أكره نفسي
إني أكره نفسي، وأكره حياتي، وأكره أبي وأمي وكل المتزوجين، أتعرفون لماذا؟ لأني رأيت فيلمًا جنسيًّا لأول مرة في حياتي، ورغم أني أبلغ من العمر 22 عاما فإني لم أعرف معنى الزواج إلا عندما شاهدت هذا الفيلم. وأقسم بالله إني لم أكن أقصد مشاهدة مثل تلك الأفلام الفاسدة، وأتمنى لو كنت قد مت قبل أن أرى ما رأيت، فأنا شاهدته بالصدفة.
أنا فتاة جميلة ولقد تعرضت لكثير من التحرشات الجنسية حتى الآن، وقد يكون ذلك أحد أسباب شدة كرهي للجنس الآخر. والمصيبة أن أمي -رحمها الله- ضيقت علينا في الصغر؛ لذلك فعندما يتقدم إلي الخطاب فإني أشعر بأعراض مرضية مفاجأة، وأفقد شهيتي، ولا أستطيع إخبار أحد بالسبب الحقيقي لتلك الأعراض، ولا الذهاب إلى طبيب نفسي، وقد كنت على وشك الخطبة فانتابتني نوبات إغماء تستمر للحظات ثم تزول، وكانت تنتابني نوبات بكاء مريرة؛ فسأحتقر نفسي وأكرهها إذا مارست الجنس ولو للحظة واحدة.
ومع ذلك داخلي أمنيات أريد تحقيقها، مثل أن يكون لي أطفال، ولكن بدون ممارسة الجنس بتلك الطريقة البشعة حتى لا يكرهني أولادي مثلما أكره أبي وأمي.. فإلى متى سأقاوم فكرة الزواج؟ وماذا أفعل كي أفك عقدتي؟ وعلى فترات متباعدة أحلم أحلام اليقظة من أن يكون لي فارس أحلامي الذي أحبه ويحبني، كما أني أخشى أن أتزوج ولا أعطي زوجي حقوقه؛ فيتزوج علي؛ فقد سمعت عن ذلك الكثير، وأغضب ربي.
ولقد كنت شديدة الحياء، حتى إني كنت أخجل من مجرد الحديث مع فتيات في مثل سني،
ولكني للأسف فقدت كثيرًا من حيائي في الآونة الأخيرة.. فما رأيكم؟.
5/1/2022
رد المستشار
الأخت السائلة، من الواضح أنك مصدومةٌ بحق، ومن الواضح أيضًا أنك كتبت لنا وأنت في أوج الصدمة؛ لأني أراك تخلطين المفاهيم بشكلٍ غريب! ولعل ذلك بسبب الصدمة، وأنا سأتناولُ رسالتك جزءا جزءا.
أولاً قلتِ: إنك شاهدت فيلمًا جنسيًّا لأول مرةٍ في حياتك، ولهذا السبب تكرهين نفسك وأمك وأباك والمتزوجين كلهم، لماذا؟ تقولين: لأنك شاهدت فيلمًا جنسيا! فهل أفهم من ذلك أنك تكرهين كل هؤلاء؛ لأنهم يمارسون الجنس، والجنس كما تحسبين هو ما رأيتِه أنت في الفيلم؟! هذا ليس واضحًا في رسالتك، وهو ليس صحيحًا أصلا أن ما رأيتِه يا أختي هو الجنس الذي يحدثُ بين المتزوجين.
هناك فارق كبير بينَ من يعيشونَ من أجل الجنس كما يوجدُ بكثرة في المجتمع الغربي، أو على حساب الجنس؛ لأنهم يرتزقونَ من خلال تمثيل وتصوير الأفلام الجنسية! ما شاهدته أنت في ذلك الفيلم، وسبب لك الصدمة والتقزز، كما يسببها لكل ذي فطرةٍ سليمةٍ خاصةً عند الصدمة الأولى، ليسَ هو الجنس الذي يحدثُ بينَ الأزواج الطبيعيين –على الأقل في مجتمعنا-؛ فعندنا أشياء كثيرة ما تزال تحمينا من ذلك التمحور حول الجنس، وواقع الممارسة الجنسية غير ما تعرضه تلك الأفلام الفاحشة، وهذا كلام قلناه على هذه الصفحة منذ أمد بعيد، وقلنا أيضا: إن التصور الإسلامي الحقيقي للجنس ليسَ كما يظنُّ الكثيرونَ من الذين يأخذونَ الأمور على ظاهرها؛ فهوَ تصورٌ مختلفٌ يعترفُ بفطرة الله، وطبيعة البشر، وبأن الجنس متعةٌ أنعم الله بها علينا، وجعل سرورنا بها عظيمًا، ما دامت في حدود شرع الله.
والإسلام بذلك مختلف عن اليهودية والمسيحية وكل الأديان؛ فأنا أستطيعُ أن أقول لك: إن التصور اليهوديَّ والمسيحي للجنس يرى فيه سبيلاً للإنجاب، حتى إن بعض المذاهب المسيحية تذهب إلى حد تحريم الجنس ما لم يكن القصد منه هو الإنجاب! ولعل لهذا التشدد الديني في الكنيسة الغربية دورًا هناك في إحداث رد الفعل المبالغ فيه بالتركيز على جانب المتعة الجسدية الخالية من المعنى ومن العاطفة، والمتعاملة مع الجسد البشري باعتباره تطورًا لجسد الحيوان! وهو نفس رد الفعل الذي تطور مع التقدم التكنولوجي الهائل، والعولمة، والكثير من التغيرات العالمية المعروفة ليصبحَ بحثًا عن كل غريب ومثير من حيث جدته أو شذوذه ليكونَ مروجًا لبضاعة الجنس في العصر الحديث، وبعد أن أصابهم الملل من السبيل الإنساني الطبيعي، والعلاقة الفطرية كما يريدها الله بين الرجل والمرأة.
واختصارًا أقول لك: إن رد فعلك هذا طبيعي ما دام في حدود التقزز والقرف؛ لأنك على الفطرة السليمة، ولكن يجبُ ألا تخلطي الأمور؛ فأنت تحسبين أن ما شاهدته هو الجنس، بينما هو نوع من الفن الذي يناسبُ أناسًا حُـرِّفت طبائعهم، ولم يعد الطبيعي يثيرهم، ولا علاقةَ لك ولا لأبيك وأمك وكل المتزوجين بذلك، مخطئة أنت في هذه المسألة، ولكنك كنت معذورة ومصدومة، وينبغي ألا يستمر هذا طويلا.
وثانيًا أصلُ إلى علاقة التحرش الجنسي -كما تسمينه- الذي تعرضت له أكثرَ من مرةٍ؛ فتسببَ في كرهك للجنس الآخر، وهذا أمرٌ أحتاجُ لكي أردَّ عليك فيه إلى معرفة تفاصيل أكثر، وإن كنتُ أحبُّ طمأنتك بأن هذا الأمرَ ما دام مقصورًا على ذكريات أحداث منفردة تعرضت لها في طفولتك؛ فهو ليسَ بالأمر الجلل، بل إن ستينَ بالمائة من النساء على مستوى العالم تعرضن لمثل ذلك في طفولتهن، وليسَ ما تحسين به من كرهٍ للجنس الآخر متعلقًا بهذا الأمر بقدر ما هو متعلق ببعض المفاهيم الخاطئة التي أخمن أنها لديك عن الجنس وغريزته، وجسدك وإدراكك له ولحقوقه، ولرغباتك المشروعة فطريا، المكبوتة أو المستنكرة اجتماعيا.
وثالثًا: نأتي إلى خوفك من الزواج، وما يعتريك من أعراضٍ جسديةٍ وفقد للشهية وأحيانًا إغماء؛ فهذا متوقع بالطبع؛ لأنك تعانين من مشكلات فكريةٍ ونفسيةٍ تتعلق بالجنس، ولا تستطيعين الإفصاح عنها لأحد، وهذا ما يستوجب أن تطلبي المساعدةَ من طبيبٍ نفسي متخصص، وقولك بأنك لا تستطيعين طلب العون المتخصص معناه أن قدرة أي شخصٍ بما فيهم أنا على مساعدتك ستظلُّ محدودةً للأسف؛ لأن علاج الحالات التي تشبه حالتك يستلزم جلسات علاج نفسي تقومين أنت والمعالج أو المعالجة في المرحلة الأولى منها بتذكر تفاصيل ما حدثَ لك منذ طفولتك من تحرشات جنسية إلى أن تصلي إلى ما شاهدته في ذلك الفيلم المشؤوم، ثم يقوم المعالج بعد ذلك بتصحيح الأخطاء المعرفية التي تشكلت في منظومتك الفكرية، ثم يتم تصحيح المشاعر المبنية عليها بعد ذلك.. فهل يمكنُ أن يتم ذلك دونَ علاقة مباشرة؟!
أعتقد أن مثل هذا سيكونُ من الصعوبة بمكان، لكنني أيضًا أحبُّ أن أطمئنك إلى أن علاقتك بزوجك لن تكونَ كما شاهدت وكما تتخيلين، وإنما ستكونُ بفضل الله مزيجًا من الحب والشوق والحنان ليجيءَ الجنس بعد ذلك وأنت راغبةٌ فيه، وأتمنى ألا تتوقعي السوءَ دون داعٍ.
وفي النهاية أرجو أن يوفقك الله، وأن تسترجعي ثقتك فيه سبحانه وتعالى، وأن تستغفريه؛ فيغفر لك بإذنه تعالى؛ لأن مشاهدةَ الأفلام الجنسية حرامٌ كما تعرفين على الأقل لما ينجم عنها من أضرار نفسية، ثم إنك لم تفقدي حياءك كما تقولين، وإنما إن صدقَ ظني فأنت تخليت عنه بعض الشيء وفي بعض المواقف، لكن حياءك ما يزالُ داخلك.. فلا تفسدي فكرتك عن نفسك بميلك إلى تضخيم الأمور، وتعميم الأحكام، وفقك الله وهداك.
التعليق: ربنا يصلح حالكِ ويمن عليكِ بالشفاء ويجازي كل من يتسبب بأذى لبريء أضعاف الألم الذي سببه له