السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أكتب مشكلتي وأرجو منكم أن ترشدوني وتمدوني بمشورتكم، أسأل الله أن يفرج عنكم كل هم وضيق.. فقد ضاقت علي نفسي بما حملت، ولم أعد قادرة على تحمل العيش في منزلي؛ فأمي شديدة العصبية، ودائما ما تغضب عليّ غضبا شديدا؛ فأنا البنت الكبرى، وتريد مني أن أتحمل مسؤولية بيت وعائلة كبيرة بمفردي.
والمشكلة أنها مسيطرة عليّ تماما، وتتحكم في كل شيء في حياتي حتى النوم والأكل، ومهما حاولت أن أبرها فهي ساخطة دائما، ودائما ما تهددني بحرماني من الدراسة التي هي حياتي كلها ومن الوظيفة، تريدني أن أخدمها طوال الوقت، ولا تقبل عذر المرض أو الشغل؛ بل تغضب وتثور إذا قلت لها لا أستطيع، عزلت نفسي عنها لأن مجلسها إما صراخ أو أوامر أو غيبة، أصابني الهم والخوف منها؛ بل الأدهى أنه فتر حبي لها فأخدمها رغما عني.
لم يكن عندي صديقة لمدة أربع سنوات، وعندما صادقت الآن أصبحت تتضايق كلما قلت لها إني سأذهب إلى صديقتي أو أنها ستأتي بيتي؛ لأنها أوكلت إليّ مسؤولية أختي التي عمرها سنتان، لقد ضقت بالأمر ذرعا؛ فهي تعاملني كأني متزوجة عندي مسؤوليات عظيمة ولا مجال أبدا كي أهتم بنفسي ودراستي، تريدني في المنزل أخدمها وأخرج معها. وقد بلغ الأمر مبلغه، ولم أعد أستطيع أن أتحملها، أريد أن أخرج من المنزل وأصبح حرة نفسي، أريد أن أكمل دراستي العليا.
كما أنها تتضايق مني لأني متدينة وهي وإخواني غير متدينين، وتغضب مني غضبا شديدا إذا نصحت إخواني حتى أصابني فتور في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بعدما كنت شعلة في الدعوة، لقد حطمت حياتي، وأخاف من غضب ربي عليّ لأني عاقة، ولا أقدر بكل ما تعنيه الكلمة على أن أبرها.
لقد ساء حالي؛ فقد كنت أقوم الليل ساعة كاملة وأتلذذ بالعبادة، والآن حرمت القيام بسبب عقوقي لها؛ لأني أنام بعد صلاة العشاء هروبا منها كي أستيقظ بعدما تنام لأذاكر وأصلي، حرمت لذة العبادة، وأصابني فتور، وأخشى على نفسي من الحَوْر بعد الكَوْر (الكور لف العمامة والحور نقضها. والمراد الاستعاذة من النقصان بعد الزيادة، أو من الشتات بعد الانتظام)، لقد اغلقت الأبواب في وجهي، وأعلم أن كل ما يحصل لي بسبب العقوق، لكن أقسم بالله حاولت أن أبرها لكن مهما فعلت لا ترضى، وتذكر عيوبي ولا تذكر لي حسنة.
لقد دللتها فترة، وأسمعتها أطيب الكلام ودائما أهديها، لكنها لا تذكر لي شيئا من هذا، ولا يهمها إذا كنت متضايقة وأريد أن أجلس بفردي؛ بل أيضا تغضب، وكل شيء أفعله رغما عني شئت أم أبيت.
لقد فقدت الأمان في المنزل، وأريد أن أتوظف؛ لأني لا أستطيع أن أجلس في المنزل؛ فالإجازات هي أصعب شيء، والمشكلة أنها تحب إخواني رغم أنهم لا يحترمونها، وتتدخل كلما كلمهم أبي ونصحهم، وتقف في وجهه، وتساندهم، وتراعي أحاسيسهم إذا تضايقوا، أما أنا فمحرم عليّ أن أتضايق، ولا أحد يساعدني، بل حتى أبي الحنون الذي أحبه من أعماق قلبي يقف في صفها ضدي، ولا يقبل أن أشتكي إليه مما تفعله أمي بي، بل يقول: "هي أمك حتى لو جرت وجهك في التراب، وعليك أن تبريها".
وأمي لا يمكن أن تعترف أنها سبب همي وعزلتي عن الناس، ولكنها تؤيد إخواني أنهم يخرجون كثيرا؛
لأنهم متضايقون من أبي المتدين، وهنا أصابتني الغيرة أيضا.
3/1/2022
رد المستشار
الأخت الفاضلة، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الناحية النفسية هناك ثلاثة أنواع من الأمومة:
1- الأم الناقدة:
وهي التي لا ترى في أبنائها إلا العيوب، وهي بالتالي دائمة النقد وأحيانا التجريح، ولا يعجبها أي شيء مهما فعل لها الأبناء.
2- الأم الراعية:
وهي الأم الحنونة الطيبة التي تغمر أبناءها بكل الحب والحنان والرعاية، وترى كل شيء منهم جميلا ورائعا.
3- الأم الكاملة:
وهي تجمع بين صفات الأم الراعية والأم الناقدة؛ بمعنى أنها قادرة على رؤية السيئات والحسنات في أبنائها، وقادرة على النقد والتوجيه، وأيضا قادرة على المدح والتشجيع والحب.
ويبدو أن والدتك تنتمي إلى نمط الأم الناقدة خاصة في سلوكها معك، وربما تتساءلين: "ولماذا تفعل معي أنا بالذات هكذا، على الرغم من أنها تعامل إخواني الذكور بشكل مختلف تماما؟"، وهذا سؤال منطقي تماما، وهناك عدة احتمالات لذلك التعامل الانتقائي:
• الاحتمال الأول:
أنك متدينة مثل أبيك، أما هي وإخوانك فليسوا كذلك، وبالتالي فيحتمل أنها تشعر بالضيق تجاه سلوك أبيك المتدين، خاصة أنها تشجع إخوانك على الخروج من البيت كي لا يكونوا قريبين من أبيهم المتدين، وهذا يجعلنا نتوقع حساسيتها نحو المتدينين، وهي لا تستطيع أن تواجه أباك؛ فتقوم بإزاحة مشاعرها السلبية كلها نحوك؛ فكأنها تكره فيك تدين أبيك!
• الاحتمال الثاني:
هناك بعض الأمهات يشعرن بالغيرة من البنت الكبرى، وأحيانا يشعرن بالمنافسة تجاهها، وهذا يرجع لعوامل في شخصية الأم وعوامل في شخصية البنت وديناميات معينة في العلاقة بين الأم والأب والبنت لا داعي للخوض فيها الآن.
• الاحتمال الثالث:
أن الأم محبطة في علاقتها بالزوج؛ ولذلك توجه مشاعرها نحوك على أنك ابنتها الكبرى التي يمكن أن تتحملها.
• الاحتمال الرابع:
أن الأم متحيزة ضد الأنوثة، وهذا يتضح من ميلها لإخوانك الذكور وانتقادها لك، وحتى أختك الصغرى تترك لك مسؤولية العناية بها؛ فكأنها ترفض الأنوثة في نفسها وفيك وفي أختك الصغرى.
• الاحتمال الخامس:
أن تكون لديك أنت حساسية مفرطة تجاه أمك، وإن كان ذلك حقيقيا فالدافع إليه موجود، وهو أنك البنت الكبرى، وأنك مهيأة للغيرة من إخوانك الذكور الذين تحبهم أمك وتدافع عنهم، ومهيأة أيضا للغيرة من أختك الصغرى لأنها "آخر العنقود" وتحظى باهتمام الجميع. وهذه الغيرة لديك تجعلك تستقبلين أفعال الأم وكلامها بشكل سلبي دائما، ويجعلك في حالة نفور منها كما هو حادث الآن.
وفي رأيي أن كل الاحتمالات السابقة موجودة في حالتك بدرجات متفاوتة، وبناء على ذلك تحتاجين للتالي:
1- معالجة مشاعر الغيرة المحتملة في نفسك أولا حتى تتخلصي من كثير من مشاعرك السلبية تجاه أمك وربما تجاه الأسرة ككل. أعرف أن هذا الأمر مفاجأة لك وربما تستنكرينه، ولكني أرجو أن تفكري فيه كاحتمال قوي.
2- حاولي أن تخففي من حالة الاستقطاب الموجودة في الأسرة بين ذكور وإناث ومتدينين وغير متدينين؛ فكلكم في النهاية أعضاء أسرة واحدة، وحاولي مد جسور التواصل مع باقي أفراد الأسرة بشكل متوازن.
3- حاولي أن تقربي المسافة بين أمك وأبيك لكي تخففي من الإحباط والفراغ العاطفي المحتمل في حياة الأم، والذي بسببه تمارس الأم معك حالة من الاعتمادية والعدوانية.
4- حاولي أن تضبطي المسافة بينك وبين الأم لكي لا تكوني دائما في مرمى مشاعرها السلبية (إحباطها وعدوانيتها واعتماديتها)، ويمكنك فعل ذلك بالانشغال بوظيفة أو دراسات عليا أو أن تكون لك صديقة (كما فعلت)؛ أي أن تكون حياتك أوسع مما أنت فيه الآن، واعلمي أن الأم ستحاول استعادتك بجوارها طول الوقت لتسقط عليك مشاعرها المتناقضة، ولكنك تستطيعين الابتعاد عنها بعض الشيء برفق مع مراعاة برها قدر الاستطاعة.
أعلم أنك -لأسباب كثيرة ذكرتها في رسالتك- ربما لا تكونين قادرة على الإحساس بحبها، ومع هذا أطالبك بالبر بها، على الأقل على مستوى السلوك الظاهر، أما القلب فلا سلطان لأحد عليه إلا الله.
5- إذا جاءت فرصة جيدة للزواج فلا تضيعيها ولا تؤجليها؛ ففي الزواج خلاص من مثل هذه الظروف الضاغطة، ولكن لا ترضي بأي زواج لمجرد الهروب من هذه الظروف الضاغطة، وإلى أن يأتي الزواج بإذن الله تذكري أن وجودك في هذا البيت وجود مؤقت، وأنك عما قريب ذاهبة إلى بيت الزوجية الذي تعيشين فيه كما تريدين.
6- حاولي استعادة علاقتك المميزة مع الله بالصلاة وقيام الليل والدعاء وعمل الخير؛ فإن في هذا تلطيفا لمعاناتك، واعلمي أن الصبر على الابتلاء ثوابه عظيم عند الله، وأن بر الوالدين لا يتوقف على كونهما صالحين أو غير ذلك فهو بر غير مشروط، ولا يوجد أي مبرر لحجبه عنهما خاصة الأم.