الخوف يتحكم في اختياراتي
الخوف يتحكم في اختياراتي وأخشى أن أختار شيئا لا أريده بسبب ذلك. أنا آخر عنقود عائلة مكونة من 7 بنات وولد أكبرنا عمرها 44 عاما وكلنا غير متزوجات ما عدا أخت واحدة استطاعت الزواج. سني 25 سنة طبيبة ومحجبة وملتزمة بالجلباب ونحن ذوات سمعة طيبة نحمد الله ووالدنا متوفي ونعيش مع أمنا.
أنا في حيرة ما بين خيارين. في البداية دعوني أتحدث قليلا عني أنا كتب كتابي مرتين وتركت، في المرة الأولى الشاب تركني لأنه اكتشف أني لست فتاة أحلامه فهو لا يريد الجلباب بمعنى آخر يريد بنت فايعة، والثاني بعد ما كتبت الكتاب اعترف لي أنه يعاني من مشاكل في الغده النخامية وهذا يؤدي إلى مشاكل في الإنجاب وكان يكذب في كل شيء وأمه تغار عليه مني فتسببت بطلاقنا مع أنني تحملت مرضه ووقفت بجانبه في العلاج .
أنا الآن تركت عملي وجالسة في المنزل وأنا فتاة طموحة جدا وقررت أن أبحث عن منحة لأكمل دراستي في الخارج لأنني ولله الحمد متفوقة جدا ولكن متقدم لي شاب كان معي في الجامعة ويريدني بشدة. للأسف هذا الشاب تحدثت معه لفترة وعندما أدركت غلطي قطعت علاقتي به ولجأت لأهله كي يبتعد عني لأنه لا يريد قطع العلاقة والآن عاد ليتقدم لي والصراحة أنا لا أملك أي مشاعر تجاهه غير أنه يملأ فراغ داخلي حيث يشعرني أن هناك ما زال من يهتم بي بعد ما خسرت كل شيء.
أنا أريد أن أسافر وأحقق حلمي بأن أصبح دكتورة في أكبر الجامعات وأريد أن أستمر بالبحث عن منح وهذا كان حلمي منذ طفولتي. وفي نفس الوقت أخاف من رفض هذا الشاب وأكبر لأصبح بدون أولاد وأعيش وحيدة وإذا قبلت به فسأعيش معه في السعودية وهناك الفتاة لا تمتلك الحرية التي أملكها الآن لا بالسفر ولا بالعمل لا شيء يرضي طموحي هناك. هل أكمل في حلم عمري أم أستغني عن كل هذا من أجل الزواج وألغي أحلامي؟
تعبت من التفكير ويتملكني الخوف. أريد أن أكمل طموحي وأتزوج في حال قابلت شخصا أتقبله وأحبه وسار معي في طموحي لا أريد أن أختار ما بين طموحي والزواج خاصة أن في مجتمعنا أصبح الزواج صعب والناس أصبحوا يستسهلون الكذب واللعب ببنات الناس فمن الممكن أن أفشل في الزواج مرة أخرى وعندها أكون قد خسرت كل شيء طموحي ونفسي والزواج .
مع العلم أنني الآن رفضت استقبال هذا الشاب أو أي أحد حتى أتوازن وأفكر قليلا وأتوقف عند هذه المرحلة في حياتي وأفكر في ما حدث.
انصحوني أرجوكم ما هو الصحيح؟
وشكرا لكم.
30/12/2021
رد المستشار
أهلا بك يا "دُرة" على موقع مجانين للصحة النفسية.
ما قمت به صحيح من تعليق أي علاقة أو احتمالية ارتباط حتى تعرفي جيدا ما تُريدين. الحيرة التي أنت فيها طبيعية جدا، ومخاوفك مشروعة. وتوترك نابع من وعيك بأن الاختيار الأول سينسف الثاني والعكس. فهذا رهان يجب أن تخوضيه لوحدك وتتحملي تبعاته لوحدك. ومعلوم أن مشورتي ستكون مجرد إضاءات لك أما القرار النهائي سيرجع إليك وحدك.
العلاقتان اللتان ذكرتِ لا خير فيهما على ما يبدو، غياب التوافق في الأولى، وفي الثانية عاقر محتمل وكذوب مع أمّ مفرطة الحماية والغيرة اتجاه ابنها ستتدخل في كل شؤونكما وتُسمم عيشتك وغالبا سيُجاملها على حساب حقوقك. وها أنت عرفت بعضا من تحديات الزواج والارتباط بأشخاص آخرين مختلفين عقلية وتربية وسلوكا وطموحا. أما عن الشاب الذي تحدثينه أنت أوصلت له فكرة خاطئة، وصدّه بدون أن تشرحي له بشكل مباشر وواضح أنك لا تملكين أي مشاعر اتجاهه لا يسهل الأمر، وإن كنت قد فعلت وهو مصرّ فقولي له أنه كان "لهّاية" فقط، لتصله الرسالة واضحة وصادمة فيحمله الفخر على تركك وقطع العلاقة.
قلت أنّك لا تريدين أن تختاري بين طموحك والزواج، يبدو أن طموحك أهمّ من زواجك على ما يبدو. زواجك يشكل واجهة للخوف من شيء، للخوف من الوحدة وحياة باردة عاطفيا، أما أحلامك ودراستك وعملك فهو نابع من إقبال وعزيمة وقصد وليس مجرد هروب من شيء. بكلمات أخرى الزواج عندك passive والهدف والحلم والوظيفة active.
وإذا عرفنا هذا سنفهم أنّك إن تزوجت سرعان ما سيتبدد خوفك لتظهر مكانه مخاوف وإحباطات أخرى مكان الخوف الأول من الوحدة. هذا إن كان الزواج سالما غانما، أما لو كانت مشاكل وعدم توافق وعدم تقبل للشريك فسيكون الإحباط والندم أكبر. لمّا ستقل شدة خوفك بعد الزواج سيخرج غول الإحباط والندم والمقارنات لأن دافعك للزواج لم يكن شيئا فيك ومن أحلامك. وهناك احتمال كما قلت بأن يفشل الزواج مع ثقل إضافي: الأطفال. آنذاك سيكون تحرك وتغييرك للوضع أو تحقيقك لأي حلم في بلادك فضلا عن بلاد أخرى صعبا إن لم يكن مستحيلا.
فعن رأيي، أعتقد أنّك غير مستعدة ولا مريدة للزواج في أعماقك، خصوصا أنّك تحملين نظرة سلبية اتجاه الرجال من حولك، مما يزيد احتمالية الخصومات والنظرة الفاحصة المنتقدة بعد الزواج. والارتباط ليس في حد ذاته مقصدا بل هو محطة من محطات الحياة، قد تنجح وقد لا تنجح وليس هو "النجاح" المطلق، وبما أنه تجربة من تجارب الحياة ومحطاتها فقد يكون داعما محلّقا بنا أو مدمّرا لنا، فهو علاقة إنسانية فيها من الحميمة والمسؤولية أكثر من غيرها، وليس كل العلاقات خير وبلسم على أصحابها حتى إن كانت علاقة زواج.
فإذا عرفتِ هذا ستفهمين أن وضع ثنائية "زواج/طموح" غير صحيحة من أساسها، فلا الأول يعوّض الثاني ولا الثاني يعوّض الأول. فحتى إن كان أحدهما يقصي الآخر فهذا لا يعني تعويضه له. وإن كان لا بدّ من الاختيار في حالتك فتحقيق أحلامك وطموحك أولى لأنك إن أكملته وتزوجت سيكون مكافأة جيدة لك، فإن فشل الزواج فلن تكوني عائلة على زوج أو أي شخص، وستستمرين وتتجاوزين أزمة الطلاق بسهولة وقوة أكبر نظرا لانشغالك وانخراطك في أعمال راقية تشعرين فيها بالإنجاز الاكتفاء.
وإن لم تتزوجي فقد حققت حلمك واستقللت بذاتك وتقوّيت على مواجهة الحياة علما بأنّه لا واحدة تضمن زواجا، وحتى إن ضمنته لا تضمن استمراره. ومن يدري ربما تحقيق حلمك وارتقاؤك في السلم الاجتماعي سيجعلك مرغوبة أكثر ولديك خيارات أوسع (حتى في حالة الطلاق) من كونك لا تعملين في وسط لا يقدر المرأة ويرى الزواج منها تفضّلا عليها.
تمنياتي لك بالتوفيق واجتهدي حتى تجعلي حُلمك حقيقة.