السلام عليكم
عندي وسواس قهري منذ أكثر من عشرين عاما، المشكلة تكمن في أخذ لقاح كورونا لأنه إجباري للمعلمين في بلدي، أتخيل سيناريوهات مرعبة بعد أخذ اللقاح، لا أستطيع إبعادها عن دماغي، ولو تشجعت أرجع مرة أخرى للوساوس.
أرجو أن تساعدوني.
ولكم كل الشكر
24/11/2021
رد المستشار
شكراً على مراسلتك الموقع.
التطعيم ضد فيروس كورونا مسؤولية إنسانية بحتة ليس لحماية الإنسان الذي يتم تطعيمه من فيروس فتاك وإنما حماية الآخرين منه إذا كان يحمل الفيروس وينقله بدون ظهور أعراض الإصابة بالفيروس نفسه.
يستلم الإنسان ما يقارب ١٦ لقاحاً منذ الطفولة حتى وصوله عمر الرشد. بعد ذلك هناك لقاحات أخرى مع التقدم في العمر مثل أنفلونزا ولقاح المكورات الرئوية. لم تم مقارنة سلامة جميع اللقاحات من الصغر إلى الكبر فسنلاحظ بأن لقاح كورونا خضع لتجارب علمية مختبرية عالية الجودة. يضاف إلى ذلك بأن البلايين من البشر تم تطعيمهم٬ واحتمال الإصابة بأعراض جانبية بسبب اللقاح يكاد يقترب من الصفر إحصائيا. بعبارة أخرى احتمال أن تدحس الإنسان سيارة نقل وتقضي عليه أكثر من احتمال إصابته بأعراض جانبية بسبب اللقاح إحصائيا.
نظرة عامة إلى التطعيم ضد كورونا
سلاح الإنسان ضد فيروس كورونا هو المناعة. هذه المناعة يتم تحصينها عن طريق التطعيم ضد الفيروس٬ وإلى اليوم أكثر من ٢ بليون نسمة استلموا جرعة واحدة على الأقل من اللقاح. مقابل ذلك يستهدف الفيروس تطوير نفسه قدر المستطاع للبقاء عن طريق ما يلي:
١- زيادة الأعداء: ويعني ذلك سهولة انتقال العدوى من إنسان إلى آخر.
٢- ارتفاع الفوعة Virulence ويعني مقدار حدة الفيروس وخبثه.
٣- التملص من جهاز المناعة.
آلية الفيروس في حربه ضد الإنسان هو تغيير المستضد على سطحه الذي بواسطته يلتصق بالخلية البشرية٬ والذي نعرفه الآن بالمستضد السفاة Spike والذي هو أشبه بالمسمار. من جهة أخرى سلاح الإنسان عن طريق التطعيم هو إنتاج مضادات Antibodies ضد مستضد السفاة لمنع دخول الفيروس.
آلية التطور في الفيروس لتغيير مستضد السفاة أشبه بهربه من ضاحية إلى أخرى في نفس المدينة لتجنب دفاعات الإنسان. جمع مضادات الإنسان إلى تستند على مضادات ضد السفاة من الفيروس الصيني الأصلي٬ وما عمله الفيروس إلى الآن إنتاج سلالات جديدة عن طريق تغييرات بسيطة في هذه المنطقة لمراوغة مضادات الجسم وتسهيل انتقاله من إنسان إلى آخر وربما كذلك زيادة خبثه. رغم ذلك إلى الآن فشل الفيروس في التملص من جهاز المناعة.
سلالة بيتا من جنوب أفريقيا أكثر السلالات ابتعاداً من السلالة الأصلية وأكثرها مقاومة٬ ولكن اندثرت تقريبا مع سيطرة سلالة ديلتا عالمياً وهي أسهل انتشاراً ولكن فشلت في التملص من جهاز المناعة.
الفيروس لا يزال يسرح ويمرح في العالم وقد ينتج سلالة جديدة بدلا من ديلتا. في نفس الوقت تطعيم الناس ومنع انتشاره جزئياً لا يعطيه الفرصة لإنتاج سلالة جديدة بعيدة جداً عن الأصلية. إذا حدث الأخير فسيبتلي العالم مجدداً بجائحة أشدة صرامة من الأولى ومن هنا تدرك أهمية التطعيم.
رواية الخثار مع التطعيم
هذه الرواية هي المصدر الأول لقلق الناس من التطعيم. رواية الخثار ظهرت أول مرة في النرويج وبالأحرى تم الإعلان عنها هناك. هناك جلطات دوية خطيرة يصاحبها انخفاض في عدد الصفائح والصفيحات Platelets الدموية. هذه الجلطات ظهرت مع لقاح Astra Zeneca ولقاح Johnson & Johnson. كلاهما يحتوي على فيروس غدي معدل Modified Adenovirus. استلم لقاح Astra Zeneca والذي يُعرف الآن باسم Vaxzevria أكثر من خمسين مليون مواطن في أروبا وكان عدد إصابات الجلطة ٢٢٢ فقط٬ ولكن ٣٠ منهم لقوا حتفهم. الأرقام لا تؤكد وجود علاقة مباشرة بين اللقاح وبين الجلطة٬ ولكن الرأي العام والإعلام هذه الأيام دفع وكالة الأدوية الأوربية المعروفة EMA بالتصريح وجود ارتباط سببي محتمل بين متلازمة الجلطة واللقاح ولكن في نفس الوقت شجعت الجهات الصحية الاستمرار في حملة التلقيح. رغم توصيات وكالة الأدوية الأوربية فإن العديد من البلدان قيدت استعمال اللقاح إلى كبار السن والبعض لا يوصي باستعماله في عمر دون ٣٠ عاماً.
بعد الإعلان الأوربي في ٧ نيسان ظهر الإعلان الأمريكي في يوم ١٣ نيسان الذي أشار إلى ٦ حالات فقط وضحية واحدة فقط من ما يقارب ٧ ملايين استلموا لقاح جونسن وجونسن المشابه. هذه الملاحظة دفعت الشركة إلى تأخير توزيع اللقاح في أوربا. اللقاحان أعلاه لا يختلفان تكنولوجياً عن اللقاح الروسي المعروف ب Sputnik V واللقاح الصيني المعروف ب CanSino Biologics وكلاهما يعتمد كذلك على استعمال فيروس غدي. يفسر البعض عدم التقاط الحالات في المناطق التي استعملت اللقاح الروسي والصيني ربما بسبب عدم وجود نظام لتسجيل الأعراض الجانبية كما هوالحال في أوربا وأمريكا.
التفسير العلمي
هناك حقيقة لا تقبل الشك وهي أن فائدة التلقيح تفوق المخاطر ونسبة الإصابات بالخثار الدموي لا يزيد على واحد في نصف مليون. اللقاحان أعلاه سهلة التخزين وزهيدة الثمن.
لغز الخثار الدموي يشبه إلى حد ما يحدث مع استعمال عقار هيبارين المضاد للتخثر وتسمى بمتلازمة نقص الصفيحات الناجم عن الهيبارين Heparin Induced Thrombocytopenia HIT وهي متلازمة لا تخفى على أي طالب يدرس الطب. يتم تحفيز جهاز المناعة لإنتاج أجساماً مضادة لمركب هيبارين /بروتين عامل الصفيحات المعروف Platelet Factor 4 PF4. ذلك بدوره يؤدي إلى انخفاض عدد الصفيحات وتحفيز الصفيحات لإنتاج الجلطات. مصدر التفسير الأخير العثور على أجسام مضادة لـ PF4 في الضحايا. الفرضيات التي تبعت ذلك لتفسير الظاهرة هي كالآتي:
١- كل جرعة لقاح تحتوي على ما يقارب ٥٠ بليون جسيم فيروسي والتي قد تتفكك وينتج عن ذلك إطلاق الحمض النووي DNA لمشحون سلباً. عامل PF4 مشحون موجباً ومن جراء ذلك يحدث إرتباط مع جسيمات الفيروس الغدي المشحون إيجابا وينتج مركباً يحفز جهاز مناعة في حالة إنذار قصوى لإنتاج أجسام مضادة تؤدي إلى انخفاض الصفيحات وبالتالي التخثر.
٢- الكثير من الناس لديها أجسام مضادة ضد PF4 ولكن يتم السيطرة عليها من خلال آلية التحمل المحيطيPeripheral Tolerance. الآلية الأخيرة تتعطل في البعض بسبب التلقيح.
هناك أيضاً من يقول بأن جرعة اللقاح ربما عالية وتفسر قوة رد فعل جهاز المناعة بعد التلقيح وربما يمكن تجاوز هذا العرض الجانبي مع خفض جرعة لقاح يحتوي على فيروس غدي إلى النصف.
لو استعملنا المنطق وعلوم الرياضيات كما هو المعروف مع العقل البشري فإن احتمال حدوث العرض الجانبي أعلاه أقل بكثير من أعراض جانبية لعقاقير عدة وحادث سير قاتل. تم تلقيح البشر بالبلايين وفائدة التلقيح تفوق عدم التلقيح بأضعاف بصورة مباشرة وغير مباشرة. كذلك لا يوجد دليل قاطع على أن حوادث التخثر مرتبطة باللقاح أصلاً.
خرافات حول التلقيح
الخرافة الكبرى هي أن التطعيم غايته التأثير على خصوبة النساء وبالتالي الحد من التكاثر. هذه الخرافة كثيرة الانتشار في العالم العربي ومصدرها بعض أشباه المتعلمين من الأطباء و"العلماء" الذين هم أكثر جهلاً من الإنسان لا يقرأ ولا يكتب.
الخرافة الثانية هو أن التطعيم ورواية كورونا غايته تقييد حريات البشر. هذا الغلو مصدره اليمين واليسار المترف على حد سواء في العالم الغربي وهذا ما نلاحظه في النمسا وألمانيا هذه الأيام.
أما حجة الوسواس فهي بصراحة تصريح نرجسي بحت من قبل البعض الذين لا يهمهم سوى عافيتهم وينصلون من المسؤولية فلا تكون منهم.
إن شرعت الأردن التطعيم الإجباري فذلك أمر يستحق التقدير وهذا ما يحدث في الغرب الآن وسيتم تعميمه خلال بضعة أشهر. لا يكفي جرعة واحدة ولا بد من ثلاثة.
استلم اللقاح ولا تتحجج بالوسواس فليس هناك من لا يشعر ببعض القلق مع استلام أي دواء ولقاح.