السلام عليكم
أدرك بأن مشكلتي بسيطة، ولكنني رجل يعتقد أن المشكلة البسيطة قد تتعقد في المستقبل، وأريد أن تعينوني على معرفة الصواب، فإن كنت مخطئًا فأرشدوني، أنا رجل متزوج من فتاة بدأت معرفتي بها بطريقة تقليدية، وتحولت حكايتي معها إلى قصة حب عميقة، وما زلت أحب زوجتي حبًّا جمًّا. وعلى أية حال فالمشكلة بدأت معي بعد ولادة طفلي الأول، والذي يشهد الله أنني أحبه حبًّا كبيرًا، وفيه أرى نعمة الله علينا.
ولكن تبدو مشكلتي في انجراف زوجتي الشديد نحو طفلها، بحيث تغلبت عليها عاطفة الأمومة بشكل أفقدني تلك المكانة التي كنت أحظى بها في قلبها، وأعتقد أن عاطفة الأمومة أمر طبيعي للغاية، وأنا أحتفظ بعاطفة الأبوة بشكل راسخ في نفسي، ولكن هل يعني ذلك أن نفقد ذاتنا في مقابل أبنائنا، وأن نفقد مشاعرنا تجاه بعضنا وأن نتحول من زوجين متحابين إلى مربين لأطفالنا وفقط.
وأشعر بأن جزءا من مشكلاتنا الاجتماعية الكثيرة تكمن في غياب الحب عن علاقاتنا؛ فقد بدأت أقارن الاهتمام الذي توليه زوجتي لطفلي مع الاهتمام الذي توليه لي، وبدأت أقارن بين مشاعرها تجاه طفلي ومشاعرها تجاهي. أتدري يا أخي، هناك بعض الأمور الصغيرة التي تشعرني بالاستفزاز الداخلي، أشعر أحيانا بغيرة طفولية تجاه طريقة تقبليها لطفلنا مقابل سلبيتها الكبيرة في مثل هذا الأمر معي.
حتى من الناحية الجنسية فقد نال طفلي من فراشنا جزءا كبيرا يمنعنا من ممارسة الحب بشكل مريح واعتيادي، بل إنني أشعر بالاستفزاز عندما أحاول أن أقبلها أو أحتضنها في لحظة حاجة؛ فتدفعني قائلة: لا تفعل هذا أمام طفلنا. على أية حال أعتقد أن المشكلة بدأت تتضح الآن؛ فقد بدأت أغار من طفلي، وأشعر بأنني أفقد شيئا من الحب الذي أكنه لزوجتي، وبدأت أشعر بأن زواجي تحول من علاقة حب يجب أن تجمع ثلاثتنا إلى علاقة تنافسية ومنفرة.
وأحيانا أخرى أعتقد تماما أن المشكلة بسيطة؛ لدرجة أنني أشعر فيها بسخفي حيث إنني آخذ من وقتكم كل هذا الوقت لقراءة مثل هذه التفاصيل، ولكن هل تعتقد معي بأن الكثير من المشاكل المعقدة والتي تختلط بها التفاصيل الكثيرة قد تبدأ من شرارة بسيطة؟
أتدري لم أستطع أن أصارح زوجتي بالمشكلة؛ فأنا أستحي من ذكر هذا الأمر أمامها، وأنا الآن وللحقيقة أجرب طريقة للحل لا أدري هل توافقني عليها أم لا؟
وهي طريقة أستطيع أن أصفها بطريقة صوفية، فقد استشعرت علاقتي مع ربي، وأنا أحاول أن أعرفه معرفة المحبين، وشعرت بأن هذه المشكلة تنبيه من رب العالمين لي، فهو الذي أكرمني كرما كبيرا، وكان المنعم علي، وأشعرني بحبه، ولكنني أسهو عنه تعالى سهوا قليلا وكثيرا أحيانا؛ لذلك فهو ينبهني إلى أنه يحبني، ولكنني ألتفت عنه إلى ما كان هو المنعم علي به، فهل توافقني على أن الأمر تنبيه؟
وأن علي أن ألتفت إلى علاقتي بربي،
وأن أوازن بين عملي وبين علاقتي به سبحانه؟
22/1/2022
رد المستشار
الأخ الكريم، أحسنت عرض مسألتك، ولم يكن تفصيلك مملاً أو في غير موضع، ولكنني اضطررت لاختصاره؛ حتى يكون أوضح للقارئ وأكثر تركيزًا.
أخي، إن لدينا مشكلة في قدرتنا على التعبير المتوازن السليم والمناسب عن عواطفنا، وأننا في الحقيقة نحتاج إلى تعليم وإدراك لما أصبح اليوم يسمى أحيانًا بالذكاء العاطفي في التعبير عن المشاعر، وإدارة العلاقات الأسرية والاجتماعية، وزوجتك فيما يبدو ضحية من ضحايا هذا البلاء الشائع في أوساط مجتمعاتنا؛ فهي أسيرة لاندفاع عواطفها البريئة دون حساب أو وعي.
بالأمس كنت أنت الحبيب، تتبادل معك المشاعر، ثم أصبحت الزوج تسكن إليك، وتسعد بقربك، ثم جاء القادم الجديد، وهو قطعة منك، وتعبير مشترك عن الحب الذي بينكما، ومخلوق رقيق يحتاج إلى كل رعاية وعناية، فأنت تملك أن تلتحف من البرد، أو تشرب إذا عطشت، وتستطيع أن تطلب العلاج إذا شعرت بوعكة، أو تطلب الطعام... إلخ، أنت تستطيع القيام بذلك بنفسك، أما هو فلا.
وأعجبني تأملك الذي أسميته "صوفية"، ولكن لماذا لم يمتد هذا التأمل للنظر في نعمة الله سبحانه على العبد حين يلقي محبته وليدًا في قلب أمه وأبيه؛ "فلا ينامان حتى ينام، ولا يأكلان حتى يشبع" كما في الحديث القدسي الرائع الذي يخاطب فيه الله عبده عند الحساب، وهو يعدد له نعمه عليه.
لقد اندفعت زوجتك بتلقائية مع هذا الحب الذي قذفه الله في قلبها، وبدلاً من أن يتوازن لديها هذا الحب مع ذلك الذي كان وما يزال بينكما، شغلها حب عن حب، وكأنها ذهبت إلى الفرع المنبثق عنك، ترعاه وتسقيه حتى يشتد عوده، ونسيت الأصل معتمدة- ربما- على عمق جذوره، ورسوخه في الأرض، وتصورت أنت المسألة على نحو صحيح، ولكنه ناقص؛ فكان الخطأ مزدوجًا، وتوقفتما في هذا المنعطف تطلبان العون.
شكرًا لك على حسن إدراكك لحاجتك للعون، وحسن تعبيرك عن حيرتك عند المنعطف الذي يتحول عند البعض إلى شرخ في العلاقة الزوجية؛ لأنه تركه يتفاقم عن غفلة أو إهمال.
ملاحظة أخيرة أشير إليها بعد أن أوافقك على حتمية الموازنة بين أدوارنا الأسرية المختلفة؛ أزواجًا وآباء وبنين وحفدة، ثم أجدادًا. لقد شعرنا كأنك تضع عاطفة الأمومة في صف عاطفة الأبوة، وأعتقد أنهما مختلفان كمًّا وكيفًا، بحيث لا يصح الجمع بينهما في تصنيف واحد أبدًا، وأذكر أنني قرأت شيئًا، لا أجده الآن للآسف؛ لأثبته لك بنصه، وكان باللغة الإنجليزية معناه: أن الله أراد أن يسكن برحمته مكانًا على الأرض- والتعبير طبعًا على سبيل المجاز- وأنه سبحانه بحث عن المكان المناسب، وبعد البحث والمفاضلة اختار "قلوب الأمهات"
أحب إذن أن تدرك الصورة كاملة، ومنه أن زوجتك عاطفية، انبثق في قلبها حب جديد وكبير؛ فذهب بعقلها وانساقت وراءه، ولعل في اعتبارها أنه قبس من حبك، ونبع من فيضك.
ولكي تكتمل الصورة وتتضح أكثر، اترك المجال للسيدة "سمر عبده" من فريق الحلول؛ حيث تضيف:
أخي الكريم، لا تتهم نفسك بالسخف، وتأكد أنك لا تزعجنا بمشكلتك، كما أني أرى أن مشكلتك كبيرة، ليس من حيث صعوباتها، ولكن لأنها متكررة في الحياة الزوجية، ولا يقف أمامها الكثيرون، وإنما يتجاهلها البعض حتى تتضخم، ثم لا يعرف من أين بدأت المشكلة، والبعض الآخر يجتهد، ويحلها بشكل خاطئ؛ فيتزوج الثانية، فيقع في الفخ نفسه مرتين، أو يزهد في الدنيا، ويعيش في البيت جسدًا بلا روح، لا هو أب ولا زوج، وعندما تفيق الزوجة حين يكبر الأبناء وتكتشف المصيبة، تسأل متعجبة: لماذا تركني زوجي؟
أخي، لأنني زوجة وأم، أقول لك بصدق: إن هذه المشكلة موجودة فعلاً إذا لم تنتبه لها الزوجة أو تنبهها لها أم واعية أو صديقة مخلصة، تنصحها من واقع خبرتها، أو زوج محب يهدي إليها عيوبها باللين والرفق والتلميح لا التجريح.
وأعتقد أن المشكلة تبدأ بقدوم الطفل الأول الذي تنشغل الزوجة به، ونظرًا لقلة خبرتها وحرصها الشديد على هذه المسؤولية لشعورها الوافر بالأمومة، تشغلها الأعباء عن زوجها الحبيب غير متعمدة إهماله أو مستهينة به، بل إن هذه الأعباء تشغلها عن نفسها أيضًا، وربما مع الوقت تدرك حجم الخطـأ الذي وقعت فيه وهي غافلة، خاصة إذا أنجبت الطفل الثاني، ووجدت نفسها تدور في حلقة مفرغة إلى ما لا نهاية.
وعلى قدر عظم المشكلة إلا أن حلها بسيط، وهو:
1- أن تبدأ بالتلميح لزوجتك بدون حرج؛ فأنت على حق، وكل لبيب بالإشارة يفهم.
2- أن تشارك زوجتك في رعاية طفلك، حتى تكون أكثر تفرغًا لك ولتجدا معًا لغة للحوار.
3- وإذا لم تنتبه زوجتك فصارحها، ولكن تخير الوقت المناسب، وأحسن اختيار الكلمات، واحذر أن تذكر غيرتك من طفلك؛ فلن تفهمها، ولكن حدثها عن افتقادك لها وعن افتقادها لنفسها وهواياتها، وهكذا.
4- وأخيرًا أخي، احذر أن يؤثر سلوك زوجتك معك على علاقتك مع ابنك، وإياك أن تحدثك نفسك بأن حبها له يكفيه؛ فلكل منكما دوره.. احذر غيابك عن ولدك أو تجاهلك له؛ فيكون سلوكك مجرد ردود أفعال.
أما بخصوص علاقتك الصوفية بالله- كما تصفها أنت- فأعتقد أنك تهرب بها من مشكلتك، ولكنك يجب أن توازن في حياتك بين علاقتك بالله وعملك وزوجتك وولدك؛ فالتوازن يشعرك بالرضا عن نفسك.