السلام عليكم
والله إني أخجل من ذكر مشكلتي، ولكني محتاجة لمساعدة الله ثم مساعدتكم، أنا سيدة خليجية متزوجة منذ 13 عامًا وحينها كان عمري 15 عامً، وزوجي رجل لا تكفيه كلمات الشكر لرد فضله وخيره وصبره معي، وأشياء أخرى لا يسعني ذكرها، وقد تزوجته عن حب حقيقي، ولا زلت إلى الآن أحبه.
ولكن مشكلتي أنني بدأت استخدام الإنترنت لأغراض تعليمية، وبالصدفة تعرفت على شاب من خلال "الشات" وغرّني الشيطان، وضعفت نفسي، وتحدثت إليه عبر الهاتف، وأراد الله أن يكتشف زوجي هذا الأمر، ولكن رحمة من ربي أن زوجي احتوى المشكلة واحتواني، ومرت المشكلة بسلام، وأنا أستخدم الإنترنت منذ سنتين تقريبا؛ لإشباع رغبة لا أعرف كيف أصفها، فأنا أحب أن أمثل دور الفتاة صغيرة السن التي عندها 20 سنة، ووجدت الشاب الذي يحبني وأحبه، أتفنن في تمثيل شخصية الفتاة التي تحب وما يتبع ذلك من تبعات، أحب أن أعيش حالات الحب هذه، وكل ما يدور حولها من كلام وغيره، بمعنى آخر أتقمص شخصية غير شخصيتي.
أجيد هذا التقمص وأحبه كذلك، في الوقت نفسه لا أخل في واجباتي ناحية زوجي وأبنائي، فهي أولى عندي قبل أي شي ولكن تقمص تلك الشخصية يريحني نفسيًّ، فلحظات بسيطة في شخصية الفتاة التي أتقمصه، تنسيني تعب يوم كامل، حيث إن هذه الشخصية تحسسني بالفرحة والنشوة، والإحساس بأني لم أنس نفسي في زحمة الحياة ومتاعبها، قد يكون هذا الإحساس نتيجة زواجي المبكر، الله أعلم، مع العلم أني سيدة معروفة اجتماعيًّا وفي مجال عملي وعلمي، وبيني وبين نفسي أخشى أن يعلم زوجي أني أستخدم الإنترنت، فيغضب وقد يحدث ما هو أسوأ، إنني أتعذب فأنا لا أريد أن يغضب زوجي مني، وأنا أعلم إن صفح عني مرة فلن يصفح عني مرة أخرى، وكذلك لا أريد أن أترك الإنترنت، فكرت في مناقشة زوجي في هذا الموضوع، ولكنه رفض حتى فكرة الحديث عنه.
وهل تنصحونني بالذهاب لطبيب نفساني للمساعدة؟
أرجو المساعدة
2/11/2021
رد المستشار
أختي الكريمة....
كلنا يرغب في أن يعود به الزمان إلى مرحلة الطفولة أو الشباب، وقديمًا تمنى الشاعر هذا فقال: "ألا ليت الشباب يعود يوماً فأخبره بما فعل المشيب"، فهو يتمنى أن يعود الشباب ولو ليوم واحد فقط.... فماذا يدعو للخجل في هذه الرغبة؟!
ورغم ذلك أو بالإضافة إليه أقول لك: إن لكل مرحلة من مراحل العمر جمالها الخاص، وطعمها المميز، ففي الطفولة يكون اللعب والمرح والبراءة والخلو من المسئوليات وهواجس المستقبل والإنجاز الحياتي.... إلخ.
وفي مطلع الشباب تكون الآمال العريضة، والأحلام الواسعة لعمل أشياء كثيرة تبدأ من النفس ورغباتها إلى تغيير الكون مروراً بالرفض لكل الأوضاع الخاطئة والطموح إلى كل نقاء وارتقاء فردي، ثم يكتسب الإنسان بعض الواقعية تدريجيًّا حين ينزل إلى أرض الواقع فينجح ويفشل، ويكتشف أن الأمور ليست على النحو الذي كان يتصوره عندما كان طفلاً بريئًا أو شابًّا مندفعًا، فيصبح للأمور مذاق مختلف تختلط فيه حلاوة الخبرة بمرارة التجربة لتنتج فعلاً قد يكون أقل إثارة لكنه أحكم تدبيراً، وهكذا يتطور الإنسان نفسيًّا من منزلة إلى منزلة كما ينتقل القمر بين المنازل هلالاً ثم محاقاً ثم بدراً.... وهكذا تستمر الحياة.
فهمنا لسنة الحياة هذه لا ينفي الحنين إلى مراحل أخرى قد يكون فاتنا إشباعها كاملة لسبب أو لآخر، وقد نطمح إليها لأننا أحببنا مذاقها، ويظل هذا الطموح مشروعاً ومفهوماً، والتعبير عنه يكون بوسائل شتى منها التواصل مع أفراد هذه المرحلة داخل الأسرة أو في المحيط الاجتماعي وأنشطته فيكون كمن يقطن بجوار متجر بائع الشيكولاتة؛ لأنه يعشقها، واختياره لهذا الموضع سكناً من شأنه أن يجعله في حالة من التواصل المستمر مع محبوبته يراها ويشم رائحتها، ويرى نظرات الإعجاب في عيون عشاقها.... إلخ، ومن خلال هذا التواصل يشبع رغبته، فيفيد بالرأي ويستفيد بالجوار.
ومن وسائل التعبير الأخرى أن يسبح بالخيال مستعيداً هذه المرحلة، أو متقمصاً لشخصية يعيشها، ويسرح مع هذا الخيال ما شاء أن يسرح فيكتب هذا في رواية تحوي بعضاً من نفسه حين تحررت من واقعها، وسبحت في عالم الخيال تتلون وتتشكل على أنواع وأحوال، وهذا من جوهر إبداع الروائي أو الكاتب أنه قادر على الانطلاق مع هذه الخيالات، قادر على فك ذاته أو تحريرها، وكذلك ذوات الآخرين، في عوالم التصور والخيال ثم إعادة تركيب ذوات أخرى متخيلة من مادة ما فكه وحرره مع إضافات من خبرات متنوعة، وروافد شتى فتكون أشخاص الرواية وأحداثها.
والفارق بين المبدع والمريض بالوهم أن الأول يسيطر على عملية الخيال ويوظفها ويستثمرها بينما الثاني خاضع لها تتلاعب به، وتوظفه هي لمنطقها غير المنطقي!! ومن التقمص ما يحدث في التمثيل حين يتقمص الإنسان دوراً معينًا يقترب أو يبتعد من شخصيته الحقيقية، ولهذا آثاره التدريجية على الممثل المحترف، وسلامته النفسية.
المسألة عندك تبدو أبسط، ولكن أخطر!!
أبسط لأن التقمص لديك ليس عملية إبداعية منظمة تنتج شيئاً له معنى أو منافع عابرة، إنما هدفك منه ليس سوى نشوة عابرة وأخطر لأنه يضعك على أعتاب مشكلات كثيرة متوقعة، وغير متوقعة.
ودعيني أفرق هنا أيضاً بين التقمص، وبين أشياء أخرى تختلف عنه، وتبدو أكثر خطراً، ومنها حديثك إلى ذلك الشاب هاتفيًّا فهو تصعيد مختلف، ومغامرة غير محسوبة قد تجر إلى ما لا تحمد عقباه، والشيء الأهم – ربما – هو تأثير هذا التقمص المستمر الممتع لك على ذاتك وشخصيتك الحقيقية، وفي دراسة حالة كانت تدخل على الإنترنت، وتدخل غرف الحكي، وتقيم حوارات وعلاقات على الشبكة بغير شخصيتها الحقيقية حدث نوع من التأثر بالذات المصطنعة المتقمصة إلى الحد الذي قالت فيه هذه الفتاة: إنني أصبحت أشعر أنني أريد أن أكون تلك التي اصطنعتها وتقمصتها، أي أن اللعبة قد انقلبت، وتحولت إلى شيء سيحتاج الطب النفسي والفقه الشرعي إلى وقت حتى يتصورها، ويحدد موقفاً منها.
على كل حال البحث في أسباب رغبتك وممارساتك هذه مهم، وإن كان توصيفها وتصنيفها لن يختلف في النهاية فهي شهوة نفس تحمل في طياتها نوعًا من المخاطرة والمغامرة، وقد تجر إلى عواقب وخيمة فادحة أترك لخيالك الخصب العنان لتصورها.
أما عن حاجتك لمراجعة طبيب نفساني فأنت بالقطع تحتاجين إلى استشارة نفسية، وبخاصة إذا لم تكن رسالتنا هذه كافية للتوقف عن ممارسة ما تقومين به، أو إقناعك بخطورته، وتشجيعك على كبح جماحه بحيث ترغبين في ترك هذا السبيل.
أرجو أن أكون قد ساعدتك بهذا التوضيح، وسأنتظر رسالتك القادمة إن كان لا يزال لديك المزيد من التساؤلات أو الاستفسارات.
هذا ما وجدت نفسي راغباً في إضافته على إجابة الزميلة "سمر عبده" الإخصائية الاجتماعية بفريق الحلول، والتي تركت إجابتها عليك كما هي تقول لك:
المرسلة الفاضلة:
صدقت ففضل زوجك عليك كبير، وموقفه معك لا يدل إلا على قلب كبير، وأصل طيب، ورجاحة عقل، ورجل بهذه الصفات إذا فقدته فلن تجني إلا الندم، ولن تسعدك لحظات الوهم التي تعيشينها على الإنترنت، يا أخت، قد تكونين في حاجة حقًّا لطبيب نفساني ولكن قبل ذلك تحتاجين لوقفة مع نفسك للبحث عن السبب الحقيقي لما أنت فيه:
- ذكرت أنك نسيت نفسك في زحمة الحياة، ولكني لاحظت أنك وصلت لدرجة علمية كبيرة، رغم أنك تزوجت صغيرة جدًّا، وهذا دليل على أنك أعطيت نفسك حقها ولم تنسها، وكان زوجك معيناً لك لتحققي ذاتك رغم عبء المنزل والأولاد الثلاثة.
- ولكن رغم ذلك فقد تكوني في زحمة المطالب والأحلام "المادية" لك ولأسرتك قد فقدت الجانب العاطفي في حياتك خاصة في علاقتك بزوجك؛ لذا يا أخت أنت في حاجة لتجديد علاقتك العاطفية بزوجك، فهل حاولت استعادتها؟!!. اجلسي لزوجك وحدثيه عن رغباتك فأنت تقولين: إنك تحبين دور الفتاة الصغيرة "20 عاماً" أقول لك: "أنت فعلاً في العشرينيات، ولست كهلة فلماذا لا تعيشين حالات الحب هذه مع زوجك؟! ولو عن طريق الرسائل المتبادلة بينكما، أو غيرها من الوسائل.
يا أخت، قد تكون طبيعة زوجك كطبيعة الكثير من الرجال لا يلتفتون كثيراً للأمور العاطفية، ويغلب على تصرفاتهم العقل والتفكير المادي الواقعي، فلا يلتفت لأهمية العاطفة إلا الخبير بحال النساء، والعالم بموفور مشاعر وعاطفة المرأة، وقليل ما هم، ويبدو أن زوجك ليس كذلك، لذا لا أجد غضاضة في أن تلفتي نظره لرغباتك، وأحسبه سيستجيب.
كما أنصحك بالانخراط في بعض الأنشطة الخيرية والاجتماعية، وربما الكتابة الأدبية أو الروائية.
أخت الفاضلة، لا تهربي من حياتك لوهم سيدمرك ويدمر أولادك وزوجك، ولكن جددي حياتك واملئيها بما تحبين، وتمتعي بنعم الله عليك من زوج محب، وأسرة مستقرة، وخيال ثري محلق، ولا تخجلي من رغباتك فهي طبيعية لا يعيبها إلا صرفها في حرام أو خيانة.
يا أخت، اقطعي اشتراك الإنترنت، واحرصي على نفسك وبيتك، ولا بأس من الاستعانة بطبيب نفساني؛ ليعينك على التخلي عن هذه العادة الذميمة، أو تخلصي منها أنت إن عجزت عن تطويرها إلى شكل نافع وجميل بعدما تبين لك مدى خطورتها، أعانك الله وعافاك