أرجوك أعطني جزءا من وقتك
لا تنظر إلى طول الرسالة، ولكن انظر إلى طول معاناتي، أعلم أنه من الغريب أن أمر بهذه الحالة لكن ظروفي هي التي تحتم علي هذه النفسية.. فقد طُلقت قبل رمضان بقليل.. حاولت أن أسيطر على نفسيتي، وأن أبدأ حياتي من جديد وبالفعل استطعت ذلك أمام الجميع، ولكن عندما أقفل على نفسي الباب أشعر بالضغط النفسي الكبير الذي أشعر أنه يحطم كل أمل جميل في حياتي.. أتعلم لِمَ كل هذا الحزن الذي أحمله؟ لا تظن أني أحن لحياتي أيام زواجي. لا والله فهي من أقسى أيام حياتي لم أهنأ فيها أبدا.. لحظات السعادة كانت تعد على الأصابع.. كل ما أذكره هو الهم والغم والضيق والدموع التي لا تنتهي.. لكني للأسف أحببت زوجي حبا عظيما لا يقاس!
وإلى الآن ما زلت أحبه أتمنى أن أعود سأتحمل كل هفواته، وكل ميل له للنساء نعم رغم كرم أخلاق زوجي، والحب الكبير الذي كان بيننا فإنه يعشق النساء، وبدأ بالتعدد فلم يكتفِ بواحدة ولا اثنتين بل أخذ الثالثة، وهو يفكر في الرابعة، نعم كان يعدل، لكن فيمَ كان يعدل؟ في التقصير والإهمال، في العيش على البركة على حد قوله.. كنت الوحيدة من زوجاته البعيدة عن أهلي كلهن كن يقضين أيام غيابه عند أهاليهن، لكني كنت أقضي يومي بين جدران أربع أندب حظي وأكره نفسي وأكرهه.. ومما زاد من وحدتي وتعبي هو عدم إنجابي، تعبت نفسيتي جدا فأنا لم أكن أشعر كباقي النساء أن لي زوجا مسؤولا عني يقضي حاجاتي يكون بجانبي كل ما كان بيني وبينه هو يوم من ثلاث، لا أعلم ماذا أفعل به هل أقضي به حاجاتي؟ أم أجلس معه؟ أم أكرمه وأغدق عليه كي أكون أفضل من غيري؟
فأنا طوال عمري معه سأكون في منافسة.. المهم لم أطق هذه الحياة التي شغلتي حتى عن طاعتي فدائما أنا في ضيق وشغل حتى عن عبادة ربي.. المهم مع طلباتي المستمرة بالطلاق طلقتي الطلقتين، وحاولنا أن نسيطر على الوضع.. وأنا ما زلت متأكدة إلى هذه اللحظة التي أعلم أني فصلت عنه نهائيا أنه كان يحبني، لكنه لا يستطيع الإنفاق على ثلاثة بيوت، المهم في المرة الأخيرة هددته بأني سأقتل نفسي إن لم أطلق فكانت القاصمة، وفك الرباط وانفصلنا.
والآن أعاني من وحدة أشد مما كنت فيه رغم وجودي مع أهلي، والأدهى والأمر من ذلك أني أعاني من حبي له الذي يشقيني، لكن لا حول ولا قوة.. المهم مرت الأيام ورغم أني لم أنتهِ من العدة بعد.. تقدم لخطبتي رجل آخر؛ ومن هنا أريد مشورتك، فبالرغم من كثرة عدد مرات استخارتي فإني ما زلت في حيرة من أمري، ولكي أوضح لك الأمر أكثر سأكتب لك ما يجعلني أوافق عليه وما يجعلني أخشى من الارتباط به.
الأمور التي تجعلني أرفضه هي:
1. الاختلاف في المستوى التعليمي فهو لم يدرس أبدا، ولكن بحكم عمله في التجارة تعلم القراءة والكتابة والتعامل وأنا مدرسة.. وأخشى أن تكون هناك مشاكل بيننا بسبب هذا الفارق.
2. رغم أنني وهو من أصول آسيوية فإنني أملك الجنسية وهو لا يملكها، وهذا لا يشكل عندي مشكلة. لكن المشكلة أنه وبالرغم من أنه يعيش في الخليج منذ أكثر من 20 عاما فإنه مازال يكسر في الكلام.
3. أنه متزوج من امرأة تسكن في بلدنا الأصلي، وهو لا يزور بلده إلا كل أربع أو ثلاث سنوات، ويقول إنه تزوجها نزولا عند رغبة أهله، وهو يريد أن يطلقها، لكن رفقة بحالها أبقاها لأنها فقيرة وهو الذي يصرف عليها ويسكنها، ويقول إن أردت أنا فسيطلقها، وهذا ما لا أريده.. وكذلك لا أريد أن أرتبط بمتزوج مرة أخرى.
أما الأمور التي تجعلني أوافق عليه فهي:
1. أني بعدما تعودت على أن يكون لي بيت وزوج صعب علي جدا أن أعيش مرة أخرى في بيت أهلي الذي ليس لي فيه أي صلاحية.
2. أني أرغب أن يكون لي أبناء؛ وهذا الأمر لا يكون إلا إذا تزوجت والمطلقة فرص زواجها قليلة.
3. أنه مُصر علي ومستعد أن يفعل ما أريد فقط من أجل أن أوافق عليه، وهو شخص محافظ على صلاته، ولكن بعض الأمور الدينية تنقصه، فأشعر أني أستطيع أن أغيره للأفضل، وخاصة أنه عنده قابلية لذلك.
4. أن رجوعي لزوجي الأول لا يكون إلا بمروري بمحطتين إحداهما زواجي والأخرى الطلاق.. فزواجي أولى خطوات الرجوع إلى من أحب.
5. لعلي أحب هذا الرجل كما أحببت سابقه فأرتاح قليلا من ألم الفراق، وحب من ليس من سبيل إلى عودته.
6. أني أريد أن أفتح مشاريع تجارية وبحكم عمل هذا الرجل في التجارة سيفيدني كثيرا في إدارة أعمالي وهو الأقرب لي من غيره.
أخي الفاضل، كنت صريحة جدا معك، وكل هذا لكي ألقى عندك المشورة التي تريحني من التفكير.
ولك كل الشكر والتقدير..!
15/1/2022
رد المستشار
أختي الحائرة الحزينة:
حملت رسالتك معي أتأمل فيها مرة ومرات ولو كان بيدي لأعطيتك جائزة للتميز في وصف مشاعر الندم التي تجتاح نفس المطلقة التي تدرك بعد فوات الأوان أنها ربما تكون قد تسرعت، والله سبحانه حين شرع لنا الطلاق فإنه أعطانا هذه الرخصة على خلفية أننا أحرار ومسؤولون عقلاء نتدبر العواقب ونتمهل قبل القرارات المصيرية، وربما لغلبة العاطفة على المرأة وهذا لا يعيبها جعل عقدة النكاح بيد الرجل لعله يتذكر أو يخشى أو يتمهل أكثر قبل اتخاذ القرار، ولكن ماذا عندما تهدد الزوجة بالانتحار؟!!
قصتك تؤكد ما أكرره أن من تريد الطلاق فإنها ستحصل عليه إن آجلا أو عاجلا ولكن ماذا بعد؟!!
ورسالتك فيها أيضا تصوير رائع من واقع تجربتك – عن حياة زوجة في ظل ارتباط زوجها بالزواج من أخريات فهي تشعر أحيانا وكأنها زوجة لبعض الوقت، وتشعر دائما بهذه المنافسة بينها وبين الأخريات، ولا أستطيع أن أناقشك في حبك لطليقك فالقلوب بيد الله يقلبها كيف يشاء، ولكنني ألفت نظرك إلى أن الاستمرار على حب إنسان لا يعني بالضرورة الارتباط به إذا كان هذا الارتباط يبدو مستحيلا أو قاسيا يدمر المشاعر والطموحات، ولا يجلب سعادة إلا مختلطة بآلام مبرحة وهو شقاء مستمر، والسؤال ما الذي يضطرك إلى ما سبق ورفضته وعجزت عن تحمله مرة ومرتين وثلاثة؟!
قلت قبل ذلك إن الحب شيء والزواج شيء آخر، وأعتقد أنك قد أخذت فرصة كافية مع زوجك السابق، وتكرار الألم النفسي على النحو الذي كان قد يجعل منك امرأة لا تشعر باللذة والإشباع العاطفي إلا مقرونا بالألم والتعاسة والشقاء، فهل أنت كذلك؟!
الحقيقة أنك الآن بعيدة عن الجدران الأربعة، وعن مشاعر الحزن والهوان والأسى بسبب احتياج دعم الشريك الذي كان الحاضر الغائب طوال الوقت، ولعلك اليوم تقفزين فوق كل هذا وذاك تبعا لقاعدة "أي شيء أفضل من لا شيء"، ولا تصلح هذه القاعدة أساسا لزواج ناضج يستمر، ولكنها آلام الوحدة هي التي تدفعك لمثل هذه الافتراضات والخيالات فتظنين أن عودتك لزوجك السابق هي الحل وتظنين أن ما في قلبك الآن هو حبه بينما حقيقة مشاعرك هي افتقاد الأنس بشريك.
على كل حال أعتقد أن الأمور ستتضح لك شيئا فشيئا فما زالت جراح الطلاق والانفصال في نفسك طازجة تنزف، والأمر يحتاج إلى وقت. أما بالنسبة للرجل الذي تقدم لك، وما يدور بذهنك ونفسك نحوه، فأنا أتفق معك في منطق مبررات قبوله ورفضه، ولكنني ألفت نظرك إلى أمرين أحدهما غامض تماما وهو ما يتعلق بالإنجاب، فأنت لم تذكري السبب وراء عدم إنجابك من زوجك السابق، وهل العيب أو الخلل الصحي كان منك أم منه؟!!
فإذا كان الخلل في صحتك أنت فكيف تطمحين إلى الإنجاب من الجديد؟! وإذا كان الخلل من زوجك السابق فكيف تضحين بالأمومة من أجل زواج مضطرب ومعيشة قاسية كتلك التي كانت؟!! هذه نقطة غامضة غاب عنك أن تذكريها في رسالتك، رغم أنها أساسية بالنسبة لك كما يبدو من كلماتك.
أما الأمر الثاني فهو محاولتك لاتخاذ قرار مصيري بالزواج الثاني وأنت في هذه الحالة من الألم والفقد والاضطراب الشعوري والحزن والحيرة التي أثرت حتى على عبادتك، وأرجو ألا تكوني قد تسرعت بأي رد على هذا المتقدم لك، فأنت تحتاجين أولا إلى وقت تبرأ فيه نفسك من جراح الانفصال تماما قبل أن تكوني مؤهلة لدراسة ارتباط جديد، فضلا عن الدخول فيه، فهلا أعطيت نفسك هذه الفرصة، بدلا من أن تكوني كالمستجير من الرمضاء بالنار.
أعطِ نفسك فرصة أشهر ندرس بعدها سويا -إن شئت- هذه الحالة الجيدة بشعور متوازن وعقل هادئ، فمن حقك ومن حق هذا الرجل الجديد أن يأخذ فرصته في النظر إليه على مهل، واختياره أو رفضه بإنصاف، وليس كمجرد بديل أو مسكن للألم، فلا تتسرعي بالزواج كما تسرعت من قبل في الطلاق.
واخرجي يا أختي للحياة والوظيفية التي تمارسينها، وإلى الحياة العامة بأنشطتها المختلفة فالعالم أوسع من هذا الضيق الذي تفرضينه على نفسك، والرجال أكثر من مجرد هذا الرجل الذي كنت زوجته، ومن هذا الذي يتقدم لك فتقدمين رجلا وتؤخرين أخرى في شأن التفكير بالارتباط به.
دعيه يمهلك لعله يجد أخرى أنسب له، ولعلك أيضا تجدين غيره أنسب لظروفك ثم انظري في شأنه بعد أن تمر فترة تستعيدين فيها توازنك النفسي وقدرتك السليمة في الحكم على الأشياء والأشخاص.