السلام عليكم أعزائي
أنا والحمد لله فتاة لم أكمل بعد عامي الحادي والعشرين، ملتزمة والحمد لله، بل إنني واحدة ممن يعملن في حقل الدعوة، تربيت في أسرة لم أر مثلها يوما، تكاد تكون مثالية في الأخلاق والالتزام، حتى إنني كثيرا ما شعرت بغربة عن الناس بسبب هذا الأمر، فقد تربيت على أخلاق وقيم وتدين وحب ومودة وأشياء كثيرة غابت في عالمنا الآن. الحمد لله أنا أحب ربي جدا، وأشتاق إليه، وإن كنت أخشى اللقاء.. فما عملته لن ينجيني إن لم يرحمني ربي وينجيني، إخوتي يحبونني جدا، وأنا أحبهم جدا، لا أتخيل كوني في أسرة غيرها.
أجدك تتساءل وما المشكلة إذن؟؟؟ المشكلة هي أنني فجأة أشعر بالغربة حتى عن أهلي، أشعر أنني تائهة رغم معرفتي بطريقي، وحيدة رغم كثرة من حولي، تتصارع في ذهني الأفكار، وذكريات مؤلمة لا أستطيع أن أنساها أو أسامح نفسي.. عن ماذا؟! بالتأكيد تريد أن تعرف؟؟؟ لقد اعتدت في فترة من عمري وخاصة فترة المراهقة على ممارسة أمر لم أكن أعرف ما هو، وكنت أشعر أنني أدمنته، لم أكن أعرف لماذا أقوم به، كل ما كنت أشعر به عندما أستيقظ من تلك اللحظات مرارة وقشعريرة وألم، لا أستطيع أن أنسى طعمه في فمي إلى الآن.
وبعد فترة طويلة، عرفت أنها "العادة السرية" كما اعتاد الناس أن يطلقوا عليها، ذهلت، وصدمت، وتألمت، فقد عرفت أنني كنت مخطئة، فقدت ثقتي في نفسي وفي أني إنسانة ملتزمة، امتلأ قلبي بالخوف والحقد على نفسي، لم أستطع أن أسامحها، في كل مرة كان يحدث هذا الأمر كنت أشعر أنني مغيبة، لست أنا، وعندما أستيقظ أصرخ: كيف؟؟؟ ولماذا ؟؟؟ وأشعر بدوار وغثيان.. واعذرني إن قلت "قرف" من نفسي.
حاولت كثيرا ووقفت بين يدي الله أدعوه أن يخرجني ويصرف عني هذا الذنب، فعلت كل ما قرأت حتى أنتهي عن هذا الذنب، كنت أشعر أنني أخون نفسي ومن حولي وأغضب ربي وأفرط في دعوتي، اعتدت طوال عمري أن أجلد نفسي وأحاسبها دون غيرها على أتفه الأسباب، وكان هذا الأمر كافيا لتكون عدوتي، بعد التوبة والأمل في رحمة الله أسأله أن يساعدني. وبالفعل بدأت الفترات تتباعد،
والآن أنا لم أقبل على هذا الأمر منذ فترة طويلة، إلا أنني لا أستطيع أن أنسى مرارة الذنب، ولا أن أسامح نفسي، تمر علي فترات أكره الدنيا ومن حولي، أبتعد حتى عن دراستي وإخوتي في الله، أشعر أنني عبء ثقيل على أمتي، دون هدف دون غاية، رغم وجودهما في قلبي، أبتعد أجلس وحيدة في الظلام بين آيات ربي ومناجاته.
أشعر أنه سبحانه رغم أنني أثق في كرمه فإنه غير راض عني، أفقد الشعور بكل شيء،
أمرض كثيرا وأخرج من مرض لآخر،وأشعر أن هذا هو السبب "الذنب، غضب ربي".
22/1/2022
رد المستشار
ابنتي الكريمة، أشكرك على حسن ظنك، وأدعو الله سبحانه أن يساعدني لأساعدك، ويعلمني لأفهمك، وأرجو أن تكوني قد اطلعت على إجاباتنا السابقة التي تناولت ممارسة العادة السرية، ولا أعرف عمر متابعتك لموقعنا، وكنت قد أجملت الحديث –فيما أتذكر- عما يمكن تسميته سيكولوجية الذنب أو نفسية المعصية، وهو مبحث هام يحتاج من المتخصصين والمهتمين بشؤون النفوس إلى دراسة وبحث متعمق، وحالتك تبدو مثالية للبدء في دراسة كهذه.
مما يروى عن إبليس أنه سئل: كيف تغري الناس؟! فقال: آخذهم بالشهوات والشبهات. وفي حالتك –مثل ملايين- تجتمع الشهوات مع الشبهات، فأنت في غمار حديثك عن أسرتك الرائعة التي "تكاد تكون مثالية" تنسين أن هذه الأسرة لم تعلمك شيئًا عن جسدك حتى إنك "تكتشفين" بعد وقت طويل أنك تمارسين العادة السرية، ويا له من اكتشاف مؤلم لفتاة ملتزمة في بيت محافظ، وهكذا افتقدت لمصدر المعرفة الأول والأهم والرئيسي لمثل هذه الأمور، وأتوقع أنك طبعًا لم تتعلمي عن نفس الأمر –سواءً جسدك أو العادة السرية- من محيط الملتزمات حولك لأن الحديث حول هذه القضايا الهامة في حياة كل فتاة طبيعية أمر محرم ومحظور وعيب وسط البنات... إلخ
ولم تجدي أيضًا المعرفة الصحيحة حوله لا في مدرسة أو مسجد، وأحسب أنك عرفت هذه المعلومات عن طريق صفحتنا، وإذا صح هذا فإنني أهدي قصتك للأخوة الأفاضل، والأخوات الفضليات، الذين واللائي ما زالوا وما زلن يلوموننا على عرض الحقائق العلمية، والمعرفة الدينية والإنسانية حول قضايا الجنس والجسد، وعلاقة الإنسان برغباته وشهواته، وعلاقته بغيره في نفس المساحات، وهو مبدأ لن نتنازل عنه بعون الله، ولكننا أيضًا سنظل نجتهد في محاولة تطويره وتجويد عرضه حتى ينفع ولا يضر، ويرشد ولا يؤذي، ويكشف دون أن يجرح، ورائدنا هو مديح الرسول صلى الله عليه وسلم لنساء الأنصار اللائي لم يمنعهن الحياء من التفقه في أدق تفاصيل أحكام ما صار يعرف الآن بالجنس، وأصله أحكام المعاشرة، والطهارة من الجنابة، وحسن التبعل.
أعود إليك فأقول:
إن الجهل بشهوتك وجسدك كان مقدمة طبيعية للوقوع في ممارسة العادة، وهي ما صرنا نسميه: الاسترجاز نسبة إلى الإرجاز، وهو المصطلح العربي المقابل للشبق أو ذروة اللذة، والاسترجاز هو المقابل للاستمناء عند الذكور، وممارسته تبدأ غالبًا من باب الفضول، وحب الاستطلاع والتجريب، وخاصة في غياب المعرفة، وحين تشعر الفتاة باللذة الجنسية التي لم تسمع عنها، ولم تعرف كيف ولا لماذا تحدث، ولا كيف تتعامل مع رغباتها الجنسية... إلخ من الأسئلة المسكوت عنها، أقول:
عندما تشعر الفتاة بهذه اللذة العظيمة التي ربط الله بينها وبين إنجاب الذرية وإعمار الكون، ولولا هذه اللذة ما ارتبط زوجان بالميثاق الغليظ، ولا بقيت أسرة متماسكة رغم ضغوط الحياة، ولا انتشر الناس وتناسلوا وتكاثروا.
هذه اللذة هي أعلى المتع الحسية التي يشعر بها الإنسان، وحين تتوصل إليها فتاة وتدمن عليها فإنها تشتاق إلى استعادة الإحساس بها لأن في هذا الإحساس معانيَ كثيرة، ومتعة عظيمة، ولا أنوي الدخول في تفاصيل الآراء الفقهية التي تعاملت مع هذه الممارسة الجنسية بالتشديد في التحريم أو التخفيف إلى حد الكراهة، ولا أنوي كذلك الدخول في تفاصيل المدارس والآراء الغربية التي تراها ممارسة متوقعة كما في حالة أغلبية الفتيات أو كلهن هناك، أو تلك الاتجاهات التي تراها محمودة ومطلوبة بوصفها خطوة من خطوات النشاط الجنسي يمر بها كل إنسان.
وأعتقد أننا طوال الوقت نحاول توصيف التركيب والتعقيد الذي يكتنف المسألة، والذي يمكن أن ترينه واضحًا حتى في الأحكام الفقهية التي تربط بين الحكم الذي تأخذه هذه الممارسة وعدة متغيرات أخرى منها الضرورة، ومنها التمييز في الدافع للممارسة أو الهدف منها، هل هو جلب الشهوة أم دفعها؟!!! إلى آخر ما تمتلئ به كتب الفقه القديمة والمعاصرة من محاولات للتعامل مع المسألة، ولكن هذا يبدو بعيدًا عن حالتك، فالأمر بالنسبة لك مجرد خطأ وقعت فيه بجهالة، ولا أحسب أن الله يحاسب من يعمل السوء أو يتورط في خطأ عن جهل منه بما يفعل.
وتضخيم هذا الماضي هو من فعل الشيطان الذي يريد أن تيأسي من نفسك، وتتعثر حياتك وعلاقاتك وأنشطتك في الدعوة إلى الله وغيرها، ومن تمام توبة العبد أن ينتقل من مرحلة الندم على المعصية إلى مرحلة تخطيط عدم العودة إليها، ومضاعفة الحسنات في غيرها "إن الحسنات يذهبن السيئات"، ولن يكون هذا ممكنًا، وأنت قابعة في حفرة الخطأ القديم، وإنما ينبغي أن تغادريها فورًا، فلا تفكري فيها أبدًا، وتنصرفي إلى استثمار وقتك وطاقتك لخير حاضرك ومستقبلك، وربما معاونة غيرك بنشر المعرفة الصحيحة عن أحكام الجنس والجسد، والشهوات والشبهات، فهذا هو التكفير الإيجابي عن الذنوب، وليس مجرد الندم المهلك الذي لا يستفرد بإنسان إلا وأقضى مضجعه، وشل حركته، بل وسمم حياته، وما هذا بالندم المطلوب والمحمود شرعًا، لأن الندم المطلوب هو ما يدفع إلى التشمير وتعويض ما فات، وليس هو الندم المقعد الذي تعانين منه، وفخ الندم القاتل هذا هو أشد خطرًا من فخ الذنب نفسه، لأنه لا أحد يخلط بين الصواب والخطأ، إنما يخلط الكثيرون بين الندم الإيجابي والسلبي، وكأن الندم خير كله، رغم أنه ليس كذلك أبدًا.
وألفت انتباهك أنك إذا لم تستطيعي الخروج من هذه الحفرة، ومغالبة هذا الندم القاتل، والمشاعر السلبية المصاحبة له بجهدك مع نفسك، فقد تحتاجين إلى مراجعة طبيب نفساني أو طبيبة متخصصة لأنك حينئذ تكونين من مرضى الاكتئاب الذين انتقلوا من الحزن كشعور إنساني مؤقت إلى كونه حالة مستمرة تفسد حياة الإنسان وعلاقاته، فلا تترددي في طلب العون المتخصص المباشر إذا تطلب الأمر ذلك.