بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بداية أود أن أشكركم من كل قلبي على جهودكم التي تبذلونها سعيا منكم لمساعدتنا جميعا؛ فجزاكم الله خيرا، ومبارك لكم ثقة كل من كتب إليكم وأباح لكم أنتم فقط بأسراره، وها أنا الآن أنضم إليهم، المشكلة لا تخصني وحدي بل كل أسرتي وعلى رأسهم أبي الغالي. أبي سامحني أرجوك إنني ما عدت أحتمل هذا الوضع الذي نحن فيه، واعذر جرأتي للحديث عنك بهذه الطريقة القاسية ولكن –والله- ما هو إلا حب لك.
إن ما سأحكيه الآن يخرج عن نطاق أسرتي ولأول مرة، فلقد تعلمنا أن نحبس أسرارنا وآلامنا في صدورنا وألا نبوح بها، ولكن ثقة فيكم وحبا لأسرتي وخوفا عليها من التفكك. إن ما شدني أكثر لطلب المشورة هي حادثة طلاق نادرة بين زوجين دام زواجهما ما يزيد على 40 سنة. لقد هزتني هذه الحادثة وجعلتني لا أستبعد أن يحدث الشيء نفسه لزوجين منذ 25 سنة, هما والداي.
كل مرة يعود فيها والدي من سفره أحسب أن الأمور ستتجه للأحسن ولكن للأسف فهي تتجه للأسوأ. والدي في الخامسة والأربعين من العمر، عاش يتيما منذ أن كان في الثامنة من عمره بعد أن قضى الوباء على أبويه وأخيه. عاش مع خاله وأسرته الكبيرة، أُجبر على العمل وحرم من حقه في أن يعيش كباقي الأطفال وحرم حتى من التعليم، واستمر في العمل عند أسر أخرى أيضا منها أسرة أمي حتى قدر الله له السفر إلى الخليج فتحسن وضعه المادي ثم عاد وتزوجها، ثم ترك العمل هناك بعد الحرب إلى إحدى الدول الأجنبية.
لوالدي ماض مؤلم وحزين لا يحكي عنه أحد إلا وتدمع عيناي؛ فالجميع يعرف من أبي وكيف كان في السابق ويبدون إعجابهم بصبره على قسوة الحياة. وضعنا الاقتصادي الحالي جيد جدا ويوفر والدي لنا كل ما نريد ولا أذكر أنه رفض لأحدنا طلبا أبدا ومع ذلك فهو قاس جدا في تعامله مع الأخطاء وخصوصا الدراسية منها مهما كانت بسيطة ويتعامل معها بأسلوب واحد ألا وهو الضرب... (وليس أي ضرب)، والمشكلة أن عقاب المخطئ ينال الجميع، وهذا ما دفعنا لأن نخفي عنه الكثير من الأخطاء فيما بيننا حتى الرسوب المتكرر لأخي الذي يصغرني بعامين.
ولقد بدأنا الآن نشعر بفداحة ما قمنا به فهذا الأخ بدأ ينحدر في مهاوي الانحراف وأبي لا يعرف عنه شيئا غير أنه فاشل في دراسته، كثيرا ما أرى أمي تبكي لهذا وتقول بأنها تشعر كأنها تخون والدي في إخفائها لأمر ذلك الولد الضال ولو عرف والدي بمصيبة واحدة من مصائبه ما أرى إلا أن سيف الطلاق سيقطع كل أوصال أسرتنا؛ لأنه سيتأكد حينها بأن أمي لا تصلح بأن تكون أم مربية.
وقلت سيتأكد لأنه في المرتين الأخيرتين عندما كان معنا كان يكلمني عن أمي بكلام مؤذ ويصرح في أكثر من مرة بعدم رغبته فيها وما صبره عليها إلا من أجلنا، وفوجئت بأن أخي الأكبر قد قيل له نفس الكلام، وصعقت حين تحدثت أمي عن نفس المشاعر تجاه والدي رغم عدم علمها بما قال. حين يكون والدي بيننا أشعر بأنه كالغريب فلا يكلمنا ولا نكلمه إلا قليلاً وبطريقة جافة، يعتزل الناس ويكره مجالسهم ولا يحب أن يزور أو يزار ولا يخرج من البيت إلا نادرًا وخروجنا نحن أيضًا معه للنزهة نادر جدا جدا.
وبالنسبة لأفراد أسرتي فأختي الكبرى متزوجة وتعيش حياة مستقرة في بيت مستقل، كما تزوج أخي الأكبر وسافر لنفس البلد الذي يعمل فيه أبي للدراسة والعمل أيضا، أنا واثنان من إخوتي متفوقون في دراستنا ولا نسبب المشاكل، أخي الأصغر في الرابعة من عمره سافر والدي في المرة الأخيرة وهو في عامه الأول أنا أخاف عليه من الضرب لأنه كثير الحركة ومرح جدا ويعبث بكل ما يقع تحت يده وهذا أكثر ما يضايق والدي. وأما رأس المشاكل يكفي ما قد قيل عنه بأن يمكن أن تكون النهاية على يديه.
لا أخفيكم بأني كثيرا ما أشعر بالشفقة والحزن من أجل والدي الذي يعود من سفره منهكا ويود أن يرتاح ولا يلقى ما كان يأمل، ولا أنكر بأن لنا نحن أيضا يدًا في وضعنا الحالي. دائما أدعو الله أن يهدي والدي وأن يتغير، ولكن أعود فأتساءل هل من الممكن أن يتغير؟
وهل يجب عليه أن يتغير هو وحده لتحل المشكلة أم نحن أيضا يجب أن نتغير؟
أشيروا علي وجزاكم الله خيرًا.
27/11/2021
رد المستشار
صديقتي
للأسف التفكك الذي تخافين من حدوثه في أسرتك هو في الحقيقة قائم ونتائجه واضحة بالرغم من التماسك في الشكل الخارجي السطحي.. مشاعر والديك نحو بعضهما البعض ليست جيدة وأبوك كالغريب عندما يرجع من سفره وتخفون عنه ما يغضبه.. ليس هذا بتماسك عائلي على الإطلاق.
على أي حال، المهم الآن هو محاولة إنقاذ أخيك الذي إنحدر.. إن قدرتم على مساعدته بدون علم أبيك فلا بأس ولكن قد يكون إنحداره أصلا بسبب عدم وجود أبيه وجودا حقيقيا فاعلا إيجابيا في حياته، هومختلف عنكم مع أنه في نفس البيت ومن نفس الأب والأم، الناس مختلفون، التوائم مختلفون.. قد يكون إنحداره بسبب التماسك الظاهري للأسرة والتفكك الحقيقي الخفي لها وغضبه وإعتراضه على هذا ويأسه من أن يكون للحياة معنى.
من الممكن أن يتغير أبوك ولكن هذا يستدعي أن يريد هو أن يتغير... قد تأتي هذه الإرادة من فهم جديد للأمور ومن رغبة داخلة لتغيير الأمور وإقتناعه بفكرة أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم من أفكار وأفعال.. أخوك أيضا يجب أن يغير من أفكاره وأفعاله حتى يتغير حاله.. في كلتا الحالتين يجب الوقوف على أسباب حقيقية (وليست ظاهرية) للأسلوب الحالي وإيجاد طريقة صحية للتعامل معها.
من اللازم أن يتغير الجميع.. من اللازم أن يعرف الجميع أنهم مشتركون فيما حدث وما يحدث، سواء كان إشتراكا مباشرا فعليا وإشتراكا سلبيا بعدم الفعل والمواجهة والمصارحة. أبوك يستخدم الضرب المبرح والخوف من الضرب لكي تسير الأمور كما يريد، يجب أن يعلم أن هذا غير مجدي، على الاقل في حالة أخيك.
أخوك يستخدم تدمير نفسه للتعبير عن غضبه نحو أبيك والحياة عموما والتمرد عليه وعلى ما لا يتفهمه في الحياة.
الحل هنا والأمل في الحل يكمن في أن يتجنب الجميع أي نوع من اللوم والعقاب والانتقام وحتى الانتقاد يجب تضافر جهودكم لإنقاذ أخيك.. هذا يعني أن يعلم والدك ما حدث ويحدث وأن تتعاونوا جميعا لمساعدة أخيك.. انحراف أخيك وانحداره هما أعراض المرض ولكن المرض الحقيقي هو في تعاطي الأسرة ككل مع أمور الحياة ومع بعضهم البعض.
أنصحك بعرض أخيك على معالج نفساني للوقوف على أسباب أسلوبه في الحياة وتصحيحها.. من اللازم أيضا أن يتحدث المعالج النفساني مع بقية أفراد العائلة الذين سوف يتعاملون مباشرة مع أخيك ومن يقطنون معه إلى جانب الأب.
وفقك الله وإيانا لما فيه الخير والصواب