التعلق
السلام عليكم، أولا وقبل كل شيء أنا من محبي موقعكم المحترم لأنه ساعدني كثيرا من خلال الاستشارات. مشلكتي هي أننا الآن بصدد الانتقال من المنزل الذي كبرت فيه ومررت فيه بجميع مراحل حياتي أربع وعشرين سنة والآن سأغادره وهذا يسبب لي الضيق والاكتئاب وأشعر بأحاسيس سلبية.
للإشارة فقط أنا من الناس شديدين التعلق بأي شيء
(أشخاص، أشياء، أماكن … ) شكرا.
3/2/2022
رد المستشار
شكراً على مراسلتك الموقع.
استشارتك تشير إلى شدة تعلقك بالأشياء وبالتالي تفسر خوفك من مغادرة البيت الذي ترعرعت فيه. هذا هو الإطار العام للاستشارة ولكن لا بد من توضيح بعض ما ورد فيها.
من زاوية نفسانية بحتة لا يمكن القول بأن شدة التعلق مشكلتك. التعلق كمفهوم نفساني غير استعماله كمفهوم عامي.
يمكن أن نعرف مفهوم التعلق بأنه قابلية الإنسان على إدراك أن تفكيره وتفكير الآخرين تمثيلي Representational في طبيعته، وأن سلوكه وسلوك الآخرين مدفوع بحالة داخلية مثل الأفكار والمشاعر. تفهم الأم وتستوعب وتستجيب لاحتياجات الطفل ويتم ذلك عن طريق ضبط الحالة العقلية والنفسية للطفل في داخلها. من جراء ذلك يشعر الطفل بأنه أصبح جزءًا لا يتجزأ من الحالة النفسية والعقلية للأم. بعدها يقوم الطفل بدوره باستيعاب الأم في داخله.
على ضوء ذلك هناك تمثيل للأم في عقل الطفل ناتج عن تمثيل الطفل في بداية الأمر في داخل الأم. متى ما تم الأمر بصورة صحية أصبح الطفل قادراً كذلك على استعمال التعقل في التعامل مع الآخرين وإن السلوك ما هو إلا نتيجة لأفكار ومشاعر في داخله. بعبارة أخرى لو قبلنا بوجهة نظرك بأن تعلقك هو السبب فذلك يعني بأن تعلقك بالبيت والوالدين تعلق غير آمن أدى إلى ترددك بمغادرة البيت وفراق الأهل. هذا الرأي غير صحيح والتعلق لا يفسر أزمتك٬ ولذلك يمكن القول بعدم وجود دليل يستحق الذكر يفسر وجود مشكلة بتعلقك بمن حولك.
الزاوية الثانية التي يمكن مناقشة استشارتك فيها هي الأزمات الوجودية التي تداهم الإنسان في مراحل مختلفة من حياته وبالذات عند فراقه المقربين والبيت ومكان عمل. هناك بعدان لهذه الأزمات الأول هو بعد الفراق – العزلة وبعد الحرية – المسؤولية. هذه الأزمات تواجه الإنسان ويشعر بالخوف من العزلة مع فراقه الأهل والبيت والمدرسة. في نفس الوقت هنا الخوف من الحرية المطلقة خارج المكان الذي يشعر فيه بالأمان. هذه الأزمات الوجودية هي التي تدفع الإنسان صوب الشعور بالخوف.
وأخيراً هناك زاوية ثالثة مبسطة وهو تردد الإنسان وخوفه الانتقال من موقع إلى آخر في الحياة. هذا التردد والخوف أمر لا مفر منه وعلى الإنسان أن يدرك بأن لا مفر من الانتقال إلى موقع جديد.
توكل على الله وفارق البيت وانتقل إلى موقع جديد في الحياة تواجه فيه تحديات جديدة.