السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أنا شاب ملتزم في العشرينيات من عمري، أهلي يقيمون في الخليج للعمل، وأنا جئت لبلدنا للدراسة الجامعية وأختي معي وبقية أقاربي مواطنون في فلسطين وأنا أعاني من مشكلتين.
المشكلة الأولى:
هي أن خالتي جاءت من فلسطين منذ سنة وشهرين، وكنت لم أرها منذ بضع سنوات وأحبها كثيرا وبالمقابل هي، وهي تساويني عمرًا، وأيضا جميلة، وكنت أجلس معها وأخرج معها، مكثت معنا قرابة شهر، ثم غادرت وبدأت المعاناة أشعر بضيق شديد مستمر حتى الآن وكنت ألجأ للعادة السرية كثيرا للأسف، واستمررت في البكاء لمدة شهرين وليس لدي رغبة في الأكل 3 شهور ثم تغيرت الرغبة بعد ذلك للأفضل فماذا أفعل لزوال المعاناة؟
المشكلة الثانية:
هي أني في الأصل مشتاق لأقاربي كثيرا وأحبهم، ولكن زال ذلك بعد القصة التالية وحتى خالتي معهم، ذهبت إلى فلسطين ورأيتهم جميعا وما زال الحب لهم، عُرض علي خطبة ابنة عمي من قبل عمتي وهي الآن في التوجيهي، لم تجذبني ولم أمل إليها عندما رأيتها لأول مرة، جلست معها كثيرا بوجود أهلها فأعجبتني يوما بعد يوم لصفاتها من خفة الدم وحفظ القرآن وكثرة الخجل والهدوء والعقلانية، ومطيعة جدا ومحبوبة عند الجميع بشكل لا يوصف، ولكن أنفر قليلا من تفصيلات وجهها ولونها، فأنا أحب البيضاء ولكنها قمحاوية، (أريد الجمال هو الذي يحببني في المرأة، ويجذبني إليها لأول نظرة، ولكني أخاف ألا أجد بقية الصفات التي أريدها).
قررت طلبها من أبيها فطلبتها ولكن كنت غير مبسوط (حجز فقط بدون عقد حتى الصيف القادم) عندما أذهب عندهم وأراها أرتاح مع وجود النفور قليلا، ومرات أرى جمالها عاديا، ولكن عندما أغادر أنزعج وينقلب مزاجي، وأحيانا أقول غير جميلة (مع العلم رأيتها في المنام 4 مرات وأكون سعيدا فيه)، ولكن نفسي تجذبني للذهاب يوميا عندهم، وكنت أفعل وإذا لم أذهب يتعكر مزاجي، ثم رجعت أنا إلى الأردن، وأنا في صراع شديد ودائم التفكير (حتى عندما أتحدث مع الناس) وضيق وقلت رغبتي في الأكل وأحيانا أحب العزلة، عندما أفكر بتركها أبكي، وأحيانا أقول أريدها ودائما أتذكر نظرات الحب التي كانت بيننا ومحبتها لي، وأخاف أن أظلم البنت إذا أطلت الحجز ثم أتركها، مرات أشعر بأني أريد الصراخ من الضيق، ولكن لا أصرخ وأحيانا أنتف شعرا من لحيتي، أصبحت لا أحب أحدا نهائيا ولا أستطيع أن أتخذ القرار المناسب.
وأنا من طبيعتي أحتار كثيرا في أغلب الأمور، أحيانا أقول أريد أن أختار امرأة أجمل بيضاء، ولكن أخاف أنها تطلع غير مطيعة وعصبية، فأنا لا أقدر على ذلك؛ لأني من النوع الهادئ ولا أحب المشاكل، وأحيانا أخاف أن تفوت علي الفرصة من ابنة عمي إذا تركتها. لا أدري هل أنا أحبها أم لا؟ معجب بها أم لا؟ وما الفرق بين الإعجاب والحب والاقتناع؟
قال لي بعض الناس إن الحب يتولد، ويأتي بعد الزواج فما مدى صحته؟
ذهبت إلى طبيب نفساني وقال لي: إن عندي قلقا ووصف لي علاج فلوكستين، وقال لي لا تقرر قبل استخدام العلاج، وبدأت أستخدمه وأخذته لمدة أربعة أيام، وذهبت إلى آخر ونصحني بتركه فتركته لأتبع أساليب أخرى في الطب النفساني، ولم أخبر الطبيب الأول عن تركي للعلاج، أنقذوني من الصراع الذي أنا فيه، جزاكم الله عني وعن جميع المسلمين خيرا.
ومتأسف جدا وسامحوني على الإطالة وادعوا لي بأن يفرج الله الهم.
من فضلكم اعرضوها على أكثر من مستشار، بارك الله فيكم.
8/11/2021
رد المستشار
يقول أ.د وائل أبو هندي: الأخ العزيز "الملتزم التائه" كما أحس أنه الوصف المنطبق عليك، فأما الالتزام ومعناه فيرجع لك، ولا أدري ماذا تقصد به، وأما كونك تائها فهذا ما توضحه سطور إفادتك بجلاء، فكثيرة هي المعاني غير الموجودة لديك، وكثيرة هي المفاهيم المشوشة أو المغلوطة، وحتى بعض ما اخترت ذكره في إفادتك يبدو بغير داعٍ أن يذكر مثلا حكاية خالتك وتعلقك بها والذي انتهى كما قلت أنت نفسك، فهل ذكرته لنا على سبيل تعريفنا بشيء من تاريخك؟
لا أدري بالضبط، كما حيرني ذكرك أنك كنت تلجأ للعادة السرية في سياق حكاية خالتك، هل أنت تعلقت بها عاطفيا؟ أم أنك كنت تتخيلها شريكة في الجنس؟ لدي كثير من علامات الاستفهام يا أخي!
ثم إنك وبعدما اختتمت مشكلتك الأولى –وكأنها ما تزال قائمة- سائلا: (واستمررت في البكاء لمدة شهرين، وليس لدي رغبة في الأكل 3 شهور، ثم تغيرت الرغبة بعد ذلك للأفضل فماذا أفعل لزوال المعاناة؟)، فهل المعاناة أنك تعلقت بخالتك؟؟ إذا كانت أعراض اضطراب التأقلم مع غياب خالتك لسفرها، تلك الأعراض التي تحسنت، ربما تكونُ نتجت عن خلطة ما من أعراض القلق والاكتئاب Mixed Anxiety Depression ، وهو ما قد يعتبر تصنيفيا وتشخيصيا معبرًا فقط عن اضطراب تأقلم مع ظروف غياب من تعلقت بها Adjustment Disorder with Mixed Emotions ، إذا كانت تلك أعراض تحسنت والحمد لله، فهل المعاناة هي العادة السرية أم المعاناة شيء آخر؟ كثير من علامات الاستفهام يا أخي!
ثم أنك تحيرني وأنا أراك من جهة تعلمنا أنك تحتاج إلى الزواج ومن جهة نراك بحاجة إلى كثير قبل أن تصبح شابا يستطيع الباءة فأنت تحتاج إلى كثير من التغييرات المعرفية لتدرك كيفية أو فنية اختيار شريك الحياة، وكيف نضع العقل والعاطفة على مائدة الاختيار.
أراك تنظر إلى الزواج نظرة غير ناضجة، صحيح أن سنوات عمرك كما وضعتها في خانة البيانات هي 36 ، ثم قلت في تقديم نفسك أنا شاب ملتزم في العشرينيات من عمري، لكننا لا نرى هذا معقولا مع ما ورد في إفادتك من حكايات وأسئلة؟ كثير من علامات الاستفهام يا أخي!
ثم هل سوء مزاجك المتكرر هو اكتئاب أم عسر مزاج؟، وهل يمكننا فهمه واستيعابه فقط في إطار التأقلم مع الأحداث الحياتية التي تصادفك؟ فمرة سافرت خالتك بعدما تعلقت بها ومرة تورطت في خطبة ابنة عمك؟ هل هو التردد في قرار الزواج فقط أم هو التردد حين يكون مرضيا؟
أحسب أن طبيبك النفساني الأول شخص شيئا من الاكتئاب أو عسر المزاج على خلفية من هشاشة تكوين الشخصية تظهر في التردد والحيرة وعدم القدرة على الحزم لا مع النفس ولا مع الآخرين، ووصف لك أحد عقاقير الم.ا.س.ا لهذا السبب، بينما رأى الطبيب النفساني الثاني في حالتك نموذجا لشخصية شاب عربي غير مكون يحتاج إلى كثير من تعديل المفاهيم وإنضاجها إضافة إلى هشاشة التكوين بينما رأى اكتئابك وترددك أعراضا ثانوية ولهذا استبعد احتمال أن ينفعك العقار وقرر أن يبدأ معك رحلة العلاج النفساني.
وأنا ألوم عليك أولا لأنك بذهابك لطبيبين نفسانيين دون أن تعطي علاج أحدهما الفرصة، فلم تعط الفرصة للأول بذهابك بعد أربعة أيام فقط للثاني، وأخشى أنك لن تعطيه الفرصة أيضًا بدليل أنك أرسلت تسأل وتستشير، وبهذا أدخلت نفسك في خضم خلافات الأطباء النفسانيين حول أي منهج علاجي تبعه الواحد منهم مثلا هل يكون طبيبا، وهي مسألة خلافية يفترض ألا شأن لك بها، كذلك أتمنى وأنت مع طبيبك المعالج الجديد ألا تبقى على الاعتقاد الخاطئ الذي يعيش به كثير من الناس من أن الطبيب النفساني لديه قدرات خارقة على حل مشاكل الآخرين، لأنه فقط سيساعدك أنت على حل مشكلاتك بنفسك، أتمنى أن يوفقك الله وأترك بقية النقاط في استشارتك لتسلط الضوء عليها الأخت الدكتورة سحر، وتابعنا بالتطورات.
وتضيف د.سحر طلعت : الابن الكريم: أهلا ومرحبا بك.. نحن بالفعل ندعو الله أن يصلح لك أحوالك، وأن يخلصك من هذا التردد الزائد، ومن الواضح في رسالتك أن هناك شقا نفسيا لا بد من التعامل معه أولا قبل أن تتخذ أي قرار في حياتك... وقد غطى الزميل الفاضل الدكتور وائل هذا الجانب، وسأركز أنا على الجانب الاجتماعي لمشكلتك، وبالنسبة لخالتك؟ فأعتقد أنك أدرى الناس بأن حبك لها أمر غير وارد وقد يوقعكما في المحظورات وملف زنا المحارم في موقعنا وفي منطقتنا العربية مفتوح وممتلئ بالجراح المفتوحة والآلام ودموع الندم وآهاته... ولا أحسب أنك ترضى لنفسك أو لخالتك أن تسقطا في هذا المستنقع الآثم... وطالما أن مشاعرك وأحاسيسك تنحو بك نحو هذا الاتجاه فلا مفر من أن تكف عن النظر إليها والتفكير فيها كأنثى مع تحديد علاقتك بها وأن تكون في أضيق الحدود وأن تكون دوما في وجود الأهل.
أما بالنسبة لموضوع ابنة عمك وحيرتك في أمر الزواج منها وعدم اقتناعك بمواصفاتها الجمالية.. فما أكدناه مرارا وتكرارا أن عليك بداية أن تحدد المواصفات التي تريدها في شريكة حياتك والتي لا يمكنك الاستغناء عنها (المواصفات الشكلية والخلقية)... واضعا في اعتبارك أن الكمال لله وحده وكما أنك لا تخلو من العيوب... وعروسك سوف تتحمل عيوبك.... فعليك أنت أيضا أن تتقبل عيوبها، ويفضل أن تتم حسم أمورك وأنت بعيد عن ابنة عمك... قلل قدر المستطاع من زيارتك لها، وانظر بداخل نفسك لتتعرف بالضبط على ما تريده من ميزات وما لا تستطيع تحمله من عيوب... وانظر لابنة عمك بموضوعية شديدة، واكتب ميزاتها وعيوبها... ثم قارن بين القائمة التي وضعت فيها ما تريده أنت وما يتوافر في ابنة عمك... واتخذ قرارك بناءً على هذه المقارنة.
ولكن قبل أن تتخذ قرارك أحب أن أناقش معك قضيتين على جانب كبير من الأهمية... القضية الأولى هي قضية الحب والفارق بين منطق الحب ومنطق الزواج، فمشكلة كل شبابنا تبدأ بضغط إعلامي رهيب بكل صورة ووسيلة (أفلام ومسلسلات وفيديو كليب.... إلخ) بحيث يترسخ في أذهاننا صورة للحب... صورة وهمية إلى حد كبير... صورة للحب الذي يتحدى المستحيل والحبيب الذي لا يستغني عن حبيبه... ومع كلمة النهاية يتزوج المحبون...
ولكن هل الحب الكبير الذي بينهم حقق لهم السعادة؟!! كيف تعامل المحبان مع مشاكل الحياة؟ هل استمر الحب أم أنه قتل على أيدي من تصوروا أن حياتهم فيه؟ وهل استمر الحب على نفس صورته وهيئته التي تصورها العاشقان حبا مشتعلا ومتوهجا... أم تحول بمرور الزمن إلى حب هادئ عاقل ومتزن... وهو ما يمكن أن نطلق عليه الحب الحقيقي... سماه الله سبحانه "مودة ورحمة يؤديان إلى السكن"، هذا إذا بدأ الأمر بحب مشتعل وهاج.
ولكن وسائل الإعلام لا تحدثنا عن نوع آخر من الحب... وهو الحب الذي يبدأ هادئا.. ويتسلل إلى القلوب برقة ولطف.. الحب الذي يبدأ كبذرة صغيرة يتعهدها الطرفان بالرعاية والاهتمام... حتى تنمو وتصبح شجرة باسقة وارفة الظلال، وعندما يتحول الحب -أيا كانت بدايته- إلى هذا الحب الهادئ العميق والراسخ.. تضيع التفاصيل الشكلية ليحل محلها الاهتمام بالجوهر... بجمال العلاقة ودفئها وحميميتها على كل المستويات الروحية والنفسية والجسدية والعقلية.... في هذه العلاقة الرائعة الدافئة يذوب المحب في محبوبه.. كأنهما أصبحا روحا واحدة في جسدين... يتفانى كل منهما في إسعاد الآخر.... ويحدث الاندماج والالتحام على كل المستويات الروحية والنفسية والعقلية.. وهذا هو الحب (أو المودة والرحمة) الذي يحقق الرضا والنجاح في الحياة الزوجية ويتيح لكلا الزوجين أن يسكن كل منه إلى الآخر..
وما أردت أن أقوله إن المشاعر الملتهبة المتقدة لا تستمر بعد الزواج.. وإننا عندما نتزوج لا بد أن نختار الأنسب لنا مع توافر الحد الأدنى من القبول العاطفي.
والأمر الآخر الذي أحب أن أناقشه معك هو قصة مواصفات الجمال... فالعولمة الرأسمالية الغربية تضع معايير محددة لكل شيء في حياتنا.. وتريد أن تصبح هذه المعايير مقاييس عالمية يعتمدها ويستخدمها جميع البشر في كل المجتمعات وبغض النظر عن الاختلافات والسياقات الثقافية.. يريدون أن يصنعوا لنا مسطرة أو ميزانا نقيس عليه كل أمور حياتنا.. ولا يخفى عليك أنه لو صلح هذا الأمر مع الأمتار والجرامات.. فإنه لا يصلح في أمور أخرى كثيرة تتداخل وتتحكم فيها العوامل الثقافية والاختلافات بين البشر... ولكنهم مع ذلك مصرون ويلحون بكل وسيلة وسبيل حتى صنعوا لنا نموذجا للجمال له معايير محددة سلفا، وكأننا كائنات مصنعة بواسطة الآلات.... وللأسف فقد خدعنا بهذا النموذج وصرنا نلهث وراءه رجالا ونساء.... والرابح الوحيد هو أظافر وأنياب هذا النظام العولمي الرأسمالي.... الرابح الوحيد هو شركات التجميل وصناع نظم الرجيم وأغذيته وأدويته.... ونحن الخاسرون دوما في هذا الصراع.... نخسر أموالنا وأجسادنا ونخسر سلامنا النفسي والاجتماعي ولا نشعر بالرضا أبدا لأننا دوما نريد لأنفسنا الأفضل كما رسموه لنا.
ابني الكريم:
أتمنى أن أكون قد أجبت على تساؤلاتك.. وأرجو أن تكف عن التردد وتحسم أمورك وتستقر.. فإما أن تتم زواجك من ابنة عمك أو تتركها... ولا تنسَ استخارة المولى عز وجل فهو سبحانه الأعلم بما يصلح لنا، ويصلحنا ودعواتنا أن يقيك الله شر هذا التردد، وأن يرزقك بالزوجة الصالحة التي تعينك على طاعته ونحن معك.... فتابعنا بالتطورات.