السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مشكلتي هي أنني أبلغ من العمر 29 عاما، حتى الآن تقدم لي الكثير من الشباب ولم يكن نصيب، لكن قبل سنتين تقدم لي شاب من العائلة، تعرفنا كل على الآخر، وكان قد جاء لزيارة التعرف هو وأخته وزوجها، وبعد أيام قليلة اتصل زوج أخته بأن لا نصيب؛ لأن الشاب يواجه مشاكل مع والده و"اتنسى" الأمر.
لكن الآن وبعد سنتين اتصل بي في البيت، وطلب التكلم معي، وفتح الموضوع من جديد، وطلب أن يراني ورفضت، وكان رده أنه خجول لأنه رجع بعد كل هذه الفترة ومر على هذا الاتصال 3 أشهر، وقبل أسبوعين اتصل وطلب أن يراني، وقال بأنه يعرف أن الأمر محرج، ولكنه لا يستطيع أن يقرر إلا بعد أن نلتقي ونتحدث ونقرر معا، وبعد إلحاح منه وافقت أن أراه في مكان عام رغم بُعد المسافة بين بلدي وبلدته، فقد عطل يوم عمل لأجل هذا اللقاء، وحدث هذا.
ولكن جلسنا ولم يكن أي شيء مهم من اللقاء غير أنه أراد رؤيتي، وقال: إنه لا يستطيع أن يتخذ قرارا بحجة أنه لديه مشكلة باتخاذ القرارات رغم أنه قال بأنه يرغب بالزواج مني، وبنسب أهلي الذين قد رحبوا به واحترموه!! وافترقنا على أنه سوف يقرر ويتصل بي، ولا أدري ما أفعل حتى الآن، لم يتصل رغم أنه شاب ملتزم ومحترم، وكل فتاة تتمناه، فهو يتحلى بالأخلاق العالية والهدوء والاحترام والاتزان.
ولكن مشكلته تكمن باتخاذ القرارات، أرجو استشارتكم، ما العمل؟ هل أعطيه الوقت الكافي لاتخاذ القرار أم ماذا؟
مع العلم أنه يلتقي كثيرا مع زوج أختي ويتحدثان كثيرا بأنه يريد الزواج مني، وتبين لي من أختي بأنه صارح زوجها بأن لديه مشكلة مع والده لأن والده غير موافق بسبب أمي لأنه معروف عنها أنها ذات سلطة وشخصية قوية ولا يريد هذا النسب، فقط لهذا السبب لا غير... إني فتاه ملتزمة محافظة على قيام الليل وقراءة القرآن وصليت أكثر من مرة صلاة الاستخارة، ولكني لم أر شيئا،
وقد عملت بالاستخارة ثم الاستشارة،
فأرجو الرد عليّ، وإرسال نصائحكم، ماذا أفعل؟
26/1/2022
رد المستشار
بسم الله الرحمن الرحيم
الابنة الفاضلة "ربى" حفظها الله، السلام عليكم و رحمة الله و بركاته وبعد،،،
أهلا وسهلا بك على موقعك، و نرحب دائما بأسئلتك واستفساراتك .
نعم يا ابنتي، إن قرار الزواج قرار هام، والاختيار صعب، سواء أكان اختيار الزوج لزوجته أو العكس، لكن الزواج من نعم الله تعالي على العباد، وهو آية من آياته سبحانه، حيث قال الله تعالى فيه: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً).
ابنتي الكريمة: لا شك أن التردد في اتخاذ القرارات داء عضال، يفسد الحياة، ويحيل البهجة حزناً، ويعيق مسيرة النجاح والإنجاز،فمن العبث تعطيل كل خطوة يرغب الإنسان في القدوم عليها بسبب تردده، فهي مشكلة تستنزف من النفس وقتها وجهدها ومن تعود على التردد لا يصيب نفسه إلا بالقعود والخوف المتلازم والعودة دائماً للوراء، وقد علمنا ديننا علاجاً للتردد في أربع خطوات:
الأولى: أن ندرس القرار دراسة جيدة من جميع نواحيه
الثانية: أن نستخير الله سبحانه فيه
الثالثة: أن نستشير فيه أهل الخبرة والمعرفة
الرابعة: أن نبدأ بتنفيذه فوراً غير مترددين، فإن كان خيراً يسره الله لنا، وإن كان غير ذلك صرفه الله عنا
والتردد في اتخاذ قرار الزواج – على وجه الخصوص – قد يكون دليلا على وجود العصاب – أي القلق – مع شيء من الوساوس البسيطة، وهو ما نسميه في مجال الطب النفسي بـ (رهاب الزواج) أو (الجاموفوبيا)، وهو خلل نفسي يحدث عند البشر، وخاصة الرجال، حيث يميلون إلى الخوف من الزواج، والتردد في اتخاذ القرار بسبب المخاطر الشخصية والمالية والاجتماعية التي تأتي مع الزواج، والمصاب بهذا الاضطراب لا يكون قادرا على تحمل المسؤولية أو اتخاذ القرارات المصيرية مع اختلاقه الحجج للهروب من الالتزامات مثل ضيق الوقت، والظروف المالية السيئة، أو عدم التمكن من تحمل مسؤولية إنجاب الأطفال، و قد تكون هذه الحجج والأعذار غير موجودة فعليًا، وغير مستندة إلى أسباب منطقية في شأن الارتباط الرسمي، ويمكن معالجتها، لكن الشخص المصاب بفوبيا الزواج يظل متمسكاً بها.
لكن في حالتك – يا ابنتي – الأمر يختلف، لأن خاطبك لا يتردد في اتخاذ قرار الزواج بسبب اختلاق الحجج الواهية أو الأعذار، ولكن لسبب واضح وجلي، وهو اعتراض والده لأن والدتك ذات سلطة وشخصية قوية ومعروف عنها ذلك، وقد ذكرتي في رسالتك بأنه "لا يريد هذا النسب، فقط لهذا السبب لا غير"، رغم أنك فتاة خلوقة ومتدينة، وهو في هذا التردد – يا ابنتي – محق تماما، لأن الزواج – في الحقيقة – لا يقتصر على ارتباط شخصين فقط، بل ينطوي أيضًا على تعايش عائلتين مختلفتين، فكم من أسرة تفككت وكانت نهايتها الطلاق بسبب تدخل أم الزوج أو أم الزوجة في حياة الأبناء، فالسؤال عن الأمهات قبل الزواج من الأسئلة المهمة، والتعرف على صفات الأم وأخلاقها من المسائل الأساسية لنجاح الزواج، لأن البنت في الغالب تكون مثل أمها، ونسبة قليلة من البنات يكن مختلفات عن أمهاتهن، ولدي قصص كثيرة في هذا الشأن!!
على سبيل المثال، أعرف بيتا فيه سبعة بنات لم تتزوج منهن واحدة بسبب قوة شخصية أمهن وتسلطها على الناس وسوء أخلاقها مع الجيران، وأعرف شخصا تزوج مرتين وطلق الزوجتين بسبب تدخل الأم وتسلطها، ثم اشترط في زواجه الثالث أن يتزوج فتاة أمها متوفاة، وزوج سعى لإيجاد بعثة دراسية للخارج وسافر هو وزوجته لكندا هروبا من تسلط أم زوجته، وقال إنه يفكر بعد انتهاء البعثة أن يستقر في كندا بعيدا عن أم زوجته حتى يضمن نجاح حياته الزوجية، وزوج عبر عن حياته الزوجية بأنها كأنها «زواج جماعي» لأن أم زوجته وأختها وعمتها وجدتها كلهن يتدخلن في شؤونهما الخاصة.
لا يعني هذا بالطبع أن كل تدخل من الأمهات والآباء في حياة الأبناء يعتبر تدخلا سلبيا، فهناك كثير من الحالات ينبغي أن يتدخل الوالدان في حياة أبنائهم، وهذا ما نسميه بالتدخل الإيجابي، ويكون في الوقت المناسب وعند الحاجة، كتدخل النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في حياة السيدة فاطمة وعلي رضي الله عنهما لحل خلاف حصل بينهما، وتدخل إبراهيم عليه السلام في تطليق زوجة ابنه واستبدالها بأخرى عندما قال لها "أخبريه أن يغير عتبة داره".
ابنتي الكريمة: في النهاية لا يسعني إلا أن أقول لك بأنك قمتي بواجبك اتجاه هذا الأمر، وأديتي ما عليكي على أكمل وجه، فالتزمتي بتعاليم الدين السمح في اختيار شريك الحياة بأن يكون ذو دين وخلق عملا بقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه" وقد جاء في رسالتك أن خاطبك شاب ملتزم ومحترم، يتحلى بالأخلاق العالية والهدوء والاتزان، وقمتي بأداء ما عليكي من السعي ووافقتي على مقابلته أكثر من مرة لمساعدته في اتخاذ القرار المناسب، وتحملتي في ذلك مشقة الطريق وبعد المسافة بين بلدتك وبلدته، واستخرتي الله، ولا شيء لتفعليه الآن سوى الدعاء المتواصل لله بأن يختار لك ما فيه الخير، فأكثري من الدعاء لله بقول "اللهم خِرْ لي واختر لي"، و أكثري من الاستغفار.
أدعو الله أن يصلح لك البال، وأن ييسر لك الحال، وأن يرزقك – عاجلا غير آجل – بالزوج الصالح، والذرية الصالحة، فهو ولي ذلك، والقادر عليه
هذا، وبالله التوفيق،،،