السلام عليكم
تعرفت بشاب منذ عام ونصف تقريبا، وهو على معرفة بأخي، وسبب معرفتي به أنه يسكن في نفس المنطقة التي أسكن بها، وقد رآني ذات يوم مع أخي، وأراد أن يزورنا في بيتنا لنتعارف معا حتى يتقدم لي، وبالرغم من قربه من مسكننا فإني أول مرة أراه في هذه الزيارة.
وجاء لزيارتنا، لكني لم أكن مستعدة لهذه الزيارة، وذلك بسبب مرور نحو شهر على وفاة أبي، فلم أكن مستعدة نفسيا لها، ولكن بضغط من أمي وأخي ورغبتهما في الاطمئنان عليَّ بزواجي وافقت على زيارته لنا، وقد وجدته إنسانا ملتزما، وعلى خلق، وذا مهنة جيدة، وهو ما لم أجده في غيره من الذين تقدموا لي سابقا، حيث لم تتوافر الصفات التي أرغبها في زوجي في الأشخاص الذين تقدموا لي.
كما أني أحسست براحة غريبة لم أشعر بها قط عندما تقدم لي أحد من قبله، ولكن مع كل ذلك فإني صدمت برفضه للزواج منى؛ لأني أبدو صغيرة، مع العلم الفرق بيني وبينه 7 سنوات.
المشكلة في أنني أصبحت أقارن بينه وبين أي أحد يتقدم لي، وللأسف لا أجد وجها للمقارنة، وطوال هذه الفترة أصبحت أراه بصورة مستمرة في منطقتنا، كما علمت أنه يوجد نشاط تطوعي مشترك نقوم به، ولكن لا يوجد أي تعاون بيننا؛ نظرًا لاقتصار التعاون في هذا النشاط بين البنات أو البنين فقط، وبالتالي فلا يوجد تعامل بيننا بشكل مباشر.
وطوال هذه الفترة وأنا أتعلق به أكثر وأكثر دون أي معرفة سابقة بيننا، وفي أحد الأيام عرض عليه أحد الأفراد العارفين بي وبأسرتي بعرضي له على أن يتزوجني، وقد تحدث معه في الموضوع وحدثني هذا الشخص في الموضوع أيضا دون استئذانه في محادثتي، ولكن صُدمت للمرة الثانية بعلمي أنه لا يفكر في.
وبالرغم من هذا فإني ما زلت أفكر فيه ولا أدري ماذا أفعل. وقد علمت أخيرًا من أحد الأشخاص المقربين لي وله أنه يرغب في الزواج بفتاة متدينة، ولكنه يود أن تكون مرحة، وعجبت لهذا التفكير بأنه يُفكر في الزواج من متدينة، وبالرغم من ذلك فكيف تظهر أمام شخص تراه لأول مرة بمرح وتكون منفتحة.
إني أشعر بالاضطراب؛ فلا أعرف هل هو متدين فعلا أم لا، ولا أعرف كيف أصحو من الوهم الذي أعيش فيه، وأوقف التفكير في هذا الشخص حتى أستطيع استكمال حياتي بصورة عادية.
انصحوني ماذا أفعل؟ وكيف أوقف التفكير فيه؟ أو كيف أجذبه لي، مع العلم أنه لا يمكن أن أجعل بيني وبينه أي وسيط ممن يعرفونني ويعرفونه؛ لأن خجلي يمنعني من التحدث في هذا الموضوع مع أحد؟.
إني أقوم بصلاة استخارة وحاجة دائما ليوضح لي الله الخير ويقربه مني، وطوال العام والنصف فإنني أشعر بانجذاب نحوه بصورة غير عادية وأتساءل كيف يحدث ذلك، وأنا لا أعرفه ولم أحدثه سوى مرة واحدة فقط؟. مع العلم أنه والحمد لله يتقدم لي شباب آخرون، أي إنني على قدرة على الانشغال العاطفي بغيره، ولكن لا أعلم كيف أتصرف فإني أريده زوجا لي لوجود العديد من المزايا التي أتمناها لشريك حياتي فيه، ولكن أعلم صعوبة تحقيق هذا الأمل.
كما أنني لم أستطع التأقلم مع أي أحد ممن يتقدمون لي،
فماذا أفعل؟
27/1/2022
رد المستشار
قد نقابل أحدا في حياتنا لأول مرة فنتعلق به تعلقا شديدا، وقد نفهم بعض دوافع هذا التعلق وقد لا نفهمه، ولكننا نجد أنفسنا نزداد تعلقا به يوما بعد يوم على الرغم من أن معرفتنا به تكون قليلة أو غير كافية لتفسير هذا التعلق الجارف.
وهذا النوع من الحب -على الرغم من روعته وشدته- فإنه ليس حبا حقيقيا، ولكنه أقرب إلى الافتتان الذي تصنعه احتياجاتنا وخيالاتنا؛ فالصورة التي أحببتها وتعلقت بها كل هذا التعلق ربما لا تكون هي حقيقة هذا الشاب؛ لأن خيالك صنعها وأضاف إليها الكثير طبقا لاحتياجاتك النفسية؛ فهو قد جاءك بعد وفاة والدك، حيث تعانين فراغا نفسيا في هذه الظروف، ولديك احتياج للنموذج الأبوي في الرجل، وهذا الشاب يكبرك بسبع سنوات، وهو متدين (أو على الأقل يبدو متدينا) ويشارك في أعمال تطوعية، كل هذا يجعله نموذجا ذكوريا أبويا تتوقين للاحتماء به ليعوضك حنان الأب؛ لذلك أسقطت عليه كل احتياجاتك وتخيلاتك لشريك الحياة ولكنك صدمت برفضه لك.
وفي الحب الحقيقي يتوافق احتياج الطرفين بحيث يكون لدى كل طرف أشياء يحتاجها الطرف الآخر، وبهذا تلتقي الاحتياجات ويحدث التلاقي، أما في الافتتان فلا يوجد هذا التوافق في الاحتياجات؛ لأننا لا نحب الطرف الآخر ذاته وإنما نحب الصورة التي صنعناها له طبقا لاحتياجاتنا وتخيلاتنا، وبما أن الطرف الآخر ليس متأثرا بهذه الاحتياجات وهذه التخيلات، بل هو يعيش حقيقته كما هي؛ لذلك لا يشعر بهذه المشاعر ولا يتجاوب معها لأنها ليست في الحقيقة لذاته وإنما هي لصورة متخيلة كان هو مجرد مرآة عكست هذه الصورة.
والحب من أول نظرة (أو من أول مرة) غالبا ما يفتقر إلى دعائم الحب الحقيقي، إلا إذا خضع لاختبارات الواقع، وتأكد مع التعامل الحقيقي في مواقف حياتية متعددة؛ لأن هذا الحب يكون متأثرا بصورة ذهنية مختزنة في داخلنا لأشخاص أحببناهم في فترات مبكرة من حياتنا؛ فإذا حدث وقابلنا أحدا يحمل بعض سمات هؤلاء الأحباب فإن شيئا مبهما يتحرك بداخلنا، ويدفعنا إلى التعلق بهذا الشخص، وقد يكون هذا الشخص موافقا للصورة المختزنة بداخلنا أو لا يكون؛ ففي بعض الأحيان يكون التشابه ظاهريا أو سطحيا فقط، فإذا بدأ التعامل الحقيقي معه اكتشفنا أنه ليس النموذج الذي أحببناه وإنما هو دوبلير له.
وقد نتعلق بشخص من أول مرة لأن فيه صفة نعلي من قيمتها، وهذا ما حدث معك، فيبدو أنك تعلين من قيمة التدين؛ لذلك تعلقت بهذا الشاب الذي يبدو متدينا، وقد يكون هذا صحيحا وقد يكون غير ذلك، فأنت لم تتعاملي معه بشكل يؤكد لك ما ذهبت إليه، بل على العكس سمعت عنه ما يشكك في عمق تدينه وأصالته؛ فهو يريد الفتاة التي يتزوجها تبادره بمرحها من أول لحظة، وهذا يبدو صعبا مع غالبية الفتيات المتدينات، حيث يمنعها حياؤها من التعبير الصريح عن مرحها مع شخص غريب عليها تلقاه لأول مرة.
لذلك أود أن أنبهك أن من أحببته ليس بالضرورة هو الشخص الذي جاء لخطبتك في ظروف خاصة ثم رفضك لصغر سنك؛ فربما (بل في الأغلب) لو قدر لك أن تتعاملي معه عن قرب لرأيت شخصا آخر غير الذي صنعه خيالك واحتياجك طوال هذه المدة، والأخطر من ذلك أن هذه الصورة التي صنعتها له وتعلقت بها تعوقك الآن عن رؤية من يتقدمون إليك على الرغم من أن بعضهم على الأقل ربما يكون جديرا بك وأنت جديرة به، ولكن هذه الصورة التخيلية التي افتتنت بها تحول بينك وبينه، وتقف عائقا أمام زواجك؛ لهذا أرجو أن يكون في هذا الرد وسيلة مساعدة لك لتفيقي من هذا الافتتان، وتواجهي الحياة بحقيقتها وتفتحي عينك وقلبك لاستقبال زوج المستقبل الحقيقي وليس المتخيل.
أعرف أن هذا الأمر صعب عليك الآن، وأنك تحتاجين وقتا للإفاقة من هذا الافتتان اللذيذ، ولكني أذكرك بأنه قد مرت سنة ونصف السنة وهو لم يفكر في التقدم لخطبتك ورفضك مرتين، مرة حين جاء لزيارتكم بعد وفاة الوالد، ومرة أخرى حين اقترح عليه أحد الأفراد الزواج منك ورفض، وهو يفكر في الزواج من فتاة مرحة على حد قوله، كل هذا يؤكد لك أنه لا يوجد توافق بين احتياجاتك واحتياجاته، وهو غير مستعد لأن يتزوجك لمجرد افتتانك به أو احتياجك له.
لقد فعلت كل ما يمكن أن تفعله فتاة ملتزمة تحترم نفسها وتعتز بكرامتها؛ فلا أرى أنه مطلوب منك أن تفعلي معه أكثر من ذلك، بل حاولي -قدر إمكانك- أن تعيشي حياتك بشكل واقعي وتفكري فيمن يتقدمون لخطبتك بموضوعية بعيدا عن هذه الصورة الوهمية التي تحول دائما بينك وبينهم، وأنت قد دعوت الله لأن يوفقك لما فيه الخير، وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون.