه.
أسباب كثيرة أخذت تسردها أختي لي، كلها كانت مقنعة وصحيحة، وفي هذه المكالمة أخبرتها أنني سوف أنهي الموضوع إن شاء الله، وسوف أخبر هذا الشاب أنه لا يوجد نصيب؛ ففرحت أختي وارتاحت كثيرا ووعدتها بأن أقطع علاقتي به نهائيا، وبالفعل قمت بإخباره بأنه من الصعب علينا أن نستمر وأن نعطي الموضوع أكثر من ذلك، فتفهم الموضوع سريعا، وقال لي كنت أتمنى أن يفهم أهلك أنني وجدت فتاة رائعة لدينها وبيتها، ولكني أحترم رأيهم وأتمنى لك التوفيق، المشكلة بدأت من هنا، حيث إنني لم أخبره بأنهم طلبوا مني أن أقطع العلاقة معه، فبقيت أتحدث معه إلى الآن، والسبب الحقيقي لهذا الموضوع أنني لا أريد قطع العلاقة معه إلى الأبد، حيث إنني ما زلت بيني وبين نفسي أتمنى أن يتقدم لي وأن نتعرف على بعضنا أكثر، وبمعنى آخر ما زال عندي أمل.
أنا الآن أشعر بأنني تائهة بين: هل أعاود المحاولة مرة أخرى مع أهلي مع العلم بأنني أخجل أن أفاتحهم بالموضوع، ولكني لا أريد توقف الحديث معه فهذا يشعرني بأنني أضيع شيئا ثمينا لا يأتي إلا مرة واحدة، مع العلم بأنني مؤمنة بنصيب الإنسان وما قسمه الله، وأنه لو عرف أنني خائفة وتائهة بهذا الشكل لتوقف وأنهى العلاقة فورا، فهو أخبرني مرة أنه لن يقبل بأن يكون سببا في معاناتي أو إيذائي، وهو يسعى دائما لإرضاء الله قبل إرضاء العبد، وبحديثي المتواصل معه يظن أنني بخير فنحن لا نتحدث في الموضوع أبدا، وكلامنا رجع كما كان أول تعارفنا.. عن الدين وأشياء أخرى قد تأتي ضمن الكلام.
وهناك شيء آخر أحب أن أضيفه.. فأنا متضايقة من نفسي، حيث أشعر بذلك أنني قد كذبت على إخوتي وبقيت على إتصال به، والشيء الآخر: أشعر أن الحديث معه مخالف أصلا لديني وإيماني بالله، في الوقت الذي تقربت فيه إلى الله أكثر من أي وقت مضى، وأريد أن أحافظ على هذا القرب، وصدقوني لقد سألت الله كثيرا أن يساعدني في هذا الموضوع، ولكني ما زلت لا أستطيع الكف عن التفكير في المحاولة مرة أخرى!، وأخاف أن يكون ما يحصل معي مدخلا من مداخل الشيطان والعياذ بالله!.
وأعتذر عن الإطالة وأرجو أن تفيدوني برأيكم.
ملاحظات: لقد حاولت التوقف عن التكلم معه، وذلك بعد أن سمعت محاضرة لأحد الأستاذة الأفاضل أن الشات حرام، ولكنني لم أستطع، ونحن الآن نخطط للمحاولة مرة أخرى عن طريق والدته،
وأنا أصلي صلاة الاستخارة كل يوم ولا أدري ماذا أفعل؟.
أشكركم جزيل الشكر.
6/11/2021
رد المستشار
الأخت الكريمة:
أختك معها حق في مقولتها: "إنه أمريكي وثقافته تختلف كثيرا عنا"، فمن المؤكد أن الأمريكي يختلف عن العربي، وحتى العرب يختلف بعضهم عن بعض، فلكل قطر عربي عاداته وتقاليده التي قد لا يفهمها أبناء الأقطار الأخرى، أو لا يحسنون التعامل معها.
فالمشكلة تكمن في أن الحياة الزوجية شركة وعشرة واحتكاك يومي بين طرفي العلاقة وعائلة كل طرف، وحتى لو كان طرفا العلاقة من نفس البيئة ونفس المجتمع فإن ظروف التنشئة الأسرية قد تنتج اختلافات جوهرية بين الزوجين، وتحتاج هذه الاختلافات للحكمة والعقلانية والكثير من المرونة حتى تسير سفينة الحياة، وبالطبع فإن الأمور تزداد تعقيدا إذا كان هناك تباين واضح في البيئة الخارجية للتنشئة، فخصوصية المكان قد تجعل نفس الكلمة ونفس التصرف يحمل معاني مختلفة تبعا لاختلاف البيئات.
في هذا الصدد أذكر أختا لك تزوجت من عربي ولكنه مقيم في أمريكا منذ فترة طويلة، وأذكر أنها لم تكن تنكر عليه خلقا ولا دينا، ولكنها ضجت بالشكوى لأنه يحب الخصوصية بدرجة مبالغ فيها، فله حجرته الخاصة ودولاب ملابسه الخاص.. المهم أن قناعتنا هي أن زواج الثقافات المختلفة يمكن أن يكون مقدمة لثراء وتنوع وتواصل راق إذا تمتع طرفا العلاقة بكثير من الحكمة والحنكة والمرونة، ويمكن أن يكون مقدمة لشقاء وتعاسة الطرفين إذا تميز الطرفان -أحدهما أو كلاهما- بضيق الأفق، وإذا كانت نظرتهم للحياة -وبالتالي تفاعلاتهم المبنية على هذه النظرة- ضيقة محدودة الأفق، ولقد فصلنا في هذه المسألة من قبل في المشكلات التالية:
زواج الثقافات: أهم من لون الجلد!
زواج الثقافات.. التعميم مضلل والناس معادن
زواج الثقافات: الحكمة مطلوبة والتعميم باطل
الزواج المختلط: القاهرة -الشام-نواكشوط
زواج الثقافات: جدل الشمال والجنوب!
وأرجو ألا تعتبري موافقتي على مقولة أختك موافقة مني على رأيها ورغبتها في إنهاء الأمر برمته؛ لأن موافقتي على رأيها تؤكد ضرورة وأهمية التروي مع المزيد والمزيد من الحذر والتدقيق عند بحث الأمر، حتى يتأكد كل منكما أنه الاختيار الأنسب للآخر، وخصوصا أن تعارفكما حتى الآن قد تم عبر الإنترنت، والشات كما نؤكد دائما لا يعتبر وسيلة كافية للتعارف والتواصل من أجل الزواج، فأنت لا تعرفين عن هذا الشاب إلا ما يكتبه عن نفسه عبر لوحة المفاتيح، ونحن على الشات أطياف لكائنات رقيقة وجميلة وحالمة، أما حقيقتنا فتختلف بشكل أو بآخر عن هذه الصورة الجميلة المرسومة على الإنترنت، حتى لو كنا لا نتعمد الكذب، وقد فصلنا في هذه النقاط في المشاكل التالية:
رائع في كل شيء: أطياف الواقع الافتراضي
كلام الشات مدهون بزبدة
هل هذا زوجي؟ هل هذه زوجتي؟
الشات: الحب في الفضاء والزواج في الأرض!
والتساؤل المطروح الآن هو:
هل في إمكان هذا الشاب أن يحضر للإقامة في بلدك فترة مناسبة للتعارف، ويمكنك بعدها مناقشة الأمر مع إخوتك بحيث يمكنهم أن يقنعوا والديك، مع الأخذ في الاعتبار أن هذا لا يعني أي التزام سواء منك أو منه نحو الارتباط، أو بمعنى آخر: تكون هذه الزيارة فرصة للتعارف، ويمكن بعدها لأي طرف أن يعتذر عن إتمام الارتباط إذا وجد أن الطرف الآخر لم يكن بالصورة التي تناسبه.
وهذا لا يتنافى بأي شكل من الأشكال مع كون عائلتك محافظة، فتعارفكما سوف يتم تحت سمع وبصر أهلك، وهذا أفضل من أن يظل الحال بينكما على ما هو عليه ومعلقا بهذه الصورة، فهذا أمر شديد الضرر عليكما -لا لأن الشات في حد ذاته حرام- ولكن لأن استمرار العلاقة بينكما على هذه الصورة يزيد من تعلق كل منكما بالآخر ويزيد من احتمال حدوث تجاوزات.
أختي الكريمة:
حسم أمورك مهم جدا.. فلا تتركي الأمور معلقة، وإذا كنت فعلا لا تستطيعين التخلي عنه فلا أقل من أن تبدئي خطواتك الفعلية للتعرف عليه بحيث يمكنك اتخاذ القرار على بينة، مع دعواتنا أن يعينك الله على حسن الاختيار، وأن يخلصك من حيرتك في القريب العاجل.
ويتبع>>>: حبيبي الإلكتروني أمريكاني م.مستشار