أرجو المساعدة
مشكلتي هي أني أحببت رجلاً حبًا كبيرًا فقد كان حنونًا وعاطفيًا يهتم بي وبمشاكلي؛ فتعلقت به حيث أني فقدت الحنان منذ صغري، ذلك لأن أبي وأمي لم يهتما بي ولم يعطيا طفولتي حقها، لا أعرف لماذا؟ حيث إنهما إلى الآن لا يهتمان بي؛ فتحملت المسؤولية وأنا صغيرة وكنت دائمًا محتاجة إلى من يهتم بي ويعطيني من الحب والحنان.
وعندما وجدت هذا الرجل فقد أدركت أني وجدت ما كنت أبحث عنه طوال حياتي: الحب، والحنان، والرعاية، والاهتمام. ولكن فجأة تبدد كل ذلك في لحظة فقد تركني بدون أي سبب، وعندما طلبت منه أن يوضح لي الأمر، قال: إنه لا يستطيع أن يؤذيني أكثر بكذبه، فهو يحب المتعة، وأنا لست من ذلك النوع، وأنه يحترمني لمشاعري الصادقة البريئة التي لا يستحقها؛ كان كلامه صدمة كبيرة عليّ، لقد ضاع أملي فمرضت، واشتد عليّ ألم في رأسي وكرهت كل شيء واعتزلت الناس وفقدت الأمل في كل شيء.
وأنا في حالتي هذه خطبني أحد أقاربي وبضغط من أمي وأبي وافقت، ولكنني بعد فترة بدأت أتجاهل خطيبي وأبتعد عنه حتى أني أصبحت أكرهه، وأحيانا ألوم نفسي على ما أفعله به، فهو يحبني وقد طلبت من أمي أن تقول لأبي: أني لا أحبه وأريد أن أبتعد عنه، ولكنه يرفض، وهو لا يعلم أنه برفضه هذا يحطمني؛ لأني أصبحت عدائية معه.
أيها السادة، أعرف أني قد أطلت عليكم، ولكني أعرف أن قلوبكم كبيرة، وأنكم سوف تتفهمون الأمر؛ لأنني أحتاج إلى من أتكلم معه ويفهمني وينصحني، ولم أجد سواكم ذا حكمة ورأي سديد. مشكلتي هي أني أصبحت لا أثق في أي رجل حتى أنني أحيانا أقع في مشاكل مع أبي و أنا لا أحب ذلك.
أنتظر ردكم الذي أنا بحاجة إليه،
ولكم مني جزيل الشكر والتقدير، والسلام.
7/12/2021
رد المستشار
الأخت الكريمة، نرجو أن نكون لثقتك أهلاً.. وقبل أن نتحدث عن مشاعرك الحالية، وموقفك من خطيبك، لا بد أن نتفهم معًا جذور وأسباب هذا الموقف النفسي المحبط من الحياة والرجال. وأنتهز فرصة قصتك لأتعرض إلى أحد الالتباسات الشهيرة الشائعة في حياتنا العاطفية والاجتماعية، حين يحدث اختلاط خطير بين ما يمكن وصفه بالحب العاطفي والاحتياج النفسي.
أنت يا أختي، تشعرين بإهمال لك، وهذا الإهمال له أكثر من حل، وأكثر من تعويض. فمن الناس من يطلب الاهتمام أو التعويض في صداقة، أو في الانتماء إلى مجموعة ذات اهتمام ما أيدلوجي أو ثقافي، ومنهم من يبحث عن هذا التعويض عند أساتذته أو معلمته.. إلخ.
والإنسان دائمًا يحتاج إلى من يلقي عليه بعض الأعباء، ويتبادل معه المشاعر، ويلجأ إليه أحيانًا طالبًا للنصح أو الدعم أو مجرد الإيناس، ويكون النموذج الأمثل لهذا شخص أكبر سنًا، وقد يكون هذا الأكبر سنًا محتاجًا إلى بعض براءة الشباب وصدقه؛ فيحدث هذا الاتفاق الضمني الذي يعترف بالاحتياج المتبادل، ولكن الأمور قد تختلط، وتكاد تتلاشى الحدود بين الحب العاطفي ـ كما أسلفت ـ وذلك الاحتياج المتبادل.
وفي الغالب فإن الأكبر سنًا يدرك هذا الخلط أسرع، وتتنوع ردود الفعل عند ذلك، فمن الناس من يحترم هذه المشاعر، ويتعامل معها بحكمة حتى تتضح حقيقة هذه المشاعر للطرفين، أو يكتشف الأصغر أن هذا لم يكن حبًا بالمعنى الدقيق للكلمة، رغم ما يجلبه من رضا وسعادة، وتلبية بحاجات نفسية أساسية، ومن الناس من يستغل هذا الوضع في التغرير بالأصغر، وإيقاعه في المحظور دينًا أو عرفًا، وصنف آخر يؤثر التوقف على ما فيه من آلام طلبًا للسلامة، ومنعًا للتورط، فيما لا تحمد عقباه.
وينبغي أن تحمدي للرجل أنه آثر سلامتك على متعته، وأوقف العلاقة رغم الاحتياج لها على النحو الذي وصفت لك، ولقد كان تفسيره لموقفه واضحًا وصريحًا، فمن الواضح أن تتويج علاقتكما بالزواج أمر يقترب من الاستحالة "طبقًا لحساباته على الأقل"، وهو أدرى بظروفه في هذه الجزئية؛ ولذلك أوقف العلاقة حتى لا تتوغلا أكثر، ويحدث ما تندمان عليه، فلماذا تشعرين بالأسى والحزن وقد أوقف الرجل ـ بفضل الله ـ مسار الخطأ؟!
لقد مررت بتجربة سيكون لها آثارها على إنضاجك ومعرفتك بالحياة والمشاعر، وحدث هذا دون دفع أي ثمن باهظ كما فهمت من رسالتك، فهل يدعو هذا إلى الإحباط، وقد عافاك الله من كوارث تقع يوميًا باسم مثل هذا النوع من العواطف؟! وهل توقف هذا الرجل ـ الذي آثر سلامتك على رغباته ـ يدعو إلى الثقة بالرجال أم الشك فيهم، والخوف منهم؟ وقد كنت بين يديه، وطوع بنانه فخاف الله فيك وتراجع بعد إقدام، وتركك دون خدش حرصًا عليك، وعلى ما كان بينكما.
ماذا يمكن أن نتعلم من هذه التجربة؟! هذا هو السؤال الذي ينبغي أن تطرحيه على نفسك، ولا أراك تفعلين!!
فإذا أردت أن نتشارك في محاولة الإجابة أقول لك:
إن الحب الحقيقي هو أمر جليل وفطري، وهو ليس عارًا ولا دنسًا طالما كان في إطاره ومساره الشرعي الذي يستهدف الارتباط، وينتهي إليه، ولا يتضمن خدشًا للحياء أو اعتداءً على حرمات الله في النفس والمجتمع.
وهذا الحب يستحق بل ينبغي أن يعيش في النور وأمام الأهل، وبمعرفتهم، ولو جرى غير ذلك تدفع الفتاة الثمن غاليًا والأم الحكيمة هي مستودع سر ابنتها، وحين تدخل الابنة في علاقة دون معرفة أمها ـ على الأقل ـ يكون هذا خطأ متبادلاً في كثير من الأحيان، ويكون في هذا الاختيار حصادًا لجو الانقطاع وعدم الثقة، أو الاغتراب بين الأم وابنتها، وهذا مناخ ينذر بأخطار كثيرة، ومسئولية التقارب والتفاهم في علاقة الأمومة هي مسئولية مشتركة يزداد دور الابنة فيها كلما تقدمت في السن، وزادت مساحة حركتها في الحياة.
وقلنا قبل ذلك: أن غياب الأم المادي بالموت أو السفر أو الانفصال عن الوالد، أو المعنوي بضعف الاهتمام أو سقم التفكير والتدبير، أو الاستقالة من المهام الأساسية التي تترتب على الأمومة، هذا الغياب الأمومي لا يبرر بقاء الابنة بلا ركن شديد تأوي إليه، وعقل رشيد تستشيره، وقلب كبير يشاركها الأفراح والأحزان. ينبغي على الابنة هنا أن تلتمس الأم "نفسيًا" في خالتها أو عمتها أو معلمتها أو أختها الكبرى أو حتى جدتها أو جارتها أو في هؤلاء جميعًا.
إن تجارب الحياة تشبه معارك الشوارع، ومن يدخل هذه المعارك مكشوف الظهر، عاري القبضة، خاليًا من الدعم المعنوي بأنواعه ودرجاته، فإنما يضع نفسه في مهب رياح عاتية يمكن أن ترمي به في وادٍ سحيق مرة واحدة، وربما إلى الأبد.
أرجو ألا تحرمي نفسك من هذا الدعم، وأرجو أن تحاولي مع أمك ـ في هذا الصدد- مرات ومرات، وأن تبحثي عن مدد إضافي في شبكة النساء المحيطة بك، والتمسي الصالحة الحكيمة.
درس آخر، وربما أكتفي به فقد أطلت عليك، وهو عدم التسرع في إصدار الأحكام العاطفية بالحب أو الكره، وإعطاء العقل فرصة ليتكامل مع القلب في إصدار مثل هذه القرارات المصيرية؛ فالشاب الذي تقدم لك رسميًا، ويطمح إلى الزواج منك، لا يعلم شيئًا عن تجربتك، وليس مفيدًا أن يعرف بالمناسبة، ثم إن والديك ضغطا عليك لتقبليه فوافقت.
والآن تشعرين بمثل ما شعر الرجل الكبير، تشعرين بأنك خائنة لثقة هذا الشاب فيك، وخائنة لمشاعره نحوك، وأنك إنما تستجيبين في علاقتك به لضغوط الوالدين، وفي الوقت ذاته تفجرين في وجهة كل هواجسك ومخاوفك وآلام تجربتك، فهل هناك مقارنة بين من تركك، ومن أقبل عليك؟! هل هناك مقارنة بين من استسلم لفترة لنهج "الحب السري"، ومن بادر من البداية بدخول البيوت من أبوابها؟! وهل من المنطق وضع هذا وذاك في سلة واحدة تكتبين عليها: "عدم الثقة بالرجال"؟!
أحدهما تركك لصالحك، والآخر راغب فيك، فماذا تريدين من الرجال لتثقي فيهم يا أختاه؟! إياك أن تتصلي بالرجل السابق.. وحذار من ضعفك تجاهه، وأعط هذا الشاب الحالي فرصة حقيقية، ولا تقارنيه بالسابق، أخضعيه لاختبار المشاعر والحسابات العقلية، ولن تتوازن نظرتك تجاهه إلا حين تطوين صفحة التجربة السابقة تمامًا، ويحتاج هذا إلى جهد ووقت.
وأرجو أن تكوني هذه المرة أكثر موضوعية ونضجًا على خلفية الخبرة السابقة، وقد تصلين إلى أن هذا الشاب مناسب لك، قريب إلى قلبك وطبعك فلا تترددي في الاستجابة له عندئذ، وقد تصلين إلى غير ذلك فتتمسكين بالرفض، وما يلبث أهلك أن ينزلوا على رأيك، فقط راجعي نفسك، واستوعبي ما حدث، أعط الزمان فرصة واختاري متجردة من أثقال تجربة الماضي، وضغوط الأهل، وقلبي معك.