السلام عليكم
عند مراقبتي لتصرفات ابنتي والتفتيش بحقيبتها علمت أنها كانت على علاقة حب مع شاب بالإنترنت، والمهم بعدما أوضحت لها أنه ليس حبا بل مراهقة وأنه غلط وليس من أخلاقنا، ولا ديننا يسمح بهذه العلاقة، قالت إنها منذ زمن لم تتراسل معه لطلبها هي لأنها أحست بغلطها ولكنها تقول إنها ما زالت تحبه.
أنا لا أعرف؛ هل أصدقها؟ وكيف أجعلها تنساه؟ هل قطع الإنترنت هو الحل؟ وهل أخبر والدها مع أنها طلبت أن لا أخبره؟ لا أعرف ماذا أفعل ولقد كان زوجي دائما ممانعا للإنترنت بالبيت وأنا أقنعته والآن سيتهمني بأنني المسببة لهذا!
أرجوكم أجيبوني بسرعة.
فأنا في منتهى القلق
04/01/2022
رد المستشار
أهلا بك يا "رجاء" وعذرا على التأخير
|سأبدأ بفكرة مهمة للغاية وهي سبب تقريب المسافات بين الأهل وأبنائهم أو خلق فجوة بينهم. ألا وهي قاعدة "عدم تسفيه مشاعر الصغار والمراهقين" عبارتك (أوضحت لها أنه ليس حبا بل مراهقة) لا يفيد في حلّ المشكل لماذا؟ لأنّ البنْتَ أو الولد لمّا يعيش مشاعر صادقة وحقيقية ثمّ يأتي الأب أو الأمّ ويسفّه تلك التجربة الوجدانية الصادقة القوية التي تملؤهم حياة وبهجة فهذا يجعلهم يتصرفون بتوجّس ويحذرون أكثر من مشاطرة تجاربهم وأحاسيسهم مما يجعل الآباء أبعد عن فهم أبنائهم ومتابعتهم.
على عكس ما يظن الكثير من الآباء تسفيه تجارب المراهقين وانتقاد أذواقهم بسبب منطلقات أخلاقية لا تزيد الأمر إلا سوء، لأن المراهق/ة ما إن يتأكد أنه غير مفهوم حتى يصمّ أذنيه عن أي نصيحة، فيقول: "بما أنّهم لا يفهمون هذا الشيء البديهي والحقيقي جدا، فكيف يمكنهم فهم حالاتي الأخرى الأكثر خفاء وإخجالا" فيتقوقع في عالمه ويقصي منه من لا يفهمه وأول من يُقصى من هذا العالم الآباء لأن رقابتهم ثقيلة وتفهمهم أقلّ ونظرتهم أكثر إحراجا للأبناء.
البديل لهذه الفكرة هي تقبل هذه المشاعر الطبيعية جدا والتي تدل على نموّ عاطفي وجنسي سليم، فقد يكون برود البنت عاطفيا وجنسيا أمرا مريحا للآباء لكنه لا يبشر بالخير!
تقبل تلك الأفكار والأحاسيس لمعالجتها بعدها بتعقل شيء مهم لتجاوز المرحلة، وأيّ ذنب تُحمله الفتاة بسبب نموّها الطبيعي يزيدها اغترابا عن نفسها وعن قوانين ونظرة المجتمع الخاطئة. وقد يؤدي إلى تمرّدها وهي تعيش ذاك التناقض.
لذا من الأفضل التقبل ثم الحديث عن تلك المشاعر على أساس أنّها طبيعية جدا ومن صحتنا النفسية، وعدم تمثيل "الأم الملائكية" التي لم تعرف إعجاب المراهقة ولا حبها، فهذه القدوة المثالية والخيالية سيئة للغاية لأنّها تنتزع المراهقة من واقعها المباشر الحقيقي إلى أزمة وجودية لا خير ولا اتزان وراءها، فالقدوة هي ما تأخذ بعين الاعتبار بشرية المراهق ومراحله العمرية المختلفة.
أخبريها أنك أعجبت بشباب في صغرك (أفترض ولو بشكل عابر)، لكن ذلك كان عابرا مثاليا وقاصرا ولا يحتكم لمنطق الحياة والواقع، أخبريها عن تجاربك وتجارب صديقاتك الفاشلة، فكل حب غير ناضج يبدأ في المراهقة ينتهي بشكل مأساوي وصادق أمام تغيرات الحياة والأفكار والقناعات وقواعد المجتمع. طمّنيها لا لتؤيدي موقفها بالضرورة بل لتشعريها أنّك معها وتفهمينها ولا تحتقرينها.
أما عن الدين وهل يسمع بتلك العلاقة، إن كنت تتحدثين عن مجرد الحب والإعجاب، فتحريم شيء لا بد أن تقع فيه البنت والولد فهو من نموهما النفسي يبدو شيئا مبالغا فيه ومثاليا ويُعمّي على الواقع وطبيعة البشر. أما عن السلوكات التي تأتي بعد الحب والتعلق، فهذا موضوع آخر وهو ما يجب أن تركزي عليه في توعية ابنتك.
أزمة التعلق العاطفي يجب أن تشرح بشكل يحترم الدراما لكنه لا يعطيها الحق في تفسير ما وقع، بكلمات أخرى، الحب والتعلق شيء طبيعي ومشروع لكن يجب أن تفهمَ ما حصل لها، وأنّ ذاك الحب والعاطفة ليست الآمرة الناهية، بدليل أننا نريد أن ننتقم ولا نفعل، وأننا نكره ولا نؤذي.. وهكذا. أي أنّ المشاعر والحالة الوجدانية وإن كانت دافعا للفعل فليست تبريرا مشروعا لكلّ فعل، لأن المراهق لما يعيش تجربة قوية من التعلق يعتقد أنّه "من المنطقي أن يطيع مشاعره" كيفما كانت.. وهنا مفهوم الحب وعقلنته. سيكون ذلك صعبا عليها لكنها توعية ضرورية.
أما عن قطع النت لا أظن أنه حل، خصوصا أنها في كل مكان وقد تأخذها من صديقة أو صديق أو في أي مكان إن كان عندها هاتف. ثم القطع قد يزيد التعلق لأنها ستشعر أنها حرمت من شخص "رائع".. في حين أن الحل هو توضيح أنّ ذلك الشخص غير مستعد ليغامر معها ويحميها ويتحمل مسؤولياته معها... لا يشكل لها أمانا ولا ملجأ، ليس لأنه شيطان (شيطنة الحبيب خطأ آخر لأنها قد تلاحظ أنه عكس ذلك وتنعدم الثقة في رأيك ومعقوليته) بل لأنه مراهق آخر يعيش مشاعر صادقة ولا يفهم نفسه ويرغب فيما لا يستطيع تحمل تبعاته (مشاعر ابنتك وجسدها) وهو غير ناضج كفاية حتى يقوم بعلاقة جادة... وغير ذلك من النصائح الواقعية بعيدا عن التهويل والتحقير والنظرة الاستعلائية.
إضافة إلى شيء مهم، وهو أنّ العلاقات الافتراضية تعطي صورة مغلوطة ومثالية تماما، والدليل هي صديقاتها التي تعرفهن واقعا وكيف يصدّرن صورة مختلفة تماما عنهنّ في المواقع، سواء من حيث الشكل أو من حيث الشخصية وطريقة التفكير. المواقع والتشات لا يظهر كل شيء بل جزء غالبا يكون جميلا ومقبولا ويخفي عيوبا كثيرة وراءه.
بالنسبة لإخبار زوجك، لا أظنه قرارا حكيما فالرجل بمجرد يسمع حب بنت يفترض أسوء السناريوات ولن يتصرف بحكمة واحتواء، عالجي الموضوع معها وبيّني حرصك عليها فهي تبدو متفهمة ومتوافقة معك بخصوص بعد المبادئ. ستكون لك شاكرة إن احتويتها في هذه التجربة ومرّت بسلام.
حاولي تقنين استعمالها للنت، وربما قد تمنعين عنها المواقع الافتراضية إلا ما تحتاجه في دراستها، كنوع من الفطام الصحي والنقاهة المطلوبة. ويجب أن تشغل نفسها وبالخصوص يجب أن تتقبل مشاعر الألم والفقد والفراغ بعد الفراق فهي عادية، تقبل تلك المشاعر يؤدي إلى تجاوزها بسرعة بدل أن تبقى تجربة مربكة تعود على شكل أفكار سلبية تقتحم ذهنها كل مرة
أعانك الله
واقرئي أيضًا:
أرجوك افهمني: الحب على النت
الحب من أول كليك
قلبه يحبني وعقله يرفضني!!!