السلام عليكم
أنا سيدة عمري 35 سنة متزوجة منذ 17 عاما بزوج ملتزم وطيب يكبرني بتسع سنين، لدينا أربعة أطفال.. الاثنان الأولان أتيا بالترحاب والتهليل.. والاثنان الأخيران قدر الله وما شاء فعل. في المدة الأخيرة أصبحت ظاهرة عدم المسؤولية واللامبالاة واضحة بشدة في زوجي -زوجي الذي أحببته بجنون وأشعر أن حبي له بدأ يتناقص مع الأيام- تخلى عن دوره الاجتماعي والثقافي والديني والتعليمي لأبنائه على الرغم من أنه أستاذ جامعي متفوق.
يقول لي: هذه حدودي.. ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.. لكني لا أقبل هذا العذر بل أراه إنسانا أنانيا لا يهتم إلا بشؤونه الخاصة ويحرص على راحته فقط. يعطي للجنس والأكل أهمية كبيرة في حياته.. فهو كثيرا ما يشاهد المواقع الإباحية.. ولما أقول له هذا حرام.. يرد بكل برود أن أعراض الكفار مستباحة.. يعني لا يشعر بالذنب.. فركزت على اهتماماته حتى أصبحت فنانة في المطبخ والفراش.
وكذلك لما أحسست أنه يحن لأيام ما كنا بدون أطفال.. على الرغم من أنني لست من الأمهات المتعلقة بأبنائها.. حاولت جاهدة أن أوفر له الجو المناسب الذي يتمناه.. بحيث لا يزعجه أحد بخلوته في مكتبه الخاص.. ولا أشغله بمشاكلنا. حاولت الاهتمام به أكثر وعلى حساب أمومتي واعتبرته ابني المدلل الخامس.. لدرجة أشعر بتقصيري نحوهم إذا قارنت نفسي بغيري من الأمهات، لكني أحيانا كثيرة أشعر أني أتعامل مع كمبيوتر.. بلا أحاسيس.. لدرجة أنه يتحرج من أن يناديني باسمي.. فقط تعالي، خذي، اسمعي.
قلت له مرة أخشى أن أموت ولا أسمعك تنطق باسمي.. ولكنه يبسط الأمر يعتبر أن هذه أشياء تافهة.. لأنه لا يعطي للعاطفة أدنى اعتبار، ومحاولة مني للتأقلم مع الوضع وضعت قلبي جانبا.. وجاهدت نفسي كثيرا كي تصبح رؤيتي للأشياء رؤية عقلانية. صدقني أنا أحبه كثيرا.. لكن أخشى أن يأتي يوما أفقد هذا الحب.. دلوني على كيفية التعامل مع زوج بهذا الشكل.
كيف أقوى على القيام بدور الأم والأب والزوجة والعاشقة الولهانة.. في نفس الوقت؟؟؟
وأرجو المعذرة على الإطالة. وتقبلوا مني فائق الاحترام والتقدير.
25/1/2022
رد المستشار
الأخت الفاضلة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، إذا رأينا المشكلة من منظورك أنت فقط فقد يتبادر إلى الذهن أننا أمام زوج نرجسي أناني لا يهتم إلا باحتياجاته الخاصة من طعام وشراب وجنس وتفوق اجتماعي وعلمي، وأنه لا يعيرك ولا يعير أبناءه أي اهتمام، ولا يتحمل مسئولية أحد، وأنه فقط يبحث عن ما يمتعه ويرفعه، وإذا لم يجد كفايته عندك فهو يستكمل ذلك من القنوات الإباحية ويبرر ذلك لنفسه ولك بقوله "إن أعراض الكفار مستباحة"
وفي هذه الصورة السلبية يبدو دورك محدودا جدا ولا يتعدى إشباع بطنه وفرجه، ولهذا لا يناديك باسمك أبدا، وكأنك في نظره لست إنسانة كاملة ولست زوجة حقيقية بل تقومين بدور جارية تحت مسمى زوجة، وتلك العلاقة المبتورة الفاترة تنسحب على الأولاد فهو – كما ذكرت– لا يقوم بواجباته التربوية نحوهم ولا يشعر بهم، وقد يكون تفسير ذلك أنهم امتداد لك، وبما أنه لا يهتم بك وأنت الأصل فمن باب أولى لا يهتم بالفرع، أو يكون ذلك راجعا إلى طبيعته النرجسية الذاتية الأنانية، فمثل هذه الشخصيات لا تستطيع أن تحب أحدا حيث تتفرغ لحب نفسها فقط، ولا تستطيع أن تتحمل مسئولية أحد بل تطلب من الآخرين التفاني في خدمتها.
قد يكون كل ما سبق صحيحا وتكونين بذلك وقعت في فخ الزواج من شخص نرجسي يتطلب منك دور الخدمة لاحتياجاته دون مقابل أو بمقابل مادي فقط، ولا يستطيع أن يمنحك أي مشاعر أو حتى يمنح أولادك، ومهما فعلت من أجله فلن يتغير ولن يتحول إلى زوج ودود محب يحترمك كإنسانة ويقدر نعمة الذرية ويرعاها، وهكذا نكون أمام موقف صعب من الناحية الواقعية، ولا يصلح معه غير الصبر من ناحيتك وقبول هذا الزوج بعيبه، والتفرغ لتربية أبنائك فهم ثروتك في هذه الحياة.
ولكن هناك منظور آخر لهذه المشكلة قد يكون أكثر تفاؤلا وإيجابية ذلك المنظور يتضح من خلال الفارق التعليمي بينكما فهو أستاذ جامعي متفوق، وأنت لم تكملي تعليمك، وكما ذكرت فإنك مادون الثانوية، وربما يكون هذا مفتاحا مهما في فهم ما يجري، ويجعلنا نقرأ المشكلة بطريقة مختلفة؛ وهي أن زوجك يتطور علميا وثقافيا بحكم وظيفته ومركزه العلمي، بينما توقفت أنت وانحصر دورك في المطبخ والفراش، فأصبحت بالنسبة له مجرد أداة لتلبية احتياجاته الجسدية.
وهذا هو أحد مستويات العلاقة الزوجية (المستوى الجسدي)، ولكن يبقى المستوى العاطفي والمستوى العقلي والمستوى الروحي، ويبدو أن هذه المستويات الأعلى غير متحققة بينكما وبالتالي غير مشبعة، وقد يكون ذلك بسبب الفارق العلمي والثقافي أو بسبب طبيعة شخصية كل منكما بحيث لم تلتقيا إلا في المستوى الأدنى للعلاقة.
والشاب في بداية حياته يكون في حاجة لإشباع المستوى الجسدي فيندفع إلى الزواج تحت تأثير هذا الاحتياج، ولكن بعد فترة ينتبه إلى احتياجه للمستويات الأخرى في العلاقة، فإن لم يجدها أصابه الإحباط واعتراه الفتور في العلاقة الزوجية، وربما يفسر ذلك عدم مناداته لك باسمك وكأنه لا يراك امرأة مكتملة لها اسم ولها كيان، وإنما يراك أداة تمنحه إشباعات جزئية لبطنه وفرجه، ولا يجد ما يتحدث معك فيه .
وأنت تتعجبين: كيف أوفر له كل وسائل الراحة وهو لا يزداد نحوي إلا تجاهلا وفتورا وجحودا؟... نعم فالسيد لا يشكر جاريته غالبا لأنه يتوقع منها التفاني في خدمته، وللأسف فهذه هي العلاقة بينكما، علاقة سيد بجاريته أو بخادمته، وليست علاقة زوجية سويّة، ولن يجدي هنا مزيد من التفنن في المطبخ أو الفراش، ولكن قد يجدي الانتباه إلى ذلك الفارق التعليمي والثقافي الذي يزداد يوما بعد يوم بينكما دون أن تدري؛ لأنك لم تتحدثي عنه في رسالتك أبدا، وإنما تم التقاطه من بياناتك الشخصية في الرسالة.
وهذا المنظور الثاني للمشكلة قد لا ينفي المنظور الأول ولكن يكمله، ولكن إذا اعتمدناه كجزء مهم في المشكلة فيمكن أن نرى شيئا تفعلينه، إذ يتضمن ذلك الشيء تغييرا في نفسك، ونحن نقدر على تغيير أنفسنا أكثر مما نقدر على تغيير الآخرين، فمثلا تسلطين الضوء على هذه الفجوة المعرفية بينكما والتي قد تجعل زوجك لا يجد شيئا يتحدث فيه إليك، إذ إن مستواك التعليمي قد لا يرقى إلى مستوى بعض العمال في الجامعة التي يعمل فيها، ولست أدري شيئا عن مستواك الثقافي أو تجاربك الحياتية.
ولحسن الحظ أن هذه الأشياء مما يمكن تحسينه وتنميته، فكثير من الزوجات اللائي لم ينلن حظهن من التعليم استكملن تعليمهن في ظروف لاحقة، ووصلن إلى المراحل الجامعية بل والدراسات العليا، وهذا الاستكمال لتعليمك سيفيدك أنت شخصيا ويفيدك في تربية أبنائك ويجعلك أقرب إليهم خاصة حين يكبرون، وقد يقلل الفجوة بينك وبين زوجك فيحسن العلاقة بدرجة أو بأخرى، والأمر لا يقتصر فقط على الدرجة التعليمية ولكن يكتمل بالقراءة والثقافة وتوسيع مجالات الاهتمامات الحياتية والأنشطة الاجتماعية.
كما أنك في رحلتك لتنمية ذاتك وتوسيع دائرة حياتك ستكفين عن دور الخادمة المتعلقة طول الوقت بسيدها، وستشعرين بأنك تفعلين شيئا لذاتك أنت، شيئا تحبينه وتفخرين به، وبهذا يحدث توازن بين عطاءاتك لزوجك ولأبنائك ولنفسك، وستجدين بعد فترة أن شخصيتك تزداد ثراء وتألقا، وربما تكونين أكثر جاذبية لزوجك الذي زهد فيك حين لم ير فيك ما يبهره أو يثير مستويات اهتمامه، وحتى لو لم يتحقق هذا الهدف الأخير فستشعرين بتوازن في نظرتك للحياة، وتقل نقمتك على زوجك الذي أعطيته كل شيء وسخرت نفسك لخدمته ليل نهار وهو في المقابل أهملك ووضعك تحت قدميه أنت وأولادك، إذن فنحن الذين نضع أنفسنا حيث نحب ولا نترك للآخرين أن يضعونا، خاصة إذا ثبت لنا أن الآخرين يهتمون بأنفسهم فقط ولا يضعوننا في الاعتبار إلا بقدر ما نقدم لهم من خدمات، أو لا يضعوننا في الاعتبار أصلا.
نعود فنوجز المطلوب، وهو تنمية ذاتك على مستويات تعليمية وثقافية وحياتية متعددة، مع الاحتفاظ بالأمل في أن تتحسن رؤية الزوج لك في يوم من الأيام حين تتحسن رؤيتك لذاتك وتنتقلين من دور الخادمة مجهولة الاسم إلى دور الزوجة الإنسانة المكتملة المحترمة المرغوبة على المستويات الجسدية والعاطفية والعقلية والروحية، وأن تلتمسي العذر أو بعض العذر لزوجك حتى تنتصري في معركة التغيير لنفسك، ولتتأكدي أنك رابحة في كل الحالات إذا تغيرت سواء استعدت حب زوجك أو لم تستعيديه بالشكل الذي تتمنينه، والله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم .