السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أشكركم على صفحتكم الممتعة والمفيدة، وجزاكم الله خيرا على كل ما تبذلونه من جهد وعطاء، وصفحتكم هذه واحتنا التي نلجأ إليها لنتعلم منها أمور ديننا ودنيانا، ونكتشف فيها خبايا أنفسنا ونتعرف فيها على مشاكل إخوتنا وأخواتنا.
كغيري من رواد الصفحة أواجه مشكلة عاطفية تتمثل في أنني تعرفت منذ سنوات الجامعة في بلادي على بنت في منتهى الأخلاق والحشمة والدين، كما أنها جميلة ورقيقة ونبيلة وكريمة، وباختصار لم تترك صفة حميدة إلا وكان لها منها نصيب، كما أنها متفوقة في دراستها ومحبوبة. لا أستطيع أن أقول إنه حدث بيننا شيء، رغم أننا كلما تبادلنا أفكارنا في أثناء دراستنا مع باقي الزملاء، ازداد تقديري لها وإعجابي بها. ولا أعرف هل تكن لي نفس الشعور؛ لأنها لا تتكلم أبدا في الأمور الخصوصية.
لم أعرف عنها سوى الخير، فهي بكل بساطة ممتازة في كل شيء. وهي ترتدي الحجاب، وتصرفاتها تتوافق مع الدين، دون أن يمنعها ذلك من أن تكون في منتهى الانفتاح بالمعنى الإيجابي، وتهتم بمشاكل الجميع وتساعد كل مَن بوسعها مساعدته، وهي طيبة جدا وتؤثر الجميع على نفسها، بل ترهق نفسها في مساعدة الجميع، وهذه سيرتها منذ عرفتها ويشهد لها الجميع بالذكاء والطيبة والكرم.
أما أنا فلست ملتزماً كثيراً، رغم أنني أحاول دائماً الحفاظ على صلاتي وهذا صعب، وأدعو أن يساعدني الله على الثبات فيها، كما أن معرفتي بالدين قليلة مقارنة بمعرفتها. ولكن رغم ذلك فأنا أيضا كنت متفوقا في دراستي، وكانت تجمعنا أحاديث شيقة يبدي فيها كل واحد منا رأيه في مسألة من المسائل، فأشعر أن تفكيري يعجبها، بقدر ما يعجبني تفكيرها.
المهم، لما أنهينا الدراسة، سافرت هي لتكمل تعليمها في الخارج. وبقيت أنا في الجزائر وعملت عدة أشهر، ثم سافرت أنا أيضا، دون أن تكون هناك أية علاقة بين قراري وقرارها بالسفر، فكنت قد قررت ذلك حتى قبل أن أعلم بسفرها. كما أنها لم تستشر أحدا من الزملاء ولم يكن أحد يعلم بمشروعها هذا حتى سمعنا بها وقد غادرت. وبمحض الصدفة، بعد عام من وجودي في أرض الغربة، ومن غير مقدمات، أجدها أمامي تمشي في شارع من الشوارع.
في البداية ظننت أنني أحلم، لكنها عرفتني بدورها فحيتني بأدب وحييتها وسألتها عن أخبارها وتبادلنا أرقام الهاتف. لم أشأ أن أزعجها بالاتصال بها، ولم تتصل بي، فكنت من حين لآخر أرسل رسالة قصيرة عبر الجوال لأسأل عن أخبارها، فتجيبني برسالة قصيرة مثلها. ولأنها كانت في الغربة قبلي، وظروفها كانت أحسن من ظروفي، تمكنت هي بسرعة من إيجاد وظيفة، رغم كونها في فرنسا التي تحقد على المسلمين والمسلمات المحجبات بشكل خاص. وأخبرتني بعملها ذلك، وساعدتني على العمل معها في نفس الوظيفة.
وفي هذه الفترة التي أتيح لي التعرف عليها عن قرب أكثر من أي وقت مضى، بقيت مكانتها في قلبي هي هي. وكنا كثيراً ما نمضي أوقاتنا معاً حتى بعد العمل، مع باقي الزملاء أيضا (ومعظمهم هي التي ساعدتهم في الحصول على الوظيفة مثلي)، فاختصاصنا واحد، وإن اختلفت جامعات كل واحد منا، كما أن الوظيفة جمعتنا، والأقدار جمعتنا أيضاً من غير ميعاد. وكنت أدرسها بعناية، وأحاول معرفة طريقة تفكيرها، والأمور التي تستثير غضبها ورضاها، مما يجعلني اليوم أجزم أنني أعرفها وأعرف طبعها جيداً، وأنها هي من أريد، فهل تريدني هي؟
ولكنها غادرت هي الوظيفة بعد أن وجدت وظيفة أحسن منها، وهكذا نقصت فرص اللقاء من غير مقدمات، رغم أنها شرحت للجميع ظروف مغادرتها للعمل، إلا أنني وكل الزملاء والزميلات وحتى رؤساء العمل نفتقدها. وتساءلت في نفسي قائلا هذه هي المرة الثانية التي تقبل فيها على تغيير دون استشارتنا مسبقا لتتركنا أمام الواقع، بالأمس رحلت من الجزائر إلى فرنسا واليوم من وظيفة إلى وظيفة، ولكني لا ألومها بل كنت سأفعل نفس الشيء لو سنحت لي الفرصة مثلها.
أنا محتار الآن، لا أدري كيف أعبر لها عن حبي، رغم أنني حاولت ذلك مرارا. فأنا أخاف أن أتجاوز حدود الأدب أو الدين، كما أنني أخشى أن أفاجئها فتخاف وتضع حدا لعلاقتنا. ولا أدري كيف أعرف هل تبادلني هي هذا الحب؛ لأنها في منتهى اللطف مع الجميع، حتى وإن شعرت أحيانا أنها معي ألطف، لكنني لست متأكدا وأخشى أن تكون مخطوبة أو محبة لشخص غيري، ولكني أستبعد ذلك لأن تصرفاتها كلها تدل على عدم ارتباطها.
فلم تتحدث أبدا عن خطيب ولم تصلها مكالمات تجعلني أشك بأمر ما، ولم يرها أحد رفقة شخص آخر من غير زملاء الدراسة والعمل ودائما في جماعات وليس أفرادا. وهناك مشكلة أخرى، هي أنني الآن في وضع مالي واجتماعي أقل من وضعها، فهي تعمل في وظيفة مرموقة بينما وظيفتي بسيطة، كما أنني أعرف أن أهلها من أحسن عائلات بلدتي، وأنا من عائلة متواضعة. ومشكلة التدين تشكل قلقا لي، لأنني أخشى أن ترفضني لأنني لست متدينا بما فيه الكفاية.
فهل أنتظر حتى تتحسن حالتي المادية، وأنهى دراستي وأستقر في وظيفة تمكنني من فتح بيت؟ هذا وقد عزمت على تغيير البلد إذا لم أجد بسرعة وظيفة في اختصاصي هنا فهل سترضى هي بتغيير البلد لأجلي؟ وكيف لي أن أتحسن من ناحية الدين؟ كما أخشى أن يكون هذا ليس صدقا مني مع الله إذ إنني أكذب على نفسي بمحاولة التدين التي في الحقيقة تخفي ربما رغبتي في استمالتها إلي.
وإذا انتظرت إلى أن أتحسن على الصعيد الديني والمادي، فما الذي يضمن لي أنها ستقبلني أو أنها لن ترتبط بشخص آخر في الأثناء؛ لأنني لم أواجهها أبدا بمشاعري نحوها، كما أنني أفضل أن أضمنها صديقة عزيزة وأختا كريمة من أن أفقدها إن تقدمت لها ورفضتني. وربما هذا ما يجعلني لا أقوى على مصارحتها. ولكن الذي يؤرقني هو كيف لي أن أعرف مشاعرها هي؟.
وهناك مشكلة أخرى بدرجة أقل، هي أنني أخشى أنني أشعر بالدونية أمامها؛ لأنها ساعدتني كثيراً وسبقتني في عدة إنجازات مثل الدراسة والتفوق، وأحلم أن يأتي يوم أساعدها أنا فيه حتى أرد لها أفضالها، كما أخشى أن تشعر هي بالفوقية لهذا السبب رغم أنني ما رأيت منها سوى التواضع والطيبة.
هذا وأنا أشكركم على مساعدتكم وأتمنى أن تدعوا لي ولها بالصلاح والتوفيق،
سواء كانت من نصيبي أم لا.
7/12/2021
رد المستشار
الأخ الكريم:
"If you love someone let him free if he comes back he is yours if he doesn't he was never!!!"
(وترجمة المثل: إذا أحببت شخصا فأعطه الحرية، فإذا عاد إليك فهو يحبك، وإن لم يكن يحبك فلن يفعل).
فكلنا ننشد الحرية ونحوم حولها طوال الوقت إلا في الحب والمشاعر؛ فالحرية تتحطم عند صخرة الأنانية وحب التملك والاحتفاظ بالحبيب حتى النفس الأخير!!! فوصفك لمحبوبتك يصرخ بأنها فتاة "لقطة" يطمع الكثير بالفوز بها ولكن تصرفاتها تقول إنه لا شيء لديها تجاهك، ونسيت أن هناك بداخلنا ترمومترا يقيس ويشعر بالفروق بين البشر تجاهنا فهو لم يعمل لديك ألم تلاحظ ذلك؟.
فأنت تنسج الخيال وتتساءل وتتساءل وتعبر عن حيرتك دون التأكد من مشاعرها وحقيقتها تجاهك!! فما دام ترمومترك لم يقس حبها ومازال متخبطا فهذا يدل على أن نقطة الانطلاق غير سليمة. ولقد حاولت أن تثبت لي أنك تعرفها جيدا ولكنني ما زلت أقول "لا لم تعرفها" فالشخصية العامة التي تتميز بجميل وحلو الخصال لن تحب بسهولة ولن تعترف بمشاعرها بسهولة ولن تسمح بأن يقترب أحد بداخلها بسهولة فحتما أنت لا تعرفها كما تتصور.
وعليك أن تفرق بين حبك لشخص وحبك لصفات وخصال جميلة في الشخص فالفرق كبير. ولكن أريد أن نتحدث عنك أنت أريدك أن تلتفت لنفسك، وأن تتحدث مع نفسك من أجل نفسك لا من أجل محبوبتك فأين أنت من هذا؟.
حيث تخشى أن يكون تدينك من أجلها فأنت تستحق أن تتقرب من الله عز وجل؛ لأنه الأفضل لك ولأن تقصيرك لن يعود إلا عليك، وأن قربك لن يعود إلا لك، ولا تشغل بالك بأن ذلك من أجلها لا من أجل الله عز وجل فقط افعل وواظب وستجد المفاجآت، نحن نتحدث عن إله يعرف ويقدر ويقبل ويعذر بل ويتودد لعباده.
وكذلك طموحك في عملك أمر جدير بالجد والاجتهاد لتكون إنسانا ناجحا راضيا عن نفسك دون الدخول في مقارنات لا تفيد، فيكفي أن تشعر أنك ناجح تحقق ما تريده لنفسك وأنك قادر على الإضافة، وبالتبعية ستتحسن أحوالك المالية، فالحياة التي نعيشها الآن لم يعد فيها مكان لمتخاذل أو كسول أو غير طموح؛ أنت تحتاج أن تهتم بنفسك أكثر لأنها غالية وتستحق الاهتمام والرعاية.
أما محبوبتك فأقترح أن تجعل دوما بابا مفتوحا بينكما لا تغلقه بالاعتراف المتهور الذي لن يتبعه إلا الكثير من التساؤلات والشكوك وعدم الاستعداد الحقيقي للزواج.
وما دمت ترضى بوجودها في حياتك ولو كصديقة ترجع إليها أفضل من فقدانها للأبد؛ فلتظل على ذلك حتى تتضح الأمور أكثر وستتضح أكثر بالفعل، واهتم بنفسك جيدا، وتذكر كذلك أننا نحتاج للحرية في الحب أيضا.