وسواس قهري : ترك الصلاة عرض وتكاسل
ترك الصلاة عرض أم تكاسل - متابعة
أحب أن أبدأ بشكركم على الرد السريع والذي وصلني بعد ٢٤ ساعة فقط. شكرا جزيلا
وأشكر دكتور وائل أنه أتاح لي الفرصة لمناقشة الأمر مناقشة تفصيلية لم تتح لي من قبل.
قرأت مقالات حضرتك عن الوسواس القهري والتعمق ووجدت أن معظم ما جاء بالمقال ينطبق علي -بدرجة مؤلمة- وخصوصا الخوف من الوقوع في الذنب (بعض الذنوب وليس كلها) حيث أبكي وأبكي وأبكي لمجرد أن فعلا معينا يتعارض مع الدين قد تكرر في خاطري وأعلم أني لن أحتمل وزره إن وقعت فيه.
المشكلة أني لا أسعى للذنب وإنما يتمناه القلب فقط بل وأتجنبه أشد درجات التجنب. من ناحية أخرى عندما أذنب فإني أتوب وأعلم أن الله يقبل التوبة وينتهي الأمر بالعزم على عدم العودة للذنب ولا أوسوس بخصوصه.
سؤال حضرتك عن فترات الاكتئاب (ماذا تعنين بالقصيرة؟ كم مدتها أيام أسابيع أم شهور؟ وهل لا توجد وسوسة إلا في وجود الاكتئاب؟ أي هل الوسوسة جزء من اضطراب مزاج؟)
أعتقد أني أعيش مع اضطراب المزاج لأكثر من عشرين عام, بشكل متقطع بدون وجود نمط محدد للاضطرابات. مؤخرا أصبحت أظن أني لن أتخلص من الاكتئاب أبدا مما يجعل الحياة أكثر صعوبة. الفترات التي أشرت إليها قد تستمر ما بين أيام إلى عدة شهور ويكون هناك أيام لا أقوم فيها من السرير أبدا وأيام أخرى أكون فيها غاية في النشاط.
الوسواس يشتد مع اضطرابات المزاج ويصبح الانتحار فكرة وسواسية أصحو وأنام عليها وليست فقط رغبة عند الإحساس بالضيق. أوسوس بشأن أمور أخرى إلا أني اعتدت على تجاهل هذه الأفكار لأني أقرأ لك من فترة. أفكاري, حتى المعارضة للدين منها هي أفكاري أنا وليست أفكارا أعارضها أو أكرهها كما هو الحال مع الأفكار الوسواسية, لا أعرف, الموضوع فعلا مرهق.
عندي بعض النظريات لتركي الصلاة والتكاسل ليس من ضمنها:
١- التقرب من الله ونوبات البكاء أصبحت مرهقة, تعبت من الابتهال والتوسل والبكاء وأتجنبهم, مش ناقصة تعب قلب.
٢- أعاني من توتر شديد وعدم القدرة على السكون والاسترخاء وبالتالي الخشوع - حصلت على درجة عالية في اختبار ADHD for Adults- القلق بخصوص الحفاظ على مواعيد الصلاة أو فواتها وتحقق الخشوع من عدمه هو عبء كبير أصبحت لا أحتمله. أغلي من داخلي عند اضطراري لحضور محاضرة لا أفهمها أو محاضر غير متمكن وأصبح عدوانية جدا ولا أحتمل الطوابير أو فترات الانتظار قصرت أو طالت.
٣- عدت إلى الصلاة بخشوع وحب عندما كان مزاجي معتدلا جدا جدا جدا وتوقفت بعدها بأسبوع, لم يكن التوقف له أي علاقة بالله وإنما فقط لا أجد الطاقة داخلي.
٤- إني غاضبة من الله أنه خلقنا من الأساس, حمد الله على نعمة الخلق مثلا هي جملة لا أفهمها, أحمده على نعمه وعلى العافية وإن كنت سأحمده أكثر لو وفر علينا كل هذه المعاناة من الأصل ولم يخلقنا.
أكرر شكري لكم
السلام عليكم
26/1/2022
رد المستشار
الابنة الفاضلة "Shams" أهلا وسهلا بك على مجانين وشكرا على ثقتك، ومتابعتك خدمة الاستشارات بالموقع.
إذن دعي أمر الوسواس جانبا ودعينا نعمل على العلاج السريع لاكتئابك الجسيم ... هذا ما سأقوله لمريضة مماثلة لك في ممارستي الواقعية للطب النفساني.. وربما لا نناقش نظرياتك أو مبرراتك لترك الصلاة ... حتى تعودي إلى مزاجك الأقل اكتئابا واضطرابا... وليس بالضرورة أن يكون معتدلا جدا جدا جدا.
لكنك ستبدئين الصلاة المفروضة كعلاج سلوكي!! يعني الصلوات الخمس على الأقل تقوم بالتنشيط السلوكي Behavioral Activation وإذا أنت وافقت على أدائها كعلاج سلوكي ولا ينتظر منك لا خشوع ولا ابتهال ولا حتى التزام دقيق بالوقت ... (طبعا هذه ليست صلاة) وإنما تمارين سلوكية ... ثم سأطلب منك بعد أسبوع أن تضيفي إلى تلك الحركات ما يسمح لك بالتدرب على الاسترخاء أي أن تطيلي المدة بين الوضع والوضع التالي ... يعني تطيلين الوقوف ثم تطيلين الركوع ثم القيام من الركوع ...إلخ مع التركيز على خروج ودخول الهواء وخروجه من شفتيك إلى رئتيك وبالعكس. لتمنحي نفسك وجسدك فرصة للاسترخاء .... فتحتاجين مثلا ربع ساعة أو ثلث ساعة لأداء 4 ركعات.... وأؤكد أنها ليست حتى الآن صلاة ... هذا أيضًا سيفيدك في التقليل من العجلة التي تتسم بها بعض تصرفاتك ويحسن من ردود أفعالك وعصبيتك ومن تركيزك أيضا ثم بعد أسبوع أطلب منك زيادة التأمل على الاسترخاء أن تتأملي وعيك الحالي بكل ما فيه وأن تتقبليه فلا ترفضين شيئا ولا تهملين شيئا وصولا إلى الرضا (أو القبول كما يسمونها) بكل ما أنت! في كل لحظة ... وأن تتدربي على ذلك يوميا في مواقيت محددة وبنفس المنوال... بحيث في النهاية تصلين ما يسمونه باليقظة الواعية ونسميه باليقظة الراضية ... وحتى وصولا إلى اليقظة المطمئنة التي نراها تعني الرضا بمعناه الديني... رغم أن حركاتك ستكون حركات الصلاة ووقفاتك كذلك ... أي ليست حركات اليوجا أو غيرها ... إلا أنها في نفس الوقت علاج سلوكي.
وهذا الذي وصفته أعلاه يمثل جوهر برنامج علاج سلوكي صرف للاكتئاب يمكنه أن يحسن الاكتئاب الجسيم بدرجة أذهلت الباحثين دون أن يكون المحتوى صلاة لرب العالمين ... وهناك من الدراسات ما يثبت فائدة ذلك في تحسين الاستجابة لمضادات الاكتئاب والقلق ... وإن أجريت الدراسة على مسلمين يطيلون صلاتهم لله عز وجل دون تدخل معرفي معين ... إن شاء الله سيفيدك هذا جدا لكنه لا يغني عن احتمال الحاجة لعلاج عقاري لموازنة المزاج وربما بعض التعديل في عقاقيرك الحالية يقوم بها طبيبك المعالج فأنت لم تعطنا أي تفاصيل ولا نستطيع واقعيا وصف أو تغيير عقاقير، أي أن عليك أن تعرضي نفسك على طبيبك السابق أو أي طبيب نفساني كي لا يفسد اكتئابك دينك.
واقرئي على مجانين:
الاكتئاب الجسيم كيف يسلب الإيمان؟
الاكتئاب يسلب الإيمان ويفتح للشيطان!
الاكتئاب الجسيم كيف يسلب الإيمان؟ مشاركة
أتيمن أنك إذا فعلت ما نصحتك به وإن شاء الله تفعلين، ستتحسن حالتك المزاجية وسيصبح الحديث عن نظرياتك ومناقشتها معك في وقته الصحيح، بما في ذلك أفكارك, حتى المعارضة للدين والتي هي أفكارك أنت ولا تعارضينها أو تكرهينها والتي أتوقع أن تتغير قناعاتك تجاهها مع تحسن اكتئابك... ولا أخفيك أني انزعجت من اثنتين من نظرياتك وأخشى أن أظلمك وأنت مكتئبة .... وسآخذ رأي فقيهة الموقع د. رفيف الصباغ ....فيما أزعجني من نظرياتك.
وتضيف د. رفيف الصباغ.
أهلًا بك يا "Shams" ظاهر جدًا أن هذه النظريات التي ذكرتها في آخر رسالتك، لها علاقة بالاكتئاب، وإن كنت تظنين العكس، هي ليست نظريات عقلية بحتة، سواء قلَّت نسبة تدخل الاكتئاب فيها أو كثرت.
التقرب من الله ليس نوبات بكاء ولا توسل مرهق...، هذا في ظنك فقط! مزاجك المنخفض جعلك محصورة في البكاء والشعور بالتقصير والذنب ونحو ذلك، والشعور بالذنب مؤلم ومن الطبيعي أن تهربي منه ومن كل ما يذكرك به... ثم إن من يتضرع ويتوسل، لا يوصف بكاؤه بـ(النوبات)! إنما هي دموع تنهمر وحدها من الخشوع وشعور القرب من الله الرحيم الغفار. أنت بحاجة إلى سماع وقراءة ما يتعلق بنعم الله علينا، ورحمته، وجنته...، وابتعدي نهائيًا الآن عن سماع ما يثير الخوف، أو تأنيب الضمير...، هذا لا يناسب حالك الآن بل سيبعدك أكثر وأكثر عن الله.
ابحثي عن أي شيء جميل من حولك، حتى في الزهرة أو ورقة الشجر، حتى في نملة تحمل رزقها...، حتى في قطرة المطر تنزل فتبلل ثوبك وترسم عليه خطًا جميلًا... اتركي يا عزيزتي كل ما يعكرك، ولا تفكري في الذنوب الآن ولا العقوبة.
ومما يؤكد تدخل الاكتئاب في قناعاتك، شعورك بأن الصلاة والانضباط في وقتها المحدد والخشوع فيها عبء كبير!! وكذلك انعدام الدافعية إليها.
يا أختي صلي داخل الوقت فإن لم تستطيعي فخارجه، وإن أردت الصلاة (لا للعلاج كما نصحك د.وائل) فاكتفي بالفاتحة وتسبيحة واحدة في الركوع والسجود، ولا تقرئي إلا التشهد الأخير الذي قبل السلام. ستنتهي صلاتك في دقيقتين فقط، وستسقط عن ذمتك. يعني: تكبير، قيام فيه فاتحة، ركوع بمقدار تسبيحة وإن لم تتلفظي بها، سجودين كذلك كل واحد بمقدار تسبيحة... هكذا في كل ركعة، فإن كانت الصلاة رباعية، لا تقعدي بعد انتهاء الركعتين، وإنما قومي فورًا فصلي ركعتين أخريين وتشهدي وسلمي. هذه صلاة مقبولة تبرأ بها ذمتك، ولا تفكري في السنن والخشوع والكمال.
ومن أفكارك العقلية المدعومة بالاكتئاب كذلك تبرمك من وجودك، ولم تقوَ الإجابات العقلية على حل المشكلة...
فعلًا! ما الفائدة من وجودنا إذا كنا سنبقى متبرمين، حياتنا خواء لا نعرف ماذا نفعل فيها، لا يوجد من يملأ مشاعرنا بالسرور والجمال...، فعلًا لماذا نعيش؟!! الجواب العقلي بسيط، ولكنك الآن لا تريدين لعقلك أن يقتنع، لأن هذه القناعة لا تناسب حالتك النفسية، ولا انغماسك في الكآبة.
لاحظي التناقض في اعتراضك على الإيجاد: (وإن كنت سأحمده أكثر لو وفر علينا كل هذه المعاناة من الأصل ولم يخلقنا)! يعني مثلًا مثلًا، كيف ستحمدينه وأنت معدومة؟!! كيف ستشعرين بالنعمة وأنت لا شيء؟! عدم يعني لا يوجد إنسانة اسمها Shams حتى تشعر بالسعادة وبنعمة العدم وتحمد عليها!!
النعمة في خلقك أنك أصبحت كائنًا موجودًا فاعلًا، سميعًا، بصيرًا، له عقله، وله أحاسيسه... له طموحه القريبة يحققها في الدنيا، وله طموحه البعيدة يخلد فيها في الآخرة، وتبقى الحياة غير جميلة في ذاتها، وإنما لما فيها من معانٍ وتحديات، سواء كانت هذه التحديات مصاعب، أم أمور محببة للنفس، لأجل الوصول إلى الغاية الكبرى وهي رضا الله ودخول الجنة. والأمر ليس صعبًا كما تظنين.
لأضرب لك مثلًا: إذا جاءتك فرصة عمل في وظيفة مرموقة، عالية الدخل، محببة إلى نفسك...، ولكن هناك مقابلة صعبة بعض الشيء ودقيقة... إذا قصرت نظرك إلى المقابلة فقط، فإنك لن تجدي معنى للدخول إليها، ولا فائدة من التوتر لأجلها، وإذا أدخلك إليها أحد غصبًا فستغضبين منه، وتصرخين في وجهه: ما الفائدة من دخولي؟! وهل هناك من يحب أن يدخل الاختبار لأجل لا شيء؟!! لكنك إذا نظرت إلى الوظيفة وميزاتها الكبيرة، فستدخلين المقابلة بسعادة، وتقولين في نفسك: هي ربع ساعة أصبر عليها، وعلى توتر الإجابة على الأسئلة، ثم تصبح نسيًا منسيًا، حدثًا أرويه لغيري، وأتنعم بمركز عالٍ ومرتب محترم!
الدنيا مقابلة للدخول إلى الجنة، وللسعادة الأبدية، وإذا لم يخلقك الله فلن تدخلي إلى المقابلة ولن تفوزي بالجنة... ومن كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان سيدخل الجنة، حتى لو كان عاصيًا ودخل النار في البداية، ولكنه سيخرج منها ويشعر بالسعادة الأبدية بعد ذلك... يعني مجرد وجوده مع ذرة إيمان كانت له نعمة أبدية... ولا يخلد في النار بعد ذلك إلا شقي جاحد.
لا داعي لأن تعجبك الإجابة الآن، ولا داعي لأن تتحركي! فقط (انقري) الصلاة كما ذكرت لك، ثم اذهبي ونامي قريرة العين، ولا تفكري في أكثر من ذلك، فلا يكلف الله نفسًا إلا وسعها. وطبقي التمرين الذي وصفه لك د.وائل من تقليد حركات الصلاة بطريقة معينة، وعسى أن يكون الشفاء في هذا
عافاك الله وأذهب همك.
وأما أنا فقد اطمأن قلبي إلى اتفاق رفيف معي أن ما أزعجني راجع لاكتئابك الجسيم في رأيها هي أيضًا وتحاشيت بذلك أن يساء فهم نظرياتك، من الناحية الشرعية.
ومرة أخرى أهلا وسهلا بك دائما على موقع مجانين فتابعينا بالتطورات.
ويتبع>>>>: وسواس قهري : ترك الصلاة عرض وتكاسل م1