أهلا بكم
أنا فتاة أبلغ من العمر 28 عاما عندما ألقي بنظري للوراء قبل سنتين بالتحديد أجدني فتاة أخرى مختلفة بكل المقاييس بسيطة مرحة وأحمل قدرا من الثقة التي تلاشت مع الأيام، كنت إن صح التعبير أعيش في عالمي الوردي وحدي متفائلة جدا ولا أعلم أن الحياة ستكون صعبة ومؤلمة لهذا الحد؛ فقد تربيت تربية بسيطة في الأفكار والنشأة في عائلة محافظة وعلى قدر عال من الثقافة ورغم هذا فقد زرعوا بداخلي قدرا هائلا من الخوف والتردد الذي سأدفع ثمنه طول العمر.
الآن في هذه الفترة بالذات أجدني في مفترق الطريق، ليس لدي القدرة على المواصلة، وأجبن من العودة خطوة للخلف.
إنني في بحث دائم عن الحب الذي أوهمت نفسي به عندما قابلت خطيبي، لكن الحقيقة التي أقف عندها اليوم أنني لا أحبه ولا أجد الجرأة لقولها، بل بالعكس أجدني أقولها وأكررها وأمثل الحب بطريقة بارعة.
إنني بقدر ما أعطيه حبا أجدني أمقت نفسي وأكرهها وأتمنى أن أنتشل هذه النفس الكاذبة من داخلي وأجدني أتساءل: هل هذه هي حقيقتي؟ هل أنا إنسانة كاذبة مخادعة وإن صح التعبير منافقة؟
سأبدأ مشكلتي أو سردي لما أنا فيه.. أنهيت تعليمي العالي في مجال الحاسوب الذي نسيته ورميته ورائي واشتغلت في مجال السكرتارية بحجة أن وظيفتي في مكان مرموق ولكن الحقيقة كنت أهرب من مجال لا أحبه إلى شيء بسيط وسهل.
شكلي فوق المقبول فكل من يراني يجدني جذابة وفاتنة، جاذبيتي تنبع من حديثي المحبب وروحي المرحة المحبة للناس وأنوثتي الواضحة. أما شكليا فأحمل قسمات عادية ولكن لدي جسد جذاب.. هذا الجسد الذي ضايقني وسبب لي آلاما وأنا أرى النظرات تخترقني من كل الرجال على الرغم من أنني محجبة ومحتشمة في مظهري، فكنت أتضايق من نفسي عندما أرى تأثيري على الرجال، وعشت فترات عصيبة وأنا أسخط على نفسي وعلى هذا الجسد وعلى أنوثتي وحتى طريقتي في المشي، حاولت تغييرها لجعلها مثل مشية الجندي.. إلى أن أيقنت أن المشكلة ليست في كوني أنثى ولكن فيمن يتعطشون لهذه الأنوثة.
بدأت العمل في هذه المؤسسة المرموقة كنت فتاة بسيطة طيبة متساهلة مع الجميع.. وكانت إدارتي صغيرة وأفرادها على عدد الأصابع.. كنت متحمسة لهذا الجو الجديد ولزملائي الجدد الذين كان من بينهم زميل لي وكان متزوجا منذ سنتين ولديه ولد، مخلص ومتفان في عمله إلى حد لا يصدق، واثق بنفسه على أبعد حد.. أعجبتني صفاته فكنت أجدني أمام شخص يحمل صفات كنت أتمناها في زوج المستقبل، كنت أحسد زوجته على حبه لها وإخلاصه وأدعو الله بأن يرزقني زوجا مثله.
كان أكثر ما يزيدني حيرة واضطرابا نظراته التي كانت تلاحقني دائما وتلاحق كل جزء مني، كان هناك انجذاب ولكنني كنت أرفض أن أصدق هذا، فهو إنسان مخلص لزوجته وعائلته، مع مرور الأيام تطورت مشاعره فكنت فرحة جدا بهذه المشاعر، وفي بعض الأحيان مشاعره هذه كانت تشعرني بالخوف من المستقبل ومن الزواج أكثر فهو الرجل المثالي المحب لزوجته والذي كانت بينهما علاقة حب كبيرة قبل الزواج ينجذب إلى امرأة أخرى ويفكر في غيرها.. فمشاعره هذه سببت لي اضطرابا وتشويشا كبيرا، فأنا كما ذكرت كنت بسيطة جدا ولم تكن لدي الخبرة الكافية بالحياة.. وسببت لي صراعا مع نفسي، فتارة ألوم نفسي وألوم مشاعري علما بأن مشاعرنا هذه لم يفصح بها أحد منا ولم تتجاوز حد الإعجاب.
وفي غمرة هذه المشاعر التي انتابتنا وبدأت ظاهرة للجميع.. أجدني أتعرف على خطيبي الحالي الذي ظل يلاحقني فترة طويلة قبل أن أوافق على الحديث معه؛ فإصراره هو الذي جعلني أفتح له المجال، ففي البداية لم أقتنع به لأنني لم أرتح لشكله.. ولكنني أقنعت نفسي بأن الشكل أمر ثانوي والمهم هو روح الشخص وميزاته الحسنة، فكنت أصلي صلاة الاستخارة طوال فترة تعرفي عليه التي استمرت حوالي أربعة أشهر قبل أن يتقدم أهله لخطبتي، وطوال هذه الفترة وأنا في حالة قلق.. أحيانا أجدني مقتنعة به وأنني سأحبه بمرور الوقت فهو يحبني حبا شديدا، وأحيانا أجدني أنفر منه ومن شكله وأرى الاختلاف الذي بيننا، فهو مختلف عني في بعض الأفكار وذلك بسبب اختلافنا في التنشئة، حتى عائلتي لم تتفهم وضعي، فهم يجدون أن الرجل لا يعيبه شيء ما دام على خلق ودين.
وأحيانا أتمنى أن لم يوجد اليوم الذي رأيته فيه.. لكن أقنع نفسي بأن الرجل الخلوق عملة نادرة هذه الأيام، ومن أين سأجد زوجا حسب مواصفاتي فهو أفضل من غيره ومع الأيام سأتعود عليه وينمو حبه بداخلي.
لكن هيهات؛ لذلك فقد أوهمت نفسي بأنني وجدت الاختيار المناسب
وأن مشاعري تجاه زميلي المتزوج هي انجذاب فقط
6/12/2021
رد المستشار
أختي الكريمة، قصتك متشابكة الأطراف .. ومن الواضح أنك وأنت تروينها تلتقطين خيطا من الشرق وآخر من الغرب، فتارة تتحدثين عن زميلك الذي تتوهمين أنه يبادلك مشاعر الحب، وتارة تتحدثين عن خطيبك وتسوقين الأسباب المتعددة لقبولك الارتباط به، ثم تؤكدين على عدم حبك ورغبتك فيه، ويختلط كل هذا مع الكثير من المفاهيم والتصورات الخاطئة عن علاقة الرجال بالنساء وعلاقة النساء بالرجال، ولن يمكننا حل مشكلتك أو مشاكلك المتشابكة بدون تفكيكها إلى عدة مشاكل أولية.
وأول مشاكلك تتعلق بزميلك في العمل وعلاقتك به .. تقولين إن العلاقة بينكما كانت تنمو بالتدريج وتتطور من ناحيته رغم أنك تؤكدين على حبه وإخلاصه لعائلته، ثم تذكرين أن "مشاعرنا هذه لم يفصح بها أحد منا ولم تتجاوز حد الإعجاب" فكيف تأكدت من حقيقة مشاعره التي لم يفصح بها؟ ألا يمكن أن تكوني واهمة والرجل لم يفكر بك مطلقا، أو أن نظراته كانت تفصح فقط عن مجرد إعجاب بشكلك وأنوثتك، وعموما فلقد أبعد الله هذا الرجل عنك فلا تشغلي بالك به.
وتذكري أنك لم تعرفي عنه إلا الصورة الوردية التي تعرفت عليها من تعاملاتك السطحية معه من خلال العمل .. فأنت لم تعاشريه ولم تتعرفي على عيوبه ولم تغوصي في أعماقه .. فمن أدراك أنه مثالي وأنه يوافق الصورة التي رسمتها له .. أرجو أن تتأكدي من حقيقة واحدة وهي أنه لا يوجد شخص مثالي وكامل وخال من العيوب ... وأن هذا الإنسان لو قدر لك معاشرته لاكتشفت فيه عيوبا لا تتخيلينها ولا يمكنك تحملها.
أما بالنسبة لخطيبك ومسألة رفضك الداخلي له وعدم اقتناعك به حتى الآن رغم محاولاتك المستمرة للتقرب منه، ففي هذا الأمر أجد لبسا وخلطا للمفاهيم بصورة كبيرة ... فأنت لا تحبين خطيبك مع أنك تشعرين بمميزاته الكثيرة وتشعرين بمدى حبه لك، وتبررين بقاءك معه بخوفك من أن لا يقبل أحد الزواج منك أو خوفك من أن تضايقيه وتظلميه برفضك له .. وهذه مبررات واهية .. فلن تسعدي بصحبة من لا تطيقينه ولن تسعديه، وزواجك منه وأنت على هذه الحال يعتبر ظلما كبيرا لك وله .. ظلم أكبر من الظلم الواقع عليه لو تركته الآن، وقد تحدث الكارثة وتتزوجيه ثم تكتشفي أنك لا تطيقينه بعد فوات الأوان وبعد أن يقع الظلم على طرف ثالث لا ذنب له إلا أن أمه لم تدقق جيدا في اختيارها.
كلامي هذا لا يعني أن ترفضي خطيبك الآن جملة وتفصيلا .. ولكن الأمر يحتاج منك لمراجعة ووقفة مع النفس واضعة في الاعتبار أن الزواج طائر لا يطير إلا بجناحي العقل والعاطفة .. اصرفي عن ذهنك تماما الصورة المثالية التي رسمتها لزميلك، واجتهدي أن تنظري لخطيبك بعين الرضا.. فإذا شعرت بأي بادرة لتحول مشاعرك نحوه فتوكلي على الله واستخيريه وأتمي الزواج، أما إذا وجدت أن الصدود والرفض ما زال على حاله فتوكلي على ربك وأنهي هذه المسألة المعلقة ولا تعذبي نفسك وخطيبك أكثر من ذلك، وأتمنى أن تراجعي ما أوردناه في "ملف الخطبة" قبل أن تتسرعي في اتخاذ قرارك .. على ألا تقدمي على خطوة إتمام الارتباط إلا بعد التأكد من اقتناعك التام بهذه الخطوة.
أما بالنسبة لملاحظتك أنك ضعفت أمام خطيبك أو أن خطيبك يضعف ولا يستطيع غض البصر عن النساء وهي الملاحظة التي لاحظتها على زميل العمل من قبل .. فمن الضروري أن تدركي أننا بشر وأن الله سبحانه خلق في الرجال شهوة وميلا للنساء كما خلق في النساء شهوة وميلا للرجال، والله سبحانه يعلم جيدا مقدار ضغط هذه الشهوة والميل على جنس البشر ومن أجل ذلك جعل الزواج المتنفس الحلال لهذه الشهوات، ولكننا بشر .. من بني آدم .. "وكل بني آدم خطاء" .. كلنا نخطئ ونضعف أمام شهواتنا ورغباتنا.
والعاقل هو من ينشغل بعيوب نفسه ليهذبها ويقومها .. فلا تشغلي نفسك بعيوب الغير وذنوبهم، وذكري نفسك دوما أن الله لم يخلقنا ملائكة .. فالملائكة هم الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون .. أما نحن فنخطئ ونتوب .. ولقد روى أنس بن مالك رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "والذي نفس محمد بيده لو أخطأتم حتى تملأ خطاياكم ما بين السماء والأرض ثم استغفرتم الله عز وجل لغفر لكم، والذي نفس محمد بيده لو لم تخطئوا لجاء الله عز وجل بقوم يخطئون ثم يستغفرون الله فيغفر لهم"، ولو لم نخطئ لما احتجنا للعفو الغفور سبحانه وتعالى.
خلاصة القول يا حبيبتي أنك تحتاجين مراجعة الكثير من أفكارك وتصوراتك عن الحياة .. فكوني معنا وتابعينا .. مع دعواتنا أن يقدر الله لك الخير حيث كان وأن يرزقك الرضا به.