السلام عليكم
أنا متزوجة منذ أكثر من عشر سنوات ولكن قدر الله ألا نرزق بأولاد وجعل الله السبب في ذلك عقما عند زوجي. الأطباء قالوا: "لا أمل في الإنجاب" ولكننا راضيان بقضاء الله وقدره، وإن كان المجتمع ونظرته لا يساعدان على الصبر على هذا الابتلاء، لكننا تزوجنا عن حب واقتناع والحمد لله، وسؤالي:
بماذا تنصحونني حتى يزيد صبري وقوتي ولا ينهاران مع مرور الزمن؟ هل هناك أحاديث نبوية أو آيات في هذا الموضوع وعن جزاء صبر المحروم من الإنجاب؟ هل أكون ظالمة لله إن استمررت في الدعاء أن يرزقني بأولاد مع علمي أن هذا علميا غير ممكن إلا بمعجزة؟ هل أستمر في الدعاء؟
بماذا تنصحونني لكي أجعل لحياتي معنى ونجاحا، ولكي أستغل وقتي الكبير، ولكي أحس أنني نافعة للمجتمع حتى وإن كنت لا أربي أجيال الغد؟ كيف أعطي معنى لزواجي؟ وكيف يمكنني أن أجعله ناجحا ولو بدون أولاد؟ كيف يجب أن أتصرف مع زوجي لأخفف عنه؟ فهو أكثر تأثرا بهذا الابتلاء، هل تنصحوننا بكفالة أطفال؟
إن كان الجواب بـ "نعم" فهل الأحسن أن يكونوا يتامى أو من العائلة؟ وإن كنا متخوفين كثيرا من هذا الموضوع ولا نفكر فيه بجدية؛ لأننا نخاف مشاكله.
فهل تنصحوننا أن نفكر في ذلك؟
وأخيرا معذرة لكثرة أسئلتي
9/1/2022
رد المستشار
أختي العزيزة: جزاكم الله خيرًا على شكرك وثقتك الكبيرة، وأهلاً بك دائمًا.
لقد شاء الله سبحانه وتعالى أن تكون الدنيا دار عمل وابتلاء، والآخرة دار جزاء، فمن صبر على الابتلاء، ونجح في اختبار الدنيا، نال حسن الجزاء، ومكافأة النجاح، بل يشير القرآن أن الابتلاء هو غاية من غايات الخلق، فيقول سبحانه: "الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً وهو العزيز الغفور". والحرمان من الأطفال "ابتلاء" من يصبر عليه فله جزاء الصابرين: "إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب".
والرسول الكريم يقول: "ما يصيب المسلم من وصب أو نصب ولا هم ولا غم ولا حزن ولا أذى حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه". ويقول عن يوم القيامة: "إن أهل العافية عندما يرون ما حل بأهل البلاء من فضلٍ وسعة رحمةٍ يتمنون لو أن أجسادهم كانت قرضت بالمقاريض في الدنيا، لينالوا ثواب المبتلين الصابرين" فهل هناك تعزية أكثر من ذلك؟؟ وهل هناك من البشر من اكتملت له أسباب السعادة؟! من صحة وراحة بال، ويسر معيشة، وكثرة عيال، وتقوى، ورضا من الله... إلخ. بل إن الأقدمين قالوا: "ترقب زوالاً إذا قيل تم".
ولقد شاء الله أن يمتحنكم لا في صحة، ولا في دين – والحمد لله - ولكن في الحرمان من العيال فهل يقلل هذا من نعمه الأخرى عليكم؟! تجاهلي كلام الناس فهم هكذا، وسيظلون إلى يوم الدين، ومن أحسن ما قرأت ما شاع: خمس نقشت على ساق العرش... وعدوا منها: "لا سلامة من ألسنة الناس". فهل أذكرك بنعم الله عليكما في العلم والصحة، والحب بينكما.. وغيرها أنت أدرى بها مني فاكتبيها في ورقة لتعودي إليها كل حين.
وهل أذكرك بالمشاكل التي يعاني منها من رزقه الله بالأطفال:
انظري حولك يا سيدتي لتجدي من رزقها الله الأولاد، وتمنت أنهم لم يأتوا من فرط كراهيتها وبغضها لزوجها، ويكون الأولاد هنا بمثابة القيد الذي يخنقها، ويطيل معاشرتها مع رجل قد يكون سيئ الخلق، سيئ العشرة.
وستجدين من رزقها الله بالذرية الصالحة من زوج محب ثم ماتوا في ريعان الشباب، بعد أن رأتهم أمامها يافعين، فعاشت بحسرتها وكمدها ما تبقى لها من عمر. وستجدين من رزقها الله الأطفال المعاقين أو المرضى، أو الأبناء العاقّين... إلخ. فهل تحسبين نفسك أشد بلاءً من هؤلاء؟!!
الأولاد يا أختي قد يكونون نعمة، وقد يكونون نقمة، وكثير من الآباء والأمهات يتمنون لو أنهم حرموا هذه النعمة لما يرون من صعوبة النهوض بمسئولياتها في هذا الزمان خاصة، ويحدث هذا تكرارًا دون أن ننكر أنهم من زينة الحياة الدنيا، لكنهم ليسوا كل هذه الزينة، وليسوا فقط العمل الصالح الباقي للإنسان بعد موته: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له".
والكلام في هذا الباب يطول، والحياة في ظل تلك المعاني تزيد من الصبر وقوة التحمل. ونحن مأمورون بكثرة الدعاء والإلحاح فيه ما لم ندع بإثم أو قطيعة رحم فكيف تكونين ظالمة بإلحاحك في الدعاء يا أختي.
إن ثواب الدعاء متحقق حتى لو لم يجب الله مطلب الداعي ثم هل اطلعت على دفتر أقدار الله وصُحُفه، حتى تعلمين أنه قد قدر لكما عدم الإنجاب مطلقًا، وأين العلم من قدرة الله الذي يمنع ويعطي؟! بل أين قول العلم اليوم مما كان يجزم باستحالته بالأمس؟!
لا يوجد تعارض بين الإيمان بالقضاء، وكثرة الدعاء، ولا يرد البلاء إلا الدعاء، والدعاء مخ العبادة، ولقد دعا إبراهيم، وزكريا - عليهما السلام - فرزقهما الله الذرية رغم كبر سن الأول، وعقم زوجة الثاني. ولا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون،أربأ بك أن تكوني منهم.
أما سؤالك كيف أجعل لحياتي معنى، وأستغل وقتي، وأكون نافعة... فأقول لك: يا الله ما أكثر أبواب الخير وأمتنا محتاجة لكل طاقة إيجابية، وأمامك سبل كثيرة للعمل تطوعًا أو بأجر، وحبذا لو كان هذا النشاط في مجال قريب من الأطفال، أو المراهقين حتى تمارسي تجاههم عاطفة الأمومة النفسية والاجتماعية، وتكوني لهم أمًا بالمعنى الواسع كما كانت زوجات الرسول الكريم أمهات للمؤمنين، فالأمومة البيولوجية تظل محدودة بعدد وطاقة أما غيرها من أنواع الأمومة فلا حدود لها.
وتربية أجيال الغد يا سيدتي مسئولية مشتركة بين الأسرة والجماعة الاجتماعية المحيطة بها، بل وكل البيئة من مدرسة وإعلام وترفيه اجتماعي، وغير ذلك... فأين أنت من التربية بهذا المعنى الواسع؟! واندراجك وزوجك في مثل هذه الأنشطة يعطي معنى عميقًا وراقيًا للحياة يتجاوز "روتين" العمل اليومي بين الوظيفة والمنزل، ويعطي للعيش والحركة طابعًا رساليًّا حين تصبح هناك غاية سامية، ورسالة جليلة. ووصفة نجاح الزواج معروفة... من تشجيع مستمر، واهتمام متواصل، وحب متدفق تتفرغين له، ويتفرغ لك دون تشويش من مطالب الصغار التي لا تنتهي.
إن المرأة ليست أما وزوجة فقط – رغم قدسية هذه المهام - لكنها مع ذلك إنسانة لها وجودها وكيانها ودورها، وليس عدلاً أن نعيش في زاوية واحدة، أو ننحصر في ركن واحد من أركان أرض الله الواسعة، فنضيقها على أنفسنا حين لا ننظر إلا في الجزئية الناقصة!!.
إن اقتناعك بهذه المعاني، واندماجك في أداء أدوارك الجديدة، ومعاونة زوجك على النجاح، وعلى المشاركة في مجالات النشاط المختلفة سيكون له أكبر الأثر في التخفيف عنكما، لأن الحزن لا يتمدد إلا في الفراغ، ويمكنك مع ذلك أن تكفلي طفلاً أو عدة أطفال – دون تبنٍ، فهو حرام - سواء من العائلة أو من خارجها، والكفالة مادية ومعنوية، والأمر مطروح للاختيار بحسب ظروفكما المادية والوقتية، تستطيعان الكفالة الخفيفة: مساعدة مالية أو ما شابهها، وتستطيعان غير ذلك.
أدعو الله أن يربت على قلبك ويفتح أمامك الآفاق: "وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم".
واقرئي أيضًا:
التزام وزوجة مظلومان في حياة رجل
للتدريس في مناهج الظلم الزواجي
الاكتئاب لتأخر الإنجاب
تأخر الإنجاب نعم للأمل لا للاكتئاب !
تأخر الإنجاب: علاج معرفي